الثلاثاء، 30 يوليو 2013

بنطلون من الجينز يمتص الملوثات



تصور أنك ترتدي بانطلونْ الجينز لتستر به نفسك، وإذ به في الوقت نفسه يؤدي غرضاً آخر هام، ويقوم بدورٍ حيوي كبير، ويقدم لك وللمجتمع خدمة جليلة تتمثل في الحفاظ على مكونات البيئة الحية وغير الحية من إنسان ونبات وحيوان وحمايتها من الملوثات الخطرة والسامة، وبذلك يقدم لك البانطلون الذي تلبسه خدمة مزدوجة ويتحول إلى مكنسة بيئية متنقلة تمتص الملوثات من الهواء.

وهذا بالفعل ما قام بتصميمه خبيرة الأزياء المعروفة هيلين ستوري(Helen Storey) من كلية لندن للأزياء بالتعاون مع خبير الكيمياء توني رين(Tony Ryan) من جامعة شيفيلد، حيث اكتشف هذا العالم أن هناك مادة كيميائية تُعرف بثاني أكسيد التايتينيم(titanium dioxide) تتفاعل مع بعض الملوثات الخطرة الموجودة في الهواء الجوي، وبخاصة أكاسيد النيتروجين فتحولها إلى مواد كيميائية غير خطرة لا تؤثر على الإنسان والحياة الفطرية، وليست لها مردودات سلبية على مكونات البيئة الأخرى.

ولذلك قام هذا العالم بالتعاون مع شركات صناعة الجينز وخبراء الأزياء والموضة أثناء صناعة قماش الجينز المعروف بالدنم بخلط جسيمات صغيرة من هذه المادة مع القماش حتى تصبح جزءاً داخلياً منه، فتقوم بدور كنس الهواء الجوي وتنظيفه من مهددات صحة الإنسان.

وفي الحقيقة فإن هذه الفكرة البسيطة في محتواها تعالج قضية بيئية صحية كبيرة جداً وخطرة تعاني منها كافة المدن الحضرية ومازالت منذ أكثر من ستين عاماً، وهي ظاهرة الضباب الضوئي الكيميائي(photochemical smog)، حيث تتكون هذه الظاهرة في الهواء الجوي عندما تنبعث الملوثات من السيارات بشكلٍ خاص ومن المصانع ومحطات توليد الكهرباء، وهذه الملوثات، وبالتحديد أكاسيد النيتروجين تتفاعل مع ملوثات أخرى مثل المواد الهيدروكربونية وبوجود أشعة الشمس كعامل مساعد يقوم بدور المساعدة في نشوء التفاعل الكيميائي الضوئي، فينتج عنه خليطٌ معقد وسام من الملوثات التي تهدد صحة الإنسان والحياة الفطرية بأمراض حادة قد تكون قاتلة، وعلى رأس هذه الملوثات التي تنتج عن التفاعل غاز الأوزون السام وملوثات أخر أشد خطورة على الإنسان، ونتيجة لهذا التفاعل يتكون في السماء دخاناً بنياً أصفر اللون يشاهده الجميع في البحرين وفي كل المدن الحضرية التي تكثر فيها السيارات وتزدحم فيها وسائل النقل.

ولذلك إذا أردت أن تخدم بيئتك وتنقي هواءك من الملوثات، فالبس الجينز.   


الأربعاء، 24 يوليو 2013

بلد المليون .....



عندما كُنتُ طالباً في مدينة مانشستر البريطانية في مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم، قُمتُ بزيارةٍ سياحية مع صديقي أثناء إجازة أعياد الميلاد إلى مدينة أمستردام الهولندية، وقد شاهدت في هذه المدينة ظاهرة غريبة ومُنفرة وقَزَّتْ نفسي من رؤيتها أمامي، وهي كثرة البراز على الطرقات، أو كثرة مخلفات الحيوانات من كلاب وقطط وغيرهما من الحيوانات المستأنسة التي تتجول مع أصحابها في الطرقات والحدائق العامة، حتى إنني كنت وصديقي دائماً ننظر إلى أسفل أقدامنا ونحن نمشي تجنباً لأن ندوس على هذه المخلفات، أو الألغام الأرضية التي تنفجر تحتنا عندما ندوس عليها، فعندئذٍ أطلقنا على هذه المدينة الهولندية بلد المليون براز.

فهذه الظاهرة التي شاهدتها ومازالت موجودة، أَعدها من المشكلات البيئية المتعلقة بالنظافة العامة والتي صنعها المجتمع الغربي لنفسه وبيديه، ويستطيع أن يقضي عليها تماماً ومن جذورها دون تعبٍ أو مشقة أو حتى أية كلفة مالية، ولكن الغريب أنه يُصر على أن تكون المشكلة موجودة ليبحث عن حلولٍ ترقيعية لا تعالجها كلياً.

واليوم يبدي مجلس مدينة بلفاست في إيرلندا، على سبيل المثال قلقه العميق من هذه المشكلة فيدعو أصحاب الكلاب والقطط إلى التوقيع على وثيقة التزامٍ وتعهد لإزالة مخلفات الحيوانات من الشوارع والحدائق والمتنزهات، وقد جاء هذا النداء بعد أن استفحلت المشكلة، وتفاقمت في الطرقات والمرافق العامة التي تحولت إلى منطقة معارك من كثرة وجود هذه الألغام التي قد تنفجر تحتك وأنت لا تعلم، فقد قالت مسؤولة الخدمات الصحية والبيئية في مجلس المدينة إن مخلفات الكلاب تُعتبر من أكثر الشكاوى التي تصل إلينا“، وأضافت قائلة بأن مجلس المدينة يصرف نحو 12.8مليون جنيه لتنظيف الشوارع والمحافظة على سلامتها من الأوساخ والقمامة ومخلفات الحيوانات.

وفي أمريكا دخلت الآن التقانات الحديثة في علاج هذه الظاهرة المتفشية من أجل التعرف على صاحب الكلب أو القطة الذي لم يُزل وينظف آثار البراز من الشارع أو الحديقة، فهناك جهاز مخابرات يقوم بهذه المهمة من خلال عمل قاعدة بيانات تحتوي على الـ دي إن أ(DNA) أو الحمض النووي لهذه الحيوانات المستأنسة وأصحاباها، فإذا وُجدت مخلفات في المناطق العامة، يتم أخذ عينة منها للتحليل، ثم معرفة صاحب الحيوان الذي ارتكب هذه الجريمة واتهامه رسمياً بعدم تنظيف المخلفات، ثم تغريمه مالياً في المحاكم المختصة بهذا الشأن.

فأنظروا إلى أي حدٍ وصلت قضية بيئية بسيطة يمكن حلها بقرارٍ واحد فقط هو منع الحيوانات في المناطق العامة ومنع إيذاء المواطنين الآخرين والتعدي على حرياتهم في الحركة والتمتع في الحدائق والمتنزهات، ولكن هذا جزءاً من تفكير الإنسان الغربي والمتغربين، الذي لا أفهمه.

يسألونك عن السرطان؟



عندما نسمع عن الازدياد المطرد في أعداد المصابين بمرض السرطان على المستوى المحلي والدولي، فيَحِقُ لنا أن نطرح السؤال التالي: من أين يأتي هذا المرض، وما هي أسبابه؟

للإجابة عن هذا السؤال أنقل لكم النتائج التي تمخضت عن دراستين شاملتين منشورتين في مجلة طبية معتمدة دولياً هي مجلة لانست البريطانية(Lancet) في العدد الصادر في 10 يوليو من العام الجاري. أما الدراسة الأولى فهي تحت عنوان:تلوث الهواء والإصابة بسرطان الرئة في الدولة الأوروبية، حيث قامت بفحص وتدقيق 17 دراسة علمية أُجريت في تسع دول أوروبية على 300 ألف إنسان بهدف معرفة علاقة تلوث الهواء من السيارات ومحطات توليد الكهرباء والمصانع وخطورة التعرض لسرطان الرئة.

وتوصلت الدراسة إلى استنتاجٍ مهمٍ جداً سيُغير مفهوماً كان يتبناه علماء البيئة والطب، إضافة إلى الأجهزة الحكومية المعنية بالبيئة وهو أنه لا يوجد حدٌ آمن لتلوث الهواء“، ولا حد ”مقبول“ يمكن غض الطرف عنه، أي أنكل تركيز للملوثات في الهواء الجوي، حتى عندما يكون التركيز عند الحدود المسموح به، أو ما يُعرف بالمعايير والمواصفات البيئية الخاصة بجودة الهواء الجوي.وهذا الاستنتاج يعني أن جميع درجات ونسب تلوث الهواء، وبخاصة بالنسبة للجسيمات الدقيقة أو الدخان، تُعرض الإنسان لاحتمال الإصابة بالسرطان. كما أكدت الدراسة على وجود علاقةٍ مباشرة بين تركيز الملوثات في الهواء والإصابة بالسرطان، فكلما ارتفعت نسبة الملوثات في الهواء الجوي زادت نسبة خطورة التعرض لسرطان الرئة.كذلك خلصت الدراسة إلى أن احتمال إصابة الإنسان بسرطان الرئة يزيد بنسبة 22% في كل زيادة تركيز 5 ميكروجرامات من الدخان في المتر المكعب من الهواء، أي أن تأثير الملوثات على الإنسان يكون تصاعدياً وتراكمياً مع الوقت.

واستناداً إلى الاستنتاجات التي توصلت إليها الدراسة وهي أن تلوث الهواء ولو بنسبٍ منخفضة جداً يعتبر من أسباب السرطان، فقد أوصى الباحثون إلى تصنيف تلوث الهواء كمسرطن، أي اعتباره مادة تسبب السرطان للإنسان، وأن تتم إضافةتلوث الهواء إلى قائمة المواد المسرطنة الأخرى التي تعتمدها منظمة الصحة العالمية.

أما الدراسة الثانية فقد سبرت غور أسباب التعرض لأمراض القلب في 12 دولة من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال تحليل وتقييم 195 دراسة حول علاقة تركيز بعض الملوثات بأعداد الداخلين إلى المستشفيات بسبب السكتة القلبية وضعف عضلات القلب وأمراض القلب الأخرى، حيث أفادت الدراسة إلى أن هناك علاقة مباشرة بين تركيز بعض الملوثات مثل أول أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت والنيتروجين والدخان وأمراض القلب، وكلما زاد تركيز الملوثات في الهواء الجوي ارتفعت نسبة الإصابة بأمراض القلب، وقد أكدت الدراسة إلى أن كل زيادة في تركيز أول أكسيد الكربون في الهواء الجوي بنسبة واحد جزء في المليون يزيد من احتمال الإصابة بالسكتة القلبية بنسبة 3.5%، وزيادة في تركيز الدخان بنسبة 10 ميكروجرامات لكل متر مكعب من الهواء يزيد من احتمال التعرض للسكتة بنسبة 2%، وزيادة في تركيز أكاسيد النيتروجين بنسبة 10 أجزاء في البليون يزيد من السكتة بنسبة 1.7%، كذلك فإن الزيادة في تركيز أكاسيد الكبريت بنسبة 10 أجزاء في البليون يزيد من التعرض للسكتة القلبية ثم الموت بنسبة 2.36%.

ومما سبق نجد أن هاتين الدراستين تغيران الانطباع العام السائد عند العلماء ومتخذي القرار البيئي والصحي في أن التلوث بنسبٍ منخفضةٍ مقبول ولا يؤثر على الأمن البيئي والصحي وأن المعايير الأولية والمواصفات التي تتبناها الدول لجودة الهواء تقي صحة عامة الناس من الإصابة بالأمراض الحادة والمزمنة، مما يعني الآن أن على العلماء مراجعة كافة المعايير الموضوعة لنوعية الهواء الجوي لأنها أصبحت لا تحقق الهدف الرئيس من وضعها وهو حماية صحة الإنسان، فكل تركيز للملوثات يؤدي مع الزمن إلى الإصابة بسرطان الرئة وأمراض القلب المزمنة.

فلا غرابة إذن ولا عجب أن نشاهد زيادة ملحوظة في أعداد المصابين بالسرطان، وبخاصة سرطان الرئة، فالهواء الذي نستنشقه في كل ثانية ولا نستطيع الاستغناء عنه دقائق معدودات، والذي من المفروض أن يساعدنا على الحياة، هو في حد ذاته مادة مسرطنة“وتسبب السرطان للإنسان، وتؤدي إلى الموت المبكر.