الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

شامبو جونسون و جونسون


نشرتُ مقالاً في أخبار الخليج في 6 ديسمبر 2011 تحت عنوان ملوثات في شامبو جونسون و جونسون”. وأكدتُ في المقال أن التحاليل المخبرية التي أجريت على عينات من شمبو جونسون و جونسون العريق ومنتجات أخرى للشركة أثبتت أنها تحتوي على مستويات منخفضة من مادتين سامتين تسببان السرطان للإنسان.

المركب الأول عبارة عن مادة عضوية تحتوي على النيتروجين والكلور، ويُطلق عليه إسم الكويتوريم-15(quaternium-15)، وهي تعمل كمادة حافظة ومعقمة تقتل البكتيريا والجراثيم الأخرى وتوضع في المنتجات التجميلية ومنتجات التبرج والزينة، ولكن ينبعث منها مركب يسبب السرطان للإنسان هو الفورمالدهيد(formaldehyde). أما المركب الثاني فهو ملوث خطر جداً ومسرطن يعرف بالديكسين(1,4-dioxane).

ونتيجة لهذا الاكتشاف، اضطرت شركة جونسون و جونسون بوجود هاتين المادتين، ووعدت المستهلكين إلى أنها ستقوم مستقبلاً بإنتاج منتجات أخرى بديلة، ولكنها أغلى سعراً ولا تحتوي على هذه السموم، وأَطلقت عليها بمنتجات جونسون الطبيعية، مما يعني أن المنتجات العادية التي تصنعها، والأقل سعراً مازالت تحتوي على هذه المواد المسرطنة.

وفي سبتمبر من العام الجاري واستجابة لضغوط المستهلكين ووفاءً بالتزاماتها السابقة، أعلنت الشركة بأنها بالفعل صَنعت منتجات للأطفال خالية من المواد الكيميائية الخطرة المهددة لصحتهم، كما أفادت بأنها في المرحلة الثانية، وبحلول عام 2015 ستزيل هذه المركبات من المنتجات الأخرى.

وبالرغم من هذه الوعود فإنني شخصياً لا أصدق هذه الشركات الكبرى، فثقافتها قائمة على الكذب والاحتيال والربح الكبير والسريع، ولكي أثبت لكم صدق كلامي أنقلُ لكم خبراً نشر في الصحافة الأمريكية في سبتمبر من العام الجاري، مُلخصه موافقة شركة جانسين(Janssen)، وهي وحدة الأدوية في شركة جونسون و جونسون على دفع غرامة قدرها 181 مليون دولار في قضية الاحتيال على المستهلك، رُفِعتْ ضدهم من 36 ولاية أمريكية بسبب تسويق نوعٍ من الدواء لعلاج بعض الأمراض النفسية والعقلية، كالقلق والاكتئاب والهوس وانفصام في الشخصية وعدم الحصول على الرخصة الرسمية اللازمة لهذه الاستخدامات، إضافة إلى عدم بيان الآثار الجانبية التي تنجم عنه.
فبعد هذا الخبر، هل تتفقون مع على عدم تصديق هذه الشركات؟
   

الاثنين، 29 أكتوبر 2012

التشوه الخَلْقي للأطفال في العراق


الانعكاسات الصحية والبيئية لمعركة الفلوجه الدامية في العراق في أبريل 2004 أثناء الغزو الأمريكي لهذه المدينة ستبقى خالدة مخلدة في أعضاء جسم الإنسان العراقي وبخاصة الساكنون في الفلوجه، وستظهر عليهم وعلى أبنائهم وأحفادهم آثارُ الأمراض المستعصية التي لا يمكن علاجها، وستنتقل هذه الأمراض من جيلٍ إلى آخر.

فبالرغم من انقضاء أكثر من ثمانية أعوام على هذه المعركة الضارية، إلا أن تداعياتها الصحية قد ضربت أطنابها في مكونات البيئة الحية وغير الحية وانتهت أخيراً في جسم الإنسان، فأي خللٍ في جسم البيئة وعناصرها ومكوناتها يتداعى له سائر أعضاء جسم الإنسان بالسهر والحمى.

وهناك العديد من الدراسات البيئية والطبية التي تم نشرها مؤخراً في المجلات الموثقة، وجميعها تؤكد على وجود خللٍ مشهود في بيئة مدينة الفلوجه والبصرة والمدن الأخرى التي تعرضت للقصف الأمريكي بمختلف أنواع القنابل غير المسموح بها دولياً، كقنابل اليورانيوم المنضب أو المستنفد(depleted uranium) والقنابل الفسفورية البيضاء الحارقة، وانعكاس هذا الخلل البيئي على جسم الإنسان وانكشافه على هيئة مظاهر صحية وأمراض مزمنة مثل ازدياد أعداد المصابين بالسرطان، وارتفاع ولادة الأطفال المشوهين خَلْقياً والمصابين بإعاقات جسدية منذ الولادة، مثل تشوهات في القلب، وإعاقات في المخ وخلل في وظائف أجزاء المخ، وتشوهات في الأعضاء والأطراف، إضافة إلى ارتفاع تركيز الملوثات في مكونات البيئة المختلفة، مثل اليورانيوم، والزئبق، والرصاص.  

فعلى سبيل المثال، ستُنشر دراسة في العدد الذي سيصدر في نوفمبر 2012 من مجلة التلوث البيئي والسُمية(Environmental Contamination and Toxicology Bulletin)، تحت عنوان:التلوث بالعناصر وَوَبَاء ولادة الأطفال المشوهين في المدن العراقية، وهذه الدراسة أجراها باحثون من كلية الصحة العامة بجامعة ميشيغان(University of Michigan) وأطباء من مستشفى البصرة للولادة على الأطفال المولودين في مستشفى الولادة بالبصرة قبل الغزو الأمريكي وبعد الغزو منذ مارس 2003، وقامت بمقارنة أعداد الأطفال المولودين بتشوهات عضوية بَدَنية في الفترتين الزمنيتين.

ففي الفترة بين  1994 و 1995 كانت الولادات المشوه لكل 1000 ولادة هو 1.37، في حين عام 2003 بلغت 23 لكل 1000، ثم تضاعف العدد 17 مرة في السنوات من 2003 إلى 2011. أما بالنسبة لحالات الإجهاض للنساء الحوامل فقد زادت من 10% قبل الغزو إلى 45%.  

وعلاوة على هذه الإعاقات الجسدية للأطفال، بلغت نسب بعض العناصر السامة كالرصاص في أسنان الأطفال المشوهين 4.19 ميكروجرام لكل جرام، وهي أعلى 3 مرات مقارنة بالآخرين الذين لم يتعرضوا للغزو والهجوم بالقنابل والمتفجرات والأسلحة الثقيلة والخفيفة التي تنبعث منها أنواع كثيرة من الملوثات السامة والخطرة والتي تؤدي إلى تأثيرات سلبية على نمو الجنين وهو في بطن أمه، أو إلى الإجهاض. كذلك فإن تركيز الرصاص في الشعر في الساكنين في الفلوجه كان أعلى خمس مرات في الأطفال المشوهين مقارنة بالأطفال الأصحاء، والزئبق أعلى ست مرات، مما يشير إلى العلاقة القوية والمباشرة بين تركيز هذه الملوثات والإصابة بالتشوهات الخلقية والإجهاض. 

وهذه الدراسات، والدراسات الأخرى المنشورة مؤخراً، حَفزت وشجعت منظمة الصحة العالمية إلى الولوج في هذه القضية الصحية والبيئية العامة، حيث تم تكليف الباحثين لسبر غورها والتعرف على تفاصيلها، ومعرفة ما إذا كانت هناك علاقة بين الهجوم الأمريكي والبريطاني على مدينتي الفلوجه والبصرة والأمراض والحالات المرضية المزمنة وغير العادية التي بدأت تنكشف على سكان المدينتين.

وبالرغم من ذلك، إلا أن وزارتي الدفاع في أمريكا وبريطانيا لا تعترفان حتى الآن باقترافهما أي ذنب، أو وجود أية علاقة بين هجومهما والإعاقات والتشوهات عند الأطفال، وذلك، حسب إدعاءهم، عدم وجود أدلة علمية دامغة تربط بين الهجمات والتشوه!


السبت، 20 أكتوبر 2012

حتى “المهياوة” لن نحصل عليها مستقبلاً



إذا استمر الحال على ما نحن عليه من تدهورٍ كميٍ ونوعيٍ في الثروة السمكية والأحياء البحرية الفطرية بشكلٍ عام، ليس على المستوى المحلي فقط وإنما على المستوى الدولي على حدٍ سواء، فسيصل الوضع بنا إلا أننا لن نحصل حتى على المهياوه والطريح، وستكونان من المنتجات النادرة والغالية الثمن في الأسواق، وربما ستكونان بقيمة الكافيار الآن، والذي يمثل وجبة صغيرة فقط للمترفين والأثرياء الذين حباهم الله بالثروة الطائلة.

هذا الوضع الكارثي للثروة السمكية سنصل إليه قريباً إذا لم تتخذ كل دول العالم دون استثناء خطواتٍ جماعية مشتركة، حازمة وفاعلة، لمواجهة هذا التهديد الواقعي المشهود للأمن الغذائي. فالدراسة الميدانية المنشورة إلكترونياً في مجلة علمية تصدر في أمريكا تحت عنوان: العِلم في 28 سبتمبر 2012، تدق ناقوس الخطر وتؤكد على أن الثروة السمكية في تدنٍ مستمر نوعياً وكمياً، وأن معدل الانخفاض في المخزون السمكي أكبر مما توقعه العلماء في دراساتهم المنشورة في السنوات الماضية.

وعلاوة على ذلك فقد أفادت الدراسة أن البيئات البحرية التي تتكاثر فيها الأسماك وتنمو عليها في حالة يرثى لها، وتعاني من جور وظلم أيادي الإنسان التي ارتكبت عليها المجازر الجماعية للأسماك من خلال تدميرها والقضاء كلياً عليها، كبيئات الشعاب المرجانية، وغابات أشجار القرم، وبيئات الحشائش والطحالب البحرية. ففي بعض الحالات قضى الإنسان على هذه المحاضن الثرية للكائنات البحرية من خلال عمليات دفن السواحل وحفر البحر، وفي حالات أخرى تركها تعاني من شر الملوثات التي أثرت على صحتها وعافيتها، فجعلها تقاسي من الأمراض المزمنة التي لا دواء لها، وأدخلها وحيدة في غرف الإنعاش لتلقى نحبها ببطء، يوماً بعد يوم.
   
وليست هذه هي الدراسة الوحيدة التي تؤكد لنا بأننا لن نحصل حتى على المهياوه والطريح” في السنوات القادمة، فقد قرأتُ دراسة في مجلة علمية اسمها “طبيعة التغير المناخي”(Nature Climate Change) في 30 سبتمبر من العام الجاري، تفيد بأن الأسماك ستصغر وتنكمش في الحجم بسبب التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة مياه البحر، وأنها ستفقد نحو 14 إلى 24% من حجمها بحلول عام 2050، أي أننا في المستقبل لن نحصل إلا على “العفاطي” التي لا يقمن صلب الإنسان ولا يشبعن جوعه، فقد درس العلماء 600 نوعٍ من الأسماك من مختلف بحار البحار ووصلوا إلى هذه النتيجة المؤلمة.    

وعلاوة على ما سبق هناك دراسات تؤكد وقوع تدهورٍ كبيرٍ ومشهود في صحة البيئات التي تعيش عليها الأسماك كبيئة الشعاب المرجانية، وبالتحديد مناطق الشعاب المرجانية في استراليا(Great Barrier Reef). فقد أكدت دراسة منشورة في المجلة الأمريكية وقائع الأكاديمية القومية للعلوم في سبتمبر 2012 وغطت فترة زمنية طويلة من 1985 إلى 2012، أن هذه البيئات المنتجة والحيوية التي تعتبر رئة البحر، قد انخفضت مساحتها من 28%  إلى 13.8%، أي أنها تفقد معدل 0.53% من مساحتها سنوياً، مما يعني فقدان 50.7% خلال الـ 27 عاماً القادمة. وهذا الانكماش الخطير في مساحة الشعاب المرجانية ينعكس سلبياً وبشكلٍ مباشر على الثروة السمكية والأحياء البحرية الأخرى، فستقل أعدادها بشكلٍ حاد مع الزمن.

إن هذه الدراسات الميدانية حول وضع الثروة السمكية على المستويين الوطني والدولي لا تبشر بخيرٍ قادم، وإنما تنذر بكارثة غذائية عامة يجب التنبه إليها، فالعوامل التي تؤثر على الثروة السمكية من الصيد الجائر، ودفن البيئات الساحلية المنتجة والغنية بالأحياء، وحفر المناطق البحرية المختلفة، وارتفاع درجة حرارة ماء البحر، وتلوث السواحل بمياه المجاري والصرف الزراعي والصناعي، كل هذه العوامل في تزايدٍ مستمر، ولا أرى شخصياً شمعة مضيئة في نهاية هذا النفق الطويل المظلم تدعوني قليلاً إلى التفاؤل.

ولذلك وصيتي للجميع الإكثار من شراء المهياوه والطريح وتخزينهما، فالسنوات العجاف قادمة لا محالة. 


الأحد، 14 أكتوبر 2012

المخلفات قضية سياسية وحقوقية



عندما يقوم رئيس دولةٍ بنفسه في تدشين حملة ما على المستوى الوطني، فلا شك بأن هذا مؤشر على أهمية هذه الحملة والقضية التي يروج لها ويدعو إليها، وتؤكد على أن هذه القضية ملحة جداً وتدخل على رأس قائمة الأولويات القصوى في برنامجه الرئاسي.

وهذا بالفعل ما قام به الرئيس المصري محمد مرسي فور انتخابه رئيساً وتسلمه زمام الحكم، فقد دشن حملة قومية في مجالٍ يعتبره الكثير من السياسيين من القضايا الهامشية الجانبية التي لا أهمية لها وتستطيع الانتظار ضمن قائمة البرامج، وهي قضية البيئة، وبالتحديد القمامة المنزلية والمخلفات البلدية. ففي الأسبوع الأول، وضمن برنامج المائة يوم الأولى الذي شمل خمس قضايا ذات الأولوية، قام الرئيس مرسى بالبدء في حملة الوطن النظيف، والذي تركز على جمع المخلفات المتراكمة في كل شبرٍ من المدن المصرية الكبيرة والمكدسة في كل مكان في أحيائها وشوارعها وشواطئها وأسواقها، ومن أجل تنفيذ هذه الحملة استنفر كافة الجهات الحكومية وغير الحكومية للتعاون والتنسيق مع بعض لإنجاحها وإظهار مصر الثورة بالصورة التي تليق بها.

ولذلك فقضية المخلفات التي هي في الأصل قضية بيئية وصحية، فرضت نفسها وبكل قوة على البرنامج السياسي للرئيس مرسى بسبب تجاهل هذه القضية لعقودٍ طويلة من الزمن واستفحالها في جذور المجتمع المصري وتفاقم انعكاساتها البيئية والصحية والاقتصادية والاجتماعية والسياحية، حتى وصلت إلى درجةٍ لا يمكن السكوت عليها أو إهمالها من قِبَل أي رئيس لمصر.       

وفي المقابل فإن قضية المخلفات قد تتحول في بعض الحالات إلى قضية أكبر وأسمى وهي حقوق الإنسان، وبخاصة أن بعض الدول تُخصص بنداً واضحاً في دستورها يَنص على:حق المواطن في العيش في بيئةٍ نظيفة، أي أن من حقوق الإنسان في تلك الدول أن يتمتع بشوارع نظيفة وصحية لا توجد فيها مخلفات صلبة، كالقمامة المنزلية والتجارية ومخلفات المباني، ولا تشاهد في شوارعها وأحيائها وشواطئها أي منظرٍ للمخلفات السائلة، كمياه المجاري والمصانع، فتلوث الماء والهواء والتربة وتؤدي إلى الإصابة بأمراض مستعصية مع الوقت.

كما أن هذه المادة في دستور الدولة تُلزمها على المحافظة على نقاء وصفاء وصحة الهواء الجوي من التلوث من السيارات والمصانع ومحطات توليد الكهرباء وغيرها من المصادر المشهودة لتلوث الهواء الجوي، فتقوم باتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع وصول الملوثات إلى درجةٍ تضر بصحة الإنسان والحياة الفطرية. وعلاوة على ذلك، فإن حق المواطن في العيش في بيئة نظيفة تعني أيضاً سلامة التربة، سواء أكانت تربة زراعية أو غير ذلك، والعمل على منع أي مصدرٍ يؤدي إلى إحداث تدهورٍ في نوعيتها، كالمخلفات الصلبة والسائلة من رش المبيدات الزراعية، أو مياه المجاري، أو مخلفات المصانع السائلة والصلبة، أو مواقع دفن القمامة التي عادةً ما تلوث الهواء والتربة والمياه الجوفية والسطحية على حدٍ سواء. 

وبناءً عليه لا بد من الاهتمام بقضية إدارة المخلفات المنزلية على أساسٍ علمي ومنهجي بحت، فلا يجوز أن ننظر لهذه المخلفات بأنها مواد لا قيمة لها وبالتالي يجب التخلص منها عن طريق الدفن فقط دون التفكير في أساليب أخرى أكثر تحضراً وأفضل من الناحيتين البيئية والاقتصادية، ودراسة إمكانية الاستفادة من بعض مكوناتها وإعادة استعمالها أو تدويرها وإنشاء مصانع خاصة تقوم بإدارة كل عنصرٍ من عناصر القمامة، كالمخلفات العضوية التي يمكن تحويلها إلى مواد مخصبة للتربة، أو الورق والألمنيوم والبلاستيك والحديد الذي يمكن إعادة تصنيعها.

إن إدارة المخلفات البلدية الصلبة تحتاج إلى تخصصٍ دقيق، وعلمٍ غزير، وخبرةٍ طويلة في مجال علم القمامة”، كما تحتاج إلى إستراتيجية شاملة ومتكاملة تُحدد أفضل الطرق والأساليب لمعالجتها والتخلص الآمن منها بيئياً وصحياً واقتصادياً واجتماعياً، وعلاوة على ذلك، فإن إدارة المخلفات بشكلٍ عام تندرج ضمن القضايا السياسية والحقوقية في الوقت نفسه، إذ لا يستطيع الإنسان في أي بلدٍ كانْ أن يتمتع بحقوقه كاملة دون التعامل السليم والمستدام مع المخلفات.