الخميس، 30 يونيو 2011

الـمُجنسُون

المُجَنَسُون

مهاجرون غير شرعيين حيناً وشرعيين حيناً أخرى، ينتقلون من بلدٍ إلى آخر، ومن بيئةٍ إلى أخرى، ثم يقطنون فيها، ويحصلون على الجنسية الخاصة بتلك البيئة، فيقيمون فيها إقامة دائمة، ويؤثرون على السكان والمواطنين الأصليين الموجودين في تلك البيئة بشكلٍ خاص وعلى النظام البيئي بشكلٍ عام في تلك المنطقة، وبالتحديد من ناحية كسر العلاقات الحميمة والتفاعلات الطبيعية المتوازنة والهشة التي تربط بين مكونات تلك البيئة الحية وغير الحية، فيقطعون أوصال السلسلة الغذائية المترابطة بعضها مع بعض، ويهدمون التوازن البيئي الدقيق الذي خلقه الله سبحانه وتعالى في تلك المنطقة.

وهذه الظاهرة التي انتشرت منذ نحو قرنٍ في بيئات دول العالم قاطبة، وبخاصة في المسطحات المائية الحلوة والمالحة كالأنهار والبحيرات والبحار، يُطلق عليها الآن بغزو الكائنات الغريبة لبيئة لم تتواجد فيها أصلاً، ولم يخلقها الله جلت قدرته في تلك المنطقة. وقد أدت هذه الظاهرة العالمية إلى خسائر بيئية واقتصادية فادحة تقدر بمليارات الدولارات.

وقد وقعت الكثير من الدول ضحية لهذه الظاهرة، إما طواعية من خلال منح الجنسية الوطنية والإقامة الدائمة لبعض الكائنات غير الموجودة منْ قَبْل في بيئاتهم، أو عن طريق دخول هذه الكائنات الغازية إلى بيئة الدول الأخرى عن طريق وسائل النقل البرية والجوية والبحرية.

فالولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، وقعت في فخ هذه المشكلة البيئية الدولية عندما قامت بتوطين ومنح الجنسية الأمريكية لنوعٍ من الأسماك يعرف بالشبوط أو الكارب الآسيوي(Asian carp)، وذلك من أجل تربيتها وإكثارها في مزارع الأسماك الواقعة على نهر ميسيسيبي العظيم.

ولكن مع الوقت لم يمكث هذا المهاجر الجديد في موقعه، وإنما بدأ في دخول بيئات أخرى غريبة عليه، وبالتحديد نهر ميسيسيبي، وبخاصة عندما يثور النهر فيفيض ماؤه إلى مزارع الأسماك وتختلط الأسماك الموجودة في هذه المزارع كسمكة الكارب الآسيوي بأسماك النهر، فبدأت بالعيش والتكاثر في هذه البيئة الجديدة، ثم مع الزمن انتقلت إلى بيئات نهرية أخرى حتى وصلت إلى بيئة البحيرات العظمى، فأوقعت خسائر عظيمة للثروة السمكية والتوازن البيئي في تلك البحيرات.

فمشكلة هذه السمكة التي تم إحضارها من بيئتها الأصلية التي عاشت فيها منذ أن خلقها الله سبحانه وتعالى في الفيتنام والصين إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومُنِحت تأشيرة دخول مفتوحة لسنواتٍ طويلة، أنها لا تنسجم وتتأقلم مع الكائنات الفطرية الأصلية الموجودة في الأنهار والبحيرات في أمريكا، فشهيتها مفتوحة ولا تشبع، وحجمها ووزنها كبيرين، إذ يصل وزنها إلى قرابة 60 كيلوجراماً وطولها أكثر من مترٍ واحد، مما أدى إلى سيطرة هذه السمكة الغازية على السلسلة الغذائية الطبيعية، وإحداث شرخٍ واسع وخطير في التوازن الطبيعي للحياة الفطرية، وتمثل في افتراس الأسماك التجارية الأصغر منها حجماً والقضاء عليها كلياً.

وبعد تفاقم هذه المشكلة وانكشاف أبعادها الاقتصادية والبيئية، تعالت صرخات العلماء من جهة، وصيحات صيادي الأسماك من جهة أخرى حول هذا التهديد الذي سببته هذه السمكة المُجَنسة على السكان الأصليين والثروة السمكية والحياة الفطرية البحرية برمتها، حتى وصلت هذه الصيحات إلى البيت الأبيض، فعقد قمة خاصة لمناقشة تداعيات تجنيس هذه السمكة على أمريكا في فبراير 2010 أُطلق عليها بقمة سمكة الكارب(Asian Carp Summit)، ثم قررت إدارة أوباما صرف 80 مليون دولار لمعالجة هذه المشكلة الخطيرة والتحكم في إنتشار السمكة في بيئات جديدة، كما قررت وزارة الداخلية سحب الجنسية والإقامة الدائمة لهذه السمكة وتصنيفها كسمكة ” غازية“. بل وإن هذه السمكة أصبحت مطلوبة حية أو ميتة، ووُضِعت مبالغ مالية مجزية لمن يتمكن من أسرها واصطيادها، ونظمت الجهات المعنية سباقاً سنوياً وخصصت جوائز كبيرة لمن يصطاد أكبر عدد ممكن من هذه السمكة.

وهذه الظاهرة انكشفت الآن في البر والبحر في الكثير من دول العالم، ومياه الخليج العربي بشكلٍ خاص تعاني منذ انكشاف النفط من غزو الكثير من الكائنات الغريبة على بيئتها واستيطانها في مياهها، فهناك عشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى مياه الخليج العربي عن طريق آلاف الناقلات النفطية وغير النفطية التي تمر فيها منذ أكثر من سبعين عاماً، حيث تقوم بالتخلص من مياه التوازن المليئة بالأحياء الغازية والمهاجرة إلى مياه الخليج فتلوثها وتسبب لها الكثير من المشكلات البيئية والاقتصادية والاجتماعية.

ومنذ أكثر من سبعين عاماً ومشكلة مياه التوازن لم تحل جذرياً، فهي مازالت عالقة وتداعياتها السلبية في ازديادٍ مستمر، ولا ندري ماذا ستكون عواقبها علينا وعلى بيئتنا.

طائرتان جنبو تهبطان اضطرارياَ

طائرتان جنبو تهبطان اضطرارياً

طائرتان جمبو 747 تابعتان للخطوط الجوية البريطانية اضطرتا مؤخراً في رحلتين مستقلتين إلى الرجوع إلى مطار هيثروا والهبوط بصفةٍ طارئة وعاجلة إلى أرض المطار.

ففي مثل هذه الحالات الطارئة تتبادر إلى الأذهان عدة أسباب لهذا الهبوط الاضطراري. فإما أن يكون هناك عطل وخلل مباشر في أحد أجهزة الطائرة، وإما أن يكون هناك عطل ميكانيكي فني لأحد محركات الطائرة، وإما أن يكون هناك رجل مُشاغب أو إرهابي على متن الطائرة يهدد سلامتها وأمن الركاب، وإما أن يكون هناك بلاغ من جهة معينة عن وجود خطر ما، أو جريمة تهدد الطائرة وتشكل خطورة على استمرار الرحلة والطيران في الجو.

ولكن ما حدث لهاتين الطائرتين لم يقع ضمن هذه القائمة من الاحتمالات المعروفة والمتوقعة، فقد كان السبب جديداً على المجتمع الدولي وعلى المعنيين بأمن وسلامة حركة الطيران.

فقد اشتكى بعض المسافرين في هاتين الطائرتين من حشرة ضعيفة وصغيرة الحجم، لا حول لها ولا قوة، ولا تستطيع القيام بعمل إرهابي يؤثر على سلامة الطائرة وأمن ركابها، ولكن بالرغم من ذلك فقد سببت هذه الحشرة أزمة أمنية في أعالي السماء، وأجبرت الطائرتين على الهبوط الفوري.

هذه الحشرة هي حشرة السرير، أو بَقَّة السرير التي اختفت أكثر من خمسين عاماً، وبدأت في السنتين الماضيتين بالظهور في الساحة من جديد وخلقت مشكلة كبيرة في بعض الدول وعلى رأس القائمة الولايات المتحدة الأمريكية، فتحولت إلى مصدر قلقٍ وإزعاجٍ شديدين للمجتمع الأمريكي، بل وإن أمريكا أَطلقتْ على عام 2010 بِعام بقة السرير، وعَقدت المؤتمرات برعاية الكونجرس الأمريكي على المستوى الوطني لدراسة علاجها وسبل التخلص منها.

فهذه الحشرة تفشت بشكلٍ مشهود وفي مساحة جغرافية واسعة، وظهرت في البيئات الداخلية، كالمحلات التجارية، والفنادق، والعمارات السكنية، والمكتبات، والطائرات، وتعيش في الملابس والسجاد والأثاث والسرير والجدار، وأصبحت تؤثر على المجتمع من الناحية الاقتصادية والبيئية والصحية والسياحية.

وهناك العديد من الأسباب التي تقف وراء ظهور الحشرة مرة ثانية، منها انتقالها عبر وسائل النقل من بلدٍ إلى آخر، ومنها حظر استخدام المبيد الحشري المشهور دي دي تي في السبعينيات، والذي كان له القدرة العالية على إبادتها، ومن العوامل التي أدت إلى إنتشار الحشرة من جديد هي ضعف النظافة العامة في البيئات الداخلية.

ولكن على أي حال، فإن الحشرة رجعت وبكل قوة مرة ثانية لتتحدى الإنسان، فهل أجهزتنا الدفاعية والهجومية مستعدة لمواجهتها؟

الأربعاء، 29 يونيو 2011

هل وصلت إشعاعات اليابان إلى البحرين؟

هل وصلت إشعاعات اليابان إلى البحرين؟

هناك مساران لانتقال الملوثات المشعة التي انطلقت إلى الهواء الجوي في اليابان منذ يوم الجمعة الموافق 11 مارس 2010 وحتى يومنا هذا بسبب الزلزال والتسونامي اللذين فجرا أربعة مفاعلات نووية موجودة في مجمعين لتوليد الكهرباء في مقاطعة فوكيشيما(Fukushima)، وبالتحديد في مجمع دايشي النووي(Daiichi).

أما المسار الأول الذي يمكن من خلاله وصول المواد المشعة إلى البحرين، فيكون بشكلٍ مباشر وبعد فترة قصيرة من الزمن من خلال انتقال هذه الملوثات عبر الهواء الجوي وحسب اتجاه وسرعة الرياح. فإن هذه الملوثات قد تصل إلى مسافات تبعد آلاف الكيلومترات، كما حصل بالفعل أثناء كارثة تشرنوبيل في أبريل 1986، حيث تم اكتشاف نسبٍ مرتفعة من الإشعاع في شمال بريطانيا، وبالتحديد اسكتلندا، وفي شمال الكويت بعد قرابة أسبوعٍ من تسرب الإشعاعات من مفاعل تشرنوبيل في أوكرانيا.

فالقياسات الميدانية اليومية في اليابان بعد انفجار المفاعلات، أكدت تسرب عناصر مشعة إلى الهواء الجوي مباشرة وبمستويات عالية جداً، منها عنصر السيزيوم (cesium-137) والأيودين( iodine-131 )، والسترونتيوم(strontium-90).

ويعتمد تركيز الملوثات المشعة في الهواء الجوي على عاملي الوقت والمكان. ففي الساعات الأولى من الانفجار النووي وفي محيط المفاعلات النووية، كانت النسب مرتفعة جداً، حيث إنها بلغت 400 ميلي سيفرتس(milisieverts)، وعلى مسافة نحو 220 كيلومتراً في العاصمة طوكيو تراوح التركيز بين 0.809 ميكرو سيفرتس في الساعة(microsieverts per hour)، أي أكثر من الأيام العادية بنحو 23 مرة، مما يؤكد حركة الملوثات وانتقالها عبر الرياح إلى مناطق أبعد من مصدر الإشعاع.

كما أكدت السلطات الأمريكية اكتشاف نسبٍ من الملوثات المشعة كالأيودين والسيزيوم في أجوائها أعلى من الأيام السابقة وبعد مرور ثمانية أيام على وقوع كارثة اليابان، وبالتحديد في الولايات الواقعة على الساحل الغربي والتي تبعد قرابة 6500 كيلومتر عن موقع الكارثة. وهذه الحقيقة تؤكد احتمال وصول هذه المواد المشعة إلى البحرين عبر انتقالها في الوسط الهوائي.

وعلاوة على ذلك فإن الملوثات المشعة تستطيع أيضاً أن تصل إلينا بشكلٍ مباشر من خلال انتقالها عبر الوسط المائي وعن طريق حركة التيارات في المسطحات المائية، إضافة إلى احتمال انتقالها بطريقة غير مباشرة عند تلوث الأحياء البحرية بالإشعاع واستهلاك الناس في خارج اليابان لهذه الكائنات الملوثة بالإشعاع. وقد كشفت القياسات الميدانية عن تلوث مياه البحر بالمواد المشعة بالقرب من المفاعلات المحترقة، حيث وصلت نسبة الأيودين المشع إلى أكثر من 127 ضعفاً، والسيزيم(134) إلى 17 ضعفاً، والسيزيم(137) إلى 17 ضعفاً. وبالتالي فهذه المياه والكائنات البحرية المشعة قد تنتقل عبر التيارات البحرية فتصل إلى الناس الذين يعيشون آلاف الكيلومترات. فعلى سبيل المثال، يمكن للملوثات أن تنتقل من بحر اليابان إلى المحيط الهادئ، ثم إلى خليج ألاسكا فتلوث المياه والأسماك هناك، ثم تنتقل هذه الأسماك المشعة إلى الشعب الأمريكي بعد أشهر من هذه الكارثة.

أما المسار الثاني لانتقال الملوثات المشعة واحتمال وصولها إلى بلادنا فيكون بطريقة غير مباشرة من خلال استيراد واستهلاك مواد غذائية صلبة أو سائلة ملوثة بالإشعاع، أو حتى بضائع أخرى كالسيارات وغيرها. فقد أكدت الحكومة اليابانية عن تسمم 11 نوعاً من الخضروات المزروعة في أربعة مقاطعات منكوبة هي فوكيشيما، وإيباراكي، وتوشيجي، وجونما(Fukushima, Ibaraki, Tochigi and Gunma)، إضافة إلى تلوث الحليب ومياه الشرب بالمواد المشعة. فعلى سبيل المثال، بلغ تركيز الإشعاع في الحليب 5200 بيكيرل(becquererl) من الأيودين في الكيلوجرام من الحليب، والحدود المسموح بها 300، وفي الماء وصل التركيز إلى 210 بيكيرل في الكيلوجرام من ماء الحنفية، علماً بأن المواصفة لمياه هي 100 فقط، وفي بعض الخضروات 82 ألف من السيزيم المشع(أعلى من المعيار 164 مرة)، و 15 ألف من الأيودين المشع(أعلي من المعيار بسبع مرات). ولذلك أعلن رئيس وزراء اليابان ناتو كان(Naoto Kan) حظر استهلاك الخضروات والحليب ومشتقاته من بعض المقاطعات المتضررة لأجل غير مسمى.

كذلك فإن استيراد السيارات قد يكون من المصادر غير المباشرة لوصول التلوث الإشعاعي إلى البحرين، ومما يؤكد هذه الحقيقة هو استباق شركة نيسان (Nissan) عن وجود هذه المشكلة عندما صرحت في 18 مارس 2011 بأنها: ”ستقوم بمراقبة مستويات الإشعاع في السيارات المصنوعة في اليابان، وستستمر في تطبيق كافة الإجراءات اللازمة لتطمين عامة الناس بأن منتجاتنا ستظل ملتزمة بالشروط والمعايير الدولية الخاصة بالأمان، وسنحرص على إزالة كافة الملوثات الإشعاعية من هذه المنتجات بشكلٍ كلي“.

وقد أكدت بعض الحوادث واقعية انتقال الإشعاع إلى الدول الأخرى من خلال المنتجات اليابانية. فعلى سبيل المثال، أعلنت الحكومة الفرنسية في 19 يونيو أنها قد تخلصت من شحنة من الشاي الأخضر المُشع وزنها 162 كيلوجراماً في مطار شارل دي جول، والقادمة من مزرعة إيرك(Irk Tea Farms) الواقعة على بعد قرابة 355 كيلومتراً من مكان الكارثة في مقاطعة شيزوكا (Shizuoka prefecture).

وفي الوقت نفسه اكتشفت أجهزة مراقبة السلامة في بلجيكا منتجات مشعة في بعض البضائع اليابانية المصدرة إلى بلجيكا في ميناء(Zeebrugge port) وتزيد نسبتها عن المواصفات المعتمدة في الاتحاد الأوروبي.

ولذلك كإجراء وقائي، فإنني أدعو إلى الفحص الإشعاعي لكافة المنتجات اليابانية للتأكد من خلوها من الملوثات المشعة، فقد أكدت الحوادث في الدول الأخرى وصولها عن هذا الطريق حتى بعد سنوات.

الاثنين، 27 يونيو 2011

مخلفات الدمار الشامل

مخلفات الدمار الشامل

لماذا تتجاهل الأمم المتحدة الممثلة في مجلس الأمن الدولي من جهة، ودول العالم أجمع من جهة أخرى عن آلاف القنابل الذرية الموقوتة ومخلفات الدمار الشامل المشعة الموجودة في أراضي الدول النووية منذ عقودٍ من الزمن، والتي باتت تشكل تهديداً حقيقياً ومستمراً للسلم والأمن الدولي والاستقرار العالمي؟

وأين الوكالة الدولية للطاقة الذرية من قضية عشرات الآلاف من الأطنان من هذه القنابل الذرية المخزنة في هذه الدول والمكدسة في أراضيها، والتي قد تنفجر في أية لحظة فتقتل ملايين البشر وتلوث الكرة الأرضية برمتها؟

فلو كانت هذه القنابل الموقوتة المتمثلة في المخلفات المشعة مُخزنة في أراضي الدول النامية والفقيرة لهبت الدول الغربية جمعاء هبة رجلٍ واحد، وتبعتها أذيال منظمات الأمم المتحدة المَعْنية وغير المعنية، ولقامت باتخاذ كل الوسائل السلمية وغير السلمية لمكافحة وجود هذه التهديدات النووية، بل وتمت محاكمة رؤساء هذه الدول على هذه الجريمة البيئية النكراء، أو حتى غزو هذه الدول عسكرياً لامتلاكها مخلفات الدمار الشامل!

ولكن كما تعودنا، فإن الدول الغربية وأدواتها المُطيعة لها والمنفذة لتوجيهاتها من مؤسسات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية وبعض الجمعيات الأهلية دائماً تكيل بمكيالين مختلفين حسب المصلحة والأهواء السياسية، وتتبع عادة معايير مزدوجة ومتغيرة بناءً على الدولة الواقعة في قفص الاتهام.

ففي هذه الحالة بعض الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وغيرها هي المتهمة بقضية القنابل الذرية الموقوتة، ولذلك يقف الجميع موقف الحياد، بل ويتبنون موقف الصمت والسكوت الشديدين ويتجاهلون التهديدات والمخاطر التي تحيط بالبشرية والكرة الأرضية برمتها من وجود هذه المخلفات المشعة لأكثر من قرن دون إدارة سليمة ومستدامة.

فالقنابل الذرية الموقوتة تأتي من عدة مصادر، من أهمها مخلفات قضبان الوقود النووي المستنفدة والمستهلكة((spent fuel rods) التي تم استخدامها في المفاعلات النووية سواء في محطات توليد الكهرباء أو المفاعلات المستخدمة في السفن والغواصات والتي قد انتهت فاعليتها، ولكنها ماتزال تنبعث منها الإشعاعات القاتلة، وهناك أيضاً المخلفات المشعة الناجمة عن البرامج العسكرية في الدول الصناعية الكبرى. وهذه القنابل المشعة إما أن تُكدَّس بعضها فوق بعض في أحواض مائية في موقع المحطة الكهربائية، وإما أن تُخزن تحت الأرض لأجلٍ غير مسمى، وقد أكدت الدراسات العلمية على أن الإشعاعات تتسرب منها مع الوقت وتلوث البيئة المحيطة بها.

فعلى سبيل المثال، كمية المخلفات المخزنة حالياً في مواقع المفاعلات النووية في 30 ولاية في الولايات المتحدة الأمريكية هي نحو مائة مليون جالون من المخلفات شبه الصلبة المشعة، وأكثر من 65 ألف طنٍ من مخلفات الوقود المستهلك المشع، ويضاف إلى هذه الأحجام المرعبة من المخلفات الخطرة أكثر من ألفي طنٍ سنوياً التي تَنتج عن تشغيل 104 مفاعلات لتوليد الطاقة، وعلاوة على هذه القنابل الذرية المتناثرة على أرضنا، هناك كميات غير معروفة تنجم عن المنشآت والتجارب والأنشطة العسكرية النووية السرية وغير السرية. ومن أكثر المناطق تعرضاً للإشعاع في أمريكا موقع تخزين المخلفات النووية في مدينة هانفورد(Hanford) بولاية واشنطن، وهو أول موقع في العالم لإنتاج البلوتونيوم لعمل القنبلة الذرية، ومساحته زهاء 1517 كيلومتراً مربعاً، وقد وصف ستيورت أودآل(Stewart Udall) وزير الداخلية أثناء حكم جون كنيدي وليندن جونسون موقع هانفورد الذي يهدد سلامة الإنسان والبيئة بأنه:” الفصل الأكثر كارثية في تاريخ الحرب الباردة الأمريكية“.

أما على المستوى العالمي، فهناك 435 مفاعلاً في 31 دولة، وكمية المخلفات التي تنتج سنوياً منها تبلغ نحو 12 ألف طن، وهي تتراكم وتُخزن في هذه الدول بطريقة غير مستدامة تشكل تهديداً صارخاً للإنسانية ولبيئتنا، كما أن هذه القنابل يتم تهريبها في بعض الأحيان بوساطة المافيا إلى دول أخرى فقيرة ونامية لتُدفن في أراضيها بمبلغ زهيد، وعلاوة على ذلك هناك المئات من المفاعلات النووية التي تبني حالياً في مختلف دول العالم، مما يؤدي إلى تفاقم قضية المخلفات المشعة وتكدسها على الأرض دون أن تكون هناك حلول جذرية ومستدامة للتخلص منها.

الآن ونظراً لعدم قدرة الدول الصناعية المتطورة التعامل مع هذه القنابل الموقوتة المتراكمة والمتزايدة، ومعرفتها بالتهديدات العظيمة التي تحيط بهذه المواقع التي تخزن فيها المخلفات المشعة، إضافة إلى المبالغ الكبيرة التي تصرفها فقط لصيانة هذه المواقع، فإنها تبحث منذ زمن عن مواقع في دول العالم النامي التي هي في أمس الحاجة إلى المال للتنمية وسد جوع شعوبها، وهي في أتم الاستعداد لدفع مبالغ طائلة جداً لأي دولة تقبل عرضها، وربما تتمكن من إقناع بعض الدول على تخزين هذه القنابل في أراضيها.

ولذلك على جميع الدول الحذر الشديد من قبول هذه القنابل على أراضيها، لأنها حتماً ستنفجر يوماً ما فتقتل الحجر والبشر في تلك الدولة أولاً ثم دول العالم دون استثناء.

الأحد، 26 يونيو 2011

إنها جريمة ضد الإنسانية

إنها جريمة ضد الإنسانية

هذا ما قاله رئيس جواتيمالا ألافرو كولم كاباليروس(Alvaro Colom Caballeros) بغضبٍ واندهاشٍ شديدين عندما اتصلت به السيدة هيلاري كلينتون وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وهي تَزُف إليه خبر استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لأكثر من 700 من مواطني جواتيمالا كفئران تجارب المختبرات في الفترة من 1946 إلى 1948 في أحد السجون الأمريكية ودور الأيتام الواقعة في جواتيمالا.

وبعد ساعاتٍ من اتصال وزيرة خارجية أمريكا، تلقى رئيس جواتيمالا اتصالاً هاتفياً آخر من الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليتعذر عن العمل المشين واللاأخلاقي الذي قامت به الأجهزة الصحية الأمريكية الاتحادية في سجون جواتيمالا، وليُعبر عن أسفه الشديد لشعب جواتيمالا وكافة المتضررين من التجارب المفزعة والقاتلة التي أجريت عليهم.

وهذا الاعتذار للعمل الإجرامي الذي تقشعر منه الجلود لم يأت اعتباطاً، وإنما فُرض بقوة على الإدارة الأمريكية وأجبرت على هذه التصريحات التي لا تغني عن شيء، فقد وقعت هذه الفضيحة الأخلاقية في يد باحثة أمريكية عندما كانت تقوم بدراسة علمية عن تاريخ الطب الأمريكي، حيث اكتشفت في صفحات الأرشيف المدفون في المكتبات عن وثيقةٍ سرية تُبين قيام بعض الأطباء الأمريكيين وتحت الإشراف المباشر للأجهزة الاتحادية الرسمية لتجارب على السجناء في جواتيمالا. وبعد الدخول في تفاصيل هذه الوثيقة أصابها الذهول والدهشة مما قرأت. فقد كان الأطباء الأمريكيين وفي سرية تامة في مطلع الأربعينيات من القرن المنصرم، يَحقنون السجناء، والجنود، والمرضى المتخلفين عقلياً، والأطفال الأبرياء في دور الأيتام بحقنٍ ملوثةٍ بجراثيم تُصيب الإنسان بالأمراض التناسلية، وبالتحديد مرض السفليس(syphilis )أو الزهري، كما استخدموا في ذلك أبشع الوسائل والسبل لتحقيق أهدافهم، مثل استخدام العاهرات المصابات بالمرض، أو الحقن الجبري في النخاع الشوكي، أو رش الجراثيم على وجوه وأعضاء هؤلاء الأفراد بشكلٍ مباشر لإصابتهم بالمرض، ثم دراسة الأعراض المرضية التي تنكشف عليهم، وبعد ذلك حقنهم بالبنسلين(penicillin) لمعرفة مدى فاعليته في علاج ومنع هذا المرض الجنسي. وقد نقلت صحيفة الجارديان في عددها الصادر في 8 يونيو 2011 العديد من المقابلات الشخصية مع شهود العيان وبعض الذين وقعوا ضحية هذا العمل المشين(أنظر مقالي تحت عنوان ”إنها تجارب أمريكا الشيطانية“).

وبعد أن أَلَمَّتْ الباحثة الأمريكية بتفاصيل هذه الجريمة المروعة وكشفت كافة الجوانب المتعلقة بها، قامت في يناير 2010 بإلقاء بحثها في مؤتمر علمي، ثم عندما أرادت في يونيو من عام 2010 نشر اكتشافاتها في العدد الذي صدر في يناير 2011 من مجلة ” التاريخ السياسي“، تدخلت الجهات الحكومية الرسمية عندئذٍ وقامت بإجراء تحقيق في هذه الحقائق، واضطرت بعد أن انتشرت قصة هذه الفضيحة في وسائل الإعلام من الاعتذار الرسمي لضحايا تجارب أمريكا على البشر.

وفي الحقيقة لم استغرب شخصياً من هذه الممارسات، فالغاية في السياسة الأمريكية تبرر الوسيلة، حتى ولو كانت ذلك على الشعب الأمريكي نفسه. فهذه التجارب أُجريت من قبل، ولكن بأسلوبٍ آخر على أكثر من 400 مواطنٍ أمريكي من أصلٍ أفريقي في فضيحة اكتشفت في السبعينيات على دراسة طبية أُطلق عليها بدراسة تسكيجي(Tuskegee Study) في عام 1932، نسبة إلى جامعة تسكيجي في ولاية ألباما الجنوبية، حيث الأغلبية السوداء. فهذا العمل العنصري وغير الأخلاقي أشعل النار في المجتمع الأمريكي عامة وفي أروقة الكونجرس خاصة، وأجبر الرئيس الأمريكي الأسبق بل كلنتون إلى الاعتذار العلني لضحايا هذه التجارب في كلمةٍ ألقاها عام 1997 في البيت الأبيض وأبدى أسفه عن ما جرى في تلك الحقبة الزمنية السوداء من تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، ووصَفَ هذه التجارب بأنها مخجلة وعنصرية.

هذه الوقائع التاريخية التي تمت في جنح الظلام، وتحت ستارٍ رهيب وتغطيةٍ شاملة وسرية من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، تم اكتشافها وفضحها بعد أكثر من ستين عاماً على وقوعها، ولم تقم الجهات الرسمية في أمريكا سوى الاعتذار والتعبير عن الأسف، وكأنه أمر عادي وبسيط. فكل هذه الجرائم ارتكبت ضد دولة فقيرة لا حول لها ولا قوة، وضد مواطنين أمريكيين سود، مستضعفين وفقراء ليس لهم من يدافع عنهم ويرجع لهم حقوقهم المسلوبة، ويحاكم كل فردٍ اشترك في هذه الأعمال البشعة.

وهذه الحوادث المؤلمة التي انكشفت الآن وبالمصادفة، وبعد عقود من الزمن، تؤكد لي أن هناك جرائم أخرى ستُكتشف بعد سنوات، ارتكبت في سجن جوانتينامو الأمريكي، أو سجون العراق السرية، أو سجون أفغانستان.

السبت، 25 يونيو 2011

وسقط المحور البيئي من الحوار الوطني الشامل!

وسَقَطَ المحور البيئي سهواً!

الحوار الوطني الشامل أدخل فيه كل شرائح المجتمع البحريني، وغطى كل فئاته ومذاهبه وأديانه، وهذا أمر مطلوب لكي يكون الحوار بحق شاملاً ومتكاملاً يستمع إلى كافة الآراء والأفكار والمقترحات المتنوعة والمتعددة، وفي المقابل من المطلوب أيضاً أن تكون محاور الحوار شاملة لكي القضايا التي نعاني منها في المجتمع البحريني، وليست فقط المحاور المطروحة حالياً، والتي تتمثل في المحور السياسي، والمحور الاقتصادي، والمحور الحقوقي، والمحور الاجتماعي، إضافة إلى محور فرعي يختص بالمقيمين الأجانب.

فمن الواضح من تحديد هذه المحاور وتركيزها على هذه القضايا فقط، قد أسقط سهواً، أو تجاهل محوراً عالمياً يخص استدامة حياة الإنسان والكائنات الحية الأخرى على وجه الأرض، وهو المحور البيئي، والقضية البيئية.

ونظراً لأهمية البيئة وهمومها على المستوى العالمي، فقد وافق المجتمع الدولي في قمة ريو دي جانيرو في يونيو 1992 حول التنمية المستدامة على تثبيت ”البيئة“ كركن رئيس من أركان نجاح المجتمعات البشرية وتحقيق التنمية المستدامة، وزاوية أساسية من زوايا المثلث الذي تستديم فيه حياة الإنسان وحياة الكرة الأرضية، جنباً إلى جنب مع الركن الاقتصادي، والركن الاجتماعي.

وعلاوة على تركيز المجتمع الدولي على قضية البيئة، فإن الوثائق الوطنية الرسمية التي وافق عليها المجتمع البحريني كميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين، لم تنس ضم البعد البيئي في فصول ومواد هذه الوثائق. فعلى سبيل المثال، ميثاق العمل الوطني، جاء فيه وبالتحديد في الفصل الثالث، المادة الخامسة: البيئة والحياة الفطرية: ”نظراً للضغط المتزايد على الموارد الطبيعية المحدودة، فإن الدولة تسعى إلى الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والتنمية غير الضارة للبيئة وصحة المواطن، كما تأخذ في عين الاعتبار التوجهات العالمية في منع ومعالجة المشكلات البيئية الكبرى، وذلك من خلال وضع إستراتيجية وطنية لحماية البيئة واتخاذ جميع الإجراءات والتدابير التشريعية المناسبة للحد من التلوث من مصادره المختلفة وتوفير التسهيلات للشركات الصناعية للتحول للإنتاج النظيف، وضرورة إجراء دراسات التقييم البيئية قبل البدء في تنفيذ المشاريع. من ناحية أخرى تقوم الدولة بالمحافظة على الحياة الفطرية وخاصة البيئات الطبيعية المتنوعة التي تتميز بها البحرين بما في ذلك مكوناتها الحيوانية والنباتية من خلال وضع الخطط المناسبة لاستخدام الأراضي وإدارة المناطق الساحلية وإنشاء منظومة من المحميات الطبيعية على غرار محمية العرين ومحمية جزر حوار والمياه المحيطة بها، والتي تأتي أهميتها على المستوى العالمي نظراً لما يتواجد فيها من حيوانات وطيور نادرة“.

كذلك جاء دستور مملكة البحرين ليثبت هذا الاهتمام بالبيئة، حيث قدم الفصل الثاني: المقومات الأساسية للمجتمع، المادة 9 ح: ”تأخذ الدولة التدابير اللازمة لصيانة البيئة والحفاظ على الحياة الفطرية“، كما جاء في المادة 11: ”الثروات الطبيعية جميعها ومواردها كافة ملك للدولة، تقوم على حفظها وحسن استثمارها، بمراعاة مقتضيات أمن الدولة واقتصادها الوطني“.

وانطلاقاً مما سبق، كيف تأتي محاور الحوار الوطني الشامل متجاهلة ومخالفة لما أكد عليه المجتمع الدولي من جهة، وصادقت عليه الوثائق القومية المعتمدة شعبياً؟

فهل هذا التوجه الجديد الذي تمثل في محاور الحوار الوطني يعني أن الهواء الذي نستنشقه، ولا يمكن العيش بدونه دقائق معدودات ليس له أهمية كالمحور السياسي أو الاجتماعي أو غيره من المحاور؟
وهل هذا يعني أن الماء الذي نشربه، والذي لا حياة، تحول فجأة إلى من قضية هامشية التي لا أولوية لها ويمكن تأجيلها إلى مرحلة لاحقة؟
وهل هذا يعني أن البحر الذي عاش عليه الأجداد قروناً طويلة كمصدر للغذاء والشراب والجمال والترفيه عن النفس، أصبح الآن لا دور له في حياتنا، وانتقل إلى ذيل القضايا الوطنية؟
وهل هذا يعني أن الأسماك التي نتغذى عليها ليست لها قيمة لدي المواطن بحيث إن الدفاع عنها أصبح من القضايا الجانبية الكمالية؟

فالإنسان يستطيع أن يعيش بدون ” السياسة“، أو بعض القضايا الأخرى، ولكن لا يستطيع العيش حياة طيبة وكريمة وصحية بدون هواءٍ نظيف، أو ماءٍ عذبٍ زلال، أو بحر ثري بالغذاء، أو تربة نظيفة يزرع عليها.
فالحياة الكريمة والسعيدة تكون في بيئة سليمة وصحية، والحياة المستدامة تكون في بيئة ثرية وغنية بالموارد والثروات الفطرية الطبيعية التي لا تنضب.

الهاتف النقال قد يُسبب السرطان


الهاتف النقال قد يُسبب السرطان
إذا أفرطتَ في الأكل فإنك ستعرض صحتك للخطر والإصابة بالأمراض المزمنة، وإذا أسرفتَ في تناول نوعٍ واحدٍ من الطعام وبشكلٍ مستمر فسيزيد عندك احتمال الإصابة بالمشكلات الصحية،وإذا بَذَّرَتَ في شرب الماء فإنك حتماً ستصاب بما تكره من عدم الارتياح في النفس والجسم، وهكذا فإنك إذا أفرطت في استخدام أو استهلاك أي شيء، مهما كان مفيداً ونافعاً لبدنك ولحياتك، فسينعكس سلباً عليك بشكلٍ مباشر أو غير مباشر وبعد فترة قصيرة أو طويلة من الزمن.

فهذه الحقيقة والقاعدة العامة ذكرها من خَلَقَنا وأنشأنا وصورنا، وهو أعلم بحالنا وبما ينفعنا في الدنيا والآخرة، فهو أقرب إلينا من حَبْل الوريد، حيث قال في محكم كتابه العزيز:”وكُلوا واشربُوا ولا تُسرفوا إنه لا يحب المسرفين“، فقد دعا الإسلام من خلال هذه الآية الكريمة إلى الالتزام بمبدأ الاعتدال والوسطية والترشيد، ونبذ الإسراف والتبذير في كل شأنٍ من شؤون الحياة وكمنهج يسير عليه المسلم في كافة شئون حياته، بدءاً بالعبادة وإقامة الشعائر الدينية، ووصولاً إلى استهلاك واستخدام الثروات الفطرية والموارد الطبيعية.

واستخدام الهاتف النقال يقع ضمن هذا الباب، وبالقياس يمكن القول بأن الإفراط الشديد في استعمال هذا الجهاز من المؤكد أنه سيؤدي إلى مشكلات صحية للإنسان. وهذا الاستنتاج وصل إليه مؤخراً فريق من الخبراء يمثلون 14 دولة، ويتكون من 31 مختصاً في مجال تأثيرات الأشعة التي تنبعث من الهواتف النقالة على الإنسان.

فقد قرر هذا الفريق العلمي المنبثق من الوكالة الدولية لأبحاث السرطان(International Agency for Research on Cancer (IARC)) التابعة لمنظمة الصحة العالمية، بعد أن قام بحصر شامل وتحليل دقيق للأبحاث المنشورة في مجال الانعكاسات الصحية المحتملة للتعرض للأشعة المنبعثة من الهاتف النقال، بأن هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن هناك علاقة بين الاستخدام المسرف وغير العادي للهاتف النقال واحتمال ظهور نوعين من الأورام النادرة في المخ، منها ورم سرطاني يعرف بالجليوما (glioma) والثاني ورم غير سرطاني يُطلق عليه بأكوستيك نيوروماس( acoustic neuromas)، واستناداً إلى هذه النتائج تم تصنيف الهاتف النقال كجهاز من ”المحتمل أن يصيب الإنسان بالسرطان“، أو ما يُعرف بمجموعة الصنف ب 2، وستنشر هذه الاستنتاجات في مجلة لانست علم الأورام (The Lancet Oncology) في العدد الصادر في الأول من يوليو 2011.

ولذلك كان قرار اللجنة مبنياً على قاعدتين ومبدأين رئيسين. المبدأ الأول وهو الذي أشرنا إليه في مطلع المقال، ومتعلق بنمط استخدام الإنسان للهاتف النقال، من حيث الفترة الزمنية للاستخدام اليومي وزمن تعرض الإنسان للأشعة الكهرومغناطيسية التي تنبعث من الهاتف، والتي تقع في مجال أشعة الميكروويف وأشعة الراديو. فهذه الأشعة في حد ذاتها وفي حالة تعرض الإنسان لها لفترة قصيرة يومياً وبشكلٍ غير مباشر لا تعتبر ضارة ولا تسبب أية مشكلات صحية للإنسان، علماً بأننا نتعرض لهذه الأشعة من مصادر أخرى متعددة ولا تنعكس سلباً علينا كأفران الميكرويف والبث الإذاعي.

فالمشكلة تكمن إذن في الاستخدام المفرط وغير الرشيد للهاتف النقال والتعرض المباشر ولفترات زمنية طويلة يومياً للأشعة التي تنبعث منه، وامتصاص خلايا الجسم لهذه الأشعة، وبخاصة خلايا المخ. ولتجنب أخطار التعرض المباشر للأشعة، عليك إتباع هذه التوجيهات:
أولاً: استخدم الهاتف النقال للمكالمات الضرورية الطارئة، وخَفِّض فترة المكالمة كلما أمكن ذلك.
ثانياً: استخدم الرسائل النصية بدلاً عن المكالمات الهاتفية.
ثالثاً: لا تشتري الهاتف النقال للأطفال في سننٍ مبكرة.
رابعاً: استخدم الميكروفون، أو أية وسيلة أخرى لتجنب التعرض المباشر للأشعة المنبعثة من الجهاز.    

أما المبدأ الثاني الذي اعتمدته اللجنة في اتخاذ قرار تصنيف الهاتف النقال فهو المبدأ، أو المدخل التحذيري المَبني على أن الوقاية خير من العلاج، أي أنه في حالة عدم وجود إجماعٍ علمي، وأدلة قاطعة حالياً على خطورة جهاز معين، أو مادة كيميائية، أو منتج استهلاكي، فإن المجتمع الدولي يقرر تقنين استخدامه، وتحذير الناس من احتمال وجود مخاطر مستقبلية تنجم عنه، حتى يقي المستهلك نفسه من الأضرار المحتملة مستقبلياً، ويكون على حذرٍ دائم من استخدامه بشكلٍ مفرط وغير سليم.

وخلاصة القول إنك إذا أردت أن تَسْلمَ من الأضرار الصحية المستقبلية التي قد تنجم عن الهاتف النقال، فعليك بمنهج الاعتدال والوسطية في استعماله، وأخذ الوسائل والأدوات التي تقلل من تعرضك للمواد المشعة المنبعثة منه.

الأربعاء، 22 يونيو 2011

إنها تجارب أمريكا الشيطانية



إنها تجارب أمريكا الشيطانية

امرأة مُسنة من جمهورية جواتيمالا(Guatemala) في أمريكا الجنوبية، بلغت من الكِبَر عِتياً، فوَهَنَ عَظْمها، واشتعل رأسها شيباً، وملأت التجاعيد وجهها الكئيب لتعبر عن سنواتٍ طوال من القسوة الجسدية والنفسية، ووصلت من العمر نهايته 74 عاماً، وهي تحكي الآن قصتها المأساوية بكلمات حارة بائسة متقطعة، تخرج بقوةٍ من فمها وهي تحترق ألماً، وتنزف دمعاً، وتروي معاناتها الشديدة التي استمرت طوال سنوات حياتها العجاف منذ أن كانت طفلة بريئة تبلغ من العُمر تسع سنوات وهي تعيش في ملجأ للأيتام بعد وفاة والديها.
 
فتحولت حياتها من كارثة فقدان الوالدين والأيادي الدافئة والحنونة التي تلف حولها فتثلج صدرها وتطمئن نفسها، إلى كارثة أخرى أشد وطأة من أختها، فحفرت بصماتها القاسية في أعماق قلبها، ونقشت ذكرياتها الأليمة في داخل صدرها.

فقد نقلت صحيفة الجارديان في عددها الصادر في 8 يونيو قصة هذه المرأة الحزينة، والطامة الإنسانية الكبرى التي نزلت عليها وعلى أكثر من 1500 إنسان في مطلع الأربعينيات من القرن المنصرم في جواتيمالا.

فهذه المرأة الطاعنة في العمر التي تروي فاجعتها الآن، تُمثل المعاناة التي مرَّ بها هؤلاء البشر جميعهم، فمنهم من قضى نحبه فمات في حسرة وأَلَمٍ شديدين، ومنهم من ينتظر، فأبقاهم الله أحياء على وجه الأرض ليقدموا شهادة حية، ووصفاً مباشراً ودقيقاً على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وعلى تعدي الدول الكبرى على الإنسان الضعيف في الدول الصغرى، فلا يرقبوا فيهم إلاً ولا ذمة، حتى أن أحد أبناء الناجين وصف هذه الفاجعة قائلاً:"إنها كانت تجارب الشيطان".

فتصف هذه المرأة واسمها مارتا أوريلانا(Marta Orellana) وبمرارة كبيرة ما قاسته منذ أن بدأت القصة في عام 1946، فتقول بأنها كانت في التاسعة من عمرها وهي تلعب مع زميلاتها اليتامى في الملعب في دار الأيتام، عندما سمعت من ينادي اسمها، وأن عليها الذهاب فوراً إلى غرفة العلاج، فذهبت إلى هناك، ووجدت من ينتظرها من الأطباء، منهم من يتكلم اللغة الإنجليزية من الولايات المتحدة الأمريكية، ومنهم من جواتيمالا، فأمروها بالاستلقاء على السرير وفتح ساقيها، فرفضت القيام بذلك خجلاً واستحياءً من هؤلاء الرجال، فقاموا بالقوة ورغماً عن أنفها بفتح ساقيها وفي أيديهم إبرة طويلة، فحقنوها ثم تركوها، وقاموا بالفعل نفسه مع أكثر من تسع من البنات اليتيمات في الملجأ.

وهذه المشاهد العنيفة والغامضة تكررت مع نحو 1500 من البشر في جواتيمالا في تلك الفترة المظلمة ولقرابة أربع سنوات، ثم بعد الانتهاء من هذه العملية، أُسدل الستار الحديدي على هذه المشاهد، وأقفل الباب بالشمع الأحمر، ودخلت في طي النسيان، وفي غياهب أرشيف التاريخ الأمريكي الغاية في السرية. ولكن شاء الله سبحانه وتعالى أن يفضح خيوط هذه الجريمة الإنسانية البشعة، فينكشف هذا السر على يد أحفاد من قاموا بهذه العملية المفجعة التي أخفوها عن الناس.

فقد كانت الأستاذة الجامعية سوزان ريفربي(Susan Reverby) من كلية ويلسلي (Wellesley College) في الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بدراسات عامة عن تاريخ الطب الأمريكي فتبحث في بطون كتب التاريخ عن هذا الموضوع، فوقعت عيناها وبالصدفة في صفحات الأرشيف المدفون عن وثيقةٍ سرية تُبين قيام بعض الأطباء الأمريكيين وتحت الإشراف المباشر للأجهزة الاتحادية الرسمية بتجارب على السجناء في جواتيمالا، واستخدامهم كفئران المختبر. وبعد الولوج في أعماق هذه الوثيقة لم تُصدق ما وجدت بداخلها. فقد كان الأطباء الأمريكيين وفي سرية تامة في مطلع الأربعينيات من القرن المنصرم، يَحقنون الأطفال الأيتام، والسجناء، والجنود، والمرضى المتخلفين عقلياً، بحقنٍ ملوثةٍ بجراثيم تُصيب الإنسان بالأمراض التناسلية، وبالتحديد مرض السفليس(syphilis) أو الزهري، كما استخدموا في ذلك أبشع الوسائل والسبل لتحقيق أهدافهم، مثل استخدام العاهرات المصابات بالمرض، أو الحَقْنْ الجبري وبالقوة في النخاع الشوكي، أو رش الجراثيم على وجوه وأعضاء هؤلاء الأفراد بشكلٍ مباشر لإصابتهم بالمرض، ثم دراسة الأعراض المرضية التي تنكشف عليهم، وبعد ذلك حقنهم بالمضاد الحيوي الذي ظهر في تلك الفترة والمعروف حالياً بالبنسلين(penicillin)، لمعرفة مدى فاعليته في علاج ومنع هذا المرض الجنسي.

وبعد أن سبرت الباحثة الأمريكية غور هذه الكارثة الإنسانية، وكشفت النقاب عنها، تدخلت الجهات الحكومية الرسمية محاولة التستر على جريمتها البشعة، ولكن دون جدوى، فقد فاحت الرائحة النتنة لهذه الفضيحة في وسائل الإعلام، ونُشرت في المجلات العلمية والإخبارية العامة، ومنها مجلة الطبيعة المعروفة (Nature) في أكتوبر 2010، مما اضطر الإدارة الأمريكية ممثلة في وزيرة الخارجية ووزيرة الصحة إلى إصدار اعتذار عن وقوع هذه الجريمة البشعة، كما اتصل أوباما نفسه برئيس جواتيمالا ألافرو كولم كاباليروس (Alvaro Colom Caballeros) ليعتذر عن العمل المشين الذي قامت به الأجهزة الصحية الأمريكية الاتحادية، وليُعبر عن أسفه الشديد لشعب جواتيمالا وكافة المتضررين من التجارب المفزعة والقاتلة التي أجريت عليهم. 

ولكن هذا الجرح العميق الذي أصاب الشعب في جواتيمالا قبل أكثر من 70 عاماَ مازال ينزف دماً حتى يومنا هذا، وتشكلت لجان حكومية مشتركة بين جواتيمالا وأمريكا لفرض التعويضات المناسبة للمتضررين.

ولكن ما فائدة هذه التعويضات للذين أصبحوا عظاماً نخرة وماتوا بسبب الجراثيم الملوثة؟ وهل أموال الدنيا كلها تستطيع علاج الذين تسممت دماؤهم ودماء أولادهم وأحفادهم بهذه السموم وعانوا جسدياً ونفسياً طوال هذه العقود؟


والآن جاء دور استتاب الأمن البيئي


والآن جاء دور استتاب الأمن البيئي

بعد أن مَنَّ الله سبحانه وتعالى علينا بنعمة الأمن والأمان، وأرجع بفضله وكرمه البلاد إلى حالة الاستقرار والسلام، فتحسنت الأوضاع الأمنية والسياسية، واستتب الأمن، ورجعت الحياة إلى مسارها ووضعها الطبيعي، فبعد هذا الخير والاطمئنان النفسي والبدني وراحة البال، أود أن نُلفت انتباهنا في الوقت نفسه نحو تحسين الوضع البيئي الذي يُقاسي منذ سنوات من ضعفٍ في الرعاية والاهتمام الحقيقي والميداني، فنعمل جميعاً على استتاب الأمن البيئي وإرجاع مكونات البيئة الحية وغير الحية إلى الأوضاع التي كانت عليها قبل عقود من الزمن، فنسعى معاً جاهدين على تطوير وتأهيل بيئتنا، ونعالج الأضرار الجسيمة التي لحقت بكافة عناصرها من ماءٍ وهواءٍ وتربة، فتغلغلت في أعماقها وتأصلت جذورها.

فلا يخفى على أحد انقراض العيون العذبة الثرية والغنية بالتنوع الحيوي في البر والبحر، والتي كانت أحد المرافق السياحية والثقافية والاجتماعية التي انفردت بها البحرين عن غيرها من الكثير من الدول، ومع انقراض هذه العيون تأثر نظام بيئي بأكمله، فتدهورت الحياة الفطرية النباتية والحيوانية والطيور التي كانت تحتضنها، فغابات النخيل الكثيفة الباسقة التي كانت تحيط بالعيون، تحولت من مناطق مزدهرة بالحياة والجمال فتعيش فوقها ومن تحتها أنواع كثيرة من الطيور المغردة والمهاجرة إلى جثثٍ ميتة خاوية على عروشها، فأكلها المرض من داخلها ودَبَّ السوس في جسمها وأصبحت جسداً عليلاً لا حياة فيه. ومع انقراض هذه العيون، جفت شرايين المياه العذبة والقنوات المائية التي عاشت فيها كائنات نادرة كالسلاحف والضفادع، مما أدى إلى انقراضها من بيئة البحرين.

وهذا الوضع المأساوي للعيون يعكس بشكلٍ مباشر ومشهود التدهور الشديد الذي أصاب المياه الجوفية من الناحيتين النوعية والكمية، حتى أن المياه الجوفية العذبة الزلال انتهت كلياً من أعماق الأرض فأصبح ماؤها غوراً، وتحولت في نوعيتها كماء البحر إلى ملحٍ أُجاج.



ولا يخفى على أحد غِنى وثراء البيئة البحرية وتنوعها الشديد بالأسماك والحياة الفطرية البحرية الأخرى وأنواع البيئات الفريدة من نوعها، والتي كانت ثروة ربانية متجددة لا تنضب عاش عليها المواطن سنواتٍ طويلة، فأصبحت الآن بيئتنا البحرية مقبرة مائية شاسعة ومقفرة بسبب أعمال الحفر والدفان العشوائية والجائرة التي غطت كافة المناطق الساحلية حول البحرين، ونتيجة لصرف المخلفات السائلة من المصانع ومحطات معالجة مياه المجاري لسنوات طويلة من الزمن، إضافة إلى المخلفات الصلبة التي نشاهدها على السواحل وفي أعماق البحر، حتى أننا الآن نبذل قصارى جهدنا بحثاً عن الأسماك، وكأننا ننقب عن النفط أو الغاز الطبيعي في أعماق البحار، ثم لا نجدها إلا بِشِق الأنفس وبعد طول انتظار.

ولا يخفى على أحد صفاء هوائنا، ونقاء سمائنا وخلوها من الشوائب والملوثات القاتلة، والتي تحولت الآن إلى سماءٍ بنية صفراء اللون تسبب الأمراض والأسقام المزمنة، فزادت فيها نسب الملوثات إلى مستويات مرتفعة معظم أيام السنة، فالمصانع ومحطات توليد الكهرباء تنفث سمومها في هوائنا، وعشرات الآلاف من السيارات التي اكتظت بها الطرقات وازدحمت بها الشوارع تُطلق ملوثاتها المسرطنة إلى سمائنا.  

ولذلك فالشواهد والواقع الميداني يؤكد على أن الأمن البيئي في خطر مزمن، ومكونات البيئية جميعها مهددة في استقرارها واستدامة عطائها، فلا بد إذن من إعادة الأمن البيئي بالسرعة الممكنة بتعاون الجميع من جهات تشريعية وتنفيذية وجمعيات المجتمع المدني والأفراد، وإرجاع اللُحمة والعلاقة الحميمة التي تربط بين كافة مكونات وعناصر البيئة الحية وغير الحية، حتى تعيش مع بعض في أمنٍ وسلام وراحة واستقرار، فتزدهر بيئتنا وتؤتي أكلها كُلَ حينٍ طيبةً سليمة للإنسان والكائنات الحية التي تعيش معنا.



الثلاثاء، 21 يونيو 2011

هل نأكل السوشي؟




هل نأكل السوشي؟

إذا كُنتَ من المحبين للطبخة اليابانية المشهورة ”السوشي“، فعليك التريث قليلاً، والتفكير ملياً، والسؤال عن مصدر جميع مكونات هذه الوجبة، من السمك، والرز، والخضروات، والأعشاب البحرية.

فكارثة انفجار المفاعلات النووية في محطة فوكيشيما(Fukushima) لتوليد الكهرباء في 11 مارس في اليابان، وانبعاث أنواعٍ كثيرة من الملوثة المشعة القاتلة التي يمكث بعضها في عناصر البيئة عشرات السنين من هواءٍ ومياه البحار والمياه الجوفية والتربة، لا بد من أن تجعلنا نُدقق ونسأل عن كل منتج ياباني غذائي أو غير غذائي يدخل إلى البحرين، وخاصة أن انبعاث هذه الإشعاعات السامة سيبقى فترة طويلة من الزمن، وذلك استناداً إلى اعترافات الجهات الرسمية المعنية بإدارة الكارثة والسيطرة على مصادر الإشعاع في المفاعلات المحترقة، حيث أعلنت شركة طوكيو للطاقة الكهربائية(Tokyo Electric Power Co (Tepco)) في 17 أبريل وبكل صراحة أن عملية إغلاق المحطة النووية كلياً وسد كل مصادر الإشعاع، وإيقاف تسربات المواد الملوثة إلى البيئة ستستغرق نحو 9 أشهر، أي حتى ديسمبر من العام الجاري، مما يعني استمرار دخول الإشعاعات إلى الهواء الجوي في منطقة الكارثة ثم انتقالها إلى مكونات البيئة الأخرى وصولاً إلى السلسلة الغذائية البشرية.

وهناك عدة حقائق ومشاهدات ميدانية قد وقعت منذ 11 مارس حتى يومنا هذا تؤكد لنا خطورة الموقف بالنسبة لتركيز الملوثات المشعة في جسم البيئة وجميع المنتجات اليابانية، مما يوجب علينا أخذ الحذر والحيطة ومراقبة كل منتج ياباني، ليس للأشهر القادمة فحسب، وإنما للسنوات القادمة إلى حدٍ سواء، فكارثة تشرنوبيل التي وقعت في عام 1986، أي قبل 25 سنة مازالت تُلوث التربة والمواشي في بعض المناطق في الاتحاد السوفيتي سابقاً وفي قارة أوروبا.

أولاً: تم قياس مستويات مرتفعة جداً من العناصر المشعة في البيئة اليابانية وبيئة الدول الأخرى التي يبعد بعضها آلاف الكيلومترات من موقع الكارثة. فعلى سبيل المثال، وصل تركيز عنصري الأيودين والسيزيم في الهواء الجوي بالقرب من المفاعلات ألف ضعفٍ عن المستويات الطبيعية، وفي 18 أبريل اكتشف الإنسان الآلي(الروبوت) تسربات إشعاعية عالية جداً في المفاعلات، حيث بلغ 270 ميلي سيفرتس/الساعة. وفي ماء البحر بلغ تركيز الأيودين المشع أكثر من 7.5 مليون ضعف عن المواصفات، والسيزيم بلغ مليوني ضعف، علماً بأن السيزيوم يستمر مشعاً أكثر من ثلاثين عاماً.

ونتيجة لذلك فقد تسممت الأسماك بالإشعاع، منها سمك الأنشوبي المعروف(anchovy) الذي وصل التركيز في جسمه إلى 3 بيكرل(becquerel) من السيزيوم في الكيلوجرام من السمك، كما أن تركيز الأيودين المشع في سمك اللانس(lance) بلغ 4080 بيكرل/كجم، والسيزيم 12500 بيكرل/كلجم من السمك، أي أكثر من 25 ضعفاً عن المعدلات المسموح بها. وفي السبانخ بلغ 54 ألف بيكرل من الأيودين في الكيلوجرام من السبانخ، أي أعلى من المعايير بنحو 27 مرة، وفي الحليب كان التركيز أعلى من المعدل بنحو 17 مرة. وفي مياه الشرب وصل التركيز إلى 210 بيكرل من الأيودين المشع في الكيلوجرام من ماء الحنفية، وفي المياه الجوفية بلغ تركيز الأيودين عشرة آلاف مرة أعلى من المعايير. 

وفي المقابل فقد أكدت محطات مراقبة الإشعاع الموجودة في مواقع كثيرة من الكرة الأرضية أن التلوث الإشعاعي انتقل إلى عدة ولايات غربية في الولايات المتحدة الأمريكية وعبرت المحيط الأطلسي لتصل إلى أيسلندا، أي أن الإشعاع غطى النصف الشمالي من الكرة الأرضية.

ثانياً: من الواضح أن الملوثات التي انبعثت إلى الهواء والماء وترسبت على التربة، أصبحت الآن جزءاً من السلسلة الغذائية للإنسان، أي أن الإنسان الآن قد تعرض بشكلٍ مباشر للمواد المشعة، إضافة إلى التعرض غير المباشر من خلال تناول المأكولات كالسمك والخضروات واللحم والحليب وشرب الماء المشع. وهذا المسار للتعرض للملوثات أُطلق عليه بالمسار الخفي والمجهول الذي يتجاهله الناس وينسونه بعد أن تتوقف مصادر الإشعاع المباشرة إلى مكونات البيئة، فهناك بعض العناصر المشعة التي انطلقت إلى البيئة، كعنصر السيزيوم الذي له قدرة عالية على الإشعاع، ويستمر عنصراً يطلق الجسيمات والموجات المشعة أكثر من ثلاثين عاماً.

ولذلك فنحن نستهلك هذه المنتجات الغذائية الملوثة، كما نتعرض للإشعاع من المنتجات الأخرى التي تسممت به لسنوات قادمة طويلة، ولكن دون أن ندري بذلك، أو حتى أن نحس بوجوده في أجسامنا، إلا بعد أن تتراكم مع الزمن فتصل إلى الجرعة التي تذهب بنا سراعاً إلى المستشفى، أو تسقطنا صرعى. 

وبعد هذه الحقائق العلمية والوقائع الميدانية، هل مازلتَ ممن سيأكلون السوشي؟