الثلاثاء، 31 يوليو 2012

مؤتمر يستضيفه البيت الأبيض


لا غرابة في المؤتمرات والاجتماعات السياسية التي يستضيفها البيت الأبيض، ولكن أن يستضيف هذا البيت الذي يهيمن على العالم سياسياً وعسكرياً مؤتمراً حول البيئة والرياضة وطرق إدخال البعد البيئي في جميع الأنشطة الرياضية، فهذا أمر لم أتوقعه.

فقد خصص البيت الأبيض مؤخراً مُمَثلاً في مجلس البيت الأبيض حول نوعية البيئة جزءاً من وقته الثمين وبرنامجه اليومي المزدحم من أجل تنظيم لقاءٍ دعا إليه كافة الجهات المعنية بالرياضة، مثل الشركات المصنعة والمنتجة للأدوات والمعدات الرياضية، والجهات التي تقوم بتنظيم المسابقات والبطولات الرياضية على المستوى القومي والدولي، والاتحادات الرياضية الأمريكية، إضافة إلى الجهات المختصة بالشأن البيئي الرسمي والشعبي.       

وقد هدف هذا اللقاء الرياضي البيئي إلى جعل كافة الأنشطة والبرامج الرياضية على كافة المستويات تصب في حماية البيئة وصيانة مواردها وثرواتها الطبيعية وتحقق السياسات البيئية التي وضعها البيت الأبيض في مجالات ترشيد الطاقة واستخدام مصادر الطاقة البديلة وغير الناضبة، وحماية الموارد، وخفض إنتاج المخلفات واستهلاك المياه. كما أن مثل هذه الاجتماعات تجعل المعنيين بالشأن الرياضي والمهتمين بحماية البيئية يفكرون بنسقٍ واحد وعلى وتيرة واحدة، دون أي تعارض أو اختلاف في الرؤى والأفعال والأهداف، ويعملون معاً من أجل المصالح البيئية العليا وتحقيق السياسات البيئية التي رسمها أوباما.

وفي الحقيقة أن تغيير المسار الرياضي وتوجيهه نحو الخط البيئي العام مهم جداً ويحقق أهدافاً بيئية كبيرة، وهو أداة فاعلة ومؤثرة لتغيير سلوكيات الأفراد والجماعات وتحويلها إلى ثقافة بيئية ايجابية تنتهج مبدأ حماية البيئية وصيانة ثرواتها في كل عمل صغيرٍ أو كبيرٍ تقوم بها.

فمن المعلوم أن الأنشطة الرياضية سواء على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية أو على المستوى الدولي كبطولة كأس العالم في كرة القدم، أو الألعاب الأولمبية الصيفية والشتوية، يشارك فيها ويحضرها ويشاهدها الملايين من الناس، ولذلك لا بد من استغلال هذه الأحداث الرياضية الجماهيرية لرفع مستوى المعلومات والوعي البيئي وتغيير الاتجاهات والسلوكيات في نفوس وقلوب المشاهدين.

الأحد، 29 يوليو 2012

طريق غريب لانتقال الغُزاة


تداعيات التسرب الإشعاعي من مفاعلات فوكاشيما النووية في اليابان في 11 مارس 2011 ستظل تؤرقنا وتؤثر على بيئتنا وصحتنا عقوداً من الزمن، وليس في اليابان فحسب وإنما في الدول التي تبعد آلاف الكيلومترات من مقاطعة فوكاشيما في الجانب الآخر من الكرة الأرضية.

وهذه الانعكاسات السلبية لا تتمثل في الجانبين البيئي والصحي المتعلقين بتلويث مكونات البيئة الحية وغير الحية بالمواد الإشعاعية المهلكة للحرث والنسل، وإنما انكشف اليوم بعد جديد لم يكن في الحسبان ولم يخطر على بال أحد.

فبعد الزلزال المدمر الذي هز اليابان وصاحبه احتراق المفاعلات النووية وانبعاث الملوثات المشعة، جاءت الأمواج العاتية والتيارات البحرية الجارفة فَجَرَّتْ معها كل ما تهدم من مباني وموانئ ومرافئ لصيد الأسماك على المناطق الساحلية لبحر اليابان، ومن بين ما أخذتها التيارات المائية معها هو حوض للسفن تهدم بسبب الزلزال والسونامي فانشق وانكسر إلى قطعٍ متناثرة، أكبرها قطعة من الخرسانة طولها زهاء 20 متراً، وعرضها قرابة 6 أمتار، وارتفاعها أكثر من مترين.

وهذا الحوض للسفن الذي طفا فوق سطح الماء، بدأ منذ مارس 2011 بمسيرة الألف كيلومتر عابراً البحار ومتحدياً التيارات العنيفة للمحيط الهادئ، ومتجهاً بخطى ثابتة وحثيثة نحو حدود الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتحديد السواحل الشمالية الغربية، مثل ولاية واشنطن، وأوريجن، وألاسكا.

وهذه الرحلة الفريدة من نوعها والتي تُسجل لأول مرة، استغرقت منذ انطلاقتها الأولى حتى وصولها إلى مدينة نيوبورت في ولاية أوريجون وعلى شواطئ بحر أجاتا نحو سنة وأربعة أشهر، حيث رست على الساحل وحطت رحالها في 9 يونيو 2012، وقطعت مسافة تقدر بنحو 8800 كيلومتر. 

ولكن هذا الحوض الخرساني عندما وصل إلى سواحل أمريكا لم يكن وحيداً، وإنما كان مليئاً بالحياة النباتية والحيوانية البحرية اليابانية التي سافرت مجاناً دون دفع أي ثمن مع جدار الحوض، فالتصقت به ووجدته بيئة ثرية ومناسبة للعيش فوقها والتكاثر عليها خلال هذه الأشهر الطويلة، فغزت واستوطنت البيئة البحرية الأمريكية دون أية معارك طاحنة، أو زهق للأرواح، أو أية كلفة مالية، أو حتى الحصول على تأشيرة لدخول الأراضي الأمريكية، ومن هذه الكائنات أعشاب وطحالب وحشائش البحر بمختلف أنواعها، والقباقب والمحار ونجم وبلح البحر والكائنات البحرية الأخرى التي التصقت بالجدار، إضافة إلى بعض الطيور البحرية التي حطت فوق الحوض وسافرت معه دون عناءٍ أو تعب وبدون تذكرة سفر أو تأشيرة للدخول.

ولذلك عندما وصل هذا الحوض الخرساني إلى السواحل الأمريكية، دق ناقوس الخطر بوجود تهديد خارجي، وغزوٍ غير متوقع، وهجوم عنيف لكائنات يابانية دخيلة على البيئة الأمريكية، وكأنها معركة ميناء هاربر المشهورة عندما هاجم اليابانيون أمريكا في 7 ديسمبر 1941 أثناء الحرب العالمية الثانية دون أي إنذارٍ أو تحذير.      

فالخطوة الدفاعية الأولى التي اتخذتها أمريكا لمكافحة هذا الغزو الأجنبي، هي التأكد من خلو هذا الحوض الخرساني والمسافرين على متنه من أية مادة مشعة بسبب التسرب الإشعاعي من المفاعلات المحترقة، ثم جاءت الخطوة الثانية وهي إزالة جميع الكائنات العالقة واللاصقة فوق السطح، وعلى جدار الحوض من خلال التنظيف الشامل لكل بقعةٍ صغيرةٍ أو كبيرة، والخطوة الثالثة والأخيرة تمثلت في تعقيم الحوض برمته بالتسخين، باستخدام اللهب أي الحرق في درجات عالية.

السبت، 28 يوليو 2012

تشبع بيئة البحرين


إذا ذهبتَ يوماً ما إلى العاصمة البريطانية، لندن، واستأجرت سيارة خاصة للتجوال والسياحة في وسط المدينة، فستواجهك مشكلة كبيرة تُجبرك إلى إرجاع السيارة فوراً، واستعمال النقل العام وسيارات الأجرة بدلاً من سيارتك الخاصة.

وهذه المشكلة تتمثل في الأزمة الخانقة التي تعاني منها لندن، ويقاسي منها كل ساكن، أو زائر لهذه المدينة العريقة، من حيث الازدحام المروري من جهة، وعدم وجود مواقف للسيارات من جهةٍ أخرى. فقد تجاوزت لندن حالة التشبع بالنسبة لهذه الأمور، فبلغت الآن حالة ما فوق التشبع، ولذلك فهي لا تتحمل المزيد من السيارات في وسط المدينة، ولا تستوعب سيارات جديدة تَجُول في طرقاتها، ولا تتمكن من علاج المشكلة بإنشاء وتوسعة الطرق الحالية، إذا لا توجد أراضي للقيام بذلك، وكأنما أصبح وسط المدينة منطقة مُشَبعة ومغلقة، ولا يمكن قيام أنشطة تنموية جديدة فيها.

ومن أجل ذلك قامت لندن باتخاذ إجراءات صارمة وحازمة للتخفيف من آثار التشبع المروري والمردودات البيئية، والصحية، والاجتماعية، والاقتصادية التي تنجم عنها، ومنها إجراءات اقتصادية كضريبة الازدحام، بحيث يدفع سائق السيارة مبلغاً كبيراً نسبياً إذا أراد الدخول في وسط لندن.

وفي البحرين بدأت مؤشرات الحالة اللندنية من التشبع المروري، والتشبع التنموي تعادينا وتصل إلينا، فهناك خبرٌ بسيطٌ في حجمه، ولكنه كبير في مدلولاته، نشر مؤخراً في صحيفة أخبار الخليج، ويتلخص الخبر في قرار المجلس البلدي للمنامة رفض فتح المزيد من المحلات التجارية في منطقة العدلية بالمنامة، أي غلق العدلية كمنطقة تجارية بسبب الازدحام المروري وعدم وجود مواقف للسيارات تتناسب مع حجم وأعداد المحلات الموجودة حالياً، وهذه العدوى التي أصابت منطقة العدلية، تنكشف بكل وضوح حالياً في المنطقة الدبلوماسية، وستنتقل حتماً إلى مناطق أخرى وستشمل كل البحرين إذا لم نفكر ملياً وبجدية في هذه القضية الشائكة والمعقدة والمتشابكة.

فهذا المؤشر الواقعي، ومؤشرات أخرى كثيرة نعاني منها يومياً تُحتم علينا طرح الأسئلة التالية لكي لا نتفاجأ بوقوع هذه الأزمة الكبيرة.
أولاً: هل نستطيع أن نستمر في الأنشطة التنموية إلى ما لا نهاية؟
ثانياً: هل هناك طاقة وقدرة استيعابية للأنشطة التنموية في البحرين، بحيث نتوقف عندها؟
ثالثاً: هل فكرنا من الآن في تقنين الأنشطة التنموية واختيار ما يتناسب منها مع الظروف الجغرافية للبحرين، من حيث صغر المساحة، وقلة الموارد والثروات الطبيعية المتعلقة بإنتاج الطاقة، والمياه، والغذاء؟
رابعاً: هل خصصنا الموارد المالية الكافية لتغطية تكاليف بناء البنية التحتية الأساسية وتوفير الخدمات اللازمة لاستيعاب الأنشطة التنموية المتزايدة، والمتمثلة في النقاط التالية:
·       بناء طرقات جديدة، وتوسعة طرقات أخرى.
·       إنشاء محطات جديدة وتوسعة المحطات الحالية الخاصة بمعالجة مياه المجاري الصناعية وغير الصناعية.
·       إنشاء محطات جديدة لتحلية المياه.
·       إنشاء محطات جديدة لإنتاج الكهرباء وصيانة الإمدادات القديمة(اقرأ تحقيق صحفي في جريدة الوطن في 12 يوليو 2012 تحت عنوان: مشروعات صناعية مهددة بالإغلاق وخسائر بالملايين والسبب الكهرباء).
·       تحديد وإنشاء المرافق المناسبة صحياً وبيئياً وتقنياً لإدارة المخلفات الصلبة الناجمة عن المنازل، والمستشفيات والمراكز الصحية، والشركات التجارية، والمصانع.
·       إنشاء متنزهات ومرافق ترفيهية جديدة تستوعب الزيادة المطردة في الأنشطة التنموية وأعداد السكان.       
·       إنشاء مستشفيات عامة ومتخصصة تستوعب الزيادة السكانية.
·       توفير المساحات والأراضي اللازمة لإنشاء كل المرافق المذكورة أعلاه.

ولذلك إذا أردنا ضمان استدامة الأنشطة التنموية وتجنب وقوع مردودات سلبية تنعكس على العملية التنموية برمتها، فعلينا إحداث التوازن بين قدرة واستيعاب جزيرتنا من حيث صغر المساحة وشح الموارد وارتفاع عدد السكان من جانب، وتوفير كافة احتياجات هذه الأنشطة التنموية قبل الشروع فيها وضمان وجود المستلزمات الضرورية لها من جانبٍ آخر، وإذا لم نخطط لهذا، فإن التنمية ستتحول إلى نقمة بدلاً من نعمة، وشر بدلاً من خير.

الاثنين، 23 يوليو 2012

كيف تعرف الطيور طريقها؟



كيف تعرف الطيور طريقها أثناء الليل والنهار عندما تحلق فوق السماء وفي الأجواء الرعدية والمطرية، وفي غياهب السحب الكثيفة، فتهاجر آلاف الأميال من قارةٍ إلى قارة أخرى في كل سنة دون توقف أو نسيان؟
فكيف تطير هذه المسافات دون أن تضل طريقها؟ فمن يهديها وينور مسارها؟
وكيف تهتدي الحيتان وأسماك التونة والسلاحف وغيرها أثناء هجرتها في ظلمات البحار والمحيطات وفي أعماقها السحيقة التي لا يصل إليها أي مخلوق بشري؟
وكيف تهاجر قطعان الكائنات البرية فتقطع مسافات طويلة جداً عبر الحدود الجغرافية للدول، وتعبر الأنهار والبحيرات لتصل إلى مكانها ثم تعود أدراجها كما جاءت سنة تلو الأخرى؟

كل هذه الأسئلة حيَّرت العلماء منذ قرون طويلة، وجعلت لعابهم يسيل لسبر غور هذه الحقيقة والتعرف عن كثب على خفاياها وأسرارها.

وفي كل سنة يكتشف العلماء جزءاً بسيطاً من هذا السر الرباني الخالد، وفي كل يوم يصل الباحثون إلى جانبٍ بسيطٍ لحل هذا اللغز المعجز.

فقد أكتشف بعض العلماء من كلية بيلر للطب في مدينة هيوستن بولاية تكساس أن الطيور لها القدرة الكامنة على اكتشاف ومعرفة التغيرات في المجال المغناطيسي للكرة الأرضية، فتصبح كأنها الحاسة السادسة لهذه الطيور، حيث تعرف العلماء على خلايا عصبية في مخ الحَمام تقوم بتسجيلٍ مُفصل ودقيق للمعلومات عن المجال المغنطيسي للأرض، وتعمل هذه الخلايا مُجتمعة كبوصلة حيوية تُرشد الطير عند الطيران وتجهه نحو الطريق الصحيح، ولكن لم يستطع هذا الفريق البحثي من فصل هذه الخلايا واكتشاف ما بداخلها.

ونشر اليوم بحث في مجلة أمريكية هي وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في العدد الصادر في يوليو من العام الجاري، وتمكن من التعرف على هذه الخلايا السرية ومعرفة مكوناتها، حيث اكتشف العلماء خلايا مغناطيسية في سمك السالمون تعمل كآلة تحرك وتوجه السمك أثناء هجرته الدورية وتتوافق وتتجاوب مع مغناطيس الأرض، فهذه الخلايا بها معادن ممغنطة تعرف بالمغناتيت وهي نوع من أكاسيد الحديد، وفي كل خلية 100 بلورة من المغناتيت ملتصقة بجدار الخلية.

وباكتشاف هذه السر الجديد، اقترب الإنسان أكثر من فك رموز لغز هجرة الطيور من حيث الكيفية والأسباب، ولكن مازالت هناك أسئلة كثيرة غامضة، وخفايا عظيمة لم يسبر غورها العلماء.