الخميس، 30 مايو 2013

الهامور بستة دنانير...الله يجازيك يا زمان


الرُبْعَة من الهامور في الأسواق المحلية كانت أيام زمان تساوي زهاء ثلاث روبيات، والربعة هي مقياس للوزن اُستخدم في الماضي وتقرب من كيلوجرامين ونصف، أي أن الكيلوجرام من الهامور بلغ في ذلك الوقت قرابة ثماني روبيات، أو 800 فلس، والآن ارتفع سعر الهامور إلى درجةٍ لم يتصورها أحد، ولم تخطر على بال أي مواطنٍ بحريني، حيث إن الكيلوجرام من الهامور بلغ ستة دنانير أو أكثر. وهنا أتذكر أبيات الشاعر البحريني المعروف عبدالرحمن رفيع الذي كان يشتكي في مطلع السبعينيات من ارتفاع سعر الربعة من سمك الشعري، عندما قال:الله يجازيك يا زمان....الشعري الربعة بثمان، فسمك الشعري، كما هو معروف عند المواطن البحريني والخليجي، يُعتبر في أسفل قائمة الأسماك المرغوب فيها.

هذا الارتفاع الجنوني وغير المقبول في جزيرة كالبحرين للهامور والأسماك الأخرى بصفةٍ عامة، يَعكس بشكلٍ ملموس لا لَبْس فيه الوضع المتدهور الذي وصلت إليه الثروة البحرية في البحرين بشكلٍ خاص، وبحار العالم أجمع بشكلٍ عام.

أما على مستوى البحرين، فقد قضينا بمحض إرادتنا وبأيدينا على الثروة البحرية الطبيعية التي وهبها الله سبحانه وتعالى لنا لننعم بالاستقرار والطمأنينة من ناحية الأمن الغذائي الفطري، وقد تمثل هذا الانهيار الفاضح والمشهود للحياة الفطرية البحرية في عدة أسباب. أما السبب الرئيس والذي كان له الدور الأعظم والأثر الأكبر في القضاء على الثروة السمكية من دون رجعة، فهو عمليات الدفن الساحلية العشوائية من جهة وعمليات حفر البحر لاستخراج الرمل من جهةٍ أخرى. فالمساحات البحرية التي دُفنت في البحرين تُعتبر كبيرة جداً مقارنة بمساحتها الكلية، والتي زادت قرابة 105كيلومترات مربعة خلال الخمسين سنة الماضية، أي أننا قطعنا شرايين مهمة وكثيرة من البيئة البحرية كانت تغذي الحياة الفطرية من أسماك وروبيان وغيرهما بِزَاد الحياة والتكاثر والنمو، وهذه الشرايين التي قُطعت طوال السنوات الماضية لا يمكن تعويضها أو إجراء عملية جراحية لإرجاعها وإمدادها مرة ثانية بالقوة والعطاء، فهي ذهبت إلى الأبد وبدون رجعة.

وفي الوقت نفسه، قُمنا بعمليات حفرِ مناطق شاسعة من البيئات البحرية، منها بيئة الحشائش والطحالب وبيئة الشعاب المرجانية، والحفر عند هذه البيئات الثرية والغنية بالتنوع الحيوي والتي تعيش في أحضانها،وتلجأ إليها الأسماك والكائنات البحرية الفطرية الأخرى، أدى إلى تدميرٍ كلي وشامل لها وللأحياء التي تعيش في كنفها وتستظل بظلها. وعلاوة على هذا التدهور الكمي للبيئة البحرين، فإن عمليات الدفان والحفر أدت إلى تدهور نوعية هذه البيئات إضافة إلى التأثير المباشر على صفاء ونقاوة مياه البحر، وهذه الآثار الخطرة تنعكس بشكلٍ مباشر وفوري على صحة البيئات والكائنات الحية التي تعيش في منطقة الحفر والدفان، أو التي تتواجد بالقرب منها.

أما السبب الثاني الذي أدى إلى هذا الارتفاع في سعر الهامور والأسماك الأخرى وانخفاض أعدادها فهو الصيد الجائر باستخدام كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة على مدى أكثر من ستين عاماً دون الحزم في تقنين طرق وأوقات الصيد بشكلٍ عام.

والسبب الثالث فيتلخص في صرف المخلفات السائلة الصناعية ومخلفات مياه المجاري إلى المناطق الساحلية خاصة، ودون معالجة لهذه المخلفات السائلة في بعض الأوقات، وهذه المخلفات ينتج عنها تلوث كيميائي من حيث وجود مركبات كيميائية سامة وخطرة فيها، أو تلوث حيوي عند وجود كائنات دقيقة مرضية في مخلفات مياه المجاري ومواد كيميائية تؤدي إلى انكشاف ظاهرة المد والأحمر والأخضر وتحول المنطقة البحرية إلى لون الدم الفاقع أو الأخضر الغامق، أو ينتج عنها تلوث فيزيائي عندما تكون هذه المخلفات السائلة شديدة الحرارة فتؤدي إلى رفع درجة حرارة البحر وخفض تركيز الأكسجين في ماء البحر. هذا إضافة إلى الأطنان من المخلفات الصلبة التي تجدها جاثمة بعض الأحيان في أعماق البحر، وأحياناً أخرى على الساحل.

وبعد هذا التدمير الممنهج ولسنواتٍ طويلة للبيئة البحرية والثروة الفطرية الحية، ماذا نتوقع أن تكون أسعار الأسماك والكائنات البحرية الأخرى؟


الأحد، 26 مايو 2013

ما هي أنسب طريقة للتخلص من القمامة في البحرين؟


كَثُر الحديث في الأيام القليلة الماضية عن القمامة المنزلية أو المخلفات الصلبة البلدية وبالتحديد حول الموقع الحالي لدفن هذه المخلفات في منطقة المحاجر وعن انتهاء العمر الافتراضي لهذا المدفن لاستقبال كمية إضافية من المخلفات الصلبة خلال السنوات القليلة القادمة.

وفي الحقيقة فإني سعيد جداً من هذا الاهتمام بقضية القمامة التي يعتبرها الكثير من المعنيين والمسئولين قضية هامشية وبسيطة ولا تستعدي الاهتمام والرعاية وتضييع الوقت والمال، فهم يختصرون ويختزلون هذه القضية الكبيرة برمتها في عمليتين فقط هما الجمع من المصدر ثم التخلص النهائي من خلال الدفن فقط، علماً بأن عملية إدارة القمامة أصبحت الآن عِلْمَاً متخصصاً يُدرس في الجامعات المرموقة ويُعرف بعلم القمامة(Garbology)، وينال الطلاب الذين يدرسون هذا العلم ويُجْرون الأبحاث لسبر غورها على درجات الماجستير والدكتوراه، كما يُطلق على العالم في هذا التخصص العلمي الهام بعالم القمامة(Garbologist).

ويُعزا السبب في هذا الاهتمام بإدارة القمامة لأسباب كثيرة منها أنها قضية صحية في الدرجة الأولى فتَرْك القمامة دون إدارتها بأسلوب سليم من الناحيتين البيئية والصحية يؤدي إلى انتشار الأمراض المزمنة، كما هو معروف في التاريخ الحديث عن انتشار الأوبئة في بعض الدول نتيجة لإهمال التخلص من القمامة، وهي ثانياً قضية بيئية من حيث إن تركها يؤدي إلى تلوث الهواء والماء والتربة وتنجم عنها مشكلات بيئية خطيرة تهدد الأمن الصحي للإنسان والحياة الفطرية، وهي ثالثاً قضية تقنية وفنية، فإدارتها يحتاج إلى الكثير من الحلول التقنية والأجهزة والمعدات الحديثة، حيث تقوم علي هذه القمامة الكثير من الصناعات الحديثة المتخصصة، إضافة إلى ضرورة توافر الكفاءات العلمية والفنية المؤهلة لتشغيل وصيانة هذه الأجهزة. وأخيراً فقضية القمامة المنزلية اقتصادية واجتماعية حيث إن بعض دول العالم تستفيد من كل مكونٍ بسيطٍ من هذه القمامة وتعتبرها ثروة متجددة يعيش عليها الملايين من البشر، كما إن الكثير من دول العالم المتقدم تنشئ صناعات على مكونات هذه القمامة وتقوم بتدويرها وتحويلها إلى منتجات نافعة.

وقد أعطيتُ هذه القضية جُل اهتمامي عندما كنت أستاذاً للدراسات البيئية في جامعة الخليج العربي من خلال الدراسات والأبحاث التي نشرتها منذ الثمانينيات من القرن المنصرم، إضافةً إلى إعداد كتابٍ خاص بتكليفٍ من الهيئة البلدية المركزية في عام 1992 تحت عنوان: القمامة المنزلية وطرق الاستفادة منها.

وفي هذا الكتاب قدمتُ رؤيتي المستقبلية لأفضل السبل والطرق لإدارة القمامة استناداً على عدة معطيات هي أولاً كمية ونوعية المخلفات الصلبة التي تنتج سنوياً في البحرين، وثانياً المساحة الجغرافية الصغيرة للبحرين وأهمية الأرض اليابسة لاستخدامها للأعمال التعميرية والصناعية والزراعية والإسكانية بدلاً من دفن المخلفات، إضافة إلى عدم وجود مواقع مناسبة بيئياً للدفن، وثالثاً الزيادة المطردة للسكان، ورابعاً الارتفاع السنوي المشهود لأعداد السيارات والتي تحتاج إلى شوارع وطرق سريعة تستهلك مساحات واسعة من مساحة البحرين الضيقة.

وتتلخص هذه الرؤية في ثلاث نقاط رئيسة كالتالي:
أولاً: تبني سياسة وإستراتيجية الإدارة المتكاملة للمخلفات البلدية الصلبة التي تعتمد على منع إنتاج المخلفات من مصادرها، سواء أكانت من المنزل، أو المكتب، أو المحلات التجارية، واختيار أنسب الوسائل والطرق من الناحيتين البيئية والاقتصادية والفنية في كل مراحل إدارة المخلفات، بدءاً بعملية الجمع فالنقل ثم التخلص النهائي.

ثانياً: الاعتماد بشكلٍ رئيس على طريقة الحرق للتخلص من المخلفات البلدية الصلبة باستخدام أفضل التقانات المتوافرة من حيث انخفاض انبعاث الملوثات ومعالجتها قبل إطلاقها إلى البيئة، إضافة إلى الاستفادة من الحرارة الناجمة لتوليد الكهرباء.

ثالثاً: التفكير مستقبلاً في تبني بعض الأدوات الاقتصادية التي تهدف إلى تحفيز وتشجيع المواطنين والمقيمين إلى خفض إنتاجهم للمخلفات، إضافة إلى تشجيع الاستثمار في عمليات تدوير وإعادة استعمال بعض مكونات القمامة.

السبت، 18 مايو 2013

هل أجهزة الإنذار المُبَكر للإشعاع مجدية؟



وَقَعتْ الحادثة التاريخية الشهيرة وهي احتراق مفاعل تشرنوبيل النووي لتوليد الطاقة بالقرب من مدينة بربيات(Pripyat) في أوكرانيا عند الساعة الواحدة صباحاً يوم 26 أبريل 1986، ومنذ اللحظة التي انفجر فيها المفاعل، انبعثتْ أحجام كبيرة من الملوثات الصلبة والغازية المُشعة بشكلٍ فوري ومباشر إلى الهواء الجوي، وأخذتْ هذه الإشعاعات في الانتشار بسرعة فائقة في جميع شرايين الكرة الأرضية، بدءاً بغرب الاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية، وغرب وشمال قارة أوربا، ثم المناطق الواقعة شرق أمريكا الشمالية. 

وقد انتشرت هذه الإشعاعات النووية المميتة دون أن يعلم أحد عن ذلك، فقد التزمت السلطات الحكومية المعنية بالصمت والسكوت، وأحاطت هذه الكارثة بالكتمان والسرية الشديدة، وحاولت التغطية كلياً على أكبر حادثة تلوث بيئي يشهده التاريخ.

وبعد مرور يومٍ واحد من تسرب هذه الإشعاعات وانتشارها في الجو وفي الكثير من دول العالم، أي في يوم 27 أبريل 1986، دقتْ أجراس الإنذار في محطة فورسمارك النووية لتوليد الطاقة(Forsmark Nuclear Power Station) في السويد محذرةً بارتفاع نسبة الإشعاع في الهواء الجوي وفي ملابس العمال في المحطة. وفي الوهلة الأولى ظن فنيو المحطة أن هناك تسرباً إشعاعياً صادراً من المحطة نفسها، وبعد التحقيق المستمر تبين أنه من مصدرٍ خارجي، وأنه قادم من جهة الاتحاد السوفيتي. وعندها قامت الجهات الدبلوماسية المعنية بالاتصال بالقنوات الخاصة بوزارة الخارجية في الاتحاد السوفيتي للتعرف على مصدر الإشعاع، إلا أن المسئولين السوفييت أنكروا في البداية وجود أي تسربٍ إشعاعي، ثم أُجبروا بعد تقديم الأدلة الداحضة على الاعتراف باحتراق المفاعل النووي في تشرنوبيل وانبعاث الملوثات المشعة، وذلك في 28 أبريل 1986، أي بعد يومين من وقوع الكارثة، وبعد أن تغلغل السُم المُشع في كافة أعضاء الأرض، وبعد أن وقع الخراب، وعَمَّ التدمير للبيئة والإنسان. 

ولذلك أؤكد من هذه التجربة الواقعية المريرة على أن أجهزة الإنذار المبكر لا جدوى فعلي من وجودها من ناحية الكشف الفوري عن مصادر الإشعاع الخارجي التي تأتي عبر الحدود الجغرافية، فهذه الأجهزة تُنذر وتُحذر الإنسان بعد أن يصل الإشعاع إليها من المصادر الخارجية، أي بعد انتشار الملوثات الإشعاعية في البيئة وتعرض الإنسان وكافة مكونات البيئة الحية وغير الحية لهذه الإشعاعات القاتلة.

ومن هذا المنطلق فإنني أدعو إلى تنفيذ أمورٍ أربعة لدرء شرِّ التسربات المشعة ومنع تهديداتها علينا، وبخاصة التسربات التي قد تصل إلينا من مصادر خارج البلاد. أما الأمر الأول فهو التعرف على كافة مصادر الإشعاع النووية في داخل البحرين والدول المجاورة، سواء أكانت مصادر ثابتة كمحطات توليد الكهرباء والمفاعلات النووية المستخدمة في الأبحاث العلمية، أو كانت مصادر متحركة كالسفن الحربية وغير الحربية العاملة في مياه الخليج العربي والتي تعمل بالطاقة النووية، ثم تحديد مواقعها وأنواع المواد المشعة التي قد تتسرب عنها.

والأمر الثاني هو التأكيد على وضع أجهزة كشف عن الإشعاع في مواقع هذه المصادر التي قد تنجم عنها تسربات إشعاعية، وذلك من أجل المعرفة الفورية والمباشرة لأية انبعاثات نووية قد تنطلق منها، سواء نتيجة لأنشطتها اليومية في الظروف التشغيلية العادية، أو بسبب الحوادث التي قد تقع لهذه المفاعلات النووية. 

أما الأمر الثالث فهو توقيع مذكرات تفاهم، أو اتفاقيات مع الدول المجاورة التي بها مفاعلات نووية أو لديها سفناً تتحرك بالطاقة النووية في مياه الخليج العربي وقد تكون مصدراً للإشعاع النووي. ومن أهم بنود هذه الاتفاقية إبلاغ الدول مباشرة وفورياً بأية حادثة تسرب نووي. والأمر الرابع والأخير  فهو استعداد الدولة نفسها من جميع النواحي لمواجهة أية إشعاعات قد تصل إلينا، ووضع خطة طوارئ يتم التدريب على تنفيذها بشكلٍ دوري.  


الجمعة، 17 مايو 2013

أهمية دعم الحكومة لمشاريع تدوير المخلفات


عادةً ما تكون المشاريع الصناعية القائمة على تدوير المخلفات بأشكالها وأنواعها المختلفة من صلبة وسائلة وغازية غير مجدية اقتصادياً، وتكون دائماً في مهب أي ريحٍ غير مرغوبة تهب على الدول، فتتأثر هذه المصانع مباشرة بحركة هذه الرياح التي تمر عليها فتسقط مفلسة عند أول محنة اقتصادية ومالية، كما تقذفها تقلبات السوق وتغيرات أسعار المواد الطبيعية يميناً تارة، ويساراً تارة أخرى، كما حدث بالفعل للكثير من شركات ومصانع تدوير المخلفات التي أغلقت أبوابها، وأعلنت إفلاسها، وسرحت موظفيها عند دخول العالم في نفق الكساد الاقتصادي المظلم منذ عام 2009،  ولذلك نجد أن القطاع الخاص يتخوف في أغلب الأحيان من الدخول في هذا النوع من العمليات الصناعية، ويتجنب الاستثمار فيها.

هذا العزوف من القطاع الخاص والمستثمرين عامة من الولوج في بحر صناعة إعادة استعمال المخلفات، أو تدوير الملوثات يُشكل أزمة كبيرة للحكومات والشركات الصناعية إلى حدٍ سواء. فالحكومات في نهاية المطاف هي المسئولة عن حماية بيئاتها، وهي المعنية بالحفاظ على مكونات البيئة من التلوث ومن تراكم وتكدس المخلفات، ومنعها من الانتقال إلى الهواء، أو المسطحات المائية، أو التربة، وبخاصة أمام المجتمع الدولي عندما تقوم الحكومات بالتوقيع والتصديق على الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بحماية عناصر البيئة من ماءٍ وهواءٍ وتربة وصيانة التنوع الحيوي النباتي والحيواني في هذه الدولة.

فمن المعاهدات الدولية المعنية بأحد الملوثات التي تنبعث من المصانع بشكلٍ عام عند احتراق الوقود هو اتفاقية التغير المناخي وبالتحديد بروتوكول كيوتو الذي صدقت عليه مملكة البحرين، والذي يلزم الدول الصناعية ويوجه الدول الأخرى على خفض انبعاثات بعض الملوثات وعلى رأسها غاز ثاني أكسيد الكربون، وغازات أخرى مثل الميثان وأكسيد النيتروز وغازات الفريون. ولذلك على البحرين الوفاء بهذه الالتزامات والتعهدات الدولية والعمل على خفض انطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون بشكلٍ خاص، ولا يمكن القيام بذلك إلا من خلال أولاً تحديد الشركات التي تنبعث منها أحجام كبيرة من هذه الملوثات، وثانياً التعاون معها في إيجاد أنسب الحلول العملية والواقعية التي يمكن تنفيذها، وأخيراً تقديم الدعم المعنوي والمادي لهذه الشركات.

ومن المناسب هنا ذكر مثال واحد يوضح الفكرة التي أطرحها في هذا المقال. فعند صناعة غاز الأمونيا والميثانول السائل في شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات(جيبك) تَنتُج مادة ثانوية هي ثاني أكسيد الكربون بنسبٍ عالية، وهذا الغاز يعد من أخطر الغازات المتهمة بالتغير المناخي ورفع درجة حرارة الأرض، ولذلك قامت هذه الشركة المرموقة بضرب عدة عصافير بحجرٍ واحد. الأول هو الاستفادة من هذه المخلفات الغازية والقيام بتدويرها لإنتاج اليوريا، والثاني فهو منع انبعاث هذا الملوث إلى الهواء الجوي وبالتالي أسهمت هذه الشركة في الحد من ظاهرة التغير المناخي على المستوي والمحلي، أما الثالث فهو دعم مملكة البحرين في الالتزام بتعهداتها في خفض انطلاق هذا الغاز إلى الهواء. وبالرغم من هذا الإسهام المشكور، إلا أنه مازالت هناك أحجام أخرى من ثاني أكسيد الكربون بحاجة إلى قيام مشاريع لتدويره والاستفادة منه، وأتمنى من الحكومة دعم هذا المشروع الجديد لما له من فوائد مباشرة لمملكة البحرين على كافة المستويات السياسية والبيئية والاقتصادية.

كذلك هناك أزمة المخلفات البلدية الصلبة في البحرين والتي تزيد أحجامها بشكلٍ مطرد ملحوظ ستسبب حتماً مشكلة كبيرة إذا لم تتم معالجتها عاجلاً وبأسلوبٍ بيئي واقتصادي وصحي. فمكونات هذه المخلفات تُعد ثروة لبعض الدول، وبخاصة الدول الفقيرة حيث تقوم عليها العديد من الصناعات الخفيفة، ولكن بالنسبة لدولة البحرين فإن إنشاء مصانع تقوم بتدوير بعض عناصر القمامة غير مجدية اقتصادياً، ولذلك إذا لم تتدخل الدولة بدعم هذه المشاريع فستتفاقم المشكلة، وترتفع تكاليف التخلص منها إلى درجةٍ كبيرة جداً ترهق كاهل ميزانية الدولة. 

ولذلك من الحكمة بيئياً واقتصادياً وسياسياً هي تشجيع وتحفيز القطاع الخاص للولوج في مشاريع تدوير وإعادة الاستفادة من محتويات القمامة من خلال تقديم الدعم المالي المباشر، أو خفض الضرائب على الأجهزة والمعدات، أو خفض فاتورة الكهرباء، فالرابح الأول هي الدولة نفسها، فهي تربح بيئياً، وصحياً، واقتصادياً، وسياحياً، وسياسياً على المدى القريب والبعيد.