السبت، 31 ديسمبر 2011

مخلفات الحروب تظهر ولو بعد حين

مازلت أتذكر عندما زرت الكويت بعد حرب الخليج منظر الآلاف من القطع العسكرية المتكدسة والمتراصة مع بعض في البر وفي مواقع أخرى على مد البصر، من دبابات، ومدرعات، وطائرات، وبقايا الصواريخ المحطمة، وكل هذه الآليات الحربية تحول الكثير منها إلى مخلفات يجب التعامل معها وإدارتها بطريقة سليمة.


ومن جانب آخر، هناك المخلفات المتفجرة غير المرئية التي تفرزها الحروب وقد تبقى تحت الأرض أو في أعماق البحار عقوداً من الزمن في مكانها، فتكشفها الصدف ويذهب ضحيتها مئات من البشر، سواء أكانت على هيئة ألغامٍ أرضية، أو قنابل لم تنفجر في البر أو البحر، أو صواريخ تحمل رؤوس مشعة، وهذه هي المخلفات التي تحتاج إلى اهتمامٍ مباشر ومتابعة مستمرة وإدارة سليمة، وخاصة أن منطقتنا الخليجية شهدت العديد من الحروب خلال الثلاثين عاماً الماضية، وهناك مخلفات في البر وفي مياه الخليج تحتاج إلى حصرٍ دقيق للتعرف على نوعيتها وأحجامها ووضع خطة مستقبلية لإدارتها.

وقد وقعت حوادث مؤخراً على المستوى الدولي تؤكد أن بعض مخلفات الحروب تبقى في بيئتنا سنوات طويلة دون أن نعلم عنها، منها ما كانت جاثمة منذ الحرب العالمية الأولى والثانية، أي قبل أكثر من ثمانين عاماً.

ففي نوفمبر من العام المنصرم توقف قلب مدينة كوبلنز(Koblenz) من النبض، فتم إخلاء نصف سكانها، أي ما يقارب من 45 ألف مواطن، وتم تجنيد 900 فرد وتوفير 350 سيارة، وصاحت وسائل الإعلام تحذر المواطنين من الخروج من منازلهم. فقد تم اكتشاف، وبالصدفة، أحد مخلفات الحرب العالمية الثانية، وهو عبارة عن قنبلة ضخمة تزن قرابة طنين ويصل طولها إلى أكثر من ثلاثة أمتار، حيث إن منسوب المياه في نهر الراين انخفض في ذلك اليوم إلى مستويات غير مسبوقة فانكشف على سطح الماء هذا الجسم الحديدي المتهالك والخطير الذي يهدد حياة الناس في تلك المدينة وكان متخفياً هناك أكثر من ستين عاماً، ولولا انخفاض مستوى الماء لبقي عقوداً أخرى من الزمن.

وفي بريطانيا تم اكتشاف مناطق شاطئية مشعة بعنصر الراديوم على خليج دلجتي(Dalgety Bay) باسكتلندا في نوفمبر 2011 والتي كانت قاعدة عسكرية جوية خلال الحرب العالمية. وحسب تقارير وزارة الدفاع البريطانية، فهناك زهاء 15 موقعاً ملوثاً بهذا العنصر المشع الذي سيبقى مشعاً أكثر من ألف عام، أي أن هذه المناطق إذا لم يتم تنظيفها وإزالة الراديوم منها، فستظل تؤثر على صحة الناس طوال هذه السنوات، والجدير بالذكر أن وزارة الدفاع وبسبب التقشف في بنود الميزانية قد أسقطت برامج تنظيف هذه المواقع من ميزانيتها!

ولذلك من أجل أن نتجنب فقدان أرواح بريئة ونحافظ على أمن عناصر ومكونات بيئتنا في البر وفي البحر، علينا إجراء دراسات شاملة ومعمقة تشترك فيها كل الدول الخليجية المعنية، ويكون هدفها حصر جميع أنواع مخلفات الحروب المؤسفة التي وقعت في منطقة الخليج، وبالتحديد التعرف على مواقع وجودها، ونوعيتها، وخطورتها على الإنسان وبيئته، ثم تحديد الطرق الناجعة والآمنة للتخلص منها.

فهذه المخلفات الخطرة تعيش ظهرانينا وستكشفها الصدف عاجلاً أم آجلاً.

الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

العالم يرجع للوراء عشرين عاماً


في الكلمة الختامية التي ألقتها وزيرة خارجية دولة جنوب أفريقية رئيسة الاجتماع السابع عشر للتغير المناخي الذي عقد في ديربن بجنوب أفريقيا في ديسمبر عام 2011، قالت للمجتمعين:نحن صنعنا التاريخ، وقام الجميع مصفقاً ومهللاً لها على كلمتها ونجاح أعمال الاجتماع.

وفي الحقيقة بعد أن اطلعت على نتائج الاجتماع لم أجد فيها ما يشير إلى أنه قد صنع تاريخاً، أو أنه قد نجح في تحقيق أي انجازٍ عملي وملموس لحماية الأرض من ارتفاع درجة حرارتها المستمرة، سوى أنه قد دخل التاريخ من بابه الخلفي حيث أكد بأن العالم قد رجع إلى الوراء عشرين عاماً، أي إلى عام 1992 عندما عُقدت قمة ري ودي جانيرو وتمخض عنها الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي، والتي فتحت الباب أمام دول العالم للتفاوض حول كيفية مواجهة التغير المناخي والدعوة لاتفاقية تشترك فيها دول العالم لخفض نسبة الملوثات التي تساهم في ارتفاع درجة حرارة الأرض. 

فاجتماع التغير المناخي في ديربن وافق فقط على أن تبدأ جميع الدول دون استثناء في مفاوضات حول اتفاقية جديدة ملزمة قانونياً، بحيث تبدأ هذه المفاوضات الدولية عام 2012، وتنتهي بعد أربع سنوات، أي في عام 2015، ثم إذا ما وافقت معظم الدول على الاتفاقية الجديدة، فسيبدأ التصديق عليها في عام 2020، أي بعد تسع سنوات من اليوم، فهل هذا يُعد انجازاً حقيقياً، ونصراً تاريخياً يُحتفل به؟

وعلاوة على ذلك، ما أن انتهى الاجتماع وكبَّر المجتمعون على انجازهم التاريخي وتعانقوا فرحين بتحقيق النصر المؤزر، وبالتحديد بعد سويعات قليلة، وجهت كندا صفعة قوية مدوية للمجتمعين لم تجعل فرحتهم هذه تتم وتكتمل، وذلك عندما أعلن وزير البيئة الكندي انسحاب بلاده من بروتوكول كيوتو، وبالتالي تكون أول دولة تُعلن خروجها الرسمي من بوابة كيوتو، أي إنها لن تلتزم بخفض انبعاثاتها من الملوثات.

وفي الحقيقة أن ابتهاج الدول، وبخاصة الدول الكبرى المسئولة عن التغير المناخي، ينبع من أن الاجتماع خرج بصيغة توافقية عامة لا تُزعج أية دولة، فهي صيغة هلامية وفضفاضة ومرنة تَحمل في طياتها أكثر من تفسيرٍ واحد فتُرضي كافة الأطراف المعنية، وتهدف في تقديري إلى حفظ ماء وجه المجتمعين والحكومات أمام الشعوب ومنظمات المجتمع المدني في أنهم قد خرجوا بقرارات محددة، وأن سفرهم آلاف الكيلومترات والأموال التي صرفوها لم تذهب هباءً منثورا.

فهذا الاجتماع في نهاية المطاف أجَّل أي حلٍ جذري دولي لمواجهة قضية التغير المناخي إلى عام 2020، وأعطى الدول فترة طويلة من الراحة التامة، ومهلةْ تسع سنوات لترتيب شؤونها الداخلية المتعلقة بالتغير المناخي، وهذه الشؤون الداخلية قد تتغير حسب الحزب الحاكم في الدول، وحسب توجهات وقناعات هذا الحزب بأهمية التغير المناخي وضرورة التزام حكومته بأية اتفاقية مستقبلية.

ولذلك كما حدث لبروتوكول كيوتو للتغير المناخي الذي ألزم الدول الصناعية الكبرى إلى الحد من انبعاث الملوثات المتهمة برفع درجة حرارة الأرض، قد يحدث لأية اتفاقية جماعية ملزمة قانونية تتم الموافقة عليها في السنوات القادمة. فعلى سبيل المثال، وافقت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون على بروتوكول كيوتو، ثم بعد سيطرة الجمهوريين على البيت الأبيض بزعامة جورج بوش، انسحبت أمريكا عام 2001 من هذا البروتوكول الذي وقعت عليه لعدم قناعة بوش وحزبه في دور الإنسان في إحداث التغير المناخي. وهذا السيناريو قد يحصل في القريب العاجل، إذ أن حكومة أوباما في اجتماع ديربن وافقت على الدخول في المفاوضات الدولية حول التغير المناخي، ولكن إذا فاز الجمهوريون في انتخابات عام 2012 أو 2016 فحتماً سيكون لهم رأي آخر في هذه المفاوضات. وهذه الحالة الأمريكية تكررت في استراليا وكندا وروسيا بعد تغير الأحزاب الحاكمة فيها.

وانطلاقاً مما سبق فإننا أرى بأن المجتمع الدولي بدأ يحوم في دائرة مغلقة، وأَدخَل قضية التغير المناخي مرة ثانية في نفقٍ مظلمٍ طويل لا يمكن مشاهدة نهايته من الآن، ولا يعرف أحد كيفية الخروج منه، وكما أنني كتبت في 24 نوفمبر مقالاً أُعلن فيه فشل اجتماع ديربن قبل شهر من بدئه، فإنني غير مطمئن من أية نتيجة ايجابية قد تتمخض من مفاوضات دول العالم المزمعة حول التغير المناخي، إلا في حالتين. الأولى تحسن الأوضاع الاقتصادية وازدهارها على مستوى الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا، والحالة الثانية وصول الديمقراطيين في الانتخابات الأمريكية مرة ثانية إلى البيت الأبيض والكونجرس.

السبت، 24 ديسمبر 2011

تطويرٌ أم تدمير؟


قبل أيام وقع عطل في أحد سخانات المياه في الحمام في منزلي، فقمت بالاتصال بأحد المقاولين المختصين بتصليح هذه السخانات، وبالفعل جاء عمال المقاول إلى منزلي وقاموا بعمل الإصلاحات اللازمة من خلال استبدال السخان القديم بآخر جديد، وأدوا مهمتهم على أحسن وجه بما يتعلق بإصلاح الخلل الموجود في السخان.

ولكن في المقابل قاموا بتخريب وإتلاف عدة أشياء في الحمام بعد الانتهاء من مهمتهم التي جاؤوا من أجلها، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية. أما النقطة الأولى فقد أغرقوا الحمام بالماء الذي نزل كالسيل العرم من السخان الذي كان مملوءاً بالماء. ثانيا تركوا بُقعاً بنية غامقة اللون على أسطح البلاط فوق الأرض وعلى الجدران، وهذه البقع هي الماء الذي اختلط بالصدأ الناجم عن الأنابيب المعدنية المتآكلة، وهذه البقع تبقى دائمة على البلاط ولا يمكن إزالتها. والنقطة الثالثة، فهؤلاء العمال الذي أصلحوا السخان وقاموا بواجبهم ومهمتهم الأساسية تركوا بصمات أرجلهم وأيديهم القذرة في كل مكان. أما النقطة الرابعة والأخيرة فقد تمثلت في أن العمال بعد أداء مهمة التصليح للسخان تركوا هذا الخراب والأوساخ وراءهم ورحلوا.

هذا مثال واقعي ربما تَعرض له كلٌ منكم في منزله عندما يدعو أي عاملٍ لإجراء تصليح أو تعديل محدد، فبصماته يتركها وراءه، يُصلح شيئاً ويتلف أشياء أخرى، ينظف شيئاً ويوسخ أشياء كثيرة أخرى، فهو لا يهمه، ولا يلتفت إلى الأمور الأخرى غير العمل الذي جاء من أجله، فعليك أنت صاحب المنزل تقديم التوجيهات المشددة والصارمة اللازمة له ليتجنب تخريب أو إتلاف أي شيء في المنزل، ثم الإشراف عليه ومراقبته خطوة بخطوة، ومتابعة كل تحركاته وأعماله وخطواته أثناء القيام بمهمته، والتأكد من تنفيذ هذه التوجيهات بدقة متناهية.

والخلاصة أنك إذا أردت أن تحافظ على بيئة منزلك أثناء عمل العمال، فعليك شخصياً أن تتابع العامل وتشرف على عمله أولاً بأول.

وفي السياق نفسه، ينطبق هذا المثال على الشركات العملاقة متعددة الجنسيات التي يتم التعاقد معها لمدة محددة من الزمن للقيام بمهمة معينة في البلد، كما كان هو الحال بالنسبة للشركات التي كانت تنقب عن النفط والغاز الطبيعي ثم تقوم بتكريره في محطة تكرير النفط، أو الشركات التي تقوم حالياً بالبحث عن النفط والغاز الطبيعي في البر والبحر. 

فهذه الشركات مهما تكلمنا عن التزامها بالأنظمة البيئية، فإنها جاءت لمهمة أساسية هي التنقيب عن النفط أو الغاز الطبيعي، أما حماية البيئة وثرواتها الطبيعية وتجنب تلويثها فلا يقع ضمن أولوياتها ومهامها الرئيسة، وبالتالي علينا نحن أبناء البلد الإشراف الدقيق والصارم ليلاً ونهاراً، وعلى مدار الساعة على كل صغيرة وكبيرة يقومون بها، وعدم الغفلة ولو لحظة واحدة عن ممارساتها اليومية.

فتاريخ هذه الشركات النفطية وممارساتها في دول العالم النامي يؤكد تجاهلهم للبيئة المحلية وعدم اكتراثهم لحمايتها والحفاظ على مواردها الطبيعية. ففي نيجريا وفي منطقة أوجونلاند(Ogoniland) في دلتا النيجر قامت شركة شيل البترولية بتلويث أفضل الأنظمة البيئية إنتاجاً وتنوعاً خلال عملها لمدة خمسين عاماً، وأكد تقرير الأمم المتحدة المنشور في أغسطس 2011 أن عملية التنظيف وإعادة تأهيل هذه البيئات المتدهورة تستغرق زهاء ثلاثين عاماً، وتكلف قرابة بليون دولار أمريكي، حتى أن منظمة العفو الدولية(Amnesty International) تدخلت في هذه القضية وأكدت مسئولية شيل على هذه الطامة البيئية الكبرى، وقالت في تصريح لها: “هذا التقرير يؤكد على أن لشركة شيل تأثيرات رهيبة في نيجيريا، ولكنها أنكرت ذلك لعقودْ زَعماً منها بأنها تعمل تبعاً لأفضل المعايير الدولية”.

وتكررت هذه المأساة البيئية في الإكوادور، مما اضطرت المحاكم في الإكوادور في مدينة لاجو أجريو(Lago Agrio) في 14 فبراير 2011، وبعد محاكمة ماراثونية استمرت 18 عاماً على فرض أكبر غرامة مالية في التاريخ البيئي، قدرها 8.6 بليون دولار على شركة شيفرون (Chevron) تعويضاً عن التدمير الشديد والواسع النطاق الذي سببته هذه الشركة البترولية العملاقة أثناء البحث والتنقيب عن النفط في غابات الأمازون للبيئة والقاطنين في تلك المناطق النائية. 

ولا شك بأننا في البحرين غير محصنين ضد هذه الممارسات التي تقوم به هذه الشركات المتنفذة التي نتعاقد معها لمهمةٍ معينة ولزمنٍ محدد، وليست لدينا المناعة الكافية لمقاومتها ومواجهتها، وبالتالي لا بد من وضع وثيقة بيئية يلتزمون بها ويتم متابعة تنفيذها حرفياً وفي موقع العمل من أهل البلد، فنحن نريد التطوير في بلادنا ولكن دون تدمير، ونحن نريد البناء ولكن دون هدم، ونحن نريد الإصلاح ولكن دون فساد.



الاثنين، 19 ديسمبر 2011

صرخات أطباء الغرب من أضرار الخمر


أطباء وعلماء بريطانيون يُمثلون الكلية الملكية للأطباء، والجمعية البريطانية الطبية، والكلية الملكية للتمريض يُوجهون صرخة عالية، ويحذرون الحكومة من أضرار الخمر الصحية التي بدأت تنتشر في المجتمع البريطاني، وتتوغل بشدة في أعماقه، وتتجذر داخلياً  كمشكلة صحية مزمنة.

فقد وجه هؤلاء المختصون في مجال الطب خطاباً عاماً نشرته الصحف البريطانية، منها الديلي تليجراف(The Daily Telegraph) قالوا فيه بكل جلاء ووضوح:امنعوا خفض أسعار الخمر لإنقاذ حياة الناس، وحثوا الحكومة البريطانية على السرعة والجدية في اتخاذ تدابير وإجراءات حازمة لمنع موت البريطانيين بسبب الخمر والأمراض المتعلقة بشربه.

وينبثق هذا النداء العاجل من التقارير والإحصاءات المنشورة حول عدد المرضى من شرب الخمر، حيث تفيد الكثير من التقارير أن المصابين بالأمراض المتعلقة بشرب الخمر قد تضاعف خلال العقد الماضي، وإتلاف صحة الكحول(Alcohol Health Alliance والمعهد القومي لدراسات الخمر(National Institute of Alcohol Studies) يقدران عدد الذين يدخلون المستشفيات بسبب الخمر بـ 1.2 مليون، وبزيادة سنوية نسبتها 9% في انجلترا في عام 2010.

فهذا هو الحال بالنسبة للدول التي تبيع الخمر، معاناة يومية، وأمراض منتشرة، وتكاليف صحية باهظة لعلاج المرضى، ومشكلات اجتماعية وأسرية لا تعد ولا تحصى.

وبالرغم من هذه التجربة المريرة التي يعاني منها الغرب، مازالت دولنا تصر على بيع الخمر!