الاثنين، 27 فبراير 2012

ضريبة مالية على حركة الطيران


حربٌ بدأت خيوطها تنكشف جلياً بين التكتلات الدولية حول فرض ضرائب مالية على انبعاث الغازات المُتهمة برفع درجة حرارة الأرض، وبالتحديد غاز ثاني أكسيد الكربون الذي ينطلق عند احترق الوقود في السيارات والمصانع والطائرات.

فالاتحاد الأوروبي يعمل منذ التصديق على بروتوكول كيوتو لعام 1997 على خفض انبعاث ثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى من جميع مصادرها المختلفة الموجودة في هذه الدول. ومن هذه المصادر وسائل النقل كالطائرات، حيث إن حركة الطائرات تُسهم بنسبة تتراوح بين 3 إلى 4.9% من مجموع انبعاث ثاني أكسيد الكربون على مستوى الكرة الأرضية برمتها.

ولذلك قرر الاتحاد الأوروبي خفض الانبعاث من الطائرات عن طريق فرض ضريبة خاصة على كل طائرة تدخل المجال الجوي الأوروبي، وتقلع أو تهبط في مطاراتها الدولية، ويُعرف هذا النوع من الضرائب بـ “ضريبة الكربون”، مما يعني أن على الطائرات الأجنبية التي تأتي من خارج الاتحاد الأوروبي دفع مبلغٍ مالي مُحدد على أية طائرة ترغب في أن تحط في مطارات المدن الأوروبية.

هذا القرار أشعل فتيل الحرب الكلامية الباردة بين بعض الدول الكبرى والاتحاد الأوروبي، وبدأت أولاً بين  الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ثم أخذت في الانتشار لتضم دولاً أخرى.  

فالصين أعلنت رسمياً وبكل وضوح في 6 فبراير 2012 منع خطوطها الجوية الصينية من دفع أي مبلغ مالي، وتحدت هذا القرار الأوروبي، في حين أن الخطوط الجوية الأمريكية رفضت القرار أيضاً وحولت القضية إلى القضاء الأمريكي، كما اجتمعت 30 دولة في روسيا لإعلان رفضها للقرار الأوروبي.

فالدول بشكلٍ عام بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والكساد الاقتصادي الذي ضرب أطنابه في معظم دول العالم، لا ترغب في فرض أية ضريبة مالية جديدة تعمق من الوضع الاقتصادي السيئ القائم منذ عام 2008، ولذلك لن نستسلم الدول بسهولة إلى القرار الأوروبي دون معارك فاصلة تدور بينها.





الأحد، 26 فبراير 2012

تسييس غاز ثاني أكسيد الكربون


لأول مرة في تاريخ البشرية تُسيس مادة كيميائية وتدخل في اللعبة السياسية بين الأحزاب في الدولة الواحدة وبين دول العالم وتكتلاتها المختلفة، بل وأصبحت الأحزاب والدول تدخل في معارك ضارية ومستميتة حول هذا المُركَب، واجتمع قادة دول العالم عدة مرات لمناقشة المستوى المسموح به في الهواء الجوي.

فرجال السياسة الذين عادة لا يعرفون شيئاً عن الملوثات الكيميائية، أصبحوا الآن يتحدثون في اجتماعاتهم ولقاءاتهم على المستويين الوطني والدولي عن هذا المركب الذي اكتسب خلال العقدين الماضيين شهرة كبيرة لا مثيل لها.

هذا المركب هو غاز ثاني أكسيد الكربون الذي خلقه الله سبحانه وتعالى بقدرٍ واتزان في الطبقة السفلية من الغلاف الجوي بتركيز يبلغ نحو 270 جزءاً من هذا الغاز في المليون جزء من الهواء الجوي، وبهذا التركيز المعتدل يقوم بعدة مهمات، منها الحفاظ على التوازن المناخي للكرة الأرضية وجعل درجة حرارة الأرض مناسبة لكي يعيش عليها الإنسان والكائنات الحية الأخرى.

ولكن تركيز هذا المركب في الهواء الجوي لم يظل على ما هو عليه، فأنشطة الإنسان خلال القرنين الماضيين والمتمثلة في حرق الوقود في المصانع ومحطات توليد الكهرباء ووسائل النقل المختلفة، زادت من تركيز ثاني أكسيد الكربون إلى قرابة 387 جزءاً في المليون، مما خَلَقَ مشكلة بيئية دولية، تمثلت في رفع درجة حرارة الكرة الأرضية وأدت إلى ظهور تداعيات خطرة تهدد استدامة حياة الإنسان على وجه الأرض. 

ونظراً لارتباط انبعاث هذا الغاز بالعمليات التنموية للإنسان، وبخاصة التنمية الاقتصادية، فإن أي اقتراح دولي لخفض انبعاثه إلى الهواء الجوي يواجه بسيلٍ عرمٍ من الاحتجاجات من الدول، وبخاصة الدول الصناعية المتقدمة التي لا تعتزم الالتزام بأي تعهدات خاصة بخفض مستوى انبعاث ثاني أكسيد الكربون. وفي مثل هذه الحالات يدخل رجال السياسة وقادة الدول على الخط في تجاذبات لا نهاية لها، ويتم تسييس هذا الغاز والقضية برمتها، وتدور الدول في دوامة لا يمكن الخروج منها، كما هو عليه الحال الآن.  

الجمعة، 24 فبراير 2012

كم خسرت الصين مالياً بسبب التلوث؟

الكُلُ منبهرٌ بالطفرة الاقتصادية الكبيرة والمستمرة التي حققتها الصين خلال العقود الماضية، حيث بلغت نسبة النمو الاقتصادي أكثر من 11%، وهذا النمو الاقتصادي المشهود تتسابق الكثير من دول العالم إلى تحقيقه والوصول إليه بشتى الوسائل والطرق دون النظر إلى تبعات وانعكاسات هذا النمو على الجوانب الأخرى، لا سيما الجانب الصحي البيئي والجانب الاجتماعي والسياسي، وما تنجم عن هذه الغفلة والتجاهل لهذه الأبعاد من خسائر مالية فادحة قد تدمر هذا النمو الاقتصادي.   

فالصين وقعت في هذه الحفرة العميقة التي حفرتها أيديهم لأكثر من ثلاثين عاماً، وهي تواجه الآن هذا المطب الشائك الذي أصبح حجر عثرة أمام استدامة التنمية الاقتصادية.

فقد حذرت الأكاديمية الوطنية الصينية للتخطيط البيئي التي تعمل تحت مظلة حكومية رسمية، من أنَّ الكُلفة المالية لإهمال البيئة وعدم حماية مواردها ومكوناتها الطبيعية الحية وغير الحية في ارتفاعٍ مستمر بسبب التنمية العمياء وغير المنضبطة التي أخذت على عاتقها النمو الاقتصادي فقط على حساب جميع الأبعاد والجوانب التنموية الأخرى.

وجاء هذا التحذير الحكومي من خلال التقرير الدوري الذي تنشره هذه الأكاديمية منذ عام 2006 تحت عنوان:“الدراسة المحاسبية الوطنية الخضراء للصين”( Green GDP National Accounting Study)، حيث قدرت كُلفة الدمار الشديد الذي وقع على جميع مكونات البيئة وصحة الإنسان بقرابة 222 بليون دولار أمريكي في عام 2009، وارتفع في عام 2010 بنسبة 9.2%. كما جاء في التقرير أن الصين صرفت في عام 2010 فقط نحو 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي على المشاريع الخاصة بإعادة تأهيل البيئات المتضررة في الجو والبر والبحر والنهر.

وقد انتبهت الصين إلى خطورة هذا الوضع المتدهور للبيئة وعناصرها من ماءٍ وهواء وتربة ورأت بأم عينها الكوارث البيئية التي وقعت وذهب ضحيتها الآلاف من البشر، وأيقنت الخسائر الاقتصادية التي تتكبدها الدولة نفسها من تدمير البيئة من الناحيتين الكمية والنوعية وأن ما حصدتها وجنتها من أموال نتيجة للنمو الاقتصادي خلال العقود الماضية ينتهي الجزء الكبير منها في الصرف على الخسائر المادية التي لحقت بمكونات البيئة والناس، وأن عليها فوراً تغيير نمط النمو الاقتصادي لكي يكون أكثر استدامة، وأقل كُلفة من خلال منع التلوث ومعالجة الملوثات من مصادرها ووضع تشريعات بيئية أشد صرامة.

ومن أجل تنفيذ هذه السياسة الجديدة وهذا النمط من التنمية، أدخلت عاملاً جديداً عند حساب الناتج المحلي الاجمالي، وهو العامل المتعلق بتدهور البيئة ومواردها وثرواتها الطبيعية من جهة، وانعكاس هذا التدهور على صحة الناس من جهة أخرى، وأطلقت على هذا “الناتج المحلي الاجمالي البيئي أو الأخضر”. وهذا يعني أنه بدلاً من حساب الناتج المحلي الاجمالي بالطرق التقليدية المعروفة، يتم الآن إدخال الأضرار التي لحقت بالبيئة ضمن الناتج المحلي الاجمالي من خلال تحديد قيمة مالية نقدية لكل ضررٍ يقع على البيئة، وذلك بهدفِ تقديم صورةٍ واقعية وحقيقة للنمو الاقتصادي الفعلي في الصين.

ولذلك على الدول التي ترغب في معرفة حقيقة نموها الاقتصادي الفعلي، أنْ تقوم بحساب التدهور الذي وقع للثروات الطبيعية من انخفاضِ كمية الأسماك، ودفن وتدمير المناطق البحرية الحيوية، وتلويث الهواء الجوي والتربة بالمواد السامة، وتدمير المياه الجوفية، إضافة إلى الأمراض التي أصابت الناس بسبب التلوث البيئي وتكاليف علاجهم، ثم خصم هذا المبلغ الإجمالي من حساب الناتج المحلي الإجمالي، وعندها ستعرف الدولة ما إذا كانت فعلاً قد ربحت مادياً من النمو الاقتصادي المزعوم أم إنها في الواقع قد خسرت ولم تجن شيئاً.


الأربعاء، 22 فبراير 2012

بيع 30 ألف كمَّامة في ساعةٍ واحدة


في كل يومٍ تظهر في سماء العاصمة الصينية بكين السحب البنية الصفراء اللون، يزداد عدد البائعين المتجولين والمحلات التجارية التي تبيع الكمامات التي تغطي الأنف وتمنع دخول الملوثات إلى الجهاز التنفسي، حتى أنه في يومٍ واحد، وخلال ساعة واحدة فقط، تم بيع 30 ألف كمامة.

فهذه السحب المشبعة بخليط معقد وخطير من الملوثات، وعلى رأسها غاز الأوزون السام، تدمر صحة الإنسان والنبات والجماد إلى حدٍ سواء، ولكنها في الوقت نفسه فرصة تجارية ذهبية لمن يريد أن يبيع الكمامات والأقنعة التي تحجب الملوثات من الدخول في الرئتين. فهذه الكمامات أصبحت الآن من البضائع الرائدة التي يحتاج إليها الناس بشكلٍ يومي، وبخاصة الذين يعيشون في المدن الحضرية التي تكثر فيها السيارات ومصادر التلوث الأخرى، ولذلك قيل من قبل مصائب قومٍ عند قومٍ وفوائد، ورب ضارة نافعة.

وفي البحرين بدأت ظاهرة السحب والضباب البني الأصفر الذي يطلق عليه علمياً بالضباب الضوئي الكيميائي تزيد سنة بعد سنة، فمصادر الملوثات التي تُكوِّن هذه الظاهرة في ازدياد مستمر وارتفاع شديد مطرد، ومن أهم مصادرها السيارات التي اكتظت بها شوارعنا في معظم الأوقات من الليل والنهار، حتى أن أوقات الذروة المرورية أصبحت الآن في جميع الشوارع وعلى مدار الساعة.

فالسيارات تنبعث منها آلاف الملوثات السامة والخطرة، منها ملوثات تسبب السرطان، كالبنزين الذي يصيب الإنسان بسرطان الدم، ومركب البنزوبيرين الذي يسبب عدة أنواع من السرطان. وعلاوة على هذه الملوثات، فهناك الملوثات التي تتحد مع بعض بوجود أشعة الشمس وتكون مجموعة من المركبات المؤكسدة الشديدة الضرر على الإنسان، وتنتج عنها سحباً بنية صفار اللون تتراكم في السماء حتى تصبح واضحة لا يمكن تجاهلها، وعند ظهور هذه السحب تدق أجراس الإنذار محذرة الناس، وبخاصة الأطفال وكبار السن من الخروج من منازلهم، بل وإن بعض الدول اضطرت إلى إعطاء الناس إجازة وعطلة رسمية لمنعهم من الخروج أثناء وجود هذه الغمامة القاتلة.

ولذلك على التجار اغتنام فرصة استيراد هذه الكمامات والأقنعة والاستثمار في بيعها، فالبحرين تسير في خطى المدن الحضرية العريقة التي تتميز بظهور هذه السحب وسيحتاج المواطن إلى هذه الكمامات في القريب العاجل.

الثلاثاء، 14 فبراير 2012

هل كلُ من يُدخن يُصاب بالسرطان؟

ألقيتُ مؤخراً محاضرةً عن الانعكاسات السلبية للتدخين على الفرد نفسه كمُدخن، وعلى من حوله من الجالسين من غير المدخنين.

وبعد الانتهاء من المحاضرة وعند فتح الباب للأسئلة والمناقشة، قام أحد الحاضرين وسألني سؤالاً محيراً ومنطقياً فقال: "إنني أعرفُ شخصاً عُمره نحو ثمانين عاماً، ويُدخن منذ سنواتٍ طويلة وهو حي يرزق ولم يصب حتى الآن بأي نوعٍ من الأمراض، فكيف تقول بأن التدخين مضر، ويؤدي إلى الإصابة بالسرطان؟"

وفي الحقيقة فإن هذا التساؤل يُراود الكثير من الناس، وعندما سألني هذا الأخ بعد محاضرتي عن هذه الظاهرة، لم أعرف حينها الإجابة العلمية على هذا السؤال المطروح، سوى التغيرات الفردية الموجودة بين الناس من ناحية قابليتهم للإصابة بالأمراض.

واليوم أجد الجواب على هذا السؤال في ثلاثة بحوثٍ منشورة في العدد الأخير من مجلتين علميتين معروفتين هما مجلة الطبيعية(Nature)، والثانية مجلة جينات الطبيعة (Genetics Nature).

فقد تمخضت عن هذه الأبحاث عدة نتائج هامة هي كما يلي:
أولاً: يُعد التدخين من أهم الأسباب المؤدية إلى الإصابة بسرطان الرئة، وأن هناك فروقاً فردية بالنسبة لاحتمال الإصابة بهذا المرض.
ثانياً: تُوجد جينات في جسم الإنسان تزيد من احتمال الإصابة بهذا المرض نتيجة للتدخين، وعدم وجود هذه الجينات يُقلل من احتمال الإصابة بسرطان الرئة، مما يفسر ويقدم الإجابة على السؤال الذي طرحة أحد الأخوة بعد المحاضرة.
ثالثاً: بعض الجينات الموجودة في جسم بعض الناس يحفز وينشط قدرة النيكوتين على تكوين الخلايا السرطانية، كما يزيد في الوقت نفسه على احتمال إدمان الإنسان على التدخين بعد البدء فيه.

وبالرغم من هذه النتائج، فإنني لا أريد أن يظن القارئ بأن هذه النتائج تُعطيه الضوء الأخضر في البدء في التدخين، أو حتى الاستمرار فيه، فهناك إجماع في المجتمع الطبي أن التدخين آفةٌ ومرض على الفرد والمجتمع ويجب التخلص منه كلياً، وإذا لم يصب المدخن ومن حوله بالسرطان فإنهم سيصابون بأمراض الجهاز التنفسي والقلب المزمنة.