الأحد، 29 سبتمبر 2013

القِناع المُخيف للسَباحة العالمية



ديانا نيد(Diana Nyad) البالغة من العمر 64 عاماً استحقت وبكل جدارة لقب أول إنسان يسبح من هافانا في كوبا إلى ساحل كي وست(Key West) بولاية فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية بدون أن تكون محاطة ومحمية بسياج، أو قفص يقيها من أهوال البحر وحيواناتها المفترسة والقاتلة، وبخاصة سمك القرش، حيث قطعت مسافة الـ 110 أميال في قرابة 53 ساعة، علماً بأنها ولمدة 35 عاماً، حاولت هذه المهمة شبه المستحيلة من قَبْل خمس مرات، ولكنها فشلت في كل مرة.

ولكن ما يَهُمُني من هذا الحدث التاريخي، وجعلني أكتبُ عنه هو القناع المخيف الذي كانت السباحة تضعه على وجهها، فيغطي الوجه والرأس والفم، والذي تم تصميمه وصنعه خصيصاً من أجلها ومن أجل النجاح في تحقيق هذه المهمة الشاقة. وفي الحقيقة أنني عندما رأيت هذا القناع الغريب والمفزع بنفسي، ظننتُ أني أشاهد فيلماً من أفلام الرعب والإثارة السينمائية. فهذا القناع المصنوع من السيلكون والذي استغرق تصميمه وصناعته عدة سنوات، كان بهدف حمايتها، ليس من أسماك القرش والوحوش البحرية الأخرى الفتاكة التي تقطع الإنسان قطعاً قطعا، وإنما من أجل حمايتها من كائنٍ هلامي ضعيف لا حول له ولا قوة، ولكن هذا الكائن البسيط في بُنيته بالرغم من ضعفه يُرعب الإنسان ويخيفه مثل سمك القرش والأسماك الأخرى.

هذا الكائن هو قناديل البحر، أو الجيلي فيش، وبخاصة من النوع القاتل(box jellyfish) الذي يشبه المظلة أو الشمسية، والذي إذا عض الإنسان عضة بسيطة فتؤدي به إلى الشلل الكلي أو الجزئي من خلال تأثير السم الذي يخرج منه على القلب والجهاز العصبي، ثم إذا لم يتم إسعاف هذا الإنسان بسرعة وعلاجه مباشرة، فالهلاك الفوري سيكون مصيره في نهاية المطاف وخلال فترة قصيرة لا تتجاوز دقيقتين إلى ثلاث دقائق. والجدير بالذكر، أن هذا الكائن الضعيف نفسه كان السبب وراء فشل محاولاتها السابقة، حيث كانت تتعرض لعضته بشكلٍ مستمر على طول الطريق، وبخاصة في الفم، فتضطر إلى التوقف وإنهاء محاولتها.

وقناديل البحر تحولت في السنوات القليلة الماضية من أشد الكائنات البحرية تأثيراً على الإنسان وتهديداً لرواد البحر، وبخاصة في المناطق الساحلية، ليس من الناحية الأمنية والصحية والبيئية فحسب، وإنما من الناحية الاقتصادية والاجتماعية على حدٍ سواء. فهناك أكثر من 1500 نوعٍ من هذه الحيوانات البحرية، وأصبحت تنمو بأعدادٍ تعد طفرة شديدة في البيئة البحرية، حتى أنها في بعض المناطق الساحلية تظهر بأحجامٍ كبيرة ومخيفة وفي تجمعات كثيفة تصل إلى الملايين، فلا تَرى في تلك المنطقة البحرية وعلى امتداد كيلومتراتٍ طويلة سوى قناديل البحر.

وهذه الظاهرة المستجدة في كل البيئات البحرية حول العالم دون استثناء بدأت الآن تُقلق رجال السياسة والاقتصاد قبل رجال البيئة والصحة، فوجود هذه الطفرة العددية الشديدة والمرعبة لقناديل البحر في منطقة بحرية واسعة، وبخاصة عندما تكون على الشواطئ والسواحل الترفيهية والسياحية، فيعني ذلك مباشرة إعلان حالة الطوارئ وتحذير الناس من الدخول إلى البحر للاستحمام، وفي نهاية الأمر إغلاق هذه المناطق البحرية حماية لصحة الناس وسلامتهم، وهذا بدوره يؤدي إلى خسائر مالية فادحة للفنادق والمطاعم ومتنزهات الألعاب الموجودة على هذه السواحل أو بالقرب منها.

وقد نجمت هذه الظاهرة المعاصرة من عدة أسباب، أهمها الخلل المشهود الذي نزل في البيئة البحرية بسبب الصيد الجائر للكائنات البحرية في كل بحار العالم، حيث تم اصطياد أسماكٍ محددةٍ بأحجامٍ كبيرة كانت تتغذى على قناديل البحر فتتحكم في نموها وأعدادها، ولذلك نتيجة لانخفاض أعداد هذه الأسماك، أتاحت الفرصة الذهبية لازدياد تكاثر ونمو قناديل البحر بشكلٍ غير طبيعي واستعمارها واحتلالها لمناطق واسعة، ثم زحفها وغزوها للمناطق الساحلية المكتظة بالسياح. كما أن عمليات الدفن والحفر في المناطق الساحلية خلقت بيئات مناسبة لتكاثر ونمو قناديل البحر بأعدادٍ كبيرة، إضافة إلى ظاهرة التغير المناخي التي رفعت من درجة حرارة الأرض ومياه البحر فكونت بيئات خصبة تترعرع فيها هذه الكائنات المزعجة.

وبالتالي نجد أن التغيرات البيئية التي سببتها أيدي الناس فأحدثت خللاً في التوازن البيئي وشرخاً في النظام البيئي البحري، هي التي كشفت عن ظهور هذه المشكلة البيئية والصحية والاقتصادية الخطيرة.    



الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

قمر صناعي خاص لمراقبة اشعاعات تشرنوبيل وفوكوشيما


عندما سُئل مؤخراً مدير محطة تشرنوبيل للطاقة النووية إهورجراموتكين(IhorGramotkin) حول متى سيكون موقع المحطة آمناً للسكن للناس فأجاب: في الأقل 20 ألف سنة. وهذا الجواب في الواقع ليس من باب المبالغة في طول الزمن، ولكن هذه هي الحقيقة المــرَّة التي يجب أن يعرفها كل إنسان، فهناك عناصر مشعة إذا دخلت في مكونات البيئة فستظل مشعة آلاف السنين، مثل عنصر البلوتينيم(239) الذي يستمر في الإشعاع أكثر من 24 ألف سنة.

 

وهذا الواقع المؤلم في تشرنوبيل لا يختلف عنه كثيراً ما حدث في محطة فوكوشيما في اليابان، مما اضطر المعنيون في الدولتين من عقد اجتماعات مشتركة لتبادل المعلومات والخبرات وتبني خطوات عملية لمواجهة الكارثتين النوويتين، حيث اتفق الجانبان الياباني ممثلاً في وزير الخارجية(Fumio Kishida)، والأوكراني ممثلاً في وزير خارجيتها(Leonid Kozhara) في 26 أغسطس من العام الجاري على البدء في مشروعٍ بيئي بَحتْ يتمثل في إطلاق قمرٍ صناعي خاص في عام 2014 لمراقبة التغيرات البيئية في مناطق وقعت فيها أكبر حادثتين بيئيتين وصحيتين في التاريخ، وهما بالتحديد انفجار المفاعل الرابع في محطة تشرنوبيل للطاقة النووية في أوكرانيا في 26 أبريل 1986، واحتراق محطة دايشي لتوليد الكهرباء في فوكوشيما في اليابان في 11 مارس 2011.

 

فهذا المشروع سيستفيد من أحدث الأجهزة والتقنيات التي توصل إليها الإنسان في مجال الاستشعار عن بعد من الفضاء، وسيقوم بالمراقبة الجوية لما يحدث على سطح الأرض في هاتين المنطقتين، وبالتحديد من ناحية جمع المعلومات عن حجم انبعاث الملوثات المشعة إلى الهواء الجوي وتأثيرات سقوط هذه المواد المشعة على المناطق المتضررة بالقرب من المحطتين،كما سيقوم هذا القمر الذي يزن 60 كيلوجراماً وقطره 50 سنتيمتراً على التقاط صورٍ فضائية مرة كل ساعتين من على ارتفاع نحو 600 كيلومترٍ، إضافة إلى المعلومات الأرضية التي يحصلون عليها من قياس تركيز الملوثات المشعة عند المنطقتين.

 

وقد جاء هذا المشروع البيئي المكلف جداً بسبب استمرار تداعيات هاتين الكارثتين حتى يومنا هذا، واستمرار انبعاثات الملوثات عنهما بشكلٍ مباشر أو غير مباشر. فبالنسبة لكارثة تشرنوبيل، فإنه بالرغم من مرور أكثر من 27 عاماً على وقوعها إلا أن تأثيراتها مازالت مشهودة في القرى والمدن القريبة من موقع الكارثة والتي تم إخلاؤها كلياً وإجلاء معظم سكانها حتى الآن، حيث بلغت مساحتها نحو 2600 كيلومتر مربع، أي أكبر من مساحة البحرين بأكثر من ثلاثة أضعاف، فتحولت هذه المساحات الخالية إلى بيئةٍ خصبة للحيوانات المفترسة والطيور الليلية. وعلاوة على ذلك، فإن التأثيرات الخطرة للإشعاعات تعدت حدود أوكرانيا فوصلت أيضاً إلى المدن الأوروبية التي تبعد آلاف الكيلومترات عنها. فعل سبيل المثال، مازالت هناك حقول ومزارع في المناطق المرتفعة في مقاطعات بريطانيا، كمقاطعة ويلز واسكتلندا متضررة بنسبٍ عالية من الإشعاع في التربة والحيوانات التي ترعى في تلك المناطق، ولذلك مازال حظر استهلاك بعض هذه الحيوانات وبيعها مستمراً في هذه الحقول.

 

ولذلك هناك أعداد كبيرة من العمال والفنيين الذين مازالوا يعملون في مفاعل تشرنوبيل من أجل إدارة والتحكم في التسربات المنبعثة منها مباشرة، أو من مكونات البيئة الحية وغير الحية التي تسممت بالإشعاع فتَحَولتْ نفسها إلى مصادر مشعة.

 

أما بالنسبة لمحطة دايشي النووية في فوكوشيما فالأمر أدهى وأمر، وأشد فتكاً بصحتنا وصحة بيئتنا، وتداعياتها الحقيقية الحالية والمستقبلية لا يعلمها إلا الله. ولذلك قامت الكثير من الدول باتخاذ إجراءات وقائية حاسمة تتمثل في حظر دخول المنتجات البحرية وغير البحرية إلى دولهم. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أعلنت كوريا الجنوبية ممثلة في وزارة المحيطات والأسماك في 6 سبتمبر 2013 منع استيراد الأسماك والمنتجات البحرية الأخرى من ثمان مقاطعات يابانية، مهما كانت نسبة الإشعاع في هذه الأسماك والمنتجات، سواء أكانت النسبة مسموح بها دولياً أو غير مسموح بها، كمقاطعة فوكوشيما، وإيبباراكاي، وجونما، وتوشيجي وغيرها. 

 

فاليابان تقف اليوم حائرة وعاجزة أمام هذه الكارثة الصحية البيئية، وهي الآن تتخبط في كيفية التعامل معها وإدارة الملوثات الإشعاعية التي دخلت في كل شبرٍ من بيئتها ولوثت الشجر والحجر، وتغلغلت في أعماقها وتجذرت في فروعها، فهي تعاني من مشكلات كثيرة، منها مشكلة آلاف الأطنان من المياه الملوثة المشعة والمخزنة في خزانات ضخمة، ومنها مشكلة الأطنان المتراكمة من الحمأة المشعة التي هي خليط من المياه والتربة وهي في انتظار معالجتها، ومنها أعمدة الوقود النشطة الموجودة في المفاعلات والتي قد تبعث سمومها المشعة في أية لحظة، ومنها نحو نصف مليون لاجئ هجروا منازلهم وبحاجة إلى سكن ورعاية صحية مستمرة، ومنها تلوث المياه الجوفية والتربة الزراعية والأسماك والحيوانات بالمواد المشعة، ومنها ما يخفى علينا حالياً وسيكشفها لنا الزمن.

 

فهذه الحالة المزمنة التي تعاني منها أوكرانيا واليابان استدعت مراقبة مستدامة للوضع البيئي للمنطقتين من خلال قمر صناعي خاص لهذه المهمة، وجمع المعلومات حول كافة المستجدات التي تطرأ عليها، فالكارثتان النوويتان في تشرنوبيل وفوكوشيما ستبقيان خالدتين مخلدتين أبد الدهر.

 

الثلاثاء، 17 سبتمبر 2013

أحمر الشفاه، سم يجب الحذر منه

ملايين النساء حول العالم، وبخاصة في دول العالم الثالث يضعن أحمر الشفاه أو ”الحُمرة “ بشكلٍ يومي  وربما أكثر من مرة في اليوم الواحد، بل وإن هذه العادة الآن ليست مقتصرة على الفتاة البالغة سن الرُشد والكبار في السن كما كان في السابق، وإنما تحولت مع الزمن إلى الأطفال وصغار السن من الفتيات اللاتي يضعن أحمر الشفاه في سنٍ مبكرة جداً ولسنواتٍ طويلة من عمرهن. والأدهى والأمر أنه حتى بعض الرجال في بعض المجتمعات المنحرفة والفئات الشاذة من البشر يضعون ويستخدمون هذه المواد التجميلية.

ففي السابق كانت هناك أنواع قليلة من أحمر الشفاه ومعظمها كانت طبيعية وتدور حول اللون الأحمر بدرجاته المختلفة، وكان استخدامها محدوداً جداً وفي نطاقٍ ضيق وفي سنٍ متأخرة، أما اليوم ونحن نعيش في عصر الإستهلاك المفرط، والتبذير الشديد الذي لا مبرر له، والهوس نحو الجمال الزائف والمقنع والمتخفي تحت ستار مواد الزينة والتجميل التي لا تُعد ولا تحصى، فقد اتسعت دائرة الاستخدام وتعددت إلى درجةٍ كبيرةٍ شملت كل عضو صغيرٍ أو كبيرٍ من أعضاء جسم المرأة الظاهر منها والمخفي، حتى أصبحت تجارة مواد التبرج والزينة والتجميل من أكثر الأنواع تطوراً وربحاً.

ولكن الأمر المهم الذي يخفى على المرأة التي تستخدم منتجات الزينة والجمال من أحمر الشفاه والأنواع الكثيرة من الكريمات المختلفة وغيرهما من المواد، أنها في معظمها تحتوي على مواد خطرة وسامة تؤثر على صحتها وسلامتها، وبخاصة عند الإفراط وسوء الاستخدام.

فأحمر الشفاه أو الحمرة، على سبيل المثال والتي تُقدم للمرأة على حسب اللون الذي ترغب فيه، وبما يتناسب مع لون ملابسها، أو لون حذائها، أو لون محفظتها، أو لون هاتفها النقال، أو لون حُليها، فإنها تحتوي على عنصر الرصاص المعروف بسميته الشديدة، وبخاصة تأثيراته على صحة الأطفال العقلية، إضافة إلى احتوائها على ملوثات أخرى مثل الكادميوم، والألمنيوم، والكوبلت، والتايتينيم، والكروميوم، والنحاس. وقد أكدت على هذه الحقيقة دراسة أمريكية نُشرت في مجلة شؤون صحة البيئة في مايو 2013، حيث أثبتت وجود الرصاص في 400 نوعٍ من أحمر الشفاه وبأعلى تركيز بلغ 8.9 جزء من الرصاص في المليون جزء من أحمر الشفاه. وعلاوة على هذا البحث، فقد أكدت دراسة رسمية حكومية نشرتها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في عام 2011 في مجلة علوم مستحضرات التجميل(Journal of Cosmetic Science) عن وجود هذه المواد السامة في أحمر الشفاه، وبتراكيز عالية في بعض الحالات، مما تشكل تهديداً حقيقياً لصحة المرأة.

ولذلك فإنني أتمنى من المرأة التي تضع أحمر الشفاه، أو مواد التجميل والزينة الأخرى أن تحتاط عند استخدامها لهذه المنتجات، وتتعامل معها بأنها مواد سامة تتراكم شيئاً فشيئاً في أعضاء جسمها ولا تُستعمل إلا عند الحاجة وللضرورة، وباعتدال ووسطية، وأن تُجنب الأطفال استخدامها، كما تتجنب هي نفسها دخول هذه المواد إلى جسمها سواء عن طريق الفم أو الجلد.  


الاثنين، 16 سبتمبر 2013

التغير المناخي "خدعة واحتيال"



لو قال إنسانٌ جاهل قليل العلم لا يفقه شيئاً في أمور البيئة وقضاياها المعقدة بأنه لا يعترف بظاهرة التغير المناخي وحدوث ارتفاعٍ مشهود في درجة حرارة الأرض في السنوات الماضية لكُنْتُ ممن يعذره على قناعته هذه لأن هذا هو مستوى علمه وثقافته وأفق تفكيره، ولكن عندما يقول رجل مرموق في الكونجرس في الولايات المتحدة الأمريكية، ويمثل ملايين المواطنين الأمريكيين المثقفين بأنه لا يعترف بالتغير المناخي، بل ويذهب أبعد من ذلك عندما يصف هذه الظاهرة العالمية التي تمس كل كائنٍ حي يعيش على سطح الأرض بأنها خدعة واحتيال، فهذا أمر غير مقبولٍ إطلاقاً، ولا يمكن تبريره مهما كانت الدواعي والأسباب ومهما كانت الضغوط التي تمارس عليه.   

فقد صرح عضو اللجنة العلمية في الكونجرس الأمريكي الجمهوري دانا روهراباشر(Dana Rohrabacher) في العاشر من أغسطس أن التغير المناخي خدعة واحتيال، وأنه مؤامرة من قبل العلمانيين والليبراليين من أجل تكوين حكومة دولية للتحكم في حياتنا.

وقد جاء هذا التصريح الشاذ والغريب من هذا النائب الجمهوري عن ولاية كاليفورنيا منذ 24 عاماً، رداً على النائبة الديمقراطية باربارا بوكسر(Barbara Boxer) عن ولاية كاليفورنيا، والتي قالت بأن الحرائق الهائلة والمدمرة التي هَبَّت على جنوب كاليفورنيا واستمرت نحو شهرٍ واحد فأكلت الأخضر واليابس، كانت بسبب التغير المناخي.

كما استرسل هذا النائب في غيه وتصريحاته المسيسة والبعيدة عن الواقع الفعلي والحقائق العلمية قائلاً إن المعلومات عن التغير المناخي تأتي من عصابة متآمرة من العلماء والسياسيين الليبراليين، إضافة إلى منظمات الأمم المتحدة، وهذه القوى جميعها تحاول اغتصاب حرية أمريكا والتحكم في حياتنا وتغيير أنماط حياتنا.

والجدير بالذكر والغريب في الوقت نفسه أن هذا النائب العضو في اللجنة العلمية في الكونجرس لا يقف وحيداً ضد الاعتراف بدور الإنسان وأنشطته في وقوع ظاهرة التغير المناخي، إذ أن هناك أعضاء آخرون يُشككون في حدوث التغير المناخي كلياً، ويُغَيِّبون مسئولية الإنسان عن وقوعه، مثل النائب الجمهوري عن ولاية أوكلاهوما ماركوين مولن(Markwayne Mullin)، والرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في السنوات الأولى من فترة رئاسته. فمن الملاحظ أن معظم المشككين السياسيين في واقعية التغير المناخي ومسئولية الإنسان في حدوثه هم من الحزب الجمهوري ومن المحافظين، والذين عادة ما يمثلون الطبقة الغنية الثرية والإقطاعية في المجتمع الأمريكي، ويقعون تحت الهيمنة المباشرة لجماعات الضغط في واشنطن، وبخاصة من اللوبي الذي يمثل ويرعى مصالح شركات استخراج وتوزيع الفحم والبترول ومصانع توليد الكهرباء والطاقة، فمصالح هذه الشركات العملاقة مرتبطة بإنكار أي دور للإنسان في التغير المناخي، أو بعبارة أخرى إنكار تأثير الملوثات التي تنبعث من هذه الشركات والمصانع في المساهمة في رفع درجة حرارة الأرض، وبالتالي تجنب اتخاذ أية إجراءات علاجية أو وقائية لخفض انبعاث الملوثات من شركاتهم ومصانعهم وتوفير ملايين الدولارات تبعاً لذلك.

ولكن مهما قالوا أو اعتقدوا، فإن الحقائق العلمية المتعلقة بمساهمة أنشطة الإنسان في التغير المناخي تتضح يوماً بعد يوم وتنكشف كأشعة الشمس في رابعة النهار وتؤكد على واقعية هذا الدور. فالتقرير الدوري للجنة الأمم المتحدة شبه الحكومية حول التغير المناخي(Intergovernmental Panel on Climate Change)، وبالتحديد التقرير الخامس الذي صدر هذا الشهر، أثبت بمصداقية عالية مساهمة الإنسان الملموسة في حدوث التغير المناخي وازدياد تكرار وقوع مظاهر تتمثل في رفع سخونة الأرض، وارتفاع مستوى سطح البحر، وانصهار الجليد بصورة أسرع وعلى نطاق واسع، وكثرة وقوع الأعاصير والفيضانات، كما أفاد التقرير بأن الملوثات المتهمة بالتغير المناخي رفعت معدل درجة حرارة الأرض 0.6 درجة مئوية منذ عام 1950، وبحلول عام 2100سترفع ما بين درجة واحدة إلى 3.7درجة مئوية.

ولذلك علينا وعلى دول العالم جمعاء الاستعداد بحزمٍ وجدية لتداعيات هذه الظاهرة العالمية، واتخاذ كافة الخطوات لمنع تفاقمها.