الأربعاء، 31 أغسطس 2011

كيف مات بيتهوفن؟



التلوث بعنصر الرصاص السام من المشكلات القديمة والتي مازلنا نعاني منها حتى الآن. ولكن الفرق هو فقط في مصدر الرصاص في بيئتنا. فالمصادر القديمة التي كانت موجودة ربما قد ندرت إلى حدٍ كبير، فظهرت بدلاً منها مصادر جديدة.

وقد كان الملحن الأسطوري الألماني المعروف بيتهوفن(Beethoven) هو من الضحايا الذي سقطوا قديماً بسبب التسمم بالرصاص.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي جاء بهذا الموضوع الآن، بالرغم من أن بيتهوفن مات في القرن التاسع عشر، وبالتحديد عام 1827، بعد أن فقد سمعه وأصيب بمرضٍ مزمنٍ عانى منه لفترة طويلة من الزمن؟

إن العلم الحديث، والتقانات الجديدة هي التي كشفت عن سِرِّ موت بيتهوفن. فقد قام الباحثون في مختبر أرجونا الوطني للطاقة(Energy’s Argonna National Laboratory) التابع لوزارة الطاقة الأمريكية في مدينة شيكاغو بولاية إلينوي(Illinois)، باستخدام أحدث جهاز للأشعة السينية(أشعة اكس) لفحص عيناتٍ من شعر وجمجمة الموسيقار. وقد أكدت نتائج هذه العينات أنها تحتوي على نسبٍ مرتفعة جداً من الرصاص الشديد السُمية.

وهناك العديد من الروايات حول مصدر التلوث بالرصاص، من أقواها هي أن بيتهوفن كان مدمناً على شرب الخمر من الكأس المصنوع من الرصاص، حيث كانت الكؤوس، والعديد من الأدوات المستخدمة في ذلك الوقت مصنوعة من الرصاص، أو من معادن أخرى تحتوي على الرصاص.

ومع مرور هذه العقود الطويلة من الزمن، فإن الإنسان يعود به التاريخ من جديد، فالتلوث بالرصاص يعتبر من المشكلات البيئية الكبيرة، وإن اختلفت المصادر عن قبل. فالآن من أهم المصادر هي الرصاص الموجود في جازولين السيارات، والرصاص الموجود في بعض الدهان، إضافة إلى الرصاص الموجود في أنابيب الرصاص، والكحل، وبعض الأدوية الشعبية المستخدمة في بعض الدول.

وبالرغم من ذلك، فإنني أظن بأن هذه المصادر التي يتعرض لها الإنسان بشكلٍ مباشر في طريقها إلى الزوال والانقراض.       


الأحد، 28 أغسطس 2011

التَانِـيـنج يُسبب الإدمان



كُنتُ دائماً أسأل نفسي: لماذا يدخن الإنسان إذا كان يعلم علم اليقين بأن التدخين متمثلاً في أكثر من 4000 مادة كيميائية سامة تنبعث من السجائر، منها 50 مادة مسرطنة وتسبب 15 نوعاً من السرطان للإنسان؟

والآن أسأل السؤال نفسه: لماذا يُعرِّض الإنسان نفسه طواعية للأشعة فوق البنفسجية (ultraviolet light) عند القيام بعملية تحويل لون الجلد إلى اللون البرونزي والذهبي، والتي تُعرف بالتانـيـنج(tanning)، وذلك بالرغم من إجماع الدراسات الطبية حول الأضرار الصحية التي تنجم عن التعرض لهذه الأشعة، وبخاصة الإصابة بنوعٍ خطرٍ من أنواع سرطان الجلد يُعرف بالملانوما(melanoma

وفي الحقيقة هناك العديد من الأسباب التي تجعل الإنسان يختار مثل هذه العادات والسلوكيات التي تهدد أمنه الصحي، وهي تختلف في حالة التدخين عن حالة القيام بعملية التانينج، ولكن العامل المشترك في هاتين الحالتين والذي يُسهم إلى حدٍ ما في ممارسة الإنسان والقيام بمثل هذه الأعمال الضارة هو الإدمان.

أما بالنسبة للتدخين، فقد أكدت الدراسات العلمية منذ عقود من الزمن أن مركب النيكوتين الموجود في التبغ يؤدي إلى الإصابة بمرض الإدمان، ولذلك يجد بعض المدخنين صعوبة في الإقلاع عن التدخين.

واليوم اكتشفت الأبحاث العلمية أن الاستلقاء على أسرة التانينج والتعرض للأشعة البنفسجية يؤدي مع الوقت إلى الإدمان على هذا السلوك وزيادة في رغبة الإنسان إلى القيام به.

وآخر هذه الدراسات العلمية الميدانية مـا تـم نشره في أبـريل من العــام الـجـاري في مجلة الإدمان الحيوي(journal Addiction Biology) حول تأثير الأشعة فوق البنفسجية أثناء عملية التانينج على نشاط خلايا المخ، وبالتحديد المنطقة من المخ التي لها علاقة بالإصابة بالإدمان.      

فقد أجريت الدراسة في صالونات التانينج على الأفراد أثناء استلقائهم على أسرة التانينج وعند التعرض للأشعة فوق البنفسجية، حيث ولجت الدراسة في أعماق مناطق المخ، وبخاصة المنطقة من المخ التي لها علاقة بالإدمان، وقامت بقياس التغيرات التي تطرأ عليها أثناء التعرض للأشعة.

وكانت النتيجة أن نوعية التغيرات التي تحدث في هذه المنطقة هي نفس التغيرات التي تحدث عند تناول الإنسان للمخدرات، فالإنسان عندما يتعاطى المخدرات تُنشط أجزاء محددة من المخ وعند التعرض للأشعة فوق البنفسجية فإن الأجزاء نفسها هي التي تنشط أيضاً، وهي الأجزاء المعروف بعلاقتها بالإدمان، ولذلك استنتجت الدراسة أن عملية التانينج تؤدي إلى الإصابة بالإدمان وقيام الإنسان بها مع علمه بمخاطرها على صحته.

وبالرغم من هذا الاستنتاج العلمي، إلا أنني لا أُعذر من يقومون بها لأسباب جمالية بحتة ولفترة قصيرة من الزمن، فالإحصاءات حول أضرارها مخيفة جداً ويجب أن يتوقف عندها كل من يعتزم القيام بعملية التانينج، وقبل أن يخطو خطوة واحدة للدخول في هذه الصالونات التي تقوم بها.

فقد أكدت إحصاءات جمعية السرطان الأمريكية(American Cancer Society) لعام 2011 أن نسبة الإصابة بسرطان الجلد أو الملانوما قد ارتفعت منذ عام 1992 أكثر من 3% في السنة، كما أن احتمال الإصابة بالسرطان لمن يقومون بالتانينج يصل نسبة مرتفعة جداً هي 74% . كما أكد المكتب الوطني للإحصاء في بريطانيا أن أعداد المصابين بالسرطان في انجلترا قد ارتفع بنسبة 20% خلال العقد الماضي، وأكثر الزيادات كانت لسرطان الجلد حيث بلغت الضعف، وتعزى ذلك إلى عملية التانينج.

واستناداً إلى هذه الإحصاءات أكدت الأكاديمية الأمريكية للأطفال في إعلان لها في 2 مارس 2011 على ضرورة منع الأطفال والمراهقين الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً من استخدام التانينج، كما أن جهات صحية أخرى دعمت هذا التوجه، منها منظمة الصحة العالمية، وجمعية الأطباء الأمريكيين، والأكاديمية الأمريكية لأمراض الجلد. وعلاوة على هذا، قامت إدارة الغذاء والأدوية بالولايات المتحدة الأمريكية ومنظمة الصحة العالمية والوكالة الدولية لأبحاث السرطان في يوليو 2010 بإعادة تصنيف عملية التانينج إلى “مسرطن للإنسان” بدلاً من “محتمل الإصابة بالسرطان”، ووضعت أسرة التانينج ضمن قائمة المواد المسرطنة، مثل دخان السجائر والبنزين وغيرهما.

والآن، وبعد التأكد من المخاطر الصحية التي تنجم عن صالونات التانينج، ما هو موقف الجهات الرسمية المعنية في البحرين من هذه العملية؟

الجمعة، 26 أغسطس 2011

حـيـوانات واشـنـطـن ترصـد الزلزال



نَشرتْ صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية مقالاً في 25 أغسطس تحت عنوان "لغز حديقة الحيوان: كيف عرفت القردة والطيور بأن الزلزال قادم؟"، وهذا المقال عبارة عن مقابلة صحفية لمجموعة من العاملين في حديقة الحيوان الوطنية في العاصمة الأمريكية واشنطن.

فقد لاحظ هؤلاء العاملون قبيل الزلزال التاريخي الذي ضرب الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية يوم الثلاثاء الموافق 23 أغسطس بقوة قدرها 5.8 درجة على مقياس رختر للزلازل(Richter scale)، أن معظم الحيوانات من القردة، والفيلة، والغوريلا، والثعابين، والنمور، والطيور يقومون بحركات غريبة لم يشاهدوها من قبل قط، ويطلقون أصواتاً مزعجة غريبة، فقد تغيرت سلوكياتهم وتصرفاتهم فجأة واحدة ودون سابق إنذار، وبعد هذه المشاهدات الغريبة بعدة ثوان وقع هذا الزلزال.   

وهذه الملاحظات الغريبة التي ظهرت على الحيوانات قبيل الزلزال تؤكد أن الله سبحانه وتعالى قد وهب لهذه الحيوانات حواساً خارقة غريبة تتميز عن الناس وتختلف عنه من حيث سماع أصواتٍ لا يستطيع الإنسان سماعها، أو رصد حركات أرضية لا يتمكن الإنسان من اكتشافها، أو رؤية أشياء لا تقدر حواس وقدرات الإنسان مشاهدتها، أو تحسس أمواج كهرومغناطيسية لا تستطيع قدرات الإنسان أن تكتشفها، أو حتى اكتشاف أورام في جسم الإنسان لا تستطيع الأجهزة الحديثة اكتشافها في مراحلها المبكرة جداً.

وقد أكد من لا ينطق عن الهوى وإنما هو وحي يوحي، رسولنا العظيم عليه أفضل الصلاة والتسليم في أحاديث عدة عن هذه الظاهرة والأحاسيس والمواهب غير العادية التي تتميز بها الحيوانات والبهائم.

ومن هذه الأحاديث ما ورد في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها حين قالت: "دخلَتْ عليَّ عجوزان من عُجُز يهود المدينة، فقالتا لي: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم! فكذّبتهما ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا، ودخل عليّ النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقلت: يا رسول الله، إن عجوزين....، وذَكرتْ له الخبر، فقال: صَدَقَتَا، إنهم يعذّبون عذابًا تسمعه البهائم كلها، فما رأيته بعدُ في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر".

وفي حديث آخر، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم أصوات الديكة فَسَلُوا الله من فضله فإنها رأت مَلَكًا، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوّذوا بالله من الشيطان، فإنها رأت شيطانًا".

ونتيجة لذلك فقد زادت أبحاث العلماء في السنوات الأخيرة لسبر غور هذه الظاهرة الفذة والاستفادة من الحيوانات والحشرات والطيور في مجالات متعددة يعجز الإنسان وتعجز أجهزته العلمية عن اكتشافها والتعرف عليها.


الأربعاء، 24 أغسطس 2011

الـقُـدْرة الاستـيـعابـية للبحرين



شارعٌ قصير في منطقة عالي، وبالتحديد شارع 36 حيث مكان سكني الحالي، يتأخر هذا الشارع انجازه أكثر من سنة واحدة.

والسبب في هذا التأخير ليس تقصيراً في العمل من أية جهة حكومية، أو نقصاً في الموارد المالية، وإنما كان السبب الرئيس في ذلك هو أن إعادة صيانة وتأهيل الشارع القديم ووضع كافة الخدمات فيه كان بحاجة إلى توسعة في المساحة وزيادة في عرض الشارع، وهذا ما نجم عنه دخول الشارع في الأراضي الخاصة للمواطنين، وبالتالي تأخير انجاز العمل من أجل تسوية الموضوع مع ملاك الأراضي.

وليس هذا هو المثال الوحيد الذي أستطيع أن أقدمه لبيان قضية مستقبلية مهمة جداً سنواجهها حتماً، وهي قضية قدرة البحرين بمساحتها الصغيرة ومواردها المحدودة على مواكبة واستيعاب العمليات التنموية المتعاظمة، فهناك أمثلة أخرى كثيرة منها توسعة وإصلاح وتأهيل دوار جدحفص، أو المعروف بدوار بيرجر لاند، فالمشكلة هنا كانت أيضاً أن عملية توسعة الشارع أدت إلى الدخول في الأملاك الخاصة بالمواطنين.

فهذه القضية المعقدة يجب أن نقف أمامها ونفكر فيها ملياً ونخطط من الآن للتعامل معها بشكلٍ مستدام، فالبرامج التنموية المتزايدة التي تشهدها البلاد منذ عقود في المجال الصناعي والعمراني والسياحي لكي نضمن لها الاستمرار ونضمن أن تُؤتي أُكلها وتُقطف ثمارها، فإنها بحاجة إلى أن تكون الخدمات الأساسية، مثل بناء شوارع جديدة وصيانة الشوارع القديمة، وتوصيل خطوط الكهرباء والماء، ومعالجة مياه المجاري والمخلفات الصلبة... أن تكون كلها مواكبة لهذا النمو وملاحقة لهذا التطور، إضافة إلى أن تكون البنية التحتية، وعلى رأسها في الأولوية تشييد الشوارع، متلازمة مع كل عملية تنموية وزيادة في أعداد المركبات.

فإذا كُنا حالياً نعاني من مشكلةٍ في بناء الشوارع أو توسعتها وصيانتها بسبب قلة المساحة المتوافرة لذلك، فكيف سيكون الحال بعد سنواتٍ قليلة؟

وكيف سنتمكن من توفير الخدمات الأخرى التي لا تقوم أية عملية تنموية بدونها؟

فالمطلوب هو التوازن الدقيق بين طاقة وقدرة واستيعاب جزيرتنا من حيث صغر مساحتها، وشُح مواردها وثرواتها الطبيعية وارتفاع عدد سكانها من جهة، والعمليات التنموية في جميع القطاعات من جهة أخرى واحتياجات هذه التنمية من كهرباء، وطاقة، وماء، وغذاء، وشوارع واسعة، وخدمات معالجة مياه المجاري ومياه المصانع والمخلفات البلدية والصناعية الصلبة، وتوفير بيئة صحية ونظيفة.

فلكل شيءٍ طاقة استيعاب وتَحمل، يصل فيه مع الزمن إلى درجة التشبع، وإذا زاد عن هذه الدرجة فإن النمو الايجابي بعد ذلك سيتحول إلى نموٍ سلبي له مردودات كثيرة تنعكس على الإنسان ومجتمعه، وسيصبح عندئذٍ الضرر أكبر من النفع.