الثلاثاء، 28 يناير 2014

أجهزة الإنذار المبكر للتلوث الإشعاعي النووي



قرأتُ مؤخراً في وسائل الإعلام المحلية والخليجية خبراً ملخصه أن المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية، وهي منظمة تضم في عضويتها الدول المطلة على الخليج العربي، وبالتحديد البحرين، إيران، العراق، الكويت، عمان، قطر، السعودية، الإمارات، تعتزم إنشاء شبكة إنذار مبكر لرصد التلوث الإشعاعي النووي، بحيث تتكون هذه الشبكة من أربع محطات موجودة في الكويت، والبحرين، ومضيق هرمز، والساحل الإيراني المقابل لمحطة بوشهر.

وهذا الخبر يصب في البرامج والسياسات الوقائية من التلوث التي من المفروض أن تقوم بها دول الخليج جمعاء في جميع المجالات المتعلقة بالتلوث، سواء أكان تلوثاً إشعاعياً، أو كيميائياً، أو حيوياً.

ولكن بالنسبة للتلوث الإشعاعي خاصة، والذي يتسرب إلى الهواء الجوي، فالأمر يحتاج إلى وقفة لمعرفة مدى فاعلية مثل هذه الأجهزة وقدرتها على حماية صحة الناس من الأضرار القاتلة التي تنجم عند وقوع هذا التسرب.

فالتجارب السابقة للتسربات النووية التي وقعت من قبل، مثل كارثة احتراق المفاعل النووي في تشرنوبيل بأوكرانيا في 26 أبريل 1986، وكارثة فوكوشيما في اليابان في 11 مارس 2011، أكدت لي بأن هذه الأجهزة تكشف التسربات الإشعاعية بعد وقوعها، فهي أجهزة "كشف" وليست أجهزة "منع وعلاج"، وفي بعض الأحيان يكون اكتشاف التسرب بعد أيام، حسب موقعها من مصدر الإشعاع والظروف المناخية أثناء عملية التسرب، وعندها يكون التسرب قد غطى مساحات جغرافية واسعة وتعرض لها الناس وأثر على صحتهم وصحة الحياة الفطرية.

ولذلك فإنني أقترح، إضافة إلى تركيب هذه الأجهزة، ما يلي:
أولاً: تحديد، ومعرفة هوية كافة مصادر الإشعاع النووي داخل البحرين وفي الدول الإقليمية القريبة منا، سواء أكانت مصادر ثابتة كمحطات توليد الطاقة، أو المفاعلات النووية المستخدمة في الأبحاث العلمية، أو كانت مصادر متحركة كالسفن الحربية وغير الحربية العاملة في مياه الخليج العربي والتي تعمل بالطاقة النووية.
ثانياً: توقيع مذكرات تفاهم، أو اتفاقيات ثنائية أو إقليمية مع الدول المجاورة التي بها مفاعلات نووية، أو لديها سفناً تتحرك بالطاقة النووية في مياه الخليج العربي، بحيث يكون أهم بنود هذه الاتفاقية إبلاغ الدول مباشرة وفورياً بأية حادثة تسرب نووي.
ثالثاً: أن نكون دائماً في أتم الاستعداد للتعامل الفوري مع أية تسربات إشعاعية.


الأحد، 26 يناير 2014

سمكة غازية تُكلِّف أمريكا 18 بليون دولار!


 

الغزو الأجنبي للدول، أو احتلالُ دولةٍ ما لدولة أخرى لا يكون فقط بتحريك الجنود والدبابات والطائرات تجاه تلك الدولة وغزوها عسكرياً، ولكن الآن يكون الغزو بانتقال كائنٍ حيٍ صغيرٍ وبسيط، نباتياً كان أم حيوانياً، إلى موطنٍ جديد، أو بيئةٍ غريبة لا ينتمي إليها ولا يكون هذا الكائن الحي من سكانها الأصليين الذين عاشوا فيها أجيالاً طويلة وتكاثروا فيها، وتربوا في كنفاتها، وترعرعوا تحت ظلها، وتكيفوا مع مكونات بيئتها والمناخ الموجود فيها، وتفاعلوا مع الكائنات الحية النباتية والحيوانية والكائنات الدقيقة التي قد لا ترى بالعين المجردة، فتعايشوا معاً في تلك المنطقة في أمنٍ وسلامٍ وطمأنينة، لا يطغى أحد على الآخر، ولا يعتدي أحد على حرمات الكائنات الأخرى.

 

فعندما ينتقل هذا الكائن الحي الجديد الغريب على ذلك الموطن ويغزو الكائنات الحية التي تعيش فيها منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، يُحدث إرباكاً شديداً وخللاً في التوازن الدقيق الموجود بين مكونات تلك البيئة الحية وغير الحية، فيُشكل مع الزمن عامل قلقٍ ورَيْبة لكائناتها الوديعة والمسالمة، وفي حالاتٍ مُحددة تنكشف مظاهر خطرة تؤكد غزو هذا الكائن الجديد واحتلاله كلياً لتلك البيئة والسيطرة التامة عليها، وطرده للسكان الأصليين، بل والقضاء عليهم واحداً تلو الآخر، حتى تتحول تلك البيئة له ولِبَنِي جنسه.

 

وهذا ما يحدث الآن بالفعل في إحدى البيئات المائية في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتحديد نهر ميسيسيبي الذي يشق أمريكا من جنوبها إلى شمالها والبحيرات العظمى التي هي رئة الثروة السمكية الأمريكية ومصدر رئيس للمياه العذبة.

 

وتبدأ قصة هذا الغزو الأجنبي لأمريكا بممارسة بسيطة وبريئة في مطلع السبعينيات من القرن المنصرم عندما قام أصحاب مزارع إكثار الأسماك في الولايات الجنوبية في أمريكا، مثل ولايتي ميسيسيبي وأركانساس(Mississippi and Arkansas) باستيراد سمكة الكارب الآسيوية(Asian carp) من الصين للقيام بهمةْ تنظيف أحواض مزارع الأسماك من الطحالب الزائدة التي عادةً ما تنمو بغزارة شديدة فتؤثر على نوعية مياه الأحواض السمكية، ولكن هذه السمكة لم تبق طويلاً في هذه الأحواض، وإنما مع الزمن ولعدة أسباب انتقلت إلى بيئاتٍ مائية جديدة لا تنتمي إليها، ولذلك تعد كائناً دخيلاً وأجنبياً عليها، وبالتحديد غزت بيئة نهر ميسيسيبي العظيم.

 

فمشكلة هذه السمكة أنها تتكاثر بسرعة شديدة وكبيرة الحجم، إذ يبلغ وزنها نحو 45 كيلوجراماً، ولذلك فشهيتها مفتوحة طوال اليوم وتأكل كثيراً، وبخاصة الأعشاب والنباتات النهرية الأخرى التي تعتبر الغذاء الرئيس لأسماك تجارية تعيش في النهر وتكيفت معه منذ آلاف السنين. ولذلك فهي تسبب أزمة غذائية للسكان الأصليين من الأسماك من حيث القضاء على مصدر غذائها، ثم افتراسها رويداً رويدا وتهديد استدامة حياتها وبقائها.

 

ونتيجة لهذا التهديد الكبير للثروة السمكية في نهر ميسيسيبي والبحيرات العظمى، والذي أعتبره أكبر عملية غزوٍ واحتلالْ غير عسكري، قامت أمريكا برمتها من علماء ورجال السياسة والقانون والاقتصاد لسبر غور هذه القضية الوطنية، حتى أن أوباما تدخل شخصياً وعقد عدة لقاءات في البيت الأبيض لعلاج هذه القضية البيئية الاقتصادية الملحة والمزمنة.

 

وقد حددت أمريكا العديد من الإجراءات للقضاء على ظاهرة غزو واحتلال هذه السمكة للبيئات المائية، منها وضع مكافأة مالية على رأس كل سمكة لتشجيع الناس على صيدها، ثم إعلان وزارة الداخلية في يوليو 2007 وتصنيفها بأن سمكة الكارب تعتبر "سمكة غازية" وغير مرغوب فيها في أمريكا، وبعدها قام الكونجرس في يوليو 2012بتكليف هيئة مهندسي الجيش الأمريكي(Army Corps of Engineers) بإعداد تقريرٍ مفصلٍ عن هذه القضية، حيث نُشر هذا التقرير في السادس من يناير من العام الجاري، وجاء فيه أن علاج هذه القضية بشكلٍ فاعلٍ يُكلف أمريكا قرابة 18.4 بليون دولار، ويستغرق تنفيذه نحو 25 عاماً، وبالرغم من هذه الكلفة العالية إلا أن التقرير أفاد بأن العلاج المقترح لن يعطي ضماناً كاملاً لمنع غزو هذه السمكة كلياً!

 

فهذه قضية واحدة فقط من بين قضايا كثيرة في كل أنحاء العالم تتمحور حول الكائنات الغازية، فهل قُمنا نحن في البحرين، أو في الخليج بدراسة هذه الظاهرة، وبخاصة أن هناك عشرات الآلاف من ناقلات النفط وغيرها التي تدخل الخليج العربي منذ عقودٍ طويلةٍ فتصرف ملايين الأمتار المكعبة من مياه التوازن التي تحتوي على كائنات نباتية وحيوانية وكائنات دقيقة دخيلة وغريبة إلى مياه الخليج؟ 

 

سمكة غازية تُكلِّف أمريكا 18 بليون دولار!




الغزو الأجنبي للدول، أو احتلالُ دولةٍ ما لدولة أخرى لا يكون فقط بتحريك الجنود والدبابات والطائرات تجاه تلك الدولة وغزوها عسكرياً، ولكن الآن يكون الغزو بانتقال كائنٍ حيٍ صغيرٍ وبسيط، نباتياً كان أم حيوانياً، إلى موطنٍ جديد، أو بيئةٍ غريبة لا ينتمي إليها ولا يكون هذا الكائن الحي من سكانها الأصليين الذين عاشوا فيها أجيالاً طويلة وتكاثروا فيها، وتربوا في كنفاتها، وترعرعوا تحت ظلها، وتكيفوا مع مكونات بيئتها والمناخ الموجود فيها، وتفاعلوا مع الكائنات الحية النباتية والحيوانية والكائنات الدقيقة التي قد لا ترى بالعين المجردة، فتعايشوا معاً في تلك المنطقة في أمنٍ وسلامٍ وطمأنينة، لا يطغى أحد على الآخر، ولا يعتدي أحد على حرمات الكائنات الأخرى.

فعندما ينتقل هذا الكائن الحي الجديد الغريب على ذلك الموطن ويغزو الكائنات الحية التي تعيش فيها منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، يُحدث إرباكاً شديداً وخللاً في التوازن الدقيق الموجود بين مكونات تلك البيئة الحية وغير الحية، فيُشكل مع الزمن عامل قلقٍ ورَيْبة لكائناتها الوديعة والمسالمة، وفي حالاتٍ مُحددة تنكشف مظاهر خطرة تؤكد غزو هذا الكائن الجديد واحتلاله كلياً لتلك البيئة والسيطرة التامة عليها، وطرده للسكان الأصليين، بل والقضاء عليهم واحداً تلو الآخر، حتى تتحول تلك البيئة له ولِبَنِي جنسه.

وهذا ما يحدث الآن بالفعل في إحدى البيئات المائية في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتحديد نهر ميسيسيبي الذي يشق أمريكا من جنوبها إلى شمالها والبحيرات العظمى التي هي رئة الثروة السمكية الأمريكية ومصدر رئيس للمياه العذبة.

وتبدأ قصة هذا الغزو الأجنبي لأمريكا بممارسة بسيطة وبريئة في مطلع السبعينيات من القرن المنصرم عندما قام أصحاب مزارع إكثار الأسماك في الولايات الجنوبية في أمريكا، مثل ولايتي ميسيسيبي وأركانساس(Mississippi and Arkansas) باستيراد سمكة الكارب الآسيوية(Asian carp) من الصين للقيام بهمةْ تنظيف أحواض مزارع الأسماك من الطحالب الزائدة التي عادةً ما تنمو بغزارة شديدة فتؤثر على نوعية مياه الأحواض السمكية، ولكن هذه السمكة لم تبق طويلاً في هذه الأحواض، وإنما مع الزمن ولعدة أسباب انتقلت إلى بيئاتٍ مائية جديدة لا تنتمي إليها، ولذلك تعد كائناً دخيلاً وأجنبياً عليها، وبالتحديد غزت بيئة نهر ميسيسيبي العظيم.

فمشكلة هذه السمكة أنها تتكاثر بسرعة شديدة وكبيرة الحجم، إذ يبلغ وزنها نحو 45 كيلوجراماً، ولذلك فشهيتها مفتوحة طوال اليوم وتأكل كثيراً، وبخاصة الأعشاب والنباتات النهرية الأخرى التي تعتبر الغذاء الرئيس لأسماك تجارية تعيش في النهر وتكيفت معه منذ آلاف السنين. ولذلك فهي تسبب أزمة غذائية للسكان الأصليين من الأسماك من حيث القضاء على مصدر غذائها، ثم افتراسها رويداً رويدا وتهديد استدامة حياتها وبقائها.

ونتيجة لهذا التهديد الكبير للثروة السمكية في نهر ميسيسيبي والبحيرات العظمى، والذي أعتبره أكبر عملية غزوٍ واحتلالْ غير عسكري، قامت أمريكا برمتها من علماء ورجال السياسة والقانون والاقتصاد لسبر غور هذه القضية الوطنية، حتى أن أوباما تدخل شخصياً وعقد عدة لقاءات في البيت الأبيض لعلاج هذه القضية البيئية الاقتصادية الملحة والمزمنة.

وقد حددت أمريكا العديد من الإجراءات للقضاء على ظاهرة غزو واحتلال هذه السمكة للبيئات المائية، منها وضع مكافأة مالية على رأس كل سمكة لتشجيع الناس على صيدها، ثم إعلان وزارة الداخلية في يوليو 2007 وتصنيفها بأن سمكة الكارب تعتبر "سمكة غازية" وغير مرغوب فيها في أمريكا، وبعدها قام الكونجرس في يوليو 2012بتكليف هيئة مهندسي الجيش الأمريكي(Army Corps of Engineers) بإعداد تقريرٍ مفصلٍ عن هذه القضية، حيث نُشر هذا التقرير في السادس من يناير من العام الجاري، وجاء فيه أن علاج هذه القضية بشكلٍ فاعلٍ يُكلف أمريكا قرابة 18.4 بليون دولار، ويستغرق تنفيذه نحو 25 عاماً، وبالرغم من هذه الكلفة العالية إلا أن التقرير أفاد بأن العلاج المقترح لن يعطي ضماناً كاملاً لمنع غزو هذه السمكة كلياً!

فهذه قضية واحدة فقط من بين قضايا كثيرة في كل أنحاء العالم تتمحور حول الكائنات الغازية، فهل قُمنا نحن في البحرين، أو في الخليج بدراسة هذه الظاهرة، وبخاصة أن هناك عشرات الآلاف من ناقلات النفط وغيرها التي تدخل الخليج العربي منذ عقودٍ طويلةٍ فتصرف ملايين الأمتار المكعبة من مياه التوازن التي تحتوي على كائنات نباتية وحيوانية وكائنات دقيقة دخيلة وغريبة إلى مياه الخليج؟ 

الخميس، 23 يناير 2014

احذر من هاتفك النقال



هاتفك النقال الذي لا يفارقك شبراً واحداً، وتَحْمله معك في جيبك طوال الليل والنهار، يُعد مرتعاً خصباً لتجمع وتراكم الملوثات الكيميائية، كما يعتبر في الوقت نفسه مخزناً دافئاً، ومحضناً آمناً لنمو وتكاثر الملوثات الحيوية كالبكتيريا والفيروسات والفطريات.

والآن وفي الوقت نفسه، ومع ارتفاع وتيرة استخدام الأطفال والشباب والكبار لأجهزة شاشات العرض واللوحات الإلكترونية كالآي باد(iPads) وغيرها، فإن ما يحدث لهاتفك النقال من مخاطر تراكم الملوثات عليها وانتقالها من إنسان إلى آخر، قد يقع أيضاً للآي باد الذي أصبح رفيق درب الأطفال والشباب في السفر والحضر، وينتقل من يدٍ إلى أخرى، ومن مُستخدم إلى آخر، ومن طفلٍ إلى صاحبه.  

فالمشكلة تكمن في أننا نحمل هذه الأجهزة معنا أينما كُنا وطوال الوقت، فهي معنا في المكتب والمطبخ، وفي الحمام، سواء أكان الحمام الخاص بِنا في المنزل، أو أي حمامٍ عام يدخله السليم والسقيم في المطعم أو المجمع أو الحديقة، أو صالة الألعاب، كما أننا جميعاً أصبحنا لا نستغني عنها صغاراً وكباراً، حتى ولو كُنا على فراش المرض.

فهذه الظاهرة المستجدة جعلت الأطباء وعلماء البيئة ينتبهون إلى المخاطر والمردودات البيئية والصحية التي قد تنجم عن الإسراف في استخدام هذه الأجهزة، حيث قاموا بدراستها بشكلٍ عملي ميداني دقيق ونشر نتائجها في المجلة الأمريكية للتحكم في العدوى(American Journal of Infection Control) في العدد الصادر في نوفمبر 2013 تحت عنوان:"منع العدوى من استخدام الهواتف النقالة". 

وقد تمخضت عن هذه الدراسة حقيقة هامة يجب أن ننتبه إليها جميعاً ونقف عندها كثيراً، وهي أن هذه الأجهزة في حالة سوء استخدامها ستكون من مصادر الإصابة بالأمراض، ووسيلة من وسائل نقل العدوى بين الناس.

وتفادياً لسلبيات هذه الظاهرة والمردودات الصحية التي قد تقع عنها، علينا أن نُرشد ونحسن استخدام هذه الأجهزة الإلكترونية الحديثة، سواء أكانت الهواتف النقالة، أو أجهزة الآي باد، أو أجهزة ألعاب الفيديو اليدوية، أو غيرها من الأجهزة التي يمكن أن تنتقل من إنسان إلى آخر.  


الأربعاء، 22 يناير 2014

50 عاماً



خمسون عاماً مضت على رفع الولايات المتحدة الأمريكية رسمياً الراية الحمراء ضد تدخين السجائر، وخمسون عاماً مضت على تحذير وتأكيد "الجرّاح العام"، أو الرئيس التنفيذي للخدمات الصحية العامة والمتحدث الفيدرالي الرسمي في شؤون الصحة العامة الأمريكي بأن للتدخين تأثيرات صحية خطيرة تهدد الصحة العامة، وتسبب في وقوع المدخن في أسقامٍ وعللٍ مستعصية على العلاج، وبالتحديد الإصابة بسرطان الرئة وأمراض الالتهاب الرئوي المزمنة، وخمسون عاماً مضت الآن على هذا الإنذار الأول الذي أُطلق من الولايات المتحدة الأمريكية، ليس لأمريكا وحدها فحسب، وإنما لكل دول العالم قاطبة، ولكن إنسان مدخن، أو يعتزم الشروع في هذه العادة السيئة والمهلكة للنفس والجسم والمال.

فقد أعلنها الدكتور لوثر تيري(Luther Terry) المسئول الأول عن شؤون وهموم وحماية الصحة العامة للأمريكيين في 11 يناير 1964 صرخةً مدوية ليسمعها كل إنسان يعيش على سطح الأرض بأن التدخين آفة ومرض يجب القضاء عليه، وأن على الكونجرس الأمريكي تنظيم وتقنين إنتاج، وتسويق، وبيع هذا المنتج الخطير من خلال سن التشريعات المناسبة لمنع الضرر العام والمفسدة الصحية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية العظيمة التي تنجم عن تعاطيه على الفرد وأفراد أسرة المدخن والمجتمع برمته.

ولم تأت صرخة هذا المسئول الأمريكي الكبير عن الصحة العامة عبثاً ومن غيرٍ دليلٍ دامغٍ يدين تدخين السجائر قبل خمسين عاماً، وإنما استند إلى تقريرٍ علمي ميداني شامل قام بحصر قرابة 7000 دراسة طبية وبيئية نُشرت على مدار أكثر من عشرين عاماً منذ مطلع الأربعينيات من القرن المنصرم، وتُجمع على أن ظاهرة تدخين السجائر التي انكشفت كعادة اجتماعية "جديدة" في تلك المرحلة الزمنية وأخذت تنشر بسرعةٍ شديدةٍ في المجتمع الأمريكي والمجتمعات الأخرى كانتشار النار في الهشيم، هي في الحقيقة ظاهرة سلبية وعادة سيئة تهدد الصحة العامة للفرد والمجتمع.

والآن ونحن نعيش ذكرى مرور خمسين عاماً على النداء التحذيري الحكومي الأمريكي الأول حول أضرار تدخين السجائر، هل توقف الناس عن التدخين، وهل انتهت المشكلة، أم تفاقمت واستفحلت؟
لا شك بأن التقرير أحدث فرقاً كبيراً في السنوات الأولى من حيث وعي الناس واتجاهاتهم وانعكاس ذلك على عدد المدخنين، حيث انخفض في أمريكا بنسبة 59%، حسب المقال التحريري المنشور في يناير 2014 في مجلة الجمعية الأمريكية الطبية(Journal of the American Medical Association)، ولكن مازال هناك زهاء 42 مليون أمريكي مدخن اليوم، وأكثر من 3000 طفل وشاب أمريكي يجربون التدخين يومياً.

ويعزى السبب في ذلك إلى أن شركات التبغ الذي انفجر التقرير في وجها، اعتبرته بمثابة إعلان الحرب العلنية ضدها، فلم تقف متفرجة تنتظر نحبها ودفنها، ولم تقف مكتوفة اليدين عاجزة ضعيفة، وإنما شمرت عن ساقيها وعملت بكل جدٍ وحماس وشراسة، فاستغلت كل الوسائل الشرعية وغير الشرعية وكل ما لا يخطر على بال أحد من مكرٍ ودهاءٍ وحيلٍ شيطانية لمحاربة التقرير، حتى أنها الآن تصرف في أمريكا وحدها قرابة 8 بلايين دولار سنوياً على هذه الجهود.

فقد عملت شركات التبغ بتجنيد وشراء كل من ليس له ضمير من أجل تشجيع وتحفيز الناس على التدخين وابتعدت وسائل حديثة بهدف تحقيق ذلك، فاستغلت أساتذة الجامعات ومراكز البحوث لإجراء دراسات تشكك في أضرار التدخين وتحاول إيجاد ثغرات في الأبحاث التي تؤكد أضراره، كما استغلت جماعات الضغط السياسية ورجال التشريع والسياسة للوقوف بجانبها والتخفيف من حدة القوانين الصادرة ضد السجائر، كما استغلت الممثلين وأفلام هوليود والرياضيين في مجال التسويق والدعاية بأساليب غير مباشرة. وفي الجانب الآخر غيرت من السيجارة نفسها من حيث الشكل والحجم والتصميم النهائي، وسوقت منتجات جديدة منها سجائر منخفضة القطران والسجائر الإلكترونية، كما أدخلت مضافات إلى محتوى السيجارة لترغيب وجذب فئات عمرية جديدة كالأطفال والشباب، فأنتجت سجائر ذات نكهات مختلفة من فواكه وحلويات وغيرهما من آلاف المضافات التي تدخل في صناعة هذه السجائر ولا يعلم أحد حتى الآن عن هويتها ومكوناتها وصلاحيتها للإنسان.

ولذلك فالصراع بين الحكومات وبين شركات التبغ والسجائر لن ينتهي قريباً، ولن يكون سهلاً، فهو صراع بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، وهو صراع مستمر لأكثر من مائة عام.