الخميس، 24 أبريل 2014

مؤتمر الأمن الوطني والأمن البيئي



عُقد مؤخراً مؤتمر الأمن الوطني والأمن الإقليمي في البحرين والذي قام بتنظيمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة ليناقش العديد من القضايا الهامة والحيوية والتي من بينها كيفية تحقيق الأمن على المستويين القومي والخليجي.

فهناك عدة عوامل تقليدية معروفة لها دور مشهود في تحقيق استدامة الأمن للمواطن والحكومات وتثبيت أركان الدولة، مثل تعزيز وانتعاش الجانب الاقتصادي للدولة من جانب، وازدهار وتنمية الوضع المعيشي للمواطن من جانبٍ آخر، وتعميق أدوات ووسائل تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية بمفهومهما الشامل بين كل فئات وطبقات المجتمع، إضافة إلى توفير المستلزمات الأساسية لحياة المواطن اليومية من البنية التحتية السليمة والكهرباء والماء والمستشفيات والمرافق التعليمية.

ولكن في العقود الماضية برز عامل جديد ومؤثر ويُسهم إيجاباً أو سلباً في استتاب الأمن واستقرار الدولة، وهذا العامل لا يمكن الآن تجاهله أو تهميشه، فقد أثبت أن له دوراً في تحقيق الأمن والأمان ليس على المستوى الوطني فحسب وإنما على المستويين الإقليمي والدولي، وبدأ المجتمع الدولي الآن في الاعتراف به كورقة هامة وفاعلة تُضم إلى العوامل الأخرى التي تلعب دوراً في الأمن والسلم الدوليين.

هذا العامل هو البيئة وحمايتها ورعاية مصالحها المتمثلة في الحفاظ على نوعية وكمية مواردها الطبيعية من ماءٍ وهواءٍ وتربة وصيانة صحة الكائنات الحية التي تعيش في ظلها من إنسان وحيوان ونبات، وهذا العامل من خلال متابعاتي ومراقبتي الشخصية خلال الثلاثين عاماً الماضية لإسهامه ودوره في استقرار الحكومات وعلاقته بالجانب الأمني، تبين لي بأن تأثيراته بدأت تتفاقم مع الوقت إلى درجةٍ أصبح الآن ينافس العوامل التقليدية في تحقيق الأمن والاستقرار الوطني والإقليمي. 

فتدهور عناصر البيئة يؤدي إلى انكشاف ظواهر ومشكلات بيئية، وهذه المشكلات تكون في بداية الأمر ذي أبعادٍ بيئية بحتة، ولكنها إذا تفاقمت ولم تعمل الحكومة على إيجاد الحلول المستدامة والجذرية للقضاء عليها فستتحول إلى مشكلة رأي عام تتقاذفها وسائل الإعلام، ومع الوقت تصبح قضية سياسية تدخل في أروقة المجالس النيابية، ثم إذا استمرت تتحول إلى قضية أمنية تتمثل في خروج الناس في مظاهرات قد تكون عنيفة في بعض الأوقات، وقد تؤدي إلى إسقاط الوزير المعني، أو الحكومة برمتها.

وهناك قضية بيئية الآن قد دخلت المرحلة الأمنية من حيث أبعادها على المستويين الوطني والإقليمي على حدٍ سواء، وهي قضية التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض. ومما يؤكد تصوري هذا هو الخطاب الذي ألقاه كيري وزير الخارجية الأمريكي في 16 فبراير من العام الجاري في العاصمة الإندونيسية جاكرتا ووصف فيه التغير المناخي بأنه "التحدي الأعظم لجيلنا هذا". كما أضاف قالاً بأن التغير المناخي يُعد "سلاحاً آخر من أسلحة الدمار الشامل، وربما السلاح الأخطر والأكثر فزعاً من بين أسلحة الدمار الشامل". وعلاوة على ذلك فقد صنَّف وزير الخارجية الأمريكي قضية التغير المناخي مع القضايا المصيرية والرئيسة الأخرى التي تتصدي لها أمريكا منذ سنواتٍ طوال، كقضية الإرهاب، والفقر، وأسلحة الدمار الشامل. ومن جانبٍ آخر دخل جهاز المخابرات الأمريكي الـ سي آي إيه على الخط وقام بتمويل بحثٍ علمي في مجال التغير المناخي، وهذا يُقدم دليلاً قوياً آخر على علاقة المشكلات البيئية، ومشكلة التغير المناخي بالتحديد بالجانب الأمني، ودورها في تحقيق الأمن والاستقرار على كافة المستويات، وصرح الناطق الرسمي باسم الـ سي آي إيه لتوضيح أهمية تمويل هذا النوع من الأبحاث قائلاً:"إنه من الطبيعي أن تقوم وكالة الاستخبارات بالتعاون مع العلماء المختصين من أجل الوصول إلى فهمٍ أدق لظاهرة التغير المناخي وتأثيراتها على الأمن القومي". وعلاوة على ذلك، هناك عدة دراسات مرموقة وموثقة نُشرت في مجلات علمية ذات مصداقية عالية تؤكد على حقيقة واحدة وهي أن للمشكلات البيئية وبخاصة ارتفاع درجة حرارة الأرض والتغير المناخي علاقة وطيدة بارتكاب أعمال العنف والشغب في الكثير من المجتمعات في دول العالم، وأن تأثيراتها واضحة ومشهودة على زعزعة أمن واستقرار هذه المجتمعات والدول وقيام الحروب فيما بينهما.

ولذلك كلما تحدثنا عن "الأمن"، يجب أن لا ننسى ولا نتجاهل البعد البيئي ودوره في تحقيق هذا الأمن للشعوب والحكومات، فدوره يتعاظم يوماً بعد يوم.

الاثنين، 21 أبريل 2014

تلوث الهواء، الخطر الأكبر على صحتنا


 

آخر استنتاج وصلت إليه منظمة الصحة العالمية في تقريرها المنشور في 25 مارس من العام الجاري هو أن تلوث الهواء يعتبر "الخطر الأكبر على الصحة العامة"، فمن بين الكثير من التهديدات والمخاطر التي يتعرض لها الإنسان في حياته اليومية، جاء تلوث الهواء في المرتبة الأولى.

 

فالإحصاءات المتعلقة بتأثير تلوث الهواء على صحة الإنسان على المستوى العالمي مخيفة جداً وتدعو إلى القلق الشديد، فقد جاء في تقرير منظمة الصحة العالمية أن نحو سبعة ملايين إنسان قد لقوا حتفهم وقضوا نحبهم في عام 2012 بسبب تلوث الهواء، أي بعبارةٍ أخرى يموت إنسان واحد من بين 8 بسبب تلوث الهواء،    ومعظم الموتى نتيجة لأمراض القلب، والجلطة والسكتة القلبية، وأمراض الجهاز التنفسي، وبخاصة وسرطان الرئة. كما أكد التقرير الأممي أن قرابة 3.7 مليون إنسان يموتون نتيجة لتعرضهم للملوثات السامة والقاتلة المنبعثة من مصادر في البيئات الخارجية، وبخاصة الجسيمات الدقيقة أو الدخان من السيارات ومحطات توليد الكهرباء والمصانع، وزهاء 4.3 مليون يقضون نحبهم نتيجة لاستنشاقهم للملوثات التي تنطلق من البيئات الداخلية، وخاصة من أجهزة الطبخ والتدفئة في المنازل والتي تعمل بوقود الفحم، أو الخشب، أو المخلفات العضوية.

 

وهذا التقرير الجديد يُدعم ويثبت الاستنتاج الذي وصل إليه التقرير السابق لمنظمة الصحة العالمية والمنشور عام 2008، والذي أعلن فيه أن "تلوث الهواء يُصنَّف كمادة مسرطنة للإنسان" ويزيد من احتمال الإصابة بسرطان الرئة والمثانة بشكلٍ خاص.

 

ولذلك فإن هذين التقريرين الصادرين من احدى منظمات الأمم المتحدة المعنية بالصحة العامة على المستوى الدولي، يؤكدان بالأدلة العلمية المتواترة وبإجماع المجتمع الدولي على حقيقتين لا لبس فيهما ولا غبار عليهما ولا يختلف عليهما أحد، فالأولى أن تلوث الهواء من المواد المسرطنة، أي أن التعرض للهواء الجوي الآن يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان، والحقيقة الثانية فهي أن تلوث الهواء هو العدو الأول والأكبر لتدمير صحتنا.

 

وبالتالي إذا كُنَّا فعلاً حريصين على المحافظة على صحتنا وحماية أمنها، فعلينا أن نُـجنب أنفسنا كل العوامل التي تؤدي إلى تدهورها، وعلى رأس القائمة تلوث الهواء، وفي البحرين فإنني أحذر بشدة إلى المصدر الرئيس لتلوث الهواء وهو السيارات، فهي التي ستكون لها تداعيات خطيرة على جوانب كثيرة من حياتنا، سواء أكان الجانب الصحي والبيئي، أو الجانب الاقتصادي المتمثل في الازدحام ونقص في الإنتاجية وهدر الطاقة، أو الجانب الاجتماعي المتعلق بالحوادث المميتة وآثارها على الأسرة والمجتمع.

 

الثلاثاء، 15 أبريل 2014

من سارس إلى كورونا


لم تَغِبْ عن مخيلتي المشاهد التي رأيتها في عام 2003 في كافة أرجاء العالم من أدناه إلى أقصاه، من دول المشرق إلى دول المغرب، فمازِلتُ أتذكر مناظر ومشاهد الناس في المطارات، وفي المراكز الصحية والمستشفيات وهم يقفون في طوابير طويلة ومزدحمة، وعلى وجوههم علامات القلق والرعب، وفي نفوسهم الألم الشديد خوفاً من التعرض للمرض الذي ضرب بعنف وبقوة شديدين في دول شرق آسيا، فالكل يقف في هذه الطوابير منتظراً دوره في الكشف على درجة حرارة جسمه لمعرفة ما إذا كان مصاباً بالمرض المعدي الجديد.

 

فقد حَلَّ على بني البشر فيروس ضعيف وبسيط لا يُرى بالعين المجردة، بل ولا يمكن مشاهدته إلا بأكثر الأجهزة دقة وحساسية، فقد ضرب فيروس سارس(SARS) الإنسان من حيث لا يدري وسبب له التهاباً رئوياً حاداً مميتاً في أغلب الأحيان، فنشر الهلع والفزع في قلوب العالمين، حتى ولو كانوا بعيدين عن مصدر الفيروس، وملأ نفوسهم خوفاً من أن يصابوا بهذا الفيروس القاتل الذي ينتشر بين البشر كانتشار النار في الهشيم، ويُعدي الناس بشكلٍ مباشر وسريع، فأصاب هذا الفيروس أكثر من 9000 من بني البشر، مات منهم أكثر من 800. وعلاوة على ذلك، فقد كبَّد هذا الفيروس الإنسان خسائر عظيمة تمثلت في تكاليف العلاج المرهقة، والنفقات الباهظة التي صُرفت على سبل وطرق الوقاية منه، إضافة إلى مصاريف الكشف عن المرض بين الناس.

 

والآن كلما ورد ذكر فيروس سارس، اهتزت دول العالم خوفاً وذعراً، وأعلنت حالة الطوارئ القصوى في كافة مرافق الدول، وشمرت عن سواعدها ويديها استعداداً لمواجهة هذا القاتل.

 

واليوم نحن نقف عاجزين وحائرين وخائفين أمام فيروسٍ آخر، قريبٍ في النَسَبْ ومن سلالة فيروس سارس السفاح الذي يسبب التهاباً رئوياً حاداً مميتاً، ولكن هذا الفيروس معظم ضحاياه في منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة دول الخليج العربي وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة والأردن وتونس، فنسبة كبيرة من الذين سقطوا وقضوا نحبهم من المملكة العربية السعودية منذ أن تم اكتشاف الفيروس في أبريل عام 2012. 

وقد نُشرت عدة دراسات لسبر غور هذا الفيروس المعروف بكورونا(corona) والذي يصيب الإنسان بحالة قاتلة يُطلق عليها بمِيرس(MERS) أو ظاهرة الشرق الأوسط التنفسية(Middle East respiratory syndrome)، ومحاولة كشف أسراره وخفاياه، منها الدراسة التي ظهرت في 8 مارس من العام الجاري وقام بها فريق من العلماء من جامعة كولومبيا الأمريكية بالتعاون مع المعهد الأمريكي الوطني للحساسية والأمراض المعدية وجامعة الملك سعود في الرياض، حيث تم سحب عينات من الدم من الأنف والمستقيم من مائتين جمل في المملكة العربية السعودية في الفترة من نوفمبر إلى ديسمبر 2013، إضافة إلى تحليل عينات قديمة من دم الجمال ترجع إلى الفترة من 1992 إلى 2010.

وقد تمخضت عن هذه الدراسة عدة استنتاجات مهمة. الأول أن هذا الفيروس مُنتشر بين الجمال على نطاق واسع جداً ولأكثر من عشرين عاماً، وأن الكثير من صغار الجمال مصابين بهذا الفيروس في جهازهم التنفسي، حيث اكتشف بكثافة في إفرازات الأنف في الجمال الصغيرة وبنسبة 74% من مجموع الجمال. والاستنتاج الثاني فقد أكدت الدراسة على أن هذا الفيروس نفسه هو الموجود في أجسام المرضى المصابين.  

 

كما نُشر بحث آخر في نوفمبر 2013 في مجلة أمراض معدية قادمة(Emerging Infectious Diseases) يتهم فيه الخفاش في المملكة العربية السعودية بنقل هذا الفيروس للبشر، حيث تم اكتشاف فيروس ميرس في براز الخفاش.

 

ومن أجل الوقاية من شر هذا الفيروس والفيروسات الأخرى القاتلة علينا أولاً عن نبتعد على مصادر الفيروس كالجمال والخفاش، وثانياً اتخاذ إجراءات وقائية عامة مثل النظافة الشخصية وغسل اليدين بين الحين والآخر، وتجنب الاختلاط بمرضي الجهاز التنفسي.

 

 

 

 

الأحد، 13 أبريل 2014

المرض الذي حيَّر أمريكا


بعد أن وضعتْ حرب الخليج أوزارها، وذهب الجنود إلى ثكناتهم، ورحل المقاتلون الأمريكيون إلى أوطانهم ومسقط رؤوسهم، ووُضعت المعدات الحربية والذخائر في المخازن، بدأت عندئذٍ وبشكلٍ مباشر حرب أخرى، ولكن كانت هذه الحرب من نوعٍ آخر أشد وطأة على الجنود الأمريكيين وعلى أسرهم، وأكثر تدميراً لصحتهم وسلامتهم، فالعدو مجهول وغير معروف ولا يمكن الكشف عن هويته ومحاربته والتخلص منه.

 

فعملية عاصفة الصحراء، أو الحرب الأولى التي خاضها الجنود الأمريكيين خلال العامين 1990 و 1991لم تدم طويلاً، ولم تستمر عقوداً طويلة من الزمن، ولم يتكبد المجتمع الأمريكي من هذه الحرب خسائر بشرية فادحة أو سقوط ضحايا بأعدادٍ كبيرة مشهودة، ولكن الحرب الثانية التي خاضها الجنود لم تتوقف حتى يومنا هذا منذ انتهاء حرب الخليج الأولى، فهي مازالت مستمرة، والمعاناة الشديدة قائمة، والضحايا دائمة، والجراح تنزف بغزارة وعمق، فحتى الآن مضت 24 عاماً على هذه الحرب الثانية وهي مازالت في شدتها ومحتدمة بعنف وقوة، ولم يتمكن المجتمع الأمريكي بعلمائه وأطبائه من إيقاف هذا النزيف الدامي ومنع سقوط الضحايا،فأعلنوا عجزهم وضعف حيلتهم أمامه بالرغم من أجهزتهم المتطورة والحديثة وغزارة علمهم وخبراتهم.

 

فمنذ رجوع الجنود إلى أرض الوطن عام 1991، والكثير منهم يعاني من أعراضٍ غريبة وغامضة ومتعددة تتلخص في مشكلاتٍ وآلامٍ في العضلات والمفاصل، وعدم القدرة على ممارسة الرياضة، ومشكلات في الأعصاب والجهاز الهضمي، والشعور بالتعب والإرهاق المستمرين، وضيقٍ في التنفس، وفقدان الذاكرة، إضافة إلى  مشكلات سلوكية ونفسية كالاكتئاب والقلق، وهذه الأعراض انكشفت حتى الآن على أعدادٍ رهيبة من الجنود يتراوح عددهم بين 175 إلى 250 ألف جندي، أي بنسبة تتراوح بين 25 إلى 33% من العدد الكلي للجنود وهو نحو 700 ألف.

 

ففي بداية ظهور أعراض المرض لم يعترف الأطباء بأنه مرض جديد مستقل في حد ذاته كالأمراض العضوية الأخرى المعروف اسمها وسببها وعلاجها، كما إن وزارتي الدفاع والمحاربين القدماء أنكروا وجود مثل هذه الأعراض في الواقع،واعتبروا أن هذه الأعراض وهمية وغير عضوية، وإنما نشأت بسبب الصدمة والهزة الجسدية والعقلية والنفسية الشديدة التي يتعرض لها الجندي عند خوض المعارك القاتلة والوحشية، ومشاهدة أهوالها والأجسام الميتة، والأجساد المتقطعة والمتناثرة، والدماء الغزيرة التي تنزف منها، ويُطلق عليه بحالة ما بعد الصدمة (post-traumatic stress disorder)، علماً بأن هناك نحو 7.5 مليون أمريكي يتعرضون لمثل هذه الحالات ويصابون بأعراض محددة تنكشف عليهم نفسياً عند التعرض لأية صدمة أو ضغوط موجعة، حسب تقرير الواشنطن بوست في 4 أبريل من العام الجاري.

 

ولكن مع الزمن، ومع ازدياد هذه الحالات التي وصلت إلى قرابة ربع مليون جندي يعانون من أعراض مرضية واحدة، اضطر البنتاجون إلى النظر بعمق وجدية أكثر إلى هذه الحالات والتعامل برفق وعاطفة أكبر مع هذه الأعداد المتعاظمة ومع معاناة الجنود وأسرهم، وبالتالي انكشفت عدة نظريات لتفسير هذه الحالات الغريبة الفريدة من نوعها، وقُدمَتْ الأدلة العلمية والطبية لمعرفة أسرارها وإيجاد الخيوط لفك شفرات هذا اللغز المحير.

 

ومن هذه النظريات هي تعرض الجنود لخليط من الملوثات والمواد كيميائية منها حبوب بروميد البيردوستجمين(pyridostigmine bromide pills) التي أعطيت لتَقِيهم من غازات الأعصاب، ومنها التعرض للملوثات التي انبعثت بعد إطلاق صواريخ سكد(Scud missiles)، كذلك التعرض للمبيدات الحشرية التي استخدمت لتعقيم الخيام والملابس والأدوات والمعدات التي يستخدمها الجنود، والحُقن التي أعطيت لهم ضد الأنثركس أو الجمرة الخبيثة(anthrax vaccine)، إضافة إلى التعرض لغبار اليورانيوم المستنفد أو الناضب(depleted uranium). 

 

وآخر هذه النظريات هي المنشورة في27 مارس من العام الجاري في مجلة بلاس ون(PLOS ONE) من فريق من العلماء في كلية الطب في جامعة كاليفورنيا في سان ديجو، حيث أعلن بأن الحالة التي يعاني منها الجنود ليست نفسية وليست أوهام وأحلام اليقظة المزعجة التي لا تفارقهم ليلاً أو نهاراً، وإنما هي حقيقة واقعة وحالة عضوية فسيولوجية ومرض مستقل، وأن السبب هو وجود خللٍ وضعفٍ في قدرة الخلية على إنتاج الطاقة، والجزء الذي أصابه الخلل والمسئول عن إنتاج الطاقة في الخلية هو الميتاكوندريا(mitochondria)، مما يؤدي مع الوقت إلى تلف الخلايا فتنجم عنه أعراض مرضية غريبة في أعضاء محددة من الجسم مثل المخ والقلب والعضلات والكلية والكبد والرئة، وهذه هي الأعراض نفسها التي تظهر على الجنود والمجموعات المقاتلة.

 

وبالرغم من ظهور هذه النظرية، إلا أن هناك الكثير من الغموض الذي يلف حول هذه الحالة المرضية، وهناك الكثير من الأسئلة التي مازالت تحتاج إلى الجواب الشافي والعلاج الكافي، ولذلك فإن هذه الحرب الثانية التي انكشفت بعد حرب الخليج لم تنته، وسيعاني منها المجتمع الأمريكي لعقودٍ طويلةٍ قادمة.

 

الخميس، 10 أبريل 2014

فيلم نوح



فيلم سيدنا نوح عليه السلام الذي صدر هذه الأيام وعُرض في دور السينما في بعض دول العالم، أثار جدلاً حاداً ونقاشاً واسع النطاق بين الأوساط الدينية المسلمة والمسيحية من جهة، والأوساط الفنية من جهةٍ أخرى، فمنهم من أفتى بعدم جواز عرض الفيلم أمام الناس، ومنهم من اعتبر هذا الفيلم من باب حرية الرأي والتعبير، وأنه لا يتنافى أو يتعارض مع المبادئ والأسس الإسلامية والمسيحية.

ولست هنا للحديث عن هذا الجانب من الفيلم لأنه ليس من اختصاصي ولست مؤهلاً لأفتي فيه، ولكنني أريد هنا أن أُلقي الضوء على قصة نبينا نوح عليه السلام وما جاء في هذا الفيلم من الزاوية البيئية، وبالتحديد من باب حماية الحياة الفطرية والحفاظ على التنوع الحيوي على وجه الأرض، وأهمية ودور التنوع في الأحياء النباتية والحيوانية في استدامة حياة الإنسان وضمان معيشته على سطح الأرض، إذ لا حياة للإنسان بدونها.

فالفيلم في حد ذاته يُقدم النبي نوح عليه السلام بأنه رائد العمل البيئي، ويهدف في الوقت نفسه إلى عرض رسائل بيئية محددة للجمهور، حيث وصف مخرج الفيلم دارين أرونوفسكي(Darren Aronofsky) النبي نوح بـ "البيئي الأول"، ولكنني بالرغم من اعتراضي على هذا الوصف، إلا أنني هنا أستعرض معكم الإشارات البيئية التي جاءت في هذا الفيلم وفي قصة نوح عليه السلام اعتماداً على الآيات القرآنية.

فقد وردت في سورتين مختلفتين، هما سورة هود وسورة المؤمنون،"حتى إذا جاءَ أَمرُنَا وفَارَ التَّنُّورُ قُلنَا احمِل فيها من كلٍ زوجَين اثنين "فإذا جاءَ أَمرُنَا وفَارَ التَّنُّورُ فاسْلُك فيها من كلٍ زوجَين اثنين"، إشارات دامغة على أهمية التنوع والتعددية في الكائنات الحية، وأهمية بقائهما من أجل بقاء الإنسان واستدامة حياته على الأرض، ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى نبيه نوحاً عليه السلام ببناء السفينة وأن يَحمِل معه فيها من كل صنفٍ من الأحياء والحيوانات ذات الأرواح زوجين، ذكراً وأنثى، لأجْل أن يمنعها من الانقراض والزوال من على سطح الأرض، وتبقى بعد غرق سائر الأحياء في الطوفان فتتناسل ويبقى نوعها على الأرض، فيستفيد الإنسان منها وتستديم حياته اليومية بعد ذلك. وهذا يؤكد أن قصة نوحٍ عليه السلام تبين الحرص الشديد على حماية صورة محددة من التنوع في الكون، وهو ما يُطلق عليه الآن بالتـنوع الحيوي، أو التـنوع البيولوجي، أو التـنوع في الكائنات الفطرية الحية، وهي النباتـات والحيوانـات على جميع مستويـاتها ودرجاتـها.

ومن هذا المنطلق نُؤكد على تعاليم الإسلام وتوجيهاته في حماية ورعاية التنوع، وبكل أنواعه وأشكاله. فالتنوع في حياتنا بشكلٍ عام سُنة إلاهية،ومعجزة ربانية، وضرورة بشرية، ومتعة إنسانية، وحاجة ترويحية، فلا يمكن الاستغناء عنه، أو تجاهله. والتنوع أو التعددية آية باهرة من آيات خلقه عز وجل تدل على وحدانيته وجلال قدره، وتعد معجزة من معجزاته الكثيرة في هذا النظام الكوني الفسيح، ودليل وبرهان على عظمة قدرته اللامتناهية، وإبداع صنعه الذي أتقن كل شيء. فهناك كم كبير من الآيات التي تبين كل أشكال التنوع في حياتنا، فمنها آيات حول التنوع في الجمادات والمخلوقات غير الحية كالصحارى الباردة والحارة، والغابات، والبحيرات والأنهار والبحار، والجبال الخضراء والجرداء، وهناك آيات عن التنوع في المخلوقات الحية كالإنسان من حيث اللون واللغة والعادات والتقاليد والأحجام والأشكال، وهناك أيضاً سور في القرآن سُميت بأسماء الحيوانات والنباتات وآيات كثيرة أخرى عن التنوع في هذه المخلوقات النباتية والحيوانية ودور كل منها في حد ذاته لاستدامة بقاء الكرة الأرضية واستدامة حياة الإنسان.

ولذلك نجد أن الإسلام منذ نوح عليه السلام إلى نبينا محمدٍ عليه أفضل الصلاة والسلام آخر الأنبياء والمرسلين، دعا بشكل واضح لا لبس فيه إلى الالتزام بأخلاقيات وقواعد معينة تهدف إلى حماية وصيانة التنوع في حياتنا، وبهذه الدعوة الربانية الصريحة سَبَقَ الجميع، بما في ذلك المجتمع الغربي، والذي يَدَّعي ويزعم حالياً أنهم هم أول من دعا إلى حماية التنوع، وبخاصة من خلال ما يُعرف باتفاقية التنوع الحيوي، أو التنوع الإحيائي والتنوع في الحياة الفطرية، والتي قُدمت في مؤتمر قمة الأرض(Earth Summit)، أو مؤتمر التنمية المستدامة(Sustainable Development)في يونيو من عام 1992 في مدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل.

وكل من يريد التحقق والتأكد من صحة ادعائي هذا، يمكنه الرجوع إلى كتابي تحت عنوان "حماية الحياة الفطرية في الإسلام"، حيث بَيَّنْتُ فيه بالأدلة الدامغة والشافية من القرآن والسنة المطهرة دور الإسلام ومساهماته الجليلة في حماية الحياة الفطرية بشقيها النباتي والحيواني، وحِرْص ديننا الحنيف على إنمائها ورعايتها والحفاظ عليها نوعياً وكمياً.


كيف تُبْعد عن نفسك شبح السرطان؟

لا شك بأن الجينات الوراثية التي تَحْملها في جسمك لها دور ملموس في زيادة احتمال إصابتك بمرض السرطان، وتُسهم بقدرٍ لا يعرفه أحد حتى الآن في ارتفاع التعرض لهذا المرض العضال، إلا أن هناك الكثير من الممارسات والعادات اليومية الحسنة التي تستطيع القيام بها، أو تتجنب بعض العادات والسلوكيات وأنماط الحياة الخاطئة والسيئة لدرء خطر الوقوع في هذا الوباء العام وإبعاد شبح السقوط فيه.

أما الأمر الأول، والذي تستطيع القيام به بكل سهولةٍ ويسر، هو الابتعاد عن التدخين بكل أنواعه من سجائر، وشيشه، وسجائر إلكترونية، وغيرها، وتجنب الجلوس مع أو بالقرب من المدخنين. فآلاف الملوثات السامة التي تنبعث عن التدخين تلوث الهواء الجوي المحيط بالمـُدخن وتعرض المدخن نفسه أولاً وغير المدخن لخطر الإصابة بعشرات الأمراض المزمنة. فهناك إجماع علمي وطبي بأن التدخين من الأسباب الرئيسة للتعرض لأكثر من عشرة أنواع من السرطان، منها سرطان الرئة، والفم، والحنجرة، والثدي، والقولون، والكبد، والعنق، والمثانة، إضافة إلى الأمراض الأخرى الكثيرة التي تنجم عن التدخين مثل السكري، والسل، والتهاب المفاصل، وفقدان البصر، والولادة المبكرة وانخفاض وزن الجنين بالنسبة للمرأة الحامل.

والأمر الثاني فهو الابتعاد عن شرب الخمر، وهذا ما يدعو إليه الآن المجتمع الغربي من أطباء وعلماء ورجال السياسة، وذلك بعد أن ثبت لديهم بأن للخمر انعكاسات سلبية تهدد المجتمعات من الناحية الصحية والاجتماعية والاقتصادية. وقد أكد الدكتور برنارد ستيوارت من جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا والمختص في أمراض السرطان في التقرير الذي أعده لمنظمة الصحة العالمية، قائلاً بأن تغيير الإنسان لبعض سلوكياته وعاداته اليومية مثل "شرب الخمر" سيكون له دور رئيس ومحوري لمكافحة موجة مرض السرطان التي نراها تزحف في كل دول العالم، وأكد هذا العالِـم على ضرورة معالجة قضية شرب الخمر التي انتشرت في الدول الصناعية والغربية على نطاقٍ واسع، والتصدي لكافة الأبعاد المتعلقة بها من ازدياد الحوادث، والمشكلات الاجتماعية والصحية والاقتصادية التي تنجم عن شربها.

والأمر الثالث فهو متعلق بعاداتك الغذائية من حيث نوعية وكمية الغذاء والمأكولات التي تستهلكها كل يوم. فمن المعروف أن معظم المواد الغذائية، وبخاصة المعلبة منها وغير الطازجة تكون ملوثة، إما عن طريق المواد الكيميائية الموجودة في العلب نفسها، وإما عن طريق المواد الحافظة والمضافات الأخرى التي توضع في المادة الغذائية، وإما من خلال المبيدات والأسمدة الكيميائية التي توضع في التربة فتتحرك وتنتقل مع الوقت إلى النبات وتتراكم فيه، ومنها تدخل إلى أعضاء جسمك ويزداد تركيزها مع الوقت، ولذلك لا بد من الحذر الشديد عند تناول المواد الغذائية.

ومن جانب آخر لا بد من تجنب أو التقليل من تناول أنواعٍ محددة من الطعام. فعليك أولاً تجنب الأطعمة المقلية لأنها تحتوي على مركبات مسرطنة، وبالتالي تزيد من احتمال الإصابة بأمراض السرطان، إضافة إلى الابتعاد عن تناول المواد الغذائية التي تحتوي على كميات مرتفعة من الدهون. وفي المقابل عليك تناول المأكولات التي لها دور في خفض احتمال الإصابة بالسرطان، مثل بعض أنواع الفواكه والخضروات والمكسرات التي تحتوي على الألياف والمركبات ضد الأكسدة والفيتامينات، واجعل شعارك العام بالنسبة للعادات الغذائية "التنوع والاعتدال".

والأمر الرابع فهو متعلق بنمط وأسلوب حياتك من حيث ممارسة الرياضة والتمارين العضلية البدنية بصفةٍ مستدامة، ولو كانت لسويعات قليلة كل يوم، فأحب الأعمال إلى الله ما دامَ وقَلْ، وجميع الدراسات الطبية الميدانية تؤكد على أهمية القيام بالرياضة لحمايتك من أمراض السرطان والأمراض الأخرى المزمنة.

والأمر الخامس فهو العمل على تجنب مصادر التلوث والابتعاد عن التعرض للملوثات المسرطنة والسامة التي تنبعث عنها، مثل حرق البخور والعود في المنازل والمكاتب، وعوادم السيارات، وأدخنة المصانع ومحطات توليد الكهرباء، والأشعة الكهرومغناطيسية التي تنبعث من الهاتف النقال.

والأمر السادس والأخير فهو القيام بالتحاليل الدورية وإجراء الفحوصات الطبية من أجل الكشف المبكر للمرض ومحاولة علاجه قبل أن يستفحل وينتشر في أعضاء الجسم.  

فهذه هي الوصايا الست التي أقدمها لك للأخذ بالأسباب لتجنب السقوط في هذا الوباء، ومع كل هذا لا تنسى الدعاء والتضرع إلى الله ليقيك من شر الوقوع فيه.