الثلاثاء، 29 يناير 2013

مستحضرات التجميل البيئية


الكل يستغل البيئة لمصالحه الشخصية، فرجال السياسة يستغلون الهم البيئي لكسب أصوات الناس أثناء الانتخابات، والجمعيات تدعي الدفاع عن البيئة من أجل مغانم سياسية، ورجال الأعمال من الشركات والمصانع يستغلون حب الناس لحماية البيئة وعاطفتهم الجياشة للحفاظ على الثروات والموارد البيئية الطبيعية من أجل تسويق منتجاتهم وبيع بضائعهم وتوزيعها على المستوى العالمي.

واليوم نسمع ونقرأ عن الشركات المنتجة لمستحضرات التجميل ومستلزمات الزينة للنساء عن أنها بدأت في تصنيع منتجات للمرأة صديقة للبيئة ولا تلوث مكوناتها من ماءٍ وهواءٍ وتربة، وتدعي بأن هذه المنتجات الجديدة تحمي الموارد الطبيعية من الناحيتين النوعية والكمية.
       
وقد جاءت هذه السياسة الجديدة لمصانع إنتاج “المكياج” للمرأة، ليس حباً في البيئة ولا حماية لمواردها، فهذه الشركات العملاقة متعددة الجنسيات، لا تضع البيئة ضمن أولوياتها، فثقافتها المتجذرة في أعماقها لا تسمح لها بذلك، فهي شركات لا يهمها إلا الربح الكبير والسريع ولو كان على حساب صحة الإنسان وبيئته.

ولذلك فهذا التغيير في الاستراتيجيات والتوجهات وإدعاء حب البيئة، اضطرت إليها هذه الشركات رغم عن أنفها، وبخاصة عندما نُشرت دراسات علمية كثيرة تؤكد وجود ملوثات سامة وخطرة وتسبب السرطان للإنسان، مثل الرصاص والزئبق والفورمالدهيد والديكسين، في مستلزمات الجمال من أحمر الشفاه، ومجملات الرموش، والكريمات المختلفة المستخدمة للوجه واليدين والرجلين، إضافة إلى اكتشاف هذه المركبات السامة في منتجات الأطفال كالشامبو وغيره. وبعد هذه الاكتشافات التي تؤكد تهديد هذه المنتجات لصحة النساء والأطفال وسلامة البيئة، تَدخل الكونجرس الأمريكي وسن تشريعاً خاصاً يقنن محتويات هذه المنتجات تحت عنوان  “قانون سلامة مستحضرات التجميل”، كما يلزم الشركات المصنعة لهذه المستحضرات من تجنب استخدام مواد كيميائية تضر بصحة الإنسان والبيئة.

فمثل هذه القوانين هي التي جعلت الشركات تركب موجة البيئة وتمشي مع تيار البيئة الجارف وتدعي حماية الموارد الفطرية الطبيعية، وتتبني إنتاج مستلزمات التجميل الصديقة للبيئة.  

الأحد، 27 يناير 2013

الأطعمة العضوية: هل هي أفضل من غيرها؟


في السنوات القليلة الماضية بدأنا نسمع ونقرأ عن مصطلحٍ جديد دخل علينا من خلال وسائل الإعلام وغزا عقولنا عن طريق الشركات الزراعية والصناعية والغذائية، ولم يكن هذا المصطلح موجوداً من قبل في قاموس المصطلحات البشري، وهو مصطلح، أو عبارة الطعام العضوي”، أو الزراعة العضوية”، أو الوجبة العضوية، وجميعها يصب في مفهومٍ واحد، أو فكرة واحدة.

فهذا المصطلح يعني أن المنتجات الغذائية والزراعية التي تطرحها الشركات في الأسواق لا تحتوي على مواد كيميائية خطرة، أو ملوثات صناعية مُهلكة للحرث والنسل، فهي بالتالي غير مضرة لصحة الإنسان ولا تؤثر على سلامة مكونات البيئة من حياة فطرية وماءٍ وهواءٍ وتربة. فهذه المنتجات، وبخاصة المحاصيل الزراعية من خضروات وفواكه، لا تدخل فيها المواد الكيميائية التي تُستخدم عند زراعة المحاصيل بالطرق المعروفة حالياً. فلا تُستعمل فيها المبيدات بشتى أنواعها، كمبيدات الأعشاب والحشرات والطفيليات والفطريات وغيرها، كما لا تُستخدم في إنتاجها الأسمدة الكيميائية غير العضوية مثل اليوريا والفوسفات والنيترات والأمونيا. ولذلك فهي مُنتجات طبيعية خالصة، تُزرع في تربة سليمة وصحية، وتروى بمياه نقية خالية من الملوثات، وتُقدم لها الأسمدة العضوية من مخلفات الحيوانات والطيور وغيرهما، ولذلك فإن هذا النوع الجديد من الزراعة “العضوية” يَتَجَنبُ كافة أنواع الأسمدة والمبيدات التي تُهلك الإنسان والحياة الفطرية قبل أن تقضي على الآفات والحشرات المرضية.

وعلاوة على ذلك، فإن الزراعة العضوية تعني أيضاً استخدام أدوات ومعدات ومحركات لا تنبعث عنها ملوثات تؤثر على صحة الإنسان وتدهور الهواء الجوي من الناحيتين النوعية والكمية، إضافة إلى استخدامها لمصادر الوقود النظيف، أو الوقود المتجدد الذي يحافظ على الموارد الطبيعية وثروتها ولا ينطلق منه ملوثات تؤدي إلى التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض.
 
وهذا بلا شك أمر مطلوب ومرغوب فيه لحماية صحة الإنسان والحياة الفطرية واستدامة حياتنا على سطح الأرض، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هناك اختلافات وفروق جذرية بين الزراعة التقليدية المتبعة حالياً، وأنواع الزراعة التي تدَّعي بأنها عضوية؟

من أجل الإجابة عن هذا السؤال رجعتُ إلى دراسة علمية نَشَرتها جامعة ستانفورد الأمريكية المشهورة في مجلة اسمها دورية الطب الباطني(Annals of Internal Medicine) تحت عنوان: “هل الأطعمة العضوية أكثر سلامة وصحة من الأطعمة التقليدية البديلة؟ مراجعة منهجية”. فقد قامت هذه الدراسة بإجراء مراجعةٍ عامةٍ وحصر للدراسات العلمية المنشورة حول الفوائد والايجابيات الصحية والغذائية من تناول الأطعمة العضوية مقارنة بالأطعمة غير العضوية، وخلصت الدراسة بعد مراجعة وتحليل أكثر من 250 بحثاً علمياً بعدم وجود فروق كبيرة وملموسة بين النوعين، كما أن الدراسة أفادت بأن الاعتقاد السائد عند الناس أن الأطعمة العضوية أفضل من الناحية الصحية وأكثر قيمة غذائية غير دقيق، ولكن بالرغم من هذا الاستنتاج إلا أن الدراسة أشارت إلى أن تناول الوجبات العضوية قد يخفض من احتمال التعرض للمبيدات والبكتيريا.

وفي تقديري ومن خلال تجاربي وخبراتي البسيطة، فإنني أرى أن الشركات التي تُصَنِّع وتُنتج الأطعمة العضوية، لو صَدَقَتْ في إدعاءاتها وممارساتها اليومية الميدانية وقامت بتجنب استعمال المبيدات والأسمدة الكيماوية، فإن منتجاتها ستكون حتماً أفضل من الناحية الغذائية والصحية والبيئية من المنتجات الزراعية التي تستخدم المواد الكيماوية.


الأحد، 20 يناير 2013

التلوث يشل الحياة كلياً




فجأة بدأ نبض القلب في السكون، وانْشَلَّتْ الأعضاء جميعها، فتوقفت الحياة كلياً.
هذا بالضبط ما حدث في العاصمة الصينية بكين لفترة زمنية تجاوزت أسبوعاً واحداً في مطلع هذا الشهر، فقد نزل عليهم عدو من السماء يترقب بهم منذ سنوات، فسقط الضباب الكثيف المُلوث وحل الظلام وحجب ضوء الشمس المشرقة الجميلة، وانعدمت الرؤية، فتحول النهار ليلاً والصبح مساءً، وتحول لون السماء من الزرقة الجميلة التي ترتاح له العين، وتطمئن إليه النفس، إلى اللون الأسود والبرتقالي القاتم الذي يشمئز له الإنسان، ويقشعر له بدنه، ويكتئب عند رؤيته ويقلق عند مشاهدته، وترتجف له أجهزته التنفسية، وتتصلب فيه شرايين القلب فتمنع تدفق الدم وجريانه إلى باقي أعضاء الجسم، فنجم عن هذه الحالة الكارثية اختناق الناس ولجوئهم إلى أقسام الطوارئ في المستشفيات ليبقوا سالمين على قيد الحياة، فاكتظت المستشفيات والمراكز الصحية بهذه الأعداد الكبيرة من المرضى الذين جاؤوا من كل حدبٍ وصوب لتلقى العلاج.

فعندما نزل هذا العدو الغاشم الذي لا يُفرق بين الصغير والكبير، ولا يميز بين الغني والفقير، ولا يرحم الشجر ولا الحجر، صاحت أجراس الإنذار حول المدينة الصينية برمتها، وصدرت أوامر صارمة من الجهات الحكومية تمنع الناس من الخروج إلى الشوارع، وتحذرهم من ممارسة أي نشاط عضلي خارج المنزل أو المكتب. فقد وجهت الأجهزة الحكومية بشدة كافة شركات التشييد والبناء من العمل وحثت العمال على البقاء في منازلهم، كما أمرت الشركات الصناعية إلى خفض إنتاجها وأنشطتها. وعلاوة على ذلك فقد أغلقت وزارة التربية كافة المدارس الحكومية حفاظاً على صحة التلاميذ من هذا العدو الذي هجم على المدينة، كما حذرت الحكومة موظفيها من استخدام سياراتهم إلا للضرورة القصوى، حتى اختفى الناس من الشوارع وهربوا إلى منازلهم كأنهم حُمرٌ مُستنفرة فرَّتْ من قَسْورة.   

كذلك توقف المطار عن العمل كلياً، فشلَّت حركة الطائرات وتوقفت عن الطيران وألغيت الرحلات الجوية، فتكدس الناس في المطارات بانتظار الفرج من السماء، كما أُلغيت المباريات الرياضية الدورية والكثير من الأنشطة الجماعية الخارجية.

كل هذه الاضطرابات المميتة للحياة اليومية وقعت لسببٍ واحد فقط هو إهمال الجهات الحكومية وتجاهلهم لتلوث البيئة، وبالتحديد لتلوث الهواء الجوي. فلم تنزل هذه الحادثة من فراغ، ولم تنزل بين عشيةٍ وضحاها، وإنما جاءت بسبب الإهمال المتعمد والمستمر لعقود من الزمن، ونتيجة لتجاهل صحة مكونات وعناصر البيئة منذ سنوات طوال عندما بدأت الصين في العمليات التنموية أحادية الجانب، فركزت فقط على الجانب الاقتصادي وزيادة ثروة الدولة وتحسين وضعها المالي، ونست وأغفلت كلياً الجانب البيئي في هذه التنمية،  فسمحت للملوثات من غزو جميع عناصر البيئة، وسهلت لها سبل التعمق في الأوساط البيئية من ماءٍ وهواءٍ وتربة، فانطلقت ملايين الأطنان من الملوثات السامة والمسرطنة إلى البيئة من آلاف المصانع ومحطات توليد الكهرباء، وانبعثت المواد الكيميائية الخطرة من ملايين السيارات التي تعمل كمصانع متحركة تدمر الهواء الجوي.

فنتيجة لهذا الإهمال والغفلة للتنمية البيئية ولعقود طويلة من الزمن، وصلت الحالة إلى ذروتها، وبلغ السيل الزبى، فلم تستطع مكونات البيئة من تحمل المزيد، ولم تتمكن من استيعاب الملايين من الأطنان من الملوثات التي أُلقيت في بطنها، حتى ضعف الجسد، وظهرت عليه آثار المرض، فتداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فانهار ساقطاً صريعاً على الأرض.

والآن وبعد هذه الكارثة، لم تعد قضية تلوث البيئة في الصين تشغل بال العلماء والأطباء، وإنما تحولت إلى قضية رأي عام، تدخلت فيها كافة فئات الشعب، بل وأصبحت قضية سياسية وأمنية، فقد خرج الناس في مظاهرات واعتصامات تندد بالوضع البيئي المتدهور، وتمنع إنشاء مصانع تلوث البيئة وتسمم المسطحات المائية، حتى أن بعض المظاهرات تحدت رجال الأمن واستخدمت وسائل العنف والقوة لوقف مصادر التلوث.

وما يحدث الآن في الصين، سيحدث لأية دولة تتبع هذا النمط المُعوق من التنمية، فلا بد من أن نستفيد من هذه التجربة الصينية ونجنب أنفسنا وقوع مثل هذه الكارثة.
 

الجمعة، 18 يناير 2013

فرانكنشتاين



فرانكنشتاين”(Frankenstein عنوانٌ لروايةٍ قديمةٍ مشهورةٍ جداً حتى يومنا هذا، كتبتها المؤلفة البريطانية ماري شيلي في 1818، وصدرت منه العديد من الطبعات منذ ذلك الوقت، وهذه الرواية العنيفة والمخيفة تتحدث عن مخلوقٍ وحشي غريبٍ وعملاق تَكَون في المختبر عن طريق الخطأ، واليوم أُطلقُ عنوان هذه الرواية التاريخية العتيقة على سمكة السالمون الضخمة التي تم التلاعب في جيناتها الوراثية لتلد أسماكاً وحشية كبيرة الحجم كالفرانكنشتاين.  
   
فقد قام العلماء بتعديل وهندسة جينات أسماك السالمون لينمو بشكلٍ أسرع وأكبر من السمك الطبيعي العادي، بحيث أصبحت هذه الأسماك الفرانكنشتاينية أكبر مرتين وأسرع من ناحية النمو، وهذه العملية المتمثلة بتغيير الجينات الطبيعية للأسماك وغيرها من الكائنات الحية النباتية والحيوانية مثار جدلٍ واسع بين العلماء من مختلف تخصصاتهم وتوجهاتهم، فمنهم من يقول بأنها عملية سليمة من الناحيتين البيئية والصحية، ومنهم من يعترض على إحداث أي تعديلٍ في جينات الكائنات الحية والتدخل في كينونتها التي خلقت عليها.

وهذا الجدل المحتدم بين العلماء انعكس بشكلٍ مباشر على سياسات الدول وقراراتها من حيث السماح، أو منع إنتاج مثل هذه الكائنات الحية غير الطبيعية وبيعها على الناس.

فالنسبة لسمكة السالمون الفرانكنشتاينية، فقد أفادت إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية(FDA) بأنها غير مضرة لصحة الإنسان، ولذلك تسمح بتسويقها على الناس، أما روسيا واليابان فتحظران بيع مثل هذه الأسماك وتؤكدان عدم سلامتها للاستهلاك البشري.

وفي تقديري، فإن عملية هندسة جينات الكائنات الحية بشكلٍ عام تعتبر من العلوم الحديثة جداً ومن الإجراءات العلمية المستجدة، ولا يمكن التأكد من سلامتها، وبخاصة تلك المتعلقة بغذاء وطعام الإنسان أو التوازن البيئي، من خلال التجارب المخبرية قصيرة المدى على الفئران وغيرها من حيوانات التجارب، حيث إن التأثيرات الصحية والبيئية لا تنكشف على الإنسان ومكونات البيئة إلا بعد عقودٍ من الزمن، وقد يكون إثباتها علمياً بأدلة دامغة صعبة جداً.

ولذلك فإنني أحذر من التسرع والاستعجال في السماح لتسويق مثل هذه الكائنات والمنتجات الغريبة وبيعها على المواطنين، فالتاريخ أكد لي أن الكثير من المنتجات التي تم تسويقها بأنها سليمة على الإنسان والبيئة، تحولت الآن إلى طامة كبرى وكارثة بيئية وصحية لا يمكن التخلص منها، والأمثلة على ذلك لا تُعد ولا تحصى.