الثلاثاء، 25 يونيو 2013

الصين تراجع حساباتها التنموية

من خلال متابعاتي للعملية التنموية في الصين عبر السنوات الماضية، أُقدم لكم نَمَطْ ونموذج التنمية التي اتبعتها الصين خلال ثلاثة عقود، لَعَلنا نقف عندها قليلاً، ونتعلم من هفواتها، ونتعظ من زلاتها، ونستفيد من سقطاتها.

فالتنمية في الصين بدأت بخطواتٍ واسعةٍ ومتسارعة جداً هدفها فقط تحقيق أكبر رقمٍ للنمو الاقتصادي وجني الربح الكبير والسريع ووضع الصين ضمن قائمة الدول الصناعية الكبرى، وقد نجحت بالفعل نجاحاً باهراً في الوصول إلى هذا المرمى، وأذهلت دول العالم قاطبة في نسب النمو العالية التي حققتها والتي بلغت في بعض الأعوام أكثر من 13%.

واستمرت الصين في سياستها التنموية الأحادية الجانب، والتي تنظر بعينٍ واحدة فقط،وهي التركيز على النمو الاقتصادي البحت، دون النظر إلى الجوانب الأخرى المرتبطة بالتنمية، أو اتخاذ الأبعاد الأخرى ذات العلاقة بهذه التنمية في الاعتبار.

فبعد أن بلغت الصين مرحلةالتشبع التنموي الاقتصادي، انتقلت إلى مرحلةٍ خطيرة باتت تهدد هذه التنمية وهي مرحلة ما فوق التشبع، وأُشبه هنا هذا الوضع بالكأس الذي يملأه الإنسان بالماء رويداً رويداً، فالمرحلة الأولى هي سكب الماء في الكأس، وهذه المرحلة ليست لها سلبيات أو أية تداعيات، لأن للكأس قدرة وسعة استيعاب لهذا الماء، ثم تأتي المرحلة الثانية عندما يمتلأ الكأس بالماء فلا تستطيع القدرة الاستيعابية للكأس تحمل أية قطرة إضافية أخرى وهي مرحلة التشبع، وهذه المرحلة أيضاً ليست لها مخاطر أو تداعيات سلبية مشهودة، ثم إذا واصلنا عملية سكب الماء في الكأس، فإن حجم الكأس لا يستطيع تحمل المزيد ولو كانت قطرة إضافية من الماء، فيبدأ الماء في الخروج من الكأس ويبلل كل شيءٍ حوله، وتبدأ التداعيات تنكشف وتظهر أمام الجميع، وهنا نكون قد وصلنا إلى مرحلة ما فوق التشبع، حيث تنقلب التنمية من ظاهرة إيجابية إلى ظاهرة سلبية، وتتحول من نعمة إلى نقمة، وتنقلب من حالةٍ تُقدم الخير والرفاه للناس إلى حالةٍ تعكر صفو راحة الناس وتسبب لهم الدمار والآلام، فتصبح العملية التنموية عندئذٍ وبالاً على المجتمع برمته، وعبئاً ثقيلاً على عاتق الحكومات والناس، ولا بد عندها من تخفيف هذا الحمل الكبير، والعمل على إبطاء عجلة النمو.

فالصين في السنوات القليلة الماضية بلغت حالة ما فوق التشبع، وبدأت تداعيات هذه التنموية الأحادية الجانب تظهر أولاً على مكونات البيئة وعناصرها من الهواء الجوي، ثم الأنهار والبحار والبحيرات، وتلوثت من الناحيتين النوعية والكمية إلى درجةٍ شديدةٍ أصبحت لا تصلح بتاتاً للإنسان، وهذا الدمار المدقع والمزمن للبيئة انعكس مباشرة على صحة الإنسان والكائنات الحية التي تعيش معه، فكانت المحصلة النهائية هي نشؤ نحو 459 قرية أُطلق عليها رسمياً بـ القرى السرطانية، أي القرى الصينية التي ترتفع فيها معدلات الإصابة بالسرطان مقارنة بالقرى الأخرى. وفي المقابل أيضاً انعكست حالة ما فوق التشبع على نوعية الخدمات والبنى التحتية الرئيسة للمدن، فالشوارع اكتظت بالسيارات إلى درجةٍ باتت تشكل إزعاجاً كبيراً للأفراد والشركات وتكبدهم خسائر مالية كبيرة، وخدمات المخلفات الصلبة المنزلية والصناعية ومياه المجاري لم تعد تواكب هذا الأحجام الضخمة التي تنتج سنوياً، ولم تتمكن من اللحاق بالعمليات التنموية المتعاظمة والمتزايدة.

كذلك فإن وصول التنمية في الصين إلى حالة ما فوق التشبع وبروز تداعياتها البيئية والصحية إلى هذه الدرجة من الحدة والعمق، أشعل فتيل ضجر الناس، وانفجر غضبهم وسُخطهم، بحيث أصبحوا هم من يقف أمام مشاريع التنمية، وهم من ينظم المظاهرات الحاشدة والمسيرات العنيفة في بعض الأوقات لمنع إقامة مصانع جديدة تدمر بيئتهم ويدفعون صحتهم ثمناً لإنشائها.

وعند بلوغ هذه المرحلة التي أصبحت تُهدد الأمن والسلم القومي من جهة، وتهدد صحة عامة المواطنين من جهةٍ أخرى، اضطرت الحكومة الصينية إلى إعادة النظر في سياساتها التنموية ومراجعة حساباتها،فقامت أولاً بالبطء في عملية النمو، ثم أَدْخلتْ البعد البيئي والاجتماعي في التنمية بشكلٍ قوي، وجاءت هذه السياسة الجديدة من أعلى المستويات، بدءاً بالكونجرس الوطني الصيني للحزب الشيوعي، ثم الرئيس الصيني الذي قال بأنه لن يسعى نحو تحقيق نموٍ اقتصادي مؤقت على حساب تدهور البيئة، وأضاف قائلاً بأن الذين أخذوا قرارات متعجلة أدت إلى انعكاسات خطرة على البيئة سيحاسبون على ذلك“.

ولذلك إني على أمل أن ندرس في البحرين جيداً هذا النمط الصيني غير المستدام للتنمية، فنستمر في تنميتنا واضعين نصب أعيننا التنمية البيئية والاجتماعية جنباً إلى جنب مع التنمية الاقتصادية، حتى لا يكون الإنسان هو الضحية الأولى التي تسقط نتيجة للتنمية العرجاء.

مفاوضات ثلاثية

عندما نقرأ أو نسمع عن مفاوضات ثنائية أو ثلاثية تُعقد بين الدول فيتبادر إلى الذهن دائماً مفاوضات على قضايا أمنية، أو سياسية، أو مناطق حدودية متنازع عليها بين هذه الدول.

ولكن عندما التَقَتْ وفود حكومية رسمية رفيعة المستوى من ثلاث دول هي اليابان، وكوريا الجنوبية، والصين في مدينة كيتاكيوشو(Kitakyushu) في مقاطعة فوكوكا(Kitakyushu) اليابانية لم يكن من أجل مناقشة القضايا التقليدية المتعارف عليها، بالرغم من وجود قضيةٍ عالقة ومتنازع عليها منذ سنوات بين اليابان والصين وهي تبعية وملكية جزر دياويو(Diaoya islands) أو جزر سنكاكو (Senkaku Islands)، ولكن محور الحديث في هذا الاجتماع الثلاثي انصب على الجانب البيئي، وجاءت هذه الوفود وتحملت أعباء ومشقة السفر من أجل قضية حدودية بيئية تشترك في حلها وعلاجها هذه الدول.

وقد دَعتْ اليابان إلى عقد مثل هذا الاجتماع البيئي المشترك لأنها هي المتضرر الرئيس من تداعيات هذه القضية وهي التي تعاني منها منذ سنوات، حتى بلغت التهديدات للبيئة والشعب الياباني ذروتها، مما اضطرتها إلى التحرك نحو علاج هذه القضية من جذورها.

فأزمة المدن الصينية الكبرى من تدهور نوعية الهواء لا تخفى على أحد، والانعكاسات السلبية الضارة على صحة وسلامة المواطنين والمقيمين في الصين باتت جلية وواضحة وتحدثتُ عنها في مناسبات كثيرة، ولكن هذا الضرر البيئي والصحي لم يقتصر على المدن الصينية وعلى الحدود الجغرافية للصين، وإنما انتقل هذا التلوث البيئي للهواء الجوي إلى خارج الحدود الصينية وأثر على الدول المجاورة بشكلٍ مباشر، وبخاصة المدن اليابانية الواقعة على الحدود مع الصين كمدن مقاطعةكوماموتو(Kumamoto Prefecture)، حتى إن أجراس الإنذار البيئية صاحت عدة مرات في هذه المدن محذرة المواطنين من الخروج من منازلهم وممارسة الأنشطة خارج المنزل أو المكتب بسبب تلوث الهواء القادم من الصين.

ولذلك فإن هذه القضية البيئية الصحية الحدودية لا تقل أهمية وخطورة عن القضايا السياسية والأمنية لأنها مرتبطة بشكلٍ مباشر بالأمن الصحي للإنسان، فكان لا بد من اليابان من أن تتدخل في الشؤون البيئية الصينية الداخلية عبر القنوات الرسمية الدبلوماسية للتفاوض حول كيفية علاجها.

فهذه الحالة تعلمنا كيف نتعامل مع المشكلات البيئية التي تؤثر علينا والتي يكون مصدرها الدول المجاورة، وذلك من خلال استخدام آلية المفاوضات المباشرة، أو آلية الاتفاقيات الثنائية أو الثلاثية أو الإقليمية، وربما نحتاج إلى هذه الآليات الدولية في تعاملنا مع التداعيات المحتملة من المفاعل النووي الإيراني في بوشهر. 

السبت، 22 يونيو 2013

لا تنسوا جرائم أمريكا



من النقاط السوداء المظلمة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وما أكثر هذه النقاط، هي الفضيحة الصحية البيئية الأخلاقية التي ارتكبتها الأيدي الأمريكية الآثمة في إحدى دول أمريكا اللاتينية، وهي جواتيمالا في الأربعينيات من القرن المنصرم، وبالتحديد في 1946، ولم يتم اكتشافها إلا بعد مرور أكثر من 63 عاماً على وقوعها من قبل باحثة أمريكية تعمل في مجال التاريخ الأمريكي الطبي.

فَلَستُ إذن الذي يحي هذه الفظائع الأمريكية التي قامت بها في حق الإنسانية في الدول المستضعفة والشعوب الفقيرة المغلوبة على أمرها، ولست الوحيد الذي يكتب عن انعكاساتها وسلبياتها على من ارتُكِبَتْ هذه الجرائم في حقهم، وإنما في أغلب الأوقات يأتي كشف هذه الفضائح على أيدي الأمريكيين المخلصين الذين لا يرضون عن ارتكاب حكومتهم لمثل هذه الأعمال المشينة في حق الإنسانية.

فالفضيحة التي قام بها بعض الأطباء الأمريكيين العاملين في وزارة الصحة ليست جديدة، وقد كَتبتُ عنها شخصياً في مقالات سابقة، ولكنَّ وقعها مازال حياً ينبض بالحياة، وكأنها وقعت بالأمس، وتداعياتها مازالت تُذَكِّر الشعب الأمريكي بقسوة حكومتهم والأعمال اللاأخلاقية التي قاموا بها، كما تذكر شعوب العالم بحقيقة أمريكا، وأَنْها من أجل حماية ما يُطلقون عليه بـالأمن القومي ومصلحة أمريكا العليا، فإنها لا تَرقُبُ في أحدٍ إلاً ولا ذمة، حتى ولو كان ذلك الفرد أمريكياً.

فقد أيقظتْ الصحيفة الأمريكية المشهورة كرسشن سينس مونيتر(The Christian Monitor) في 15 يونيو مواجع فضيحة جواتيمالا مرة ثانية عندما كَتَبَتْ مقالاً تحت عنوان:ضحايا مرض الزُهري من جواتيمالا يفقدون الأمل في كسب قضيتهم ضد حكومة أمريكا.

فهذه الفضيحة الأمريكية تتمثل في قيام الباحثين والأطباء الموظفين في وزارة الصحة أو وزارة الخدمات الصحية الأمريكية العامة في مطلع الأربعينيات من القرن العشرين وبدعمٍ مالي من المعهد الوطني للصحة بإجراء تجارب طبية في غاية السرية والخطورة، وذلك بحقن زهاء 5000 من المواطنين الجواتيماليين من نساء ورجال وأطفال وأيتام بالجراثيم والبكتيريا المسببة للمرض الجنسي المعروف بالزهري أو السِيفلس، وقام هؤلاء الباحثون باستخدام البشر كفئران تجارب بهدف التعرف أكثر على هذه البكتيريا المسببة للمرض، إضافة إلى مشاهدة الأعراض التي يمر بها المريض المصاب بالزهري منذ إصابته بالمرض إلى وفاته، إضافة إلى حقن الضحايا بالمضاد الحيوي المعروف حالياً البنسيلين للتعرف على فاعليته في علاج ومنع المرض، أي بعبارةٍ أخرى أدق كان هؤلاء الذين يُسمون أنفسهم علماء وأطباء يشاهدون أمام أعينهم معاناة هؤلاء البشر كل ساعة، ويراقبون عن كثب آلامهم وأحزانهم، ويسمعون صرخاتهم وآهاتهم دون أن تتحرك ضمائرهم، أو تئن قلوبهم رحمة وشفقة تجاه هؤلاء البشر، أو يلومون أنفسهم على ما يقومون به، وكل ذلك بحجة “البحث العلمي”.

وكانت هذه الحقن الملوثة تُعطَي لهؤلاء الضحايا البشرية رغماً عن أنوفهم، وباستخدام القوة في الكثير من الأحيان، ودون أن يعلموا أي شيء عن أسباب حقنهم وحقيقة هذه الحقن، واستمر ارتكاب هذه الجرائم المنافية لحقوق الإنسان قرابة أربع سنوات، ثم اسدل الستار على هذه الجريمة وختمت بالشمع الأحمر وضاعت الوثائق في أرشيف أمريكا، حتى شاءت الأقدار أن تأتي عالمة أمريكية من بني جلدتهم، وبعد ستة عقود وبالصدفة لتفضح ممارسات بلادها المخالفة للقانون الدولي، وأبسط مبادئ حقوق الإنسان.  

ونظراً لهذا الاكتشاف المذهل والمخجل، اضطرت الحكومة الأمريكية ممثلة في وزيرة الخارجية ووزيرة الصحة والخدمات البشرية إلى الاعتذار، ثم في أكتوبر 2010 اعتذر أوباما مباشرة إلى رئيس جواتيمالا، واكتفت الحكومة بهذا الاعتذار الذي لا يُغني ولا يسمن من جوع بالنسبة للضحايا، والذين بعضهم مازال على قيد الحياة، فالمحاكم الأمريكية قبل أيام رفضت قضية الضحايا، وكأن أمريكا لم ترتكب أي ذنبٍ في حق هؤلاء البشر، وليست لديهم أية مطالب شرعية.

والآن بعد أن فَقَدَ هؤلاء الضحايا العدل والإنصاف والتعويض من الحكومة الأمريكية، يبحثون عن محكمةٍ في دولٍ أخرى لرفع قضيتهم ضد أمريكا، ولكن من يَتَجَرَّأُ على محاكمة أعظم دولة على وجه الأرض؟

الأربعاء، 19 يونيو 2013

موقع لدفن القمامة يتحول إلى متنزه


مشكلةٌ بيئية وصحية كبيرة تواجهها كل دول العالم بدون استثناء، وهي كيفية التعامل مع مواقع دفن القمامة المنزلية والمخلفات الصلبة الأخرى بعد امتلائها كلياً وانتهاء عمرها، فكيف يمكن للدول أن تستفيد من هذه المواقع التي لها قيمة لها من الناحية الاقتصادية ولا تساوي شيئاً عند تجار العقار؟

 

فهذه المواقع التي تُدفن فيها القمامة لا يمكن استخدامها بشكلٍ فوري ومباشر لإنشاء المباني والعمارات فوقها، فالقمامة مع الزمن تتحلل بفعل الكائنات الدقيقة وأشعة الشمس ومياه الأمطار وتفقد صلابتها وقوتها فتتحول إلى حالات ثلاث هي أولاً المواد الصلبة التي تُعرف بالكمبوست، أو السماد العضوي المـُخصِّب للتربة والذي يحسن من خصائص التربة بشكلٍ عام، والحالة الثانية فهي المواد السائلة التي يُطلق عليها بالرشيح، وهي تترسب في أعماق المدفن تحت الأرض، والحالة الثالثة فهي الغازات، وبخاصة غاز الميثان الذي يمكن استخدامه كمصدر للطاقة لتوليد الكهرباء، وهذا الغاز، إما أن ينطلق رأسياً في حالة وجود فتحات وثغرات في المدفن فينتقل إلى أعلى ويسبب الحرائق وتلوث الهواء الجوي ويفاقم من مشكلة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، وإما أن ينتقل أفقياً عبر جسم المدفن حتى يحصل على فتحة يمر من خلالها، وقد تكون هذه الفتحات أنابيب المجاري والحمامات في أحد البيوت المجاورة للمدفن فيتراكم هناك وينفجر، كما حدث في الكويت في منطقة القرين وفي دول أخرى كثيرة.

 

ولذلك فالمدفن مع الوقت يفقد تماسكه ويبدأ في الهبوط فلا يمكن البناء عليه إلا بإزالة المخلفات الصلبة والسوائل كلها وعمل قواعد وأسس قوية جداً ذات مواصفات خاصة، وهذه قد تكون عملية مكلفة جداً إذا كان هذا المدفن كبيراً ويحتوي على أحجامٍ ضخمة من القمامة، كما ستكون هناك مشكلة أخرى تتمثل في التخلص من هذه المخلفات الصلبة التي تمت إزالتها من المدفن.

 

ولذلك تتمثل أحد الحلول العملية والناجحة في تحويل المدفن إلى متنزه عام ومحمية طبيعية للحياة الفطرية البرية والطيور. وهذا بالفعل ما حدث لأكبر مدفن للقمامة في القارة الأوروبية يحمل في بطنه ملايين الأطنان من مخلفات بريطانيا لأكثر من خمسين عاماً. هذا المدفن هو اسمهمكنج(Mucking Landfill) ويقع في مدينة إسكس البريطانية(Essex).

 

فقد تم بالفعل مؤخراً افتتاح هذا المتنزه بالقرب من لندن والقائم على مدفنٍ قديم للقمامة تم إغلاقه في عام 2010، فتحول هذا الموقع المعروف بالقذارة والأوساخ والذي يبتعد عنه الناس ويتجنبون الاقتراب منه إلى موقعٍ للترفيه والتسلية والتمتع بجمال الطبيعة من أشجارٍ غريبة وفريدة من نوعها إلى كائناتٍ فطريةٍ برية وطيور لا يمكن مشاهدتها إلا في هذا الموقع.   

 

الثلاثاء، 18 يونيو 2013

إزدياد حالات السرطان: ظاهرة بحرينية أم دولية؟



يظن الكثير من الأخوة المواطنين أن نسبة السرطان مرتفعة جداً فقط في البحرين دون غيرها من دول العالم، وهذا الظن لا يدعمه الواقع الذي نشهده على المستوى الدولي من خلال الإحصاءات والتقارير المنشورة حول أعداد المصابين بالسرطان في مختلف دول العالم.

فعلى سبيل المثال، لا الحصر، نَشرتْ جمعية أهلية خيرية بريطانية متخصصة في مرض السرطان يُطلق عليها ماكملين لدعم السرطان(Macmillan Cancer Support) دراسة في 5 يونيو حول تغير أعداد المصابين بمرض السرطان خلال السنوات الماضية، وخَلصتْ الدراسة إلى أن هناك ارتفاعاً مشهوداً في نسبة المصابين بالسرطان، بحيث إنه بحلول عام 2020 سيصاب نصف البريطانيين، أي نحو 47% منهم بهذا المرض العضال، كما أفادت الدراسة إلى أنه في عام 1992، كانت نسبة المصابين 32%، وارتفعت هذه النسبة بشكلٍ مطرد في عام 2010 إلى 44%، أي بنسبة زيادة تبلغ 38%. كذلك أَكدتْ على هذه الاستنتاجات الدراسة التي قام بها مركز أبحاث السرطان في ديسمبر 2012، حيث أفادت إلى أن 50% من الرجال البريطانيين سيصابون بالسرطان بحلول عام 2027.

وعلاوة على هذا المثال البريطاني، فقد نشرتُ مقالاً في أخبار الخليج في 12 يونيو تحت عنوان:”قرى السرطان، حقيقة أم خيال“، وأَكدتُ فيه عن وجود أكثر من 459 قرية في الصين مصابة بالسرطان، أي أن معدل إصابة المواطنين الصينيين بالسرطان في هذه القرى السرطانية تزيد عن القرى والمدن الأخرى، واستندتُ في ذلك إلى اعترافات الحكومة الصينية نفسها ممثلة في وزارة البيئة، ونسبةً إلى التقرير الصادر عنها، والذي تمت الإشارة فيه إلى حقيقة وجود مثل هذه ”القرى السرطانية“.

وفي الصين أيضاً صَدَرَ تقرير طبي نُشر في مجلة تَصْدُرْ مرة كل شهرين هي(bi-monthly China Comment journal)ونقلتها صحيفة شنجهاي ديلي(Shanghai Daily) في 13 يونيو، حيث أفاد بأن هناك ستة صينيين يصابون بالسرطان كل دقيقة واحدة، أي أن هناك 3.12 حالة جديدة من المصابين بالسرطان كل سنة، يموت منهم مليونين، وأكثر أنواع السرطان شيوعاً هو سرطان الرئة، كما أكد التقرير على أنه بحلول عام 2020 سترتفع أعداد الحالات الجديدة للمصابين بالسرطان إلى أربعة ملايين سنوياً.

ولذلك فإن هذه الأمثلة التي ذكَرتُها لكم تؤكد على أن ارتفاع الإصابة بمرض السرطان ”ظاهرة عالمية“، وليست ”ظاهرة قومية“ مقتصرة على مملكة البحرين.

فهناك الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بمرض السرطان، ومعظم هذه الأسباب والعوامل تعتبر مشتركة وموجودة في الكثير من دول العالم وتتعرض لها الشعوب في كل هذه الدول. أما السبب الأول فهو التدخين والذي ينبعث منه 4000 مادة كيميائية، من ضمنها ملوثات معروفة بأنها تصيب الإنسان بالسرطان، وقد أجمع العلماء بأن التدخين من الأسباب الرئيسة للإصابة بسرطان الرئة والحنجرة والفم. والسبب الثاني فهو شرب الخمر، حيث أكدت الكثير من الدراسات بأن الخمر يزيد من احتمال إصابة الإنسان بسرطان الرئة، والثدي، والقولون، والبنكرياس، والكبد، والحنجرة، والفم، وأن الشرب حتى بشكلٍ معتدل يصيب الإنسان بهذا المرض الخبيث.

أما السبب الثالث للإصابة بالسرطان فهو تلوث مكونات البيئة من هواء وماء وتربة، وهناك الآلاف من الملوثات التي تدخل بيئتنا كل ثانية من مصادر متعددة منها السيارات، ومحطات توليد الكهرباء، وبعض المصانع، وكل هذه الملوثات في نهاية المطاف تصل إلى الإنسان، إما عن طريق تناول المأكولات الملوثة، أو مياه الشرب المسمومة بالمواد السرطانية، أو بشكل مباشر من خلال استنشاق الهواء المخلوط بالمسرطنات.

والسبب الرابع فيكمن في أسلوب حياة الإنسان من ناحية ممارسة الرياضة، وتناول الوجبات الصحية المعتدلة والمتزنة، إضافة إلى الحالة النفسية التي يعاني منها الإنسان.

ومما سبق نجد أن هذه الأسباب كلها نعاني منها في البحرين ومعظم دول الخليج، فلا غرابة إذن أن تكون نسبة الإصابة بالسرطان مرتفعة.