السبت، 30 يوليو 2011

التعبد عبر الإنترنت

نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية مؤخراً خبراً غريباً تحت عنوان: ” الحكومة التايوانية تَحثُ المواطنين على العبادة عن طريق الانترنت من أجل حماية البيئة“.

ويتزامن نشر هذا الخبر مع مهرجان تنظيف القبور الذي يقيمه الصينيون في تايون منذ قديم الزمان، حيث يزورون القبور ويقومون ببعض الشعائر للأموات مثل حرق البخور والأوراق المالية، وهذه العملية، حسب الحكومة التايوانية، تسبب تلوث الهواء الجوي وتؤدي إلى نشوب الحرائق.

ولذلك فقد وجهت وكالة حماية البيئة في تايوان المواطنين الصينيين وغيرهم إلى نبذ هذه الطرق التقليدية القديمة لإقامة الشعائر التعبدية وإتباع الوسائل الحديثة الإبداعية التي توفر المال، وتحمي الهواء من التلوث، وتُخفِّض من إنبعاثات الغازات المسئولة عن رفع درجة حرارة الأرض وإحداث التغير المناخي.

ومن أجل تحقيق ذلك، قامت تايوان بتصميم وتخصيص مواقع محددة في شبكة المعلومات العالمية للقيام بالأمور التعبدية وممارسة الشعائر نفسها التي يؤديها المواطن، ولكن وهو في منزله. فهذه المواقع التعبدية تأخذك في جولة ميدانية واقعية في دور العبادة والأماكن التي تُؤدى فيها الشعائر، ويقوم المواطن وهو في منزله جالس أمام الحاسب الآلي بحرق البخور والقيام بالعبادات والشعائر الروحانية الأخرى، دون بذل أي مجهودٍ عضلي، أو صرف مبلغٍ مالي، أو تلويث الهواء الجوي.

ولكن هل سيستجيب عامة المواطنين الذين ورثوا هذه العادات والتقاليد عن آبائهم وأجدادهم لهذه الدعوة الجريئة من الحكومة من أجل البيئة؟

الجمعة، 29 يوليو 2011

حشرة ضعيفة تُهدد أمريكا

حشرةٌ صغيرة وضعيفة، لا حول لها ولا قوة، لا يزيد طولها عن خمسة مليمترات، ولا تستطيع الطيران والتحرك بسرعة من مكانٍ إلى آخر، وبالرغم من ذلك فإنها تُلقى الخوف والرعب في نفوس الأمريكيين، وتنشر الفزع في قلوبهم، وتُحير علماء الأحياء والباحثون في مجال المبيدات الحشرية، كما تُشغل في الوقت نفسه بال رجال السياسة في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عدة سنوات استجابة لشكاوى الناس والأضرار التي تلحقها هذه الحشرة والبَقَّة الصغيرة على الصحة والاقتصاد العام. فقد أكدت الجمعية الوطنية لإدارة الآفات في الولايات المتحدة الأمريكية في دراسة قامت بنشرها في عام 2010 تحت عنوان “الدراسة الدولية الشاملة حول بقة السرير”، على أن اتصالات المواطنين وشكواهم حول مشكلة بقة السرير قد زادت بنسبة ملحوظة بلغت 81% منذ عام 2000، ووصلت إلى أكثر من 24 ألف حالة شكوى.

ولذلك فالكونجرس الأمريكي بالرغم من كثرة شؤونه وهمومه، وارتفاع قائمة القوانين الحيوية المتأخرة التي تنتظره لسنوات، استقطع جزءاً من وقته الثمين ليرعي مؤتمراً وطنياً يُعلن الحرب فيه على هذه الحشرة المخيفة والمزعجة، ويدعو الجميع للتباحث حـول سـبل التخلص منها، وأطلق عليه “الـقـمة الوطنية لبقة السرير”( National Bed Bug Summit)، والتي عُقدت مؤخراً في العاصمة واشنطن لمدة يومين، وهذه ليست القمة الأولى التي تُنظم لهذه الحشرة المغلوبة على أمرها، حيث إن القمة الوطنية الأولى عُقدت في مدينة روزمونت(Rosemont) بولاية إلينوي في الفترة من 21 إلى 22 سبتمبر 2010، وجَمَعت أكثر من 600 مشارك من مختلف الولايات لمناقشة قضية ساخنة واحدة فقط وهي بقة السرير، وتأكيداً لخطورة هذه الحشرة وتهديدها للمجتمع الأمريكي برمته، فقد أُطلق على عام 2010 بعام بقة السرير.

فهذه الحشرة بعد أن تم القضاء عليها كلياً في الخمسينيات من القرن المنصرم، استطاعت أن ترجع مرة ثانية إلى المجتمع الأمريكي وهي في كامل قواها، وتمكنت من أن تقاوم وتتغلب على كل أنواع المبيدات التي استخدمت ضدها، فانتشرت حتى في الولايات التي لم تكن تعرف من قبل بوجودها.

فهي الآن موجودة في المنازل، والشقق، والفنادق الفخمة ذات الخمسة نجوم، وفي محلات الأثاث، ومتاجر الملابس، والمكتبات العامة، إضافة إلى المباني التاريخية والعريقة، كما أن الكثير من المحلات التجارية أغلقت أبوابها لأجلٍ غير مسمى لمواجهة هذا الخطر ومحاولة القضاء عليه من جذوره، واستئصاله كلياً من محلاتها.

ومما زاد من تهديد هذه الحشرة للصحة العامة والاقتصاد الوطني، ودق ناقوس الخطر، هـــــو مـــــــــا اكـــــــــــتشفـــه البـــــاحثــــــــــون العــــــــامــــــــلون في المــــــــركز الأمـــــــــريكي لمـنع والتحكم في الأمراض(Centers for Disease Control and Prevention)، ونُـشرت نـتـائـجه في الـعدد الصادر في يونيو 2011 في مجلة طبية متخصصة في الأمراض المعدية اسمها “أمراض معدية قادمة”(Emerging Infectious Diseases)، فقد أكدوا بأن حشرة السرير تَحْمل معها وعلى جسمها نوعين من البكتيريا يقاومان العقاقير والأدوية، كالمضادات الحيوية، وهذان النوعان من البكتيريا قاتلـــتــــان للإنــــسان وتُعرفان علمياً على المستوى العالمي بـ إم آر إس أيه و في آر إي(Staphylococcus aureus, MRSA and Enterococcus faeium,VRE ).

وهذا الاكتشاف يعني بأن هذه الحشرة الصامتة التي تهاجم الإنسان في وقت السحور وفي ساعات الفجر الأولى عندما يكون الإنسان في راحةٍ تامة وغارقاً في سباتٍ عميق ولذيد، ففي هذه الساعات تنشط هذه الحشرة، وتبدأ زحفها نحو فريسته وهجومه نحو جلد الإنسان، فتقوم بوخز الجلد والتلذذ بامتصاص الدم... فهذه الحشرة علاوة على كل هذا، تقوم عند عضها للإنسان بنقل هذين النوعين الخطرين جداً من البكتيريا، ونشرهما إلى كافة شرائح وفئات وطبقات المجتمع الأمريكي دون تمييز أو تفريق، كما أكدت هذه الدراسة على أن هذين النوعين من البكتيريا تسببان المرض لنحو 90 ألف أمريكي سنوياً، وتقتلان زهاء 15 ألف منهم.

والمعضلة الكبيرة التي تواجه العلماء المعنيين بمكافحة هذه الحشرة هي عدم وجود مبيد فاعل وقوي يستطيع قتلها، مما اضطرهم إلى التدخل في الأعماق الدقيقة في جسم هذه الحشرة، وبالتحديد إلى أنواع الجينات التي تحملها، لعلهم يصلون إلى آلية هذه الحشرة في مقاومة المبيدات التقليدية المعروفة وأسباب نشاطها بعد أكثر من ستين عاماً.

وحتى يصل العلماء إلى الحل الجذري لاجتثاث هذه الحشرة، فإن الأجهزة المختصة تنصح المواطنين بالقيام بعدة أمور من بينها: الكشف عن حشرة السرير عند شراء الأثاث، وبخاصة الأثاث المستعمل، ووضع المخدات وغيرها في أغطية واقية، وسد جميع المنافذ والحفر والثقوب في المنزل حتى لا تجد الحشرة مكاناً آمناً للاختباء فيه، وعند السفر التأكد من عدم التعرض لهذه الحشرة حتى لا يحملها الإنسان معه إلى منزله أو مكان عمله.

الأربعاء، 27 يوليو 2011

الأرِيْكَة الحارقة

كُلما جلستْ السيدة جو هيل على أريكتها الجلدية الجديدة التي اشترتها من محل تجاري مرموق في لندن، أَحستْ بجلدها وكأنه يحترق من شدة الألم الذي يصيبها.

وبالرغم من زياراتها المتكررة للمستشفى، إلا أنه لم يستطع أحد أن يُشخص لها أسباب هذا الألم المُوجع الذي يصيب جلد جسمها، ويُسبب لها التقرحات. ومع الوقت تبين أن هناك آلاف من المواطنين البريطانيين الذين يعانون من المشكلة نفسها، ولم يتم التعرف على أسباب هذه الحالة المرضية الغريبة.

وبعد تسعة أشهر من ظهور هذه الحالات بين المواطنين، تبين أن الأريكة الجديدة، أو السوفا هي المُتهمة في حرق الجلد وإصابته بالاحمرار والقرحة الشديدة. ثم بعد إجراء التحاليل المخبرية على مكونات السوفا الجلدية، تم التأكد بأنها قد تم رشها في الصين قبل شحنها بمادة كيميائية تعمل على منع نمو الفطريات، وبالتالي تمنع تعرض الأثاث للإصابة بالعفن عند فترة الشحن ثم التخزين في محلات الأثاث. وهذه المادة الكيميائية هي ثنائي ميثيل الفيُماريت(dimethyl fumarate)، وهي مادة سامة تؤجج الحساسية الجلدية عند الإنسان، وتم حظر استخدامها في الاتحاد الأوروبي في المنتجات الاستهلاكية منذ عام 1998، كما تم منع استيراد المنتجات التي بها هذه المادة في يناير 2009.

وهذه القضية الصحية البيئية لم تنته عند هذا الحد، فقد دخلت المحاكم البريطانية، وتم تعويض المتضررين الذين بلغ عددهم 3500، بمبلغ مالي يتراوح بين 1175 و 9000 جنيه إسترليني حسب الضرر الصحي الذي لحق بالفرد، ووصل مجموع التعويض المالي إلى نحو 20 مليون جنيه، أي ما يقارب 12 مليون دينار.

ولا شك بأن هذه الحادثة تؤكد لنا ضرورة التثبت من سلامة كافة المنتجات الاستهلاكية التي يتعرض لها المواطن قبل دخولها إلى بلادنا من الناحيتين الصحية والبيئية، فالشركات المُصنَّعة نفسها لا تبالي بمثل هذه الأمور، ولا تدخل السلامة الشخصية ضمن اهتماماتها وهمومها.

الثلاثاء، 26 يوليو 2011

المافيا تستثمر في البيئة

هل تُصدقون أن المافيا أو العصابات الإجرامية المنظمة بدأت تهتم بالشؤون البيئية، وبالتحديد الاستثمار والمتاجرة في مصادر الطاقة البديلة والمتجددة؟

فهل يمكن للمافيا المعروفة بتاريخها الأسود المظلم، والمعروفة بالمتاجرة بالسلاح والمخدرات والدعارة والمخلفات الخطرة وغيرها من مصادر الشر والدمار الجماعي، أن تتجه نحو البيئة وهمومها والاستثمار في ما هو خيرُ وصلاحُ وبناء الإنسان والمجتمعات البشرية؟

نعم هذا ممكن جداً، لأن سياسة المافيا تقوم على أن الغاية تبرر الوسيلة، فهي تتبنى كل الوسائل والأدوات وتتاجر وتستثمر في كل شيء يدر عليها بالربح السريع، ويحقق لها إيرادات طائلة، فهي تبحث عن المال أينما كان، وكيفما كان، ومن أي مصدر، مهما كان هذا المصدر، خيراً أم شراً، صالحاً أم فاسداً، شرعياً كان أم غير شرعيٍ ومُحرم.

فقد صادف أن كانت مصادر الطاقة الخضراء والنظيفة والمتجددة، والتـقانات والأجـهـزة التي تـقوم عليها مــن الفرص الاستثمارية الجديدة والواعدة والتي قد يجني منها رجال المافيا الخير الوفير والمال الكبير، وبخاصة بعد أن أعلنت بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا وإيطاليا سياسات واضحة وطويلة الأمد تتجه نحو الاعتماد على مصادر الطاقة غير الناضبة، واستخدام المعدات التي تستخدم في توليد الكهرباء من المصادر البديلة والمتجددة، إضافة إلى تشجيع هذه الدول لرؤوس الأموال والمستثمرين إلى الولوج في هذا المجال الجديد وتقديم الدعم اللازم لتحفيزهم على ذلك.

فعلى سبيل المثال، اتخذ البرلمان الألماني الاتحادي قراراً تاريخياً وبالأغلبية الساحقة في 30 يونيو 2011 بإغلاق كافة المفاعلات النووية بحلول عام 2022، والاعتماد أكثر على مصادر الطاقة المتجددة، كالرياح والطاقة الشمسية، ثم قبل ذلك وبالتحديد في 13 يونيو وفي استفتاءٍ شعبي، رفض الإيطاليون الطاقة النووية، واتخذوا قراراً جماعياً بالاعتماد أكثر على مصادر الطاقة البديلة والمتجددة وتشجيع جميع الجهات التي ترغب في الاستثمار في هذه المصادر من خلال تقديم الدعم وتوفير الحوافز المجزية.

فالمؤشرات الدولية تفيد إلى تبني دول العالم لسياسة جديدة في مجال الطاقة، وهاتان السياسة والإستراتيجية الطويلتا الأمد تتمثلان في الرفع من درجة الاعتماد على مصادر الطاقة الخضراء والمتجددة، والمافيا قرأت هذه السياسات المستجدة على الساحة الدولية جيداً، وبدأت التفكير الجدي في الولوج في هذا الباب الجديد المفتوح على مصراعيه، وانتهزت هذه الفرصة للاستثمار في جميع مصادر الطاقة المتجددة، وبخاصة في هذه المرحلة الأولى التوجه نحو تصنيع وإنتاج واستخدام المراوح العملاقة.

وهذا التغير الجديد في سياسات الطاقة في الكثير من دول العالم من المفروض أن ينعكس أيضاً على سياسات الطاقة في البحرين وتبني سياسة التنوع في مصادر الطاقة، وخفض الاعتماد بشكلٍ تدريجي على الوقود الأحفوري كمصدر وحيد للطاقة في السيارات، ومحطات توليد الكهرباء، والمصانع.

فالمافيا يجب أن لا تكون أفضل منا في قراءة وتحليل الأخبار المتعلقة بسياسات الطاقة على المستوى الدولي.

الاثنين، 25 يوليو 2011

سفاح النرويج وازدواجية المعايير

في يوم الـجمـعة المـوافق 22 يوليو قام رجل إرهابي نرويجي يمينـي متطرف اسمه
(Anders Behring Breivik) بتفجير بنايةٍ حكومية في العاصمة النرويجية أوسلو، ثم إطلاق النار بشكلٍ عشوائي على مخيمٍ للشباب في جزيرة أوتويا(Utoya) شمال أوسلو، وكانت المحصلة النهائية للقتلى مئة نرويجي والكثير من الجرحى والمصدومين.

وبعد القبض عليه واعترافه بقيامه بهذه المذبحة الجماعية، لم يبد أي أسفٍ، أو يقدم اعتذاراً لما ارتكبته يداه، وإنما وصف ما قام به قائلاً: "إنه عمل ضروري"!

وتصورا معي الآن لو كان المجرم هنا مسلماً، فستكون ردة الفعل كما يلي:

أولاً: دول العالم قاطبة، وعلى رأسها أمريكا ودول أوربا ستستنكر بلهجةٍ شديدة هذه المذبحة، وتصف الشخص بـ "الإرهابي المسلم"، في حين أن هذا الشخص السفاح الذي اعترف بالمجزرة البشعة التي قام بها لا يوصف الآن بـ "المسيحي".

ثانياً: ستقوم وسائل الإعلام الغربية الرسمية وغير الرسمية وتتبعها بعض وسائلنا الإعلامية بوضع "الإسلام"، وليس الشخص الذي قام بالجريمة في قفص الاتهام، وتَتهم الإسلام بأنه دين الإرهاب والعنف والقتل، في حين لا نرى وسائل الإعلام الآن تضع "المسيحية" في قفص الاتهام، علماً بأن مرتكب المذبحة هو "مسيحي ويميني".

ثالثاً: ستكون هناك دعوة في النرويج وسائر الدول الغربية بملاحقة جميع المسلمين واعتبارهم قتلة ارهابين ويجب معاقبتهم جماعياً وطردهم من أوروبا، فهم غير متسامحين ولا يستطيعون التعايش مع الآخرين.

رابعاً: ستتهم وسائل الإعلام الغربية الرسمية وغير الرسمية وتتبعها بعض وسائلنا الإعلامية القرآن الكريم بأنه يحتوي على آياتٍ تدعو إلى الاعتداء على الناس وقتلهم وإرهابهم، ولذلك لا بد من إخفائها وتغيير المناهج الدراسية على كافة المستويات لتَكوينِ مواطنين لا يَحْملون أفكاراً متطرفة وإرهابية. وفي المقابل لا نجد من يدعو الآن إلى تغيير الإنجيل والكتب المسيحية المقدسة والمناهج المدرسية التي كَونَّتْ وشَكلتْ أفكار وآراء السفاح النرويجي المسيحي!

الأحد، 24 يوليو 2011

روسيا تمنع شرب البيرة

الدولة التي تشتهر بنوعٍ من أنواع الخمر وهو الفودكا(vodka)، وتعتز بشربه وبتوزيعه على دول العالم، بدأت الآن تقاسي من انتشار استهلاكه على المستوى الوطني، وتعاني من المردودات الخطرة التي ظهرت منذ سنوات على المجتمع برمته، والمتمثلة في الإدمان الشديد بين كافة الفئات العمرية، والتفكك الأسري وانهيار بنائها، وتوسع دائرة العنف والجرائم، والتدمير الصحي الذي أصاب الشباب، والخراب الاقتصادي الذي نجم عن كل هذه المظاهر الاجتماعية والصحية والأمنية.

فروسيا هي بلد الفودكا، وتحول شربه إلى عادة اجتماعية يومية تغلغلت في أوساط جميع شرائح المجتمع، فشكلت تهديداً حقيقياً لنسيج هذا المجتمع برمته، مما اضطر الحكومة إلى تقنين شربه ورفع نسبة الضرائب المفروضة عليه، أملاً في انخفاض استهلاكه مع الوقت.

ولكن في المقابل اتجه الجميع نحو استهلاك مشروب كحولي آخر هو البير(beer)، الذي يحتوي أيضاً على نسبة عالية من الكحول ويباع للجميع من أطفال وشباب وشيوخ، ويمكن شراؤه في كل الأوقات وفي كل مكان، حتى في الأكشاك الموجودة في الطرقات.

ولذلك انتشر شرب البير إلى درجة كبيرة سبب فيها المشكلات نفسها التي نجمت عن شرب الفودكا، مما اضطر البرلمان الروسي إلى اتخاذ مواقف حاسمة وحازمة لمواجهة هذه الظاهرة التي أصبحت تـهدد المجتمع الروسي مرة ثانية، وقام الرئـيس الـروسي ديمتري ميدفوف(Dmitry Medvedev) في 21 يوليو بالتوقيع على قانون البير(beer bill) الذي يهدف إلى خفض درجة انتشار شرب البير، وتقليل الانعكاسات السلبية التي تنجم عنه من خلال اتخاذ إجراءات محددة هي منع بيع وشرب البير في كافة المرافق العامة، كمحطات النقل العام، والمتنزهات والحدائق، والصالات والملاعب الرياضية، إضافة إلى تقنين أوقات وأماكن بيعه ومنع الإعلان والدعاية له في كافة وسائل الإعلام واللوحات الإعلانية.

كما أن القانون الجديد يغير تصنيف البير من مادة غذائية يمكن شراؤها في أي وقت وفي أي مكان إلى مشروب كحولي يضر بصحة الإنسان والمجتمع.

وإنني أتساءل: إذا كانت المجتمعات توقن بخطورة الخمر والأضرار الصحية التي تنجم عنه، وتعاني يومياً من التهديدات التي يمثلها للمجتمع برمته، فلماذا لا تقوم بمنعه كلياً؟

الخميس، 21 يوليو 2011

بَلَدْ المليون جمعية!

كُنَّا في الماضي القريب نفتخر ونعتز بأن البحرين هي بلد المليون نخلة، فكانت تشتهر على المستوى الإقليمي بهذه السمعة الطيبة وبما فيها من بساتين غناء كثيفة بالنخيل الباسقات، وعيون في البر والبحر ماؤها عذب فرات، وتنوع الأحياء التي تعيش في كنفها.

والآن بعد أن ذهبت عنَّا هذه الصفة والميزة الجميلة، أخذت البحرين تشتهر بأنها أيضاً بلد المليون، ولكن في هذه الحالة أَطلقتُ عليها منذ سنوات ببلد “المليون جمعية”، فلَعلَ هذه الصفة الجديدة تُغنينا عن ما فقدناه من أن نكون بلد “المليون نخلة”.

ففي كل يوم أفتح صحيفة من صُحفنا، وإذا بي أقرأ عن ولادة وإشهار جمعية جديدة، وبعد فترة من هذا الإشهار لا أكد أسمع أو أقرأ عن أي برنامجٍ أو نشاط لهذه الجمعية، وكأنها دخلت في مرحلة البيات السنوي الدائم، وانتهت أعمالها وأهدافها بعد إشهارها.

وإذا قُمنا بدراسة عن عدد الجمعيات في البحرين بالنسبة لعدد السكان، وقارنا هذا العدد مع دول العالم، لوجدنا بدون أدنى شك بأن البحرين ستتصدر القائمة بالنسبة لعدد الجمعيات للسكان، وربما ستحصل على أعلى نسبة على المستوى العالمي!

وإذا قمنا بدراسة أخرى سريعة حول أهداف هذه الجمعيات، ثم أجرينا مقارنة لهذه الأهداف، لوجدنا أن هناك تطابقاً في الأهداف بين الكثير من الجمعيات، أو في الأقل تشابهاً كبيراً في أهدافها وبرامجها وأنشطتها.

لقد وصلنا ليس إلى حالة التشبع في أعداد الجمعيات فحسب، وإنما إلى حالة فوق التشبع، ولذلك ألا يمكن دمج بعض هذه الجمعيات مع بعض، كما حصل في السنوات الماضية بالنسبة للأندية الرياضية، لكي تكون هذه الجمعيات أكثر فاعلية في أدائها، وأكثر خدمة للمواطنين، وأشد تأثيراً عند القيام بأنشطتها العامة، وأقل كُلفة في إدارتها وتشغيلها؟

وسأترك الإجابة للقائمين على هذه الجمعيات.

الأربعاء، 20 يوليو 2011

احذروا الإكسسوارات الرخيصة

نَشرتْ وسائل الإعلام الأمريكية خبراً تحت عنوان ”مصادرة نحو 20 ألف من الأساور السامة التي يستخدمها الأطفال“.

وقد جاء هذا الخبر نقلاً عن الهيئة الأمريكية لسلامة المُنتجات الاستهلاكية، حيث أفادت الهيئة بأن هذه المنتجات التي تمت مصادرتها تم استيرادها من الصين، وتحتوي على مستويات مرتفعة جداً من عنصر الكادميوم المعروف بسُميته العالية ويُعد أحد مسببات مرض السرطان. وهذا العنصر بالذات قد وقعت عدة كوارث بشرية بسببه، من أشهرها كارثة إتاي إتاي التي نزلت على الشعب الياباني في مطلع الخمسينيات من القرن المنصرم، ومازالت آثارها باقية في المجتمع الياباني حتى يومنا هذا.

والجدير بالذكر أن هذا ليس هو الخبر الأول، ولن يكون الأخير، عن وجود عناصر سامة في المنتجات الاستهلاكية التي يستخدمها الأطفال، وبخاصة الحُلي والمجوهرات الرخيصة والإكسسوارات بأنواعها المختلفة، فمنذ سنوات ومثل هذه الأنباء تَرد في وسائل الإعلام وتتكرر بشكلٍ دائم، ولكن لا نجد إجراءات صارمة تأخذها الدول لمنع دخول مثل هذه المنتجات الخطرة وتُجنب تعرض الأطفال لسمومها.

فوجود السموم في المنتجات الاستهلاكية تُشكل تهديداً كبيراً لصحة الطفل بشكلٍ خاص، حيث إن الطفل قد يلعق هذه المنتجات الخطرة، وقد يبتلعها إذا كانت صغيرة الحجم، وهذه قد تؤدي إلى إصابته بتسممٍ حاد، أو حتى إلى موته في بعض الأحيان.

ولذلك من الضروري التأكد من سلامة هذه المنتجات قبل دخولها إلى بلادنا عن طريق شهادة صحية وشهادة تحليل محتوى من دولة المنشأ، إضافة إلى إجراء تحاليل مخبرية على عينة عشوائية من هذه الإكسسوارات المعدنية قبيل السماح لها في الدخول في الأسواق المحلية.

الأحد، 17 يوليو 2011

هل يجوز التدخل في شؤون الدول؟

القوانين والمواثيق الدولية ومعاهدات الأمم المتحدة والأعراف السياسية لا تسمح لأية دولة في التدخل في الشئون الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدول الأخرى، فلكل دولةٍ حدودها المرسومة والموثقة في البر والبحر، ولكل دولةٍ سيادتها المطلقة على حدودها الجغرافية، ويُحرم على أي فرد دخول هذه الحدود إلا بإذن مسبق ومن خلال القنوات الرسمية المعروفة، كما يحظر في الوقت نفسه على أية دولة انتقاد دولة أخرى على سياساتها وأسلوب إدارة شئونها الداخلية، ويعد أي تدخلٍ من هذا النوع انتهاكاً خطيراً لأعراف ومبادئ ومواثيق العلاقات الدولية.

وتأتي الحِكْمة من هذه السياسة الدولية في أن كل دولة تحكم نفسها بالأسلوب الذي يناسبها ويتوافق مع ثقافتها ومبادئها وتاريخها، وهي الأكثر علماً وخبرة وقدرة في إدارة شئونها وهمومها الداخلية، وخاصة أن إدارة الشأن الداخلي لأية دولة لا يؤثر عادةً بشكلٍ سلبي على الدول المجاورة ولا يضر بمصالحها، وبالتالي فلكل دولة مُطلق الحرية في تبني المنهج والسياسة المناسبة لها، واتخاذ القرارات التي تصب في مصالحها القومية.

ولكن في الشأن البيئي فإن الأمر يختلف تماماً، فالتلوث لا يعرف الحدود الجغرافية المصطنعة بين الدول، فلا توجد فواصل، أو جُدُر مغلقة، أو موانع مادية تمنع حركة الملوثات عبر الحدود الجغرافية للدول المجاورة، ولذلك لا يمكن مهما فعلنا أن نمنع حركة هذه الملوثات، أو أن نحد من انتقالها مباشرة من منطقة إلى أخرى، سواء عن طريق المسطحات المائية المشتركة بين الدول كالأنهار والبحيرات والمحيطات، أو عبر الغلاف الجوي والهواء.

ولذلك إذا أرادتْ أية دولة أن تحافظ على بيئتها وتحمي صحة أبنائها من الأسقام والعلل الناجمة عن التعرض للملوثات في الماء والهواء والتربة، فلا يكفي أن ترعى شئون بيئتها الداخلية وتهتم بحمايتها والمحافظة على أمنها الصحي، إذا كانت في الوقت نفسه الدول المجاورة التي تشترك معها في الهواء الجوي، أو في البحار، أو في البحيرات والأنهار، لا تهتم بمكونات بيئتها، وتقوم بصرف المخلفات الغازية والسائلة إلى الأوساط البيئية من هواءٍ أو مسطحاتٍ مائية. ففي هذه الحالة لا بد من التدخل بطريقة أو بأخرى في الشأن البيئي الداخلي للدول المجاورة لأن أنشطتها تؤثر على سلامة الإنسان والبيئة في الدول الأخرى القريبة منها.

وهذا ما حدث بالفعل بين الكثير من دول العالم المجاورة، وعلى رأسها الصراع السياسي البيئي حول المطر الحمضي بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية، والذي استمر أكثر من مئة عام، وخَلَقَ حرباً باردة بين الدولتين الجارتين، حتى أن جريدة نيويورك تايمس الأمريكية أكدت في 30 أبريل 1981 بأن القضية البيئية المتمثلة في المطر الحمضي تُهدد العلاقة بين البلدين الجارين، وقد تحول كندا إلى عدوٍ لَدُودْ لأمريكا.

فبعد أن شاهدت كندا التأثيرات الكارثية للملوثات التي تنبعث من المصانع الأمريكية الواقعة بالقرب من حدودها، والتي تمثلت في نزول المطر الحمضي الذي أكل الأخضر واليابس وأهلك الحرث والنسل، فدمر الغابات والحياة الفطرية التي تعيش عليها، وحول بحيرات كندا المنتجة والغنية إلى مستنقعات ميتة ومقابر جماعية للأسماك لا حياة فيها ولا روح لها، فتضرر الناس وتكبد الاقتصاد خسائر فادحة، عند ذلك اضطرت كندا أن تتدخل بقوة في الشئون البيئية الأمريكية، ودعتها بشدة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لخفض انبعاث الملوثات من مصانعها، وبخاص أكاسيد الكبريت والنيتروجين.

ولكن نُواب الكونجرس اعتبروا هذه الدعوة تدخلاً في شئونها الداخلية، فقال بعضهم بأنها تدخلات أجنبية في السياسة الأمريكية وتهدد سيادة أمريكا واستقلاليتها، كما أن الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان تجاهل كل الدعوات الكندية واعتبر أن المطر الحمضي قضية لا أصل لها لعدم وجود الدراسات العلمية الكافية التي تثبت خطورتها. وعلاوة على ذلك فقد منعت وزارة العدل الأمريكية فيلماً كندياً عن المطر الحمضي تحت عنوان: “أحماض من السماء”، ووصفت الفيلم بأنه “دعاية سياسية أجنبية”!

واستمرت كندا في صرعها مع أمريكا، ولم تسكت على الوضع البيئي المتدهور الذي تعاني منها، حتى اقتنعت أمريكا بأن المطر الحمضي قضية تهدد أمن وسلامة البيئة وصحة المواطن في البلدين، وعندها قام ريجن ورئيس وزراء كندا براين ملروني(Brian Mulroney) في عام 1987 بالإعلان عن اتفاقية ثنائية لدراسة هذه المشكلة المشتركة، ثم في ديسمبر 2000 عُقدت اتفاقية الهواء النظيف بين البلدين لخفض نسبة الملوثات التي تنبعث من المصانع على حدود البلدين.

ولذلك نجد أن التدخل في الشأن البيئي الداخلي للدول سياسة واقعية، يؤكدها تاريخ العلاقات بين الدول، إذ أن أية دولة لا تستطيع أن تحمي صحة بيئتها ومواطنيها إذا كانت الدولة أو الدول الجارة لا تقم هي بذلك، بل وإن التدخل وصل الآن إلى المستوى الإقليمي والدولي، بحيث تحتضن منظمات الأمم المتحدة الكثير من الاتفاقيات البيئية بين دول العالم من أجل سلامة الإنسان وصحة بيئة الأرض برمتها، فأسباب وقوع بعض المشكلات البيئية، تُسهم وتشترك فيها كل دول العالم، ولذلك فإن علاجها والتصدي لها لا بد من أن تشترك فيها كل دول العالم بدون استثناء، وتسهم جميعها في الحل، فلا سيادة بيئية لأية دولة إذا كانت القضية بيئية وتؤثر على بيئات الدول الأخرى، وبالتالي يجوز التدخل في الشأن البيئي للدول من خلال معاهدات ثنائية، أو إقليمية، أو دولية.

السبت، 16 يوليو 2011

التَانِينجْ

عجباً لأمر الإنسان من الذكور والإناث، يُعرِّضْ نفسه وبمحض إرادته وهو مرتاح النفس للأشعة القاتلة التي تسبب له أمراضاً مزمنة وتؤدي إلى موته، وذلك من أجل أيامٍ معدودات من الجمال الصناعي السطحي الذي ريثما يزول بعد فترة قصيرة.

فالإنسان في هذه الأيام يعيش في بيئة ملبدة بالملوثات الكيميائية والحيوية والطبيعية التي لا يستطيع أن يتجنبها مهما فعل، ويتعرض رغماً عن أنفه، ولاإرادياً لهذه الغمامة السامة التي تحيط به، ولذلك ليس بحاجةٍ إلى المزيد من هذه الملوثات المميتة، موتاً بطيئاً وقاسياً، يعيش معها تحت العذاب المستمر.

فنحن نعيش في وسط سحابة مرضية الكترونية إشعاعية لا يمكننا التخلص منها، وتتعرض أجسامنا لغيمةٍ كثيفةٍ من الأشعة الكهرومغناطيسية التي تسقط علينا في كل ثانية من مصادر لا تُعد ولا تحصى، فهناك الأشعة المنبعثة من أبراج الهواتف النقالة وأبراج الإنترنت، وهناك البث التلفزيوني والإذاعي وأجهزة الرادار، وهناك الأجهزة الكهربائية المنزلية.

وعلاوة على ذلك، فالهواء الذي نستنشقه ونحن في منازلنا، أو في الخارج مليء بالمواد الكيميائية الخطرة التي تنبعث من المواد والمنتجات المنزلية ومن السيارات والمصانع وغيرها من المصادر، والمواد الغذائية النباتية التي نأكلها لا يعلم أحداً عن مصدرها من حيث الأسمدة والمبيدات المستخدمة لزراعتها، أو نوعية التربة التي زرعت عليها، كذلك الحال بالنسبة للحوم الحيوانية المستوردة.

ولذلك مع كل هذه المصادر الضارة التي لا نستطيع أن نتجنبها مهما اتخذنا من احتياطاتٍ احترازية، يُعرض الإنسان نفسه طوعاً ورغبة جامحة منه لأشعة سامة بمقدوره أن يبتعد عنها، وهذه هي الأشعة البنفسجية الخطرة التي يرقد تحتها الإنسان، وهو في غاية السعادة والرضا أثناء عملية ”التانينج“، أو صباغة لون الجلد باللون الذهبي، أو البرونزي الأسمر.

ومما يؤسف له أن التانينج أصبح منذ سنوات من الممارسات الدورية للكثير من النساء والرجال إلى حدٍ سواء في معظم دول العالم، وبخاصة عند المراهقين، بل وتحول إلى هوسٍ وجنون عند البعض من المراهقين وفي سنٍ مبكرة جداً، والكثير منهم أدمن على هذه العادة، فقد بلغ عدد الأمريكيين الذين يقومون بالتانينج بشكل دوري نحو 30 مليون، 23 منهم من المراهقين. ومما يؤكد على ذلك الدراسة المنشورة في أبريل 2010 في مجلة طبية متخصصة في أمراض الجلد هي أرشيف أمراض الجلد(Archives of Dermatology) تحت عنوان: ”الإدمان للتانينج في البيئات الداخلية“، حيث أفادت الدراسة التي أجريت على طلاب إحدى الجامعات الأمريكية أن عمليات دباغة الجلد وتحويله إلى اللون الأسمر يؤدي إلى الإدمان بسبب الشعور النفسي الذي يحس به الإنسان من حيث الراحة والطمأنينة والشعور بالجمال وزيادة الرضا والثقة بالنفس.

فهذه الظاهرة التجميلية التي يلهث الإنسان وراءها، لها على المدى البعيد مخاطر وسلبيات كثيرة تفوق ايجابياتها المتعلقة بالمظهر العام، من حيث تغيير لون الجلد وإضفاء نوعٍ من الجمال المصطنع على البشرة، ولذلك شكلت منظمة الصحة العالمية لجنة متخصصة في أبحاث السرطان مكونة من 20 عالماً من تسع دول، تهدف إلى إجراء دراسة معمقة وشاملة لسلبيات التعرض لهذه الأشعة عند عملية التانينج. فقد قامت اللجنة بحصر ومراجعة كافة الأبحاث العلمية المتعلقة بالتعرض للأشعة فوق البنفسجية المستخدمة في صالات التانينج، حيث أكدت على أن عملية التانينج تزيد من احتمال الإصابة بسرطان الجلد بنسبة تزيد عن 75%، وبخاصة سرطان الميلانوما(melanoma)، وهو أخطر أنواع سرطان الجلد، كما أشارت اللجنة على أن كافة أنواع الأشعة البنفسجية تضر بالإنسان وتزيد من درجة إصابته بحرق الجلد والأورام السرطانية.

واستجابة لهذه الدراسات الموثقة، قامت إدارة الغذاء والأدوية بالولايات المتحدة الأمريكية بوضع قيودٍ أكثر صرامة على عملية التانينج، وبخاصة بالنسبة لصغار السن لمنع تعرضهم للإشعاعات، كما قامت هذه الإدارة ومنظمة الصحة العالمية والوكالة الدولية لأبحاث السرطان في يوليو 2010 بإعادة تصنيف عملية التانينج إلى ”مسرطن للإنسان“ بدلاً من ” محتمل الإصابة بالسرطان“، ووضعت أسرة التانينج ضمن قائمة المواد المسرطنة، مثل دخان السجائر والبنزين.

ولذلك نجد أن هناك إجماعاً في المجتمع الدولي الصحي حول الأضرار الصحية الناجمة عن التعرض الطوعي لهذه الأشعة فوق البنفسجية، وأتمنى من الجهات المعنية في بلادنا النظر إلى صالونات التانينج واتخاذ إجراءات مناسبة تتوافق مع قرارات المجتمع الدولي الطبي.

الجمعة، 15 يوليو 2011

صيد البلاستيك بدلاً من صيد الأسماك!

إنه من سُخريات الدهر أن يَشْرعَ الصيادون ويركبوا البحر في بعض دول الاتحاد الأوروبي، وبتشجيعٍ ودعم مباشرين من الاتحاد الأوروبي نفسه، من أجل صيد البلاستيك والمخلفات البحرية الأخرى المكدسة في بحار العالم بدلاً من صيد الأسماك والربيان كمصدر للرزق والعيش الكريم.

وإنه من الغريب حقاً، وربما من علامات آخر الزمان، أن تقوم المصانع بإنتاج شباكٍ خاصة لصيد المخلفات البلاستيكية الجاثمة فوق سطح البحر وفي أعماقه بدلاً عن شباك صيد الأسماك والكائنات البحرية الأخرى.

فقد طرح الاتحاد الأوروبي ممثلاً في المفوض الأوروبي المسئول عن الثروة السمكية مشروعاً تجريبياً فريداً من نوعه يُقدم مصدراً جديداً ثرياً للرزق للصيادين ومكسباً سهلاً ومضموناً للعيش، حيث تم تكليف الصيادين في مدينة(Fiskardo) في اليونان، والذين يقومون عادة بحسب حرفتهم ومهنتهم منذ عقود من الزمن بصيد الأسماك في مياه البحر الأبيض، بصيد المخلفات البلاستيكية وغيرها من أطنان المخلفات الطافية فوق سطح البحر، وتم تزويدهم بشباك خاصة لجمع البلاستيك.

ويهدف هذا المشروع إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، فالمخلفات تعتبر مورداً مستداماً يعيش عليها الصيادون حيث إنها موجودة في البحر بكميات كبيرة جداً لا ينتهي مخزونها كما ينتهي المخزون السمكي عند الصيد الجائر، فهذا المصدر للرزق سيكون موجوداً دائماً ولن ينضب، كما إن هذا المشروع في الوقت نفسه سيخفف الضغط على المخزون السمكي المتدهور نوعياً وكمياً في كافة بحار العالم. وعلاوة على ذلك، فإن لهذا البرنامج الأوروبي مردودات ايجابية أخرى، فهو سيقوم بإزالة هذه المخلفات الصلبة التي تهدد الحياة البحرية والطيور المائية وتشوه المنظر الجمالي للبحر، وفي الوقت نفسه سيتم نقل هذه المخلفات إلى مصانع لتدوير البلاستيك وإعادة استعماله.

وقد جاء هذا المشروع استجابة للواقع المرير الذي تعاني منه بحار العالم، فقد أكتشف علماء البحار في عام 1997 بقعةً ضخمة جداً في شمال المحيط الهادئ تحتوي على خليطٍ معقدٍ من المخلفات الصلبة التي يقدر وزنها بنحو مليون طن تَدُور في مُحيطها كل يوم مع الرياح والتيارات المائية، وتبلغ مساحتها الحالية نحو 700 ألف كيلومتر مربع، أي أكبر من مساحة البحرين بنحو 900 مرة.

وهذه المخلفات الصلبة التي تجمعت وتراكمت في هذه المساحة الهائلة من المحيط الهادئ، أصبحت الآن وكأنها دخلت في حظيرة أو ”قرقور“ لصيد الأسماك وجثمت في سجنٍ كبيرٍ مُغلق الأبواب، ولا يمكن الخروج منه. وهذه المخلفات لم تصل كمياتها إلى هذه الأطنان في يومٍ وليلة، وإنما تجمعت خلال عشرات السنين، فالمخلفات بدأت تتراكم يوماً بعد يوم، حتى تحولت إلى بقعةٍ هائلة يراها كل من يُبحر في الجزء الشمالي من المحيط الهادئ، وبالتحديد بين الساحل الغربي لقارة أمريكا الشمالية والجنوبية والساحل الشرقي للدول الواقعة شرق قارة آسيا واستراليا.

وقد أطــلق العـلمــاء على هذه الـمـنـطقــة الضـــخـمـة، البـقعــة العـظيمة للمـخلفـات
(The Great Pacific Garbage Patch)، وتم تقسيمها إلى قسمين حسب منطقة وجودها في المحيط الهادئ، وهما البقعة الشرقية للمخلفات، والبقعة الغربية للمخلفات.

أما أنواع المخلفات الصلبة المسجونة في هذه البقعة من المحيط الهادئ فتشتمل على البلاستيك، وبالتحديد العبوات والزجاجات البلاستيكية، وسدادات الزجاجات، وفرشاة الأسنان، وشباك وأدوات الصيد، إضافة إلى إطارات السيارات، وكرات القدم والطائرة، وأدوات الحقن والإبر، وغيرها من المخلفات. ومن أخطر هذه المخلفات على الحياة الفطرية البحرية والإنسان، هي المخلفات البلاستيكية الصغيرة الحجم والخفيفة الوزن، والتي يطفو بعضها فوق سطح الماء، والجزء الآخر يَكُون عالقاً في عمود الماء.

فهذه المخلفات البلاستيكية تلتهمها الأسماك الكبيرة فتدخل في أمعائها فتسدها وتموت، وقد أكدت الدراسات الميدانية على موت العديد من أنواع الكائنات البحرية الكبيرة، والتي بعد تشريحها وُجدتْ في أجسامها مخلفات بلاستيكية متنوعة. وعلاوة على ذلك، فإن الطيور البحرية تلتهم المخلفات البلاستيكية العالقة في عمود الماء فتختنق وتموت وقد تنقرض مع الزمن، مصداقاً للدراسة التي نُشرت في مجلة العلوم المعروفة في العدد الصادر في 10 أكتوبر 2008، حيث أكدت على أن واحدة من كلِ ثلاث من الثدييات والطيور البحرية تواجه خطر الانقراض في المستقبل المنظور.

وتأكيداً لخطورة المخلفات البحرية الصلبة، فقد نشرت جمعية حماية البحر البريطانية(Marine Conservation Society)تقريراً في الثامن من أبريل 2009 حول المخلفات الصلبة على سواحل بريطانيا، وقد أفادت نتائج هذه الدراسة إلى أن كمية المخلفات الصلبة تضاعفت عن السنوات الماضية، حيث بلغ عدد قطع المخلفات التي تم حصرها نحو 385659 قطعة، وكان متوسط عدد القطع في الكيلومتر الواحد من ساحل البحر 2195 قطعة، منها المخلفات البلاستيكية التي بلغت نسبتها نحو 20%.

فهذه الدراسة ومثيلاتها من الدراسات الميدانية الأخرى أكدت على واقعية الأزمة الخانقة التي تقاسي منها البحار والحياة الفطرية التي تعيش فيها، وأن هذه الأزمة تحولت الآن إلى قضية عالمية مزمنة تزيد حدتها سنة بعد سنة، مما يؤكد على ضرورة إيجاد الحلول المستدامة والسريعة لإدارتها، وهذا ما جعل الاتحاد الأوروبي يفكر في هذا الحل الغريب المتمثل في صيد البلاستيك عوضاً عن صيد الأسماك.

فهل سيكون صيد البلاستيك هو المصدر الجديد للرزق للصيادين؟

الأربعاء، 13 يوليو 2011

آخر دراسات الغرب عن أضرار الخمر

دراسة جديدة منشورة في 11 يوليو من العام الجاري في مجلة الجمعية الطبية الكندية
(Canadian Medical Association Journal) تحت عنوان:“شرب الخمر ومخاطر الإصابة بالسرطان: مراجعة للإرشادات المتعلقة بشرب الخمر”.

قام بهذه الدراسة علماء من فرنسا متخصصون في أبحاث السرطان، ويعملون في المعهد الوطني للأبحاث الزراعية في فرنسا، وقاموا في هذه الدراسة بمراجعة الخطوط الاسترشادية التي وضعتها بعض الدول الغربية مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية حول كمية شرب الخمر في اليوم أو الأسبوع للرجل والمرأة، حيث أفادت إلى أن هناك تخبطاً وعشوائية شديدة في هذا الموضوع، ففي مطلع الثمانينيات طرحت بريطانيا فكرة عائمة لا أساس لها وهي “الشرب المعقول”، ثم في عام 1984 وضعت توصيات تُحدد فيها عدد مرات شرب الخمر في الأسبوع، وهو 18 مرة للرجل و 9 مرات للمرأة، ثم زاد هذا الرقم في عام 1987 ليصبح 21 للرجل و 14 للمرأة، في حين أن توصيات أمريكا هي مرتين في اليوم للرجل، ومرة واحدة للمرأة.
ولكن هذه المعايير الاسترشادية لشرب الخمر لم تمنع ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض التي تنجم عنه، حيث أكدت الدراسة على ازدياد أعداد المصابين بأنواع مختلفة من السرطان بسبب شرب الخمر، مثل سرطان الكبد والفم والحنجرة وغيرها.

وفي النهاية خرجت الدراسة بعدة استنتاجات منها:

أولاً: لا يوجد استهلاك آمن للخمر، فشرب الخمر بأية كمية يؤدي إلى زيادة احتمال الإصابة بالسرطان.

ثانياً: هناك دراسات سابقة أشارت إلى أن شرب الخمر بكمية قليلة له فوائد على القلب، ولكن تؤكد الدراسة الحالية، واستناداً إلى رأي الفريق المتخصص في منظمة الصحة العالمية، إلى أنه لا فائدة ولا جدوى من الدعوة إلى شرب الخمر كإستراتيجية لمنع أمراض القلب، ولذلك توصي الدراسة هذه إلى عدم شرب الخمر.

وهذه الاستنتاجات التي وصل إليها المجتمع الغربي العلمي اليوم تتطابق مع ما أمر به الإسلام بتحريم شرب الخمر منذ أكثر من 15 قرناً، فهل من مدكر؟

الاثنين، 11 يوليو 2011

اليابان تدعو إلى التَّبْكِير في النوم

تدعو التعاليم الإسلامية ممثلة في أحاديث الرسول() إلى التبكير في النوم والاستيقاظ والذهاب إلى طلب الرزق، وتجنب السهر والإطالة في النوم، حيث قال المصطفى():”اللهم بَارِكْ لأُمَّتي في بُكُورِهَا“، وفي رواية أخرى ” بُورِك لأمتي في بُكُورِها“.

وهذه الدعوة تأتي للمصالح الدنيوية التي يجنيها الإنسان من النوم المبكر، سواء من الجانب المعاشي أو الصحي.

واليوم تُدَشِّن الحكومة اليابانية حملة وطنية واسعة النطاق تحث فيها الشعب الياباني على النوم المبكر، وعدم السهر لمشاهدة التلفزيون ساعات طويلة من الليل. والهدف من هذه الحملة هو خفض استهلاك الكهرباء وتقليل انبعاث الغازات المسئولة عن رفع درجة حرارة الأرض، وعلى رأسها غاز ثاني أكسيد الكربون.

فالحكومة اليابانية منذ التوقيع على بروتوكول كيوتو لعام 1997 الخاص بمواجهة مشكلة التغير المناخي، تعهدت أمام المجتمع الدولي بخفض انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون بنسبة 25% من مستويات عام 1990، ولكي تلتزم بهذه التعهدات عليها اتخاذ إجراءات محددة، بعضها موجه للأجهزة الحكومية، والبعض الآخر للقطاع الخاص وعامة الشعب بشكلٍ عام.

وقد استندت هذه الحملة الخاصة بتشجيع المواطن على التبكير في النوم على الدراسة التي قامت بها وزارة البيئة اليابانية، حيث أكدت على أن 20% من استهلاك المواطن الياباني للكهرباء يكون في ساعات الليل الأخيرة وأثناء مشاهدة التلفزيون.

وهذه الدعوة اليابانية تُدعم منهج الإسلام وإرشاداته من حيث تشجيعه للمسلم على التبكير في النوم، كما تبين فائدة بيئية جديدة تنعكس على المجتمع والفرد من الاقتداء بسنن الرسول () وإتباع التعاليم الربانية.

الأحد، 10 يوليو 2011

الخمر أشد فتكاً من المخدرات

معظم الصحف الأجنبية المرموقة التي تصدر في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية أجمعت على نشر خبرٍ واحد في ذلك اليوم، ولولا أهمية وخطورة هذا الحدث الإخباري على المستويين الشعبي والرسمي، وارتباطه بالواقع اليومي للناس، لما توافقت جميعها على نقله والتطرق إلى مضمونه، والتعليق على استنتاجاته وانعكاساته على الفرد والمجتمع برمته.

وهنا أقدم لكم أمثلة لهذه الصحف وعنوان الخبر الذي قامت بنقله. ففي الولايات المتحدة الأمريكية كتبت الصحيفة الواسعة الانتشار أمريكا اليوم(USA TODAY) مقالاً تقول فيه: ”دراسة تفيد بأن الكحول أشد تدميراً من الهيروين والكوكايين“، كما نشرت الواشنطن بوست(Washington Post) ومجلة التايمس(TIME) خبراً بعنوان: ”دراسة تبين بأن الكحول أكثر قتلاً من الهيروين والكوكايين“.كذلك بَثبت المحطة الإخبارية الدولية الأمريكية المعروفة إم إس إن بي سي(msnbc) خبراً تحت عنوان: ”دراسة تبين أن الكحول أكثر خطورة من الهيروين والكوكايين“.

وفي بريطانيا فقد نقلت صحيفة التلجراف(Telegraph) خبراً تحت عنوان: ”الكحول أشد ضرراً من الكوكايين أو الهيروين“، كما نشرت الجارديان(Guardian) البريطانية مقالاً عنوانه: ”الكحول أشد تأثيراً من الهيروين أو الكوكايين “.

وتنبثق أهمية هذا الخبر وغرابته من الانطباع العام عند الناس بأن المخدرات هي من أخطر المواد التي عرفها الإنسان، فهي تدمره من كافة النواحي الصحية والاجتماعية والاقتصادية، ومردوداتها السلبية على الأسرة والمجتمع مشهودة لدى الجميع، واستناداً إلى كل هذه المخاطر والأضرار فكل دول العالم تُجمع على تحريم تعاطيه، وبيعه، والترويج له، واستخدامه، ولكن لم يعلم هؤلاء الناس بأن المشروبات الكحولية أو الخمر أشد خطورة وهلاكاً للإنسان والمجتمعات من هذه المخدرات الممنوعة قانونياً، حتى جاءت هذه الدراسة ومثيلاتها من الأبحاث الأخرى التي أكدت على ذلك.

فقد نشرت المجلة العلمية الطبية العريقة والمشهورة بمصداقيتها، والتي تصدر في بريطانيا، وتُعرف باللانست(The Lancet) بحثاً تحت عنوان: ”ضرر المخدرات في المملكة المتحدة: اتخاذ القرار التحليلي المتعدد المعايير“. وهذه الدراسة المدعومة من مركز دراسات الجريمة والعدالة في بريطانيا قامت بإجراء تحليلٍ شامل لعشرين مخدراً، من بينها الهيروين، والكوكايين، والماريجوانا، والكحول، والتبغ(التدخين)، واستخلصت استنتاجاتها بناءً على دراسة وتحليل 16 معياراً يطبقون على كل مخدر، منها تسعة معايير لها علاقة بالأضرار التي يُلحقها المخدر على الفرد، مثل الضرر الجسدي كالموت والإصابة بالأسقام، والضرر النفسي والعقلي، ثم الضرر الاجتماعي كفقدان الوظيفة والأسرة والأصدقاء. وفي المقابل هناك سبعة معايير متعلقة بالأذى والضرر الذي يسببه المخدر على الآخرين الذين يعيشون معه في المجتمع، مثل الضرر الجسدي والنفسي والقيام بأعمال عنيفة، والضرر الاجتماعي كتدمير الممتلكات وارتكاب الجرائم والتكاليف الاقتصادية الناجمة عن ذلك. وفي نهاية التقييم تُعطى درجة كلية لكل مخدر هي من ”مائة“، وتَرمز إلى الأشد ضرراً.

وكانت النتيجة الإجمالية للتحليل متعدد المعايير لكل مخدر هي المشروبات الكحولية في المرتبة الأولى وبدون منازع، بنسبة عالية جداً بلغت 72%، ثم الهيروين في المرتبة الثانية بنسبة 55%، وبعدها الكوكايين بنسبة 54%، وجاء التبغ أو التدخين في المرتبة الرابعة بنسبة 26%.

ولذلك فإن الاستنتاجات التي توصلت إليها هذه الدراسة التي أُجريت في جامعات الغَربْ كانت مفاجأة كبيرة لجميع العاملين في موضوع تصنيف المخدرات، وستؤدي إلى ثورةٍ حقيقية، وتغييرٍ جذري في مجال سياسة استعمال المخدرات والمسكرات الكحولية في كافة أنحاء العالم، إذ لم يتصور أحد قط أن الخمر أشد ضرراً من المخدرات المحظورة دولياً كالهروين والكوكايين والماريجوانا.

وهذه الاستنتاجات العلمية التي تزيد يوماً بعد يوم تُؤكد أسباب تحريم الخمر ووصف الرسول عليه الصلوات والسلام للخمر بأنها ” أمُّ الخبائث “.

الجمعة، 8 يوليو 2011

ماذا يقول علماء الغرب عن الخمر؟

الخمر، أو ما تُطلق عليه وسائل الإعلام في الشرق والغرب بالمشروبات الروحية أو الكحولية، لها أضرار جسيمة على صحة الفرد والمجتمع، وفي كل يوم يكتشف علماء الغرب أسراراً جديدة تؤكد هذه الأضرار.

فاليوم اكتشف علماء من بريطانيا يعملون في مختبرات الأبحاث الطبية في كمبريدج أن الخمر يؤثر بشكلٍ مباشر على أجهزة المقاومة والمناعة عند الإنسان من خلال تدمير خلايا الجسم بشكلٍ لا رجعة فيه، وإحداث تغييرٍ دائم في صفات وخصائص الحمض النووي، أو الذي يُعرف بالـ دي إن أيه.

فالخمر الذي يتكون أساساً من مركبٍ عضوي هو الإيثانول أو الكحول الإيثلي يتحلل في جسم الإنسان إلى مركبٍ عضوي آخر معروف بسُميته العالية، وأنه يسبب السرطان للإنسان، ويؤدي إلى حدوث تشوهاتٍ في الجنين وهو في بطن أمه، وهذا المركب هو الأسيتادهيد(acetaldehyde) الذي يتراكم مع الزمن في الجسم ويصيب الإنسان بالسرطان والأمراض المزمنة الأخرى، وتنجم عنه ظاهرة تَشَوُه خُلُقي وخَلقي وعقلي للجنين، وتعرف هذه الظاهرة علمياً بحالة الكحول الجنيني (fetal alcohol syndrome).

وهذا الاكتشاف الجديد منشور في واحدة من أفضل المجلات العلمية على المستوى العالمي وهي مجلة الطبيعة(Nature) في العدد الصادر في 7 يوليو 2011، وهذه المجلة تختص بنشر الأبحاث الأصيلة والاكتشافات الجديدة.

فلا عجب عندما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم الخمر بأنه “أم الخبائث”، وأمرنا القرآن الكريم بتجنبه كلياً.

الخميس، 7 يوليو 2011

المتقاعدون يُؤثرون على أنفسهم

أثناء الحوادث المؤسفة التي مرَّت علينا في مملكتنا الغالية، انكشفت الكثير من الأمور الخفية، منها سلبية ومنها ايجابية.

فمن الأمور الايجابية ظهور الوجه الحقيقي للكثير من المواطنين والمعدن الأصيل المتجذر والمتأصل في خلقه الكريم المتمثل في الوقوف مع الوطن في البأساء والضراء والسراء، كما انكشف بشكلٍ جلي لا غبار عليه حبهم للوطن واندفاعهم في تقديم الغالي والنفيس دفاعاً عن مكتسباته وانجازاته، فقد شمر الكثير منهم عن سواعدهم خدمة لنداء الوطن في ساعة العسرة وعندما ضاقت النفوس وبلغت القلوب الحناجر، فضحوا بأنفسهم من أجل إنقاذ البلد وانتشاله قبل الغرق، فقاموا بالكثير من الأعمال الطَّوْعِية الشجاعة والجريئة، من أهمها القيام بواجب تدريس وتعليم أبنائنا في المدارس لكي لا تتوقف العملية التعليمية ولا تنشل حركة العلم والتعلم في البلاد.

كما أن مثل هذه المواقف المشرفة للإنسان في حالات الضيق والضنك وأثناء الظروف الصعبة القاهرة نراها اليوم في اليابان منذ وقوع أكبر كارثة نووية على البشرية في يوم الجمعة الموافق 11 مارس من العام الجاري، والتي تمثلت في وقوع الزلزال المدمر ثم السونامي الجارف والذي نجم عنهما انفجار أربعة مفاعلات نووية موجودة في مجمعين لتوليد الكهرباء في مقاطعة فوكيشيما(Fukushima)، وبالتحديد في مجمع دايشي النووي(Daiichi) وانتشار الملوثات المشعة في كافة أرجاء المعمورة.

ومنذ ذلك الوقت وحتى كتابة هذه السطور والمعاناة شديدة ومستمرة، فالمفاعلات النووية مازالت ثائرة، وتنبعث منها الملوثات المشعة إلى الهواء والماء والتربة، وجهود المكافحة التقليدية لسد هذه المصادر الإشعاعية لم تنجح كلياً، مما اضطر الجهات المعنية إلى التفكير في طرق إبداعية وجريئة وتشكيل فرقٍ خاصة من الجيش للقيام بهذه المهمات المستحيلة، عُرفت في الصحافة اليابانية بفرق الموت أو الفرق الانتحارية، وتم تكليفها بالطيران بالمروحيات فوق فوهة المفاعلات لرشها بالماء وتبريدها ومحاولة إيقاف المواد المشعة.

وهنا، وبالتحديد في 3 يونيو، أعلنتْ مجموعة من المتقاعدين مكونة من 250 متقاعداً عن العمل، تزيد أعمارهم عن الستين عاماً بالتطوع للقيام بمهمات الموت والمهمات الانتحارية بدلاً من الشباب الذين يعرضون حياتهم للخطر المميت وهم مازالوا في ريعان شبابهم وفي مقتبل عمرهم. فقد آثار هؤلاء المتقاعدون أنفسهم ووافقوا طواعية أن يضحوا بأرواحهم بدلاً من الشباب وحماية لمستقبلهم وأن يقوموا بهذه المهمات التي قد تهدد حياتهم بالمرض والموت.

فالآثار السلبية من هذه الكارثة والتي يظن الكثير من الناس أنها انتهت، مازالت قائمة، ليس على مستوى اليابان فحسب، وإنما على مستوى الكرة الأرضية برمتها. ففي 13 يونيو تم اكتشاف أوراق الشاي الملوثة بالإشعاع في مزارع إيرك للشاي الأخضر(Irk Tea Farms) الواقعة على بعد قرابة 355 كيلومتراً من مكان الكارثة في مقاطعة شيزوكا (Shizuoka prefecture)، وفي 19 يونيو أعلنت الحكومة الفرنسية أنها قد تخلصت من شحنة الشاي الأخضر ووزنها 162 كيلوجراماً في مطار شارل دي جول والقادمة من مزرعة إيرك بسبب اكتشاف السيزيم المشع فيها بنسبٍ تفوق مواصفات الاتحاد الأوروبي.

وفي الوقت نفسه اكتشفت أجهزة مراقبة السلامة في بلجيكا منتجات مشعة في بعض البضائع اليابانية المصدرة إلى بلجيكا في ميناء(Zeebrugge port) وتزيد نسبتها عن المواصفات المعتمدة في الاتحاد الأوروبي.

وفي 26 يونيو أكدت التحاليل المخبرية لعينات البول من المواطنين في قرية ليتات ومدينة كواماتا (Iitate and the town of Kawamata) على بعد نحو 40 كيلومتراً من المفاعلات المشعة، ارتفاع نسبة الإشعاع في البول، مما يؤكد دخول الإشعاع إلى السلسلة الغذائية اليابانية وانتقاله إلى جسم الإنسان، ومن ثم إلى كافة دول العالم عبر الهواء والماء والمنتجات اليابانية.

فتداعيات كارثة القرن الحادي والعشرين ستبقى بظلالها ثقيلة علينا لسنواتٍ طويلة، وحتماً ستؤثر علينا جميعاً دون أن ندري أو نحس بها، أما بالنسبة لليابان فوضعهم مأساوي جداً، وسيكونون بحاجة إلى سواعد جميع رجالهم سواء أكانوا متقاعدين متطوعين أم عاملين.

الأربعاء، 6 يوليو 2011

هل سيصبح الإنسان أكثر غباءً ؟

نشرتْ مجلة طب الأطفال(Pediatrics)الأمريكية بحثاً حول العلاقة بين تعرض الأم الحامل للملوثات الموجودة في الهواء الجوي أثناء فترة الحمل وقدرة الطفل العقلية والذهنية بعد الولادة. فقد أُجريت الدراسة في مركز كولومبيا للصحة البيئية للطفل، وتناولت تَعرض الأم الحامل لمجموعة من الملوثات المُسرطنة الموجودة في الهواء الجوي العادي، وتُعرف بالمـركبات الهـيدروكربونية الأرومـاتيكية متعـددة الحلقـات
(polycyclic aromatic hydrocarbons). وهذه المجموعة السامة من الملوثات تنبعث عند الاحتراق غير الكامل للوقود في المصانع، والسيارات، والتدخين بأنواعه المختلفة من سجائر وشيشة، ولذلك فإن هذه الملوثات تعتبر من المركبات المألوفة في بيئتنا والواسعة الانتشار، فهي موجودة في الهواء والماء والتربة، وفي أجسامنا وأجسام الكائنات الفطرية من نباتات وحيوانات، كما هي موجودة معنا في داخل منازلنا.

وقد شملت هذه الدراسة الميدانية التي بدأت عام 1998 حتى عام 2009، عينة مكونة من 249 امرأة حامل يعيشون في مدينة نيويورك، حيث راقبت الدراسة تعرض النساء لهذه الملوثات أثناء فترة الحمل وبعد الحمل، كما تابعت الدراسة حالة الأطفال قبيل الولادة حتى عمر 11 سنة، وأجرت عليهم التجارب والاختبارات اللازمة لقياس الذكاء والقدرات العقلية.

وقد أكدت الدراسة انخفاض درجات الأطفال في الامتحان الخاص بقياس نسبة الذكاء وإمكاناتـهم العقلية والذهنية والمـعروف بامـتحان الـ آي كيو(Intelligence Quotient, IQ test) بأربع نقاط. ولهذه النتيجة مدلولات تعليمية خطيرة تنعكس مستقبلاً على الوظائف العقلية لشباب ورجال المستقبل، أي أن إمكاناتهم وقدراتهم الذهنية ستنخفض مع الزمن، وأن أداءهم العلمي والأكاديمي سيزداد سوءاً وتدهوراً مع الوقت، مما يعني أن عطاء الإنسان وانجازاته العلمية قد تكون في خطر الانحسار.

وتأكيداً لنتائج الدراسة السابقة، نَشرت مجلة شؤون الصحة البيئية(Environmental Health Perspective)بحثاً تحت عنوان “ تركيز الرصاص في الدم والوظائف العقلية للطفل عند عمر ست سنوات”. وقد قامت الدراسة بإجراء اختبار قياس نسبة الذكاء على 194 طفلاً، ومراقبة التغيرات التي تطرأ على أدائهم في هذا الامتحان منذ أن كان عمرهم ستة أشهر إلى ست سنوات، حيث أكدت الدراسة على مستوى الذكاء والقدرات العقلية عند الأطفال الذين تعرضوا للرصاص في انخفاضٍ مستمر مع الوقت.

وأخيراً وليس آخراً، وتأكيداً لاستنتاجات الدراسات السابقة، نَشرت مجلة البحث البيئي(Environmental Research) بحثاً ميدانياً غطى فترة زمنية من عام 1936 إلى 2003، وذلك بهدف إيجاد العلاقة بين التغير في تركيز الرصاص مع الزمن في دم المواطن الأمريكي وأداء الطلاب في امتحان القبول للجامعة، والمعروف بامتحان الانجاز المدرسي أو الـ إس أي تي(Scholastic Achievement Test, SAT) الذي يأخذه الطالب الأمريكي عند طلب الالتحاق بالجامعة، كما هدفت الدراسة أيضاً إلى التعرف على علاقة مستوى الرصاص في الدم بالتخلف العقلي عند الأطفال.

وقد أشارت الدراسة إلى أن هناك علاقة عكسية بين تركيز الرصاص في الدم وأداء الطلبة في امتحان الانجاز المدرسي، فكلما زاد تركيز الرصاص في الدم انخفض أداء الطلبة في الامتحان، وكلما انخفض تركيز الرصاص في الدم ارتفعت درجات الطلبة. ومن جانب آخر أوجدت الدراسة أن هناك علاقة بين تركيز الرصاص والتخلف العقلي، فقد انخفض أعداد الأطفال المتخلفين عقلياً مع انخفاض تركيز الرصاص في الدم.

ولذلك فإن هذه الدراسة ومثيلاتها من الدراسة الكثيرة المنشورة، تُجمع وتؤكد على أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين تعرض الإنسان للملوثات ومستوى ذكائه وقدراته العقلية والذهنية والتحصيل العلمي في المستقبل، فكلما زادت نسبة الملوثات في عناصر البيئة وفي أجسامنا انخفض أداؤنا العقلي وقل ذكاؤنا، أي أنه هناك احتمالاً كبيراً بأن الجيل القادم لبني الإنسان سيصبح أكثر غباءً مع الوقت.

الثلاثاء، 5 يوليو 2011

الألعاب الأولمبية وورطة لندن

إذا كُنتَ من الذين يحبون الذهاب إلى لندن، فعليك أخذ الحذر والحيطة بسبب التلوث الخفي وغير المرئي الذي يحيط بلندن منذ سنوات، ولست أنا من يدعي ذلك، فالدراسات الميدانية والتقارير الرسمية تؤكد على هذه الحقيقة، فالتلوث اليوم ضرب أطنابه في أعماق البيئة اللندنية، وينجم عن الجسيمات الدقيقة الصغيرة جداً التي تنجم عن احتراق الوقود في السيارات ومحطات توليد الكهرباء، والتي يكون مصيرها التراكم في أعماق الرئتين وإصابة الناس بالربو، وأمراض القلب والجهاز التنفسي، ثم الموت المبكر لقرابة 29 ألف إنسان سنوياً، حسب الإحصاءات الحكومية الرسمية.

ونتيجة لهذا الوضع غير الصحي، فإن فهناك غرامتين كبيرتين تنتظران لندن، المَدينة المستضيفة للألعاب الأولمبية الصيفية في أغسطس 2012

أما الغرامة الأولى التي تنتظر لندن، تبلغ زهاء 175 مليون جنيه إسترليني(108 ملايين دينار بحريني) ومفروضة من قبل اللجنة الأولمبية الدولية المعنية بمتابعة ومراقبة تنفيذ لندن لتعهداتها التي قطعتها على نفسها لحماية البيئة والحياة الفطرية وجعل هذه الألعاب صديقة للبيئة في جميع القطاعات. والغرامة الثانية فهي مقدمة من الإتحاد الأوروبي وقدرها 300 مليون جنيه(186 مليون دينار) وذلك لعدم التزام لندن بالمعايير والمواصفات الأوروبية الخاصة بجودة الهواء الجوي في المدن الأوروبية.

وهذا يعني أن لندن الآن واقعة في حرجٍ شديد أمام الرأي العام الدولي، وتعاني من ورطةٍ كبيرة يصعب الخروج منها، وتقف أمام تحديات ضخمة من نواحي عدة، فهناك التحدي الاقتصادي المتمثل في الغرامة المالية التي تصل مجموعها إلى 475 جنيهاً، وهناك التحدي الاجتماعي والبيئي والصحي والذي يتمثل في احتمال فشل الألعاب الأولمبية في عام 2012 بسبب ارتفاع تركيز بعض الملوثات وتدهور جودة الهواء في لندن بشكلٍ عام، مما يُخفض من أداء وقدرة اللاعبين على تحطيم الأرقام القياسية الأولمبية السابقة.

وفي الواقع فإن تدهور صحة البيئة والهواء الجوي بشكلٍ خاص يعتبر من الأزمات الخالدة والأزلية التي تعاني منها لندن منذ بزوغ فجر الثورة الصناعية الأولى، ونزلت على لندن العديد من الكوارث التي ذهب ضحيتها الآلاف من البشر بسبب ارتفاع تركيز الملوثات في الهواء، منها الكارثة التي ضربت لندن في أسبوع الأعياد والاحتفالات في ديسمبر 1952، فتوقفت الحياة كلياً، وشلَّت الحركة المرورية لساعات طويلة باستثناء سيارات الإسعاف التي سمعت أصواتها في كل مكان في شوارع لندن، واكتظت المستشفيات بالموتى والمرضى، حتى بلغ أعداد الضحايا الذين سقطوا في فترة أسبوعٍ واحد نحو 10 آلاف إنسان. فقد غطت سماء لندن سحابة كئيبة سوداء اللون لعدة أيام، فحجبت الرؤية، وملأت صدور الناس بالملوثات القاتلة، فتحولت أيام الأعياد إلى مأتم وأحزان.

وهذه الأجواء المَرَضِيَّة مازالت موجودة في لندن حسب تقرير لجنة التدقيق البيئي التابعة لمجلس العموم البريطاني والمنشور في مارس 2010، وتقرير عمدة لندن بورس جونسون(Boris Johnson) في الأول من يوليو 2010، فهذه الظاهرة الصحية البيئية بين مدٍ وجزر وارتفاعٍ وانخفاض، وتغيرٍ في أنواع الملوثات التي تسبب هذه الحالة. ففي مطلع القرن المنصرم، كان الدخان الأسود وأكاسيد الكبريت والنيتروجين هي السبب في إحداث السحب السوداء، أما الآن فإن ملوثات السيارات المتمثلة في الجسيمات الدقيقة جداً وغاز الأوزون هي المسئولة عن تَكَوُن السُحب البنية الصفراء اللون والمعروفة بالضباب الضوئي الكيميائي.

ولذلك فإن لندن تلاحقها تحذيرات وتهديدات اللجنة الأولمبية الدولية من جهة والاتحاد الأوروبي من جهةٍ أخرى ولا يمكن الفرار منهما. فقد قطعت الهيئة الأولمبية البريطانية قبل أكثر من عقد من الزمن عهداً أمام المجتمع الدولي، وأعلنت بأنها ستلتزم بمبادئ وأسس الاستدامة البيئية، وصَرحت بأن لندن ستكون المدينة المستضيفة الأولى التي تُدمج مبادئ الاستدامة في خططها الأولمبية، وأن هذه الألعاب الأولمبية ستكون الأفضل بيئياً على المستوى الدولي، وبناءً على ذلك فلا بد من الوفاء بهذه التعهدات حفاظاً على سمعة بريطانيا وتحقيقاً لنجاح هذه الدورة.

ونظراً لتعمق جذور هذه الظاهرة الخطرة في بيئة لندن منذ أكثر من قرن، فإن حلها بشكلٍ مستدام سيكون مستحيلاً على المدى القريب، وهذا ما اضطر الجهات الرياضية المختصة في بريطانيا إلى التخلي عن بعض التزاماتها ووعودها البيئية، وخفض درجة التوقعات من أن تكون هذه الألعاب الأفضل من ناحية الاستدامة البيئية.

فعلى سبيل المثال، تعهدت لندن بأنها ستُنْتج 20% من الطاقة للألعاب الأولمبية من المصادر البديلة والنظيفة، مثل إنتاج الطاقة من الرياح، ولكنها أكدت الآن بأن هذا لا يمكن تحقيقه وأنها ستنتج 9% فقط من الكهرباء من مصادر الطاقة النظيفة، كما إنها وعدت العالم بأن تكون الألعاب خالية من إنتاج المخلفات الصلبة، أي أنها ستقوم بتدوير جميع المخلفات وستتجنب دفنها، وهذا الوعد أيضاً لن تتمكن لندن من تحقيقه. وعلاوة على هذا فقد تعهدت لندن بإنشاء أكبر متنزه حضري في أوروبا يتمثل في القرية الأولمبية والمرافق المساندة لها، ولكن تؤكد المؤشرات بأن هذا المتنزه لن يرى النور، وأنه كان مجرد أحلام وخيالات غير واقعية، وُضعت من أجل كسب الرهان على استضافة لندن للألعاب الأولمبية.

الاثنين، 4 يوليو 2011

النساء يلدنَ في الطريق

النساء يلدنَ في الطريق

تحول الازدحام المروري إلى آفةٍ مزعجة في معظم مدن العالم، وفي هذه المدن المريضة أصبحت قيادة السيارات معاناة يومية يصعب تجنبها، حتى أن النساء تلدن في الطرقات قبل أن تصلن إلى مستشفيات الولادة نتيجة لتفاقم أزمة شلل الحركة المرورية.

فامرأة من مدينة لستر( Leicester) البريطانية عمرها 29 عاماً، يجيئها المخاض الشديد في المنزل، وفي عجالة شديدة تُوضع في السيارة لنقلها إلى أقرب مستشفى للولادة وهو عيادة لستر الملكية(Leicester Royal Infirmary)، والتي تبعد نحو خمس دقائق بالسيارة في الأوقات العادية، ولكن هذه المرة ونتيجة للاكتظاظ المروري وازدحام السيارات في الشوارع الرئيسة وشلل حركة السيارات، طال انتظار المرأة الحامل في الطريق وهي في الدقائق الأخيرة من مخاضها العسير، وفي الثواني النهائية من الولادة، فصبرت المرأة صبراً جميلاً لعل الشلل المروري ينقشع ولعل غبار السيارات يزول من الطريق، ولكن الجنين وهو رحم أمه كان مشتاقاً إلى الخروج، ولم يتمكن من الانتظار فترة أطول، فأطل برأسه إلى الحياة الدنيا، فقام زوجها بإيقاف السيارة والاتصال بالطوارئ لمساعدته على عملية الولادة، حيث بناءً على التوجيهات والإرشادات التي قُدمت له من المختصين في غرفة الطوارئ، بدأ بسحب الجنين ببطءٍ وهدوءٍ شديدين، حتى وضعت المرأة جنينها وهي في قارعة الطريق والناس، وهم يَمُرون ببطء في الشوارع كانوا ينظرون إلى هذا المشهد الدريماتيكي الفريد.

والجدير بالذكر أن أجهز تصوير الفيديو المثبتة في الطريق، صورت المشهد بأكمله تحت أنظار واندهاش الرجال المُشغلِّين لجهاز التصوير والمراقبين للحركة المرورية، والذين أخذوا شريط الفيديو وقدموه هدية للمرأة وزوجها.

وهكذا بلغت مشكلة السيارات ذروتها متمثلة في هذا الحدث الغريب، وانكشفت أبعاد جديدة لم تكن في الحسبان غير الأبعاد التقليدية المعروفة كالبعد الصحي، والبيئي، والاقتصادي، والاجتماعي، وتحولت قضية السيارات إلى تحدٍ كبير لكافة المسئولين في المدن يصعب حلها وإيجاد العلاج المستدام والجذري لها.

السبت، 2 يوليو 2011

انقسام في الكونجرس بسبب أكواب القهوة البلاستيكية!

انقسام في الكونجرس بسبب أكواب القهوة البلاستيكية!

هل تُصدقون بأن الكونجرس الأمريكي الذي يضع بصماته العميقة على سياسات الدول في العالم قاطبة، شهد مؤخراً حالة من الانقسام الشديد، والنقاش الحاد بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي الذين يتبادلون دور السيطرة على الكونجرس، في موضوع بسيطٍ جداً هو السماح مرة ثانية لاستخدام أكواب القهوة والملاعق والشوك البلاستيكية في المطاعم التابعة للكونجرس، بعد أن غابت عنها لمدة أربع سنوات، وقد بلغ النقاش إلى درجة أن بعض الديمقراطيين هددوا بمقاطعة تناول الوجبات في مطاعم الكونجرس!

هذه الحالة التي أراها أمامي تجعلني أعجب لأمر الولايات المتحدة الأمريكية ولسياساتها وخططها البيئية، فهي تؤكد لي بأنها سياسات مبنية على الأهواء الشخصية، والقناعات الفردية، والمصالح والمنافسات الحزبية إضافة إلى العناد بين الحزبين، كما تعتمد هذه السياسات البيئية الأمريكية إلى حدٍ كبير على توجهات ومصالح ونفوذ الشركات الكبيرة، فهي إذن ليست سياسات مؤسسية ثابتة تأخذ في الاعتبار المصلحة القومية العليا وحماية صحة المواطن ومكونات البيئة، كما هو الحال بالنسبة لسياسات أمريكا الخارجية التي نادراً ما تتغير، ولو تغيرت الأحزاب الحاكمة ووجوه القادة في البيت الأبيض.

فالبيئة دائماً هي الحلقة الضعيفة في سياسات الحكومات بشكلٍ عام، وسياسات الولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ خاص، وهي التي تسقط دائماً عند المساومات السياسية بين الأفراد، والمفاوضات التي تدور بين الأحزاب، فهي في مقدمة قائمة الأولويات في أحاديث وخطابات الحكومات ورجال السياسة العلنية أمام الجمهور وفي وسائل الإعلام، وهي في ذيل هذه القائمة عند أجراء الحوارات السياسية السرية على طاولة المفاوضات، وهي التي يضحي بها أولاً زعماء الأحزاب عند ترتيب الأولويات بعيداً عن أعين الناس ورجال الإعلام.

فهذا التلاعب بالبيئة وشئونها، والانقسام في السياسات البيئية العلنية والسرية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بدا واضحاً ومشهوداً للجميع وظهر فوق السطح، حتى على مستوى أبسط الإجراءات والأنظمة البيئية مثل استخدام أكواب القهوة البلاستيكية في مطاعم المباني التابعة للكونجرس، والتي تثير الضحك والسخرية على هذا المستوى من العِناد والسذاجة الذي وصل إليه الحزبان في تسيير شئونهم الإدارية اليومية في مبنى الكونجرس.

فقد بدأت هذه القصة في عام 2007 عندما سيطر الحزب الديمقراطي على الكونجرس برآسة نانسي بيلوسي(Nancy Pelosi)، تبنى المجلس برنامجاً بيئياً تحت شعار ”تخضير العاصمة“، وهذا البرنامج اشتمل على عدة نقاط، كما يلي:
أولاً: خفض إنتاج المخلفات الصلبة من المباني التابعة للكونجرس من خلال استخدام أدوات تقديم الطعام القابلة للتحلل الحيوي والتي يمكن تدويرها بعد استخدامها، فقد تقرر استعمال ملاعق وشوك وصحون مصنوعة من مشتقات نباتية كالذرة وقصب السكر، ثم تحويلها إلى ”كمبوست“، أو مواد مخصبة للتربة تُستخدم للزراعة في مباني الكونجرس.

ثانياً: خفض استهلاك الكهرباء عن طريق استبدال المصابيح الشديدة الاستهلاك للطاقة بمصابيح أخرى قليلة الاستهلاك للكهرباء، وبالتالي خفض انبعاثات الملوثات من محطات توليد الطاقة.

ثالثاً: استخدام وقود أقل تلويثاً للبيئة لتوليد الكهرباء، حيث تم استبدال الوقود المستخدم لتوليد الكهرباء في بعض المباني التابعة للكونجرس من الفحم إلى الغاز الطبيعي الذي يعتبر وقوداً أنظف من الفحم، ويولد كمية أقل من الملوثات الغازية، كما أن نوعية الملوثات التي تنطلق إلى الهواء أفضل نسبياً من الناحيتين البيئية والصحية.

والآن عندما جاء دور الجمهوريين في التحكم في زمام الأمور في الكونجرس، ألغوا هذه المبادرة البيئية برمتها، بحجة أنها مكلفة وغير مجدية من الناحيتين البيئية والاقتصادية، وذلك بناءً على تصريحات الجمهوري من ولاية كاليفورنيا دان لينجرن(Dan Lungren) رئيس اللجنة الإدارية في الكونجرس، وأكد على هذه السياسة الجديدة الناطق باسم مجلس النواب جون بوهنر(John Boehner) في المؤتمر الصحفي قائلاً:”الأكواب البلاستيكية ترجع مرة ثانية“.

فهل سيكون للبيئة وهمومها وقضاياها الكثيرة مستقبل مشرق على المستوى الدولي إذا كان هذا هو أسلوب إدارة المشكلات البيئية في الولايات المتحدة الأمريكية؟