الأحد، 30 أكتوبر 2011

التـخوف من زيارة اليابان


بالرغم من مرور أكثر من ثمانية أشهر على كارثة احتراق المفاعلات النووية في فوكاشيما باليابان وانبعاث الملوثات المشعة القاتلة منها، إلا أن بعض الناس مازالوا ينفرون من زيارة اليابان خوفاً من التعرض المباشر وغير المباشر لهذه الملوثات المشعة التي ضربت أطنابها في أعماق بيئة اليابان والحياة الفطرية الموجودة هناك.

فقد اعـتذر أكثـر من 80 عضـواً من فـريق الأوبـرا الألماني المشـهور التابع لولاية بافاريا(Bavarian State Opera) والمكون من 400 عضوٍ من مرافقة زملائهم لجولة سياحية موسيقية إلى اليابان.

أما الباقي من المجموعة والذين وافقوا على الذهاب إلى اليابان، ففد اصطحبوا معهم زجاجات مياه الشرب من ألمانيا إلى اليابان، كما أن فريقاً من خبراء الإشعاع الألمان رافق فرقة الأوبرا هذه لقياس نسبة الإشعاع، وبخاصة في الوجبات الغذائية التي ستقدم لهم.

ولهذا الخبر دلالات كثيرة منها عدم ثقة الناس في دول العالم وقلقهم الشديد من الوضع البيئي لليابان بعد ثمانية أشهر من ناحية درجة الإشعاع في مكونات البيئة المختلفة من ماءٍ وهواءٍ وتربة، بحيث إن هذه المجموعة أخذت معها مياهاً للشرب، وخبراء لقياس تركيز الإشعاع في المواد الغذائية التي سيتناولونها، وذلك تجنباً للتعرض لأي تركيز محتمل من الملوثات المشعة التي قد تكون موجودة في مياه الشرب أو المواد الغذائية.

أما الدلالة الثانية فهي عِلم الناس ووعيهم بأن الملوثات المشعة، بالرغم من توقف مصدر الإشعاع المباشر، إلا أنها قد دخلت البيئة وتغلغلت في مكوناتها الحية وغير الحية، ولذلك فهي موجودة هناك وتبقى مشعة عقوداً طويلة من الزمن، وستنتقل من وسطٍ بيئي إلى وسطٍ آخر، ثم إلى الحياة الفطرية النباتية والحيوانية، وأخيراً إلى الإنسان في نهاية المطاف وفي نهاية السلسلة الغذائية. فقد أكدت آخر الدراسات الميدانية في 26 أكتوبر، ارتفاع نسبة الإشعاع في بعض المناطق، مثل وجود تركيز مرتفع لمادة السيزيم المشعة في التربة، والذي بلغ 276 ألف بيكرل من السيزيم في الكيلوجرام من التربة في منطقة كاشياوا(Kashiwa) في مقاطعة شيبا(Chiba Prefecture)بالقرب من طوكيو، وفي الهواء الجوي 57.7 ميكروسيفرتس في الساعة.

وعلاوة على ذلك، فقد تعلم الإنسان درساً قاسياً وعملياً من كارثة تشرنوبيل التي هزَّت الكرة الأرضية برمتها شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً عندما وقعت في 26 أبريل 1984، أي قبل أكثر من 27 عاماً، فلم تجعل شبراً من الأرض إلا ولوثته وسممته بالمواد المشعة، ومازالت بعض المناطق من الكرة الأرضية تعاني من نسبٍ مرتفعة من الإشعاع حتى يومنا هذا، ومازالت الحياة الفطرية ملوثة بالمواد المشعة التي تعرضت لها أثناء انبعاثها إلى الهواء الجوي.


السبت، 29 أكتوبر 2011

شركات التـبغ تقتل الناس عمداً


لو قامت شركةٌ ما من شركات تعبئة الماء بوضع نوعٍ من السموم عمداً في مياهها، ثم قامت ببيعها لعشرات السنين على الناس، أليس هذا يُعد جرماً في حق البشرية، ويستحق صاحبها الإعدام؟

ولكن هذا ما تقوم به بعض الشركات الأمريكية، ليس في مجال الماء، وإنما في مُنتجٍ آخر يشتريه ملايين الناس في كافة أنحاء العالم منذ نحو قرن، وهو السجائر والتبغ، وبالرغم من ذلك فإننا لا نسمع من يتهم هذه الشركات بالقتل المتعمد للناس.

فهل تصدقون بأن شركات التبغ والسجائر كانت تعلم بخطورة مُنتجها على صحة المدخن بشكلٍ خاص، والصحة العامة بشكلٍ عام منذ عام 1959؟

وهل تصدقون بأن هذه الشركات الأمريكية التي تبيع السجائر على العالمين، كانت تعلم بأن التبغ الذي يوضع في السجائر يحتوي على مادة مشعة، وأن الملوثات التي تنتج عن دخان السجائر تحتوي أيضاً على مادة مشعة قاتلة، وأخرى مسرطنة منذ أكثر من خمسين عاماً؟

ففي الخمسينيات من القرن المنصرم أجرت شركات التبغ دراسات وأبحاث حول مكونات أوراق التبغ، وكشفت دراساتهم إلى أن نبات التبغ يحتوي على بعض المواد الخطرة، وبالتحديد عنصر البولونيوم المُشع، حيث إن أوراق نبات التبغ تمتص هذا العنصر المشع والسام من التربة ومن مياه الري، فتتراكم في أوراقه مع الزمن. 

وبالرغم من هذا الاكتشاف ومعرفتهم به، إلا أنهم وضعوا الشمع الأحمر على نتائج هذه الدراسات والوثائق التي أكدت على ذلك، وكتبوا عليها “سرية للغاية”، وادخلوها في أعماق أدراجهم وأرشيفهم السري الخاص بهم، وامتنعوا عن إزالة هذا السم المشع من أوراق التبغ من أجل خفض تكاليف إنتاج السجائر وزيادة متعة المدخن وإصابته بالإدمان مع الزمن.

فلم تفكر هذه الشركات الجشعة التي لا أخلاق ومبادئ لها سوى جمع المال وكنزه في البنوك، ولم تكترث، أو تشعر بالذنب لمقتل ومرض الملايين من البشر في أمريكا وفي باقي دول العالم.

والآن ظهرت هذه الحقيقة المدفونة على يد باحثٍ أمريكي، حيث قام بالتفتيش في الوثائق السرية القديمة لشركات التبغ بعد أن حصل على الرخصة القانونية للإطلاع عليها، واكتشف أن شركات التبغ كانت تعلم أن السجائر التي تصنعها من أوراق التبغ تحتوي على عنصر البولونيوم الخطر والمشع، وأن هذا السم يتعرض له المدخن وغير المدخن عندما ينبعث من دخان السجائر. 

وقام هذا الباحث في نشر اكتشافه في 27 سبتمبر 2011 في مجلة تصدر من جامعة أكسفورد البريطانية هي أبحاث النيكوتين والتبغ(Nicotine & Tobacco Research)، تحت عنوان:“الإشعاع في دخان السجائر وخطورة الإصابة بسرطان الرئة”.

والجدير بالذكر أن العميل الروسي السابق ألكسندر ليفينينكو الذي كان يعمل لحساب المخابرات الروسية، ومات في مستشفى الكلية الجامعية في العاصمة البريطانية لندن في 23 نوفمبر 2006، قد تم تسميمه وقتله بهذا العنصر المشع الموجود في أوراق التبغ ودخان السجائر، حسب الدراسة المنشورة في مجلة  “الأمريكي العلمي” (Scientific American) في العدد الصادر في 5 يناير 2011، تحت عنوان: “التدخين المُشع، مُلوثات خطرة تُكْتَشَفْ في السجائر”.

والآن بعد أن حصحص الحق، وعرفنا أن شركات التبغ الأمريكية قد قامت مع سبق الإصرار والتعمد لعقودٍ من الزمن بقتل الناس من خلال عدم إزالة المادة المشعة من منتجهم من السجائر، فماذا سيفعل المجتمع الدولي، وفي مقدمتهم منظمة الصحة العالمية لمواجهة هذه الجريمة المستمرة حتى يومنا هذا؟



الثلاثاء، 25 أكتوبر 2011

حتى الصين تَـعـيب على الإعلام الأمريكي



نعلم الآن كيف يعمل الإعلام الأمريكي في تضخيم الاحتجاجات أو المظاهرات التي تحدث في دول العالم، وبخاصة دول العالم النامي، فأي حدثٍ بسيط من مجموعة قليلة من الناس يتلقفه الإعلام الأمريكي والغربي بشكل عام، ويقوم بتغطيته كل ساعة، وتصويره بأنه ثورة عارمة تنتشر في جميع شريان تلك الدولة بسبب حرمان الشعوب من حقوقها الأساسية، وفقدان الديمقراطية وحرية الكلمة.

ولكن عندما يقع في أمريكا ما هو أشد وأكبر مما يحدث في بعض الدول الأخرى، لا نجد تحرك الإعلام الأمريكي بنفس المستوى والحماس لتغطية الحدث الذي يقع في عقر دارهم وتحت أعينهم.

فالحركة الشعبية التي أطلقت على نفسها “احتلوا وال ستريت” واشتعلت شرارتها الأولى في 17 سبتمبر في مدينة نيويورك، وانتقلت إلى معظم الدول الكبرى في أمريكا، ثم انتشرت إلى الكثير من دول العالم، ومازالت قوية تنبض بالحياة، لم تحظ بالاهتمام المطلوب من وسائل الإعلام الأمريكية، وكأنها خبر هامشي لا يستحق الاهتمام والتغطية المستمرة.

ولسنا في الدول العربية من ينتقد وسائل الإعلام الأمريكية على ازدواجية المعايير، وإنما عابت أيضاً وسائل الإعلام الصينية على هذا النهج الإعلامي المزدوج وغير المهني للإعلام الأمريكي. فقد نشرت وكالة زينهاو(Xinhua) الإخبارية الصينية مقالاً تنتقد فيه هذا الأسلوب الإعلامي الأمريكي والغربي بشكلٍ عام، وتقول فيه: “ الأمر الذي يُحيرنا ونعتبره شاذاً هو أن الإعلام الأمريكي يبدوا وكأنه قد فقد حسه الإخباري حول الاحتجاجات التي انتشرت في أراضيها، فوسائل الإعلام الرئيسة إما أنها قد تجاهلت هذا الحدث الكبير، وإما أنها قد قلَّلت من شأن هذه العاصفة الشعبية في شوارعها. فهذا يتنافى مع شغفهم لتغطية حوادث مماثلة إذا ما وقعت في دولٍ أخرى.....بل وإن بعض السياسيين أهانوا المشاركين في هذه التظاهرات ووصفوهم بالأغبياء”.   

ومثل هذه الممارسات غير الحرفية والمتحيزة للإعلام الغربي عامة والتي تكيل بمكيالين، تَجعلنا لا نثق بوسائل الغرب الإعلامية ونشكك في مصداقيتها، وهذا ما نقوله نحن العرب، ويتفق معنا مليارات البشر في الصين.   

الأحد، 23 أكتوبر 2011

مُخلفاتٌ من السماء


ألا تَكفينا ملايين الأطنان من المخلفات التي نشاهدها أمامنا يومياً من المصانع والمنازل، وتسبب لنا مخاطر شديدة على صحتنا بيئتنا، حتى تَمطُر علينا أيضاً مخلفات من السماء، لا ندري متى تنـزل، وأين تسقط، وما هي أحجامها وخطورتها على سلامة الإنسان؟

لقد عاثت الدول الصناعية فساداً في الأرض منذ أكثر من مئتي عامٍ، وارتكبت أيديهم آثاماً كبيرة، وقامت بمعاصي تُعد من الكبائر على حرمات بيئتنا وأمننا الصحي، فعَرَّضت بيئتنا لنكبات حادة شاهدناها كمظاهر غريبة انكشفت في البحار والأنهار والهواء الجوي. فالبحيرات تحولت إلى مقابر جماعية بسبب ظاهرة المطر الحمضي فأصبحت مياهها أجاجاً حامضاً لا يعيش فيها كائن حي، والأنهار والبحار تحولت ألوانها إلى لون الدم الفاقع أو الأخضر الغامق، وتكونت في الأفق السحب السوداء والصفراء الداكنة التي عكَّرت صفو هذه السماء الجميلة.

والمشكلة أن عَبَثْ الدول الغربية بالبيئة لم تنعكس خطورتها على بيئتهم وصحتهم فحسب، وإنما غطت الكرة الأرضية برمتها، حتى إنه لم يبق شبر في الأرض إلا وتأثر من الأنشطة الصناعية وغير الصناعية التي قامت بها هذه الدول، ونحن لا ذنب لنا في ذلك، ولم نتسبب في وقوعها.

فظاهرة التغير المناخي سببها ملايين الأطنان من الملوثات التي تنبعث منذ قرنين من الأنشطة الصناعية للدول الغربية، وظاهرة انخفاض غاز الأوزون في طبقة الأوزون التي تحمي البشر جميعهم سببها أيضاً استخدام هذه الدول لمواد كيميائية بشكلٍ عشوائي وعلى نطاق واسع.

واليوم تَسقطُ علينا من السماء أمطار غزيرة من المخلفات الصلبة، ولا يستطيع أحد أن يتكهن بموعد سقوطها، وهذه المخلفات التي قد تنـزل على أية بقعة من الأرض لا دور لنا نحن في الدول النامية في تكوينها. فهذه أيضاً من المشكلات البيئية والأمنية التي تصنعها الدول الصناعية، ونذهب نحن سكان الأرض بدون استثناء، وبخاصة في الدول النامية، ضحية لها، بل وستُحملُنا هذه الدول مستقبلاً التكاليف الناجمة عنها، وتجبرنا على المساهمة في حلها، كما تفعل حالياً في قضية التغير المناخي لكوكبنا.

فقبل أيام سَلَّطت وسائل الإعلام الضوء على القمر الصناعي الأمريكي الذي تحطم في الغلاف الجوي، فتناثرت أشلاؤه، وتفتت إلى قطعٍ صغيرة لم يعلم أحد في ذلك الوقت مصيرها ومكان نزولها بالدقة، حتى أن نَاسا، أعلنت بأنها لا تستطيع أن تعرف مكان اصطدامها بالأرض. فهذا القمر الصناعي يزن ستة أطنان ويعمل على مراقبة التغيرات المناخية وقياس تركيز الأوزون، انتهت مهماته في عام 2005، فتحول إلى مخلفات فضائية نزلت علينا بعد ستة سنوات، وغطت هذه المخلفات مساحة طولها أكثر من 800 كيلومترٍ من البحر واليابسة.     

فهذه الحادثة أحيت ذاكرتنا أمام حوادث أخرى وقعت منذ غزو الإنسان للفضاء ونُفُوذِه في أقطار السماوات العليا. ومن أَشْهرها سقوط مخلفات القمر الصناعي الروسي (Kosmos 954) في يناير 1978 في شمال كندا وهو يحمل مفاعلاً نووياً، ثم تَفَكُك المختبر الفضائي الأمريكي(Skylab) في مايو 1979 وإنزاله أمطاراً من المخلفات الصلبة في مدن غرب استراليا. وفي يناير 1997، تعرضت امرأة في ولاية أوكلاهوما الأمريكية لمخلفات الفضاء، وهي قطعة من الصاروخ الأمريكي دلتا-2، وقطعة أخرى من الصاروخ نفسه ضربت امرأة أخرى في تركيا. كما احترقت المحطة الفضائية الروسية مير(Mir) في مارس 2001، وأمطرت مخلفاتها على دولة فيجي في المحيط الهادئ.

وعلاوة على المخلفات التي قد نزلت على الأرض، فهناك أكثر من 50 ألف قطعة من المخلفات تدور حول الأرض، وسيكون مصيرها كمصير الأقمار والمختبرات الفضائية التي سقطت على الأرض، ولكن لا يستطيع أحد أن يُقدر وقت سقوطها، وقد تنزل يوماً ما علينا وعلى دولنا.

ولذلك فإن على دول العالم النامي تقديم طلبٍ رسمي إلى منظمات الأمم المتحدة المعنية، وبالتحديد مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي لمعرفة حجم هذه المخلفات الفضائية ومصيرها المنتظر، وتَـحْميل الدول المسؤولة عنها، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا كافة التبعات والتكاليف التي تنشأ عن التخلص الآمن منها.