السبت، 28 ديسمبر 2013

الشرطة الصينية تصادر الشوايات!

حملةُ مداهماتٍ واسعة النطاق وحازمة قامت بها شرطة البلدية في منطقة إكسي شينج(Xicheng) في العاصمة الصينية بكين لضبط وإحضار ومُصادرة كل أدوات الشِّواء التي تستخدم في عملية شوي اللحم والدجاج في الهواء الطلق، ثم القيام بإتلافها أمام الملأ لكي لا تُستخدم مرة ثانية، حتى إن عدد الشوايات خلال الأيام الأولى من هذه الحملة وصل إلى أكثر من 500 شواية!

وفي الواقع فإن هذه الحملة غريبة جداً وغير مألوفة عند الناس، فلم أسمع شخصياً قط عن أي مدينةٍ من مدن العالم تقوم بالقبض على الناس ومصادرة الشوايات التي معهم، ولكن لا بد وأن يكون هناك مبرر قوي جداً، وسبب مقنع يحقق المصلحة العامة لكي تقوم الحكومة الصينية بهذه الممارسة الغريبة.

 في الحقيقة فإن هذه الحملة هي جزء لا يتجزأ من الإجراءات الصارمة التي تقوم بها مدن الصين العريقة لمواجهة عدوٍ شرس، لا يرحم ولا يُهادن ولا يفاوض، ولا يميز بين الفقير والغني وبين الضعيف والقوي، وبدأ يتوغل رويداً رويدا ومنذ عقودٍ من تجاهل قُدرة هذا العدو وقوته وعدم التصدي له ومواجهته في أن يفتك في جسم الصين المتماسك، ويُهدد الأمن الداخلي والسلم والاستقرار الأهلي، ويثير الكثير من القلاقل والاضطرابات وموجات العنف والشغب على المستوى الوطني.

فهذه الحملة هي صفارة البدء للحرب الضروس التي أعلنتها الحكومة الصينية ضد هذا العدو الغاشم، وأعدت لها ما استطاعت من كل الوسائل والأدوات لصده وتخفيف وطأته على الدولة الصينية. هذا العدو هو التلوث الذي نخر في أعماق جسم البيئة ومكوناتها الحية وغير الحية وأضر بالأمن الصحي بالإنسان لدرجة شديدة ومشهودة حتى أن الجهات الحكومية المعنية اعترفت بوجود مؤشرات ملموسة لهذا الدمار الصحي الذي لحق بالصينيين، فكشفت علنياً عن وجود قرى صينية نزلت عليها الأسقام والعلل المزمنة حتى أُطلق عليها بـ القرى السرطانية، ووصل عددها حتى يومنا هذا إلى أكثر من 500 قرية.

فهذا العدو لم يتوقف عن غزوه للمدن الصينية الكبيرة بين الحين والآخر ولأكثر من ثلاثة عقود مستمرة وإصابة هذه المدن بالشلل التام والمتمثل في  التوقف الكلي للحركة المرورية، وإغلاق المطارات وتأجيل الرحلات الجوية، وإغلاق المدارس لأبوابها وتعليق الصفوف عن الدراسة، وتوقف المصانع عن العمل، وتجنب الناس من الخروج من منازلهم خوفاً للتعرض للضباب السام والقاتل والمواد المسرطنة التي تشبع بها الهواء الجوي في هذه المدن. فكل هذه المظاهر زادت في السنوات الماضية بشكل مطرد وملحوظ على يخفى على الغريب والقريب، وأدت إلى ضعف الإنتاجية والعطاء، وتدهور الاقتصاد العام والخاص، وإفساد صحة المواطنين وسلامتهم، مما أدى إلى وقوع الاضطرابات الأمنية وأعمال الشغب والعنف لضعف أداء الحكومة في حماية مكونات البيئة وصيانة صحة المواطنين وعدم استجابتها لمطالب كافة المواطنين الملحة.

فكان لزاماً على الحكومة الصينية من سرعة تنفيذ خطوات عملية مشهودة لامتصاص نقمة وغضب المواطنين واستيائهم من الوضع المأساوي للأمن البيئي والصحي الذي وصلوا إليه، فقد تعهدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الحاكم في اجتماعها الـ 18 في نوفمبر 2013 إلى تبني سياسات جديدة بالنسبة لحماية البيئة ورعاية عناصرها الحية وغير الحية، والتزمت على منع تعدي التنمية الاقتصادية التي شهدتها الصين منذ أكثر من خمسين عاماً على التنمية البيئية بكافة مكوناتها وثرواتها الطبيعية الفطرية. وفي المقابل وضعت العديد من الخطوات الميدانية العملية لخفض انبعاث الملوثات إلى الهواء الجوي، وبخاصة الدخان أو الجسيمات الدقيقة. ومن أجل تنفيذ هذه السياسات العامة قامت بعض المدن الصينية، منها المدن الواقعة في شرق وشمال الصين، مثل شاندنج، وشنجهاي، وتيانجين، إلى تطبيق إجراءات غريبة علينا كمنع وحظر استخدام الشوايات في الهواء الطلق لأنها تنبعث منها الأدخنة أو الجسيمات الدقيقة والروائح، وتَكُون كثرتها وانتشارها مصدر إزعاجٍ للناس وتلويثٍ للهواء الجوي.

فمثل هذه الإجراءات تؤكد التدهور الشديد الذي لحق بالهواء الجوي، ولكن هذا الفساد العظيم الذي نزل على مدن الصين ودمر صحة الناس، لم ينزل عليها بين عشيةٍ وضحاها، أو بين يومٍ وليلة ودون سابق إنذار، وإنما جاء بسبب الإهمال المستمر لصحة البيئة لأكثر من خمسة عقود، والسماح للملوثات من الدخول في جسم البيئة دون أية معالجة، مما أدى إلى تراكمها مع الوقت في أعضاء البيئة وجسم الإنسان، فضربت عند ذلك الضربة القاضية التي أدوت بحياة البيئة والإنسان معاً. 



الأربعاء، 25 ديسمبر 2013

السجن بسبب التلوث الضوضائي



امرأةٌ إسبانية تعيش في مدينة بيجسردا(Puigcerdà)الواقعة شمال شرق إسبانيا، ترفع دعوى قضائية في المحاكم ضد جارتها التي تسكن في الشقة العلوية بسبب التلوث الضوضائي، أو الأصوات المزعجة لها والصادرة عن اللعب على آلة البيانو لعدة ساعات في كل يوم.

هذه الشكوى من الضوضاء العالية والأصوات المرتفعة، والتي يعتبرها الكثير من الناس أمراً بسيطاً وربما تافهاً لا يستحق الاهتمام، قد أثارت شغف ورعاية الصحف الغربية، ولا أقول الصحف الإسبانية لأن الدعوى القضائية قد رفعت في إسبانيا، ولكن الصحف البريطانية على حدٍ سواء.

فهذه المرأة اشتكت من معاناتها النفسية والجسدية التي قاستها أكثر من سبع سنوات بسبب تعرضها للضوضاء بشكلٍ يومي ومستمر، وظهرت هذه المعاناة على صورة أعراضٍ نفسيةٍ وفسيولوجية، منها الأرق وعدم القدرة على النوم، والإصابة بالقلق والتعرض لنوبات الخوف والفزع، والتغيب عن العمل، كما أصابتها ردة فعل شديدة ضد كل الآلات الموسيقية وعلى رأسها البيانو، وطالبت هذه المرأة بسجن جارتها التي أصبحت هي ضحية للأصوات العالية التي تصدر منها.

في الحقيقة فإن هذه الشكوى تمثل قضية كبيرة وواسعة النطاق تعاني منها نفسياً وعضوياً المجتمعات والشعوب عامة التي تتعرض لمصادر الأصوات العالية والتلوث الضوضائي الناجم عن الحركة المرورية، سواء أكانت من السيارات في الطرقات المزدحمة، أو الطائرات في الجو عند إقلاعها وهبوطها.

وتأكيداً لواقعية هذه المعاناة اليومية وانعكاساتها على الصحة العامة، وبالتحديد إصابة الناس بأمراض القلب المزمنة، فإنني أُلفت عنايتكم الكريمة إلى دراستين كبيرتين تم نشرهما في مجلة طبية مرموقة هي المجلة الطبية البريطانية(British Medical Journal) في أكتوبر 2013. أما الدراسة الأولى فقد شملت نحو 3.6 مليون من البريطانيين الساكنين بالقرب من مطار هيثرو، حيث أشارت إلى أن السكن بالقرب من هيثرو يزيد من مخاطر التعرض لأمراض القلب والأوعية القلبية، والدخول للمستشفيات بسبب الإصابة بالذبحة الصدرية بنسبة 10 إلى 20%، إضافة إلى ازدياد مخاطر الموت المبكر.

والدراسة الثانية فقد أُجريت في الطرف الثاني من المحيط، وبالتحديد في الولايات المتحدة الأمريكية، وشملت ستة ملايين أمريكي يعيشون بالقرب من 89 مطاراً، حيث أكدت على وجود علاقة قوية بين السكن بالقرب من المطارات وارتفاع أعداد الداخلين للمستشفيات بسبب أمراض القلب، وبخاصة بالنسبة عن كبار السن.

ولذلك لا بد من الحذر من التعرض للضوضاء بشكل مستدام ولساعات طويلة من النهار والليل، فللضوضاء آثار صحية نفسية وفسيولوجية عميقة، أخطرها التعرض لأمراض القلب والإصابة بالسكتة القلبية.

السبت، 21 ديسمبر 2013

ممثل هوليود هاج جاكمان



إذا فتحتَ الإنستجرام هذه الأيام أو التويتر، وتابعتَ حساب ممثل هوليود الأسترالي المشهور هاج جاكمان(Hugh Jackman)، والمعروف ببطولة فيلمه الأخير تحت اسم الولفيرين(The Wolverine)، فستجد صورةً شخصية له في صفحته وفي موقعه في الإنترنت وقد وضع ضَّمادة(لَزْجه) على أنفه. 

فلماذا وضع هذه الصورة بالذات ليراها ملايين الناس من الذين يتابعون أخباره وأحواله بشكلٍ يومي؟

هذه الضَّمادة الملصوقة على أنفه هي لعملية جراحية أُجريت مؤخراً لهذا الممثل لإزالة بُقعٍ سرطانية قد أُصيب بها، حيث إن هذه البقع تُعد من أخطر أنواع سرطان الجلد والمعروف بالـ ميلانوما(melanoma)، وهو في الوقت نفسه من أكثر الأنواع شيوعاً في الكثير من دول العالم، منها الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا.

ففي دراسة حديثة نُشرت في مارس 2012 في مجلة وقائع مايو كلينيك(Mayo Clinic Proceedings)، أكدت أن حالات سرطان الجلد، من نوع ميلانوما قد زادت ستة أضعاف خلال الأربعين سنة الماضية، وبخاصة بين الفئة العمرية من البنات من18 إلى 39، حيث ارتفع 8 أضعاف من 1970 إلى 2009. أما بالنسبة لعامة الأمريكيين، فقد ارتفع معدل الموتى خلال هذه الفترة بين الرجال بنسبة 185% مقارنة بـ 55% للنساء، وعدد الأمريكيين الذين يقضون نَحْبهم بسبب هذا المرض يقدر بنحو 9000 أمريكي سنوياً.

وتُعزى هذه الزيادة المطردة في أعداد المصابين والموتى بسرطان الجلد إلى عاملٍ جديد، وسلوكٍ اجتماعي غريب، وعادةٍ غير صحية غزت المجتمع الأمريكي خاصة، وانتشرت في المجتمعات الغربية والمتحضرة عامة، فأصبحت من علامات الرُقي والتحضر والجمال والتميز عن الآخرين، وهي عملية تغيير لون ومظهر البَشَرة والجلد إلى اللون الذهبي، أو البرونزي، أو البني القاتم قليلاً، وتُطلق على هذه العملية بـ التانينج“.

والغريب في هذا الأمر أن الإنسان يذهب بمحض إرادته، وبرغبةٍ جامحة منه، ليستلقي بكل فرحٍ وسرور تحت مصابيح خاصة تنبعث منها الأشعة فوق البنفسجية، فيُعَرِّض جسمه الضعيف طواعية لجرعات قوية ومركزة من الأشعة فوق البنفسجية وهذه الملوثات الضارة، ويقع فريسة سهلة للمردودات والانعكاسات الصحية الخطرة والمزمنة التي تنكشف عليه بعد حينٍ من الزمن وعلى رأسها مرض سرطان الجلد، بل وأصبحت هناك الآن عشرات الآلاف من صالونات السرطان التي انتشرت في كافة أرجاء المعمورة، وكأنها محلات أساسية ضرورية لبيع المنتجات الغذائية والسلع الأساسية التي لا يستغني عنها الإنسان ويحتاج إليها بشكلٍ يومي، وكل ذلك بسبب ازدياد الطلب على هذه الصالونات وارتفاع أعداد الناس الذين يريدون تبديل لون بشرتهم وجلدهم ليكونوا أكثر جمالاً وجاذبية ومواكبةً مع تطورات الموضة والحداثة. وعند بعض الناس وصل إلى درجةِ ”الهوس والإدمان“ وعدم القدرة على الاستغناء عن عملية التانينج، بحيث إنهم اشتروا أسرة التانينج الشخصية والمصابيح الخاصة بذلك، ووضعوها في منازلهم.

فهذه المستجدات الصحية والبيئية والاجتماعية فرضت نفسها على المعنيين بالصحة العامة، فاضطروا إلى مواجهة هذه المشكلة والعادة السيئة التي تهدد صحة الناس من خلال وضع تشريعات وأنظمة خاصة تتعامل مع هذه القضية وتقنن استخدام أسرة ومصابيح التانينج. ففي هذا الإطار،صرح رئيس إدارة الغذاء والدواء الأمريكي في مايو 2013 قائلاً:”إن استخدام أسرة التانينج الداخلية تدمر الجلد، وتزيد من احتمال الإصابة بسرطان الجلد“، ولذلك قامت هذه الإدارة بوضع قانونٍ جديد يفرض وضع علامات تحذيرية تفيد بأن عملية التانينج لا تصلح للذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، كما قامت 33 ولاية أمريكية بتحديد أعمار المواطنين الذين يسمح لهم بالقيام بهذه العملية، وأقر مجلس حكومة ولاية تكساس بمنع وحظر استخدام الأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 إلى 18لعملية التانينج.

ومن هذا المنطلق فإنني أدعو الجهات الحكومية في البحرين والمعنية بصالونات التانينج ضرورة دراسة هذه القضية الصحية البيئية ووضع الأنظمة والضوابط المناسبة لها حفاظاً على الصحة العامة ووقاية للمواطنين من الوقوع في شر الإصابة بسرطان الجلد.

الخميس، 19 ديسمبر 2013

المخلفات اللاستيكية التي لا نراها



قبل أيام كنتُ أتجول في محمية العرين، وشاهدت عن بعد بعجةً في إحدى البحيرات وهي تغطس في الماء وتحاول أكل والتهام شيءٍ ما في هذه البحيرة، وظننتُ في البداية أنها تحاول أكل وجبتها المفضلة وهي الأسماك، ولكن عندما اقتربت أكثر من البحيرة، وإذا بي أرى أن هذه البجعة تحاول التهام قطعةٍ من البلاستيك قد رماها أحد الزوار في البحيرة، ظناً منها أنها طعام يؤكل ووجبة شهية.

هذه المشاهدة البسيطة في بحيرةٍ من بحيرات محمية العرين، تُمثل حالياً قضية عالمية ملحة ومزمنة تُهدد الحياة الفطرية البرية، والبحرية، والطيور في أعالي السماء بخطرٍ شديد، ودمارٍ مُنتظر، وانقراضٍ كبير لهذه الأحياء.

فالمخلفات البلاستيكية بشكلٍ عام، وفي البيئة البحرية والمسطحات المائية بشكلٍ خاص تعتبر من أخطر القضايا البيئية والصحية التي يواجهها العلماء ومتخذو القرار في كل دول العالم، وتُنظم من أجل معالجتها المؤتمرات الدولية الرسمية، ممثلة في منظمات الأمم المتحدة المعنية بالبيئة وصحة البحار والمحيطات، إضافة إلى اللقاءات والاجتماعات العلمية غير الرسمية.

وتشتد خطورة هذه المخلفات البلاستيكية كلما صغر حجمها، بحيث إنها في بعض الأحيان لا تُرى بالعين المجردة، فتكون على هيئة حبيباتٍ أو كبسولاتٍ دقيقة متناهية في الصغر تتراكم في البحار والمحيطات مع الوقت، ثم إلى الكائنات البحرية العالقة في عمود الماء، سواء أكانت نباتية أم حيوانية، ومنها تنتقل إلى الأسماك الصغيرة والكبيرة، ثم إلى الطيور البحرية حتى تصل في نهاية السلسلة الغذائية إلى الإنسان فيصاب بالأمراض والعلل المزمنة دون أن يعلم سببها وكيف نزلت عليه.

وقد نُشرت دراسة في ديسمبرمن العام الجاري في مجلة مستجدات علم الأحياء(Current Biology) تؤكد على حقيقة وجود هذه المخلفات البلاستيكية الدقيقة(Microplastic particles) في البيئات البحرية، وأنها بالفعل قد بدأت طريقها في الدخول في السلسلة الغذائية البحرية. فقد أُجريت هذه الدراسة على منطقة بحرية في بريطانيا وأكدت على وجود هذه المخلفات في الكائنات البحرية العالقة النباتية منها والحيوانية، وانتقالها إلى الديدان(lugworms) التي تعيش في أعماق التربة القاعية وفي البيئات الطينية، حيث تعتبر هذه الديدان غذاءً شهياً للأسماك والطيور.
ولذلك من الضروري الاهتمام بهذا النوع من المخلفات واتخاذ الإجراءات والاحتياطات اللازمة لمنع دخولها في بيئتنا، سواء أكانت مخلفات بلاستيكية دقيقة وصغيرة يصعب مشاهدتها بالعين المجردة، أو مخلفات بلاستيكية أكبر حجماً تمتلئ بها شوارعنا وسواحلنا، وتَعلق فوق أشجارنا، وتطفو فوق سطح بحارنا أو تجثم في أعماقها.