السبت، 31 مايو 2014

عجباً لمنطق التجار


استغربتُ كثيراً وأصابتني الدهشة الشديدة من تصريح بعض التجار ورجال الأعمال في البحرين حول موضوع احتمال قيام الحكومة البحرينية برفع الرسوم، أو فرض ضرائب جديدة على منتجات التبغ، وبالتحديد السجائر، حيث قال أحدهم بأن القطاع التجاري هو الخاسر الأكبر من جراء زيادة الرسوم، وأن رجال الأعمال سيخسرون مالياً نتيجة لهذه الإجراءات الجديدة. 

 

فالواضح جلياً من هذه التصريحات أن بعض التجار لا يهمه إلا الكسب الكبير والسريع، والوصول إلى الثراء الفاحش على حساب أي شيء مهما كانت أهميته وخطورته، فلا يعنيهم أي أمر سوى جمع المال وكنزه بأي طريقة كانت، ومن أي مصدرٍ كان هذا المال، فلم يُفكروا في الأعداد المهولة من البشر الذين يستغيثون في المستشفيات بسبب الأمراض التي نزلت عليهم من التدخين، ولم يعطوا أي اعتبار للموتى من الشباب وغيرهم الذين يسقطون ويقضون نحبهم في كل ثانية على المستوى الدولي نتيجة للتعرض للسموم والمواد المسرطنة التي تنبعث من السجائر، ولم يحسبوا الخسائر المالية العظيمة التي تتكبدها الدولة وتتحملها سنوياً لعلاج المرضى من التدخين، أو لموت الشباب وضياع الإنتاجية وعرقلة التنمية الاقتصادية في البلاد.

 

ولكي أؤكد على خطورة التدخين بكل أنواعه وأشكاله، أريد هنا فقط أن أُذكر إخواني التجار ورجال الأعمال وأُلفت عنايتهم الكريمة إلى الاستنتاجات والحقائق العلمية والميدانية التي توصلت إليها منظمة الصحة العالمية حول الانعكاسات الصحية السلبية التي تنجم عن التدخين للمدخن نفسه ولغير المدخن، وهي كما يلي:

 

أولاً: هناك أكثر من 4000 مادة كيميائية تنطلق من حرق السجائر، منها 400 مادة معروفة بخطورتها على الإنسان، ومنها مواد مُشعة، ومنها 60 مادة تسبب السرطان، ليس للمدخن فحسب، وإنما لكافة الجالسين حوله، أو بالقرب منه، إضافة إلى أن الملوثات التي تنبعث من التدخين تبقى في المنزل أو السيارة أو المكتب، حيث إن الأثاث والجدار وغيرهما يمتصان ويتشربان الملوثات فتبقى فترة طويلة جداً في تلك المواقع ويتعرض لها الإنسان طوال تلك الفترة.

ثانياً: وصَفتْ منظمة الصحة العالمية التدخين بأنه أكبر وباءٍ صحي وأكبر تهديدٍ للصحة العامة تواجهه البشرية.

ثالثاً: التدخين يقضي سنوياً على 6 ملايين إنسان، منهم 5 ملايين نتيجة للتدخين المباشر، أي إنسان واحد كل ست ثوان، إضافة إلى قتل أكثر من 600 ألف نتيجة للتدخين القسري أو التدخين الإجباري وهم الذين يجلسون مع أو بالقرب من المدخنين، كما أن تقديرات المنظمة تُفيد بأن قرابة 8 ملايين سيموتون بحلول عام2030، إذا لم يقم المجتمع الدولي من ناحية وكل دولة في حد ذاتها بالمواجهة الحاسمة لهذا الوباء الصحي العام.

رابعاً: تفيد الإحصاءات الميدانية أنه في القرن العشرين مات زهاء مائة مليون إنسان بسبب التدخين، والمتوقع أن يزيد هذا العدد ويرتفع بشكلٍ مشهود ليصل إلى بليون مع نهاية القرن الحالي.

خامساً: التدخين يؤدي إلى الإصابة بثلاثين نوعاً من الأمراض الفتاكة التي تُعَجِّل وتسرع من وصول أَجَلْ الإنسان وتدخله في القبر مبكراً. فالتدخين يسبب سرطان الرئة، وسرطان القولون، والكبد، والمثانة، والعنق، والثدي، ومرض السكري من النوع الثاني، والسل، وضعف الجهاز المناعي، وأمراض والتهابات المفاصل، وفقدان البصر، وأمراض القلب المختلفة، والسكتة القلبية، إضافة إلى الولادة المبكرة وانخفاض وزن الجنين وولادة أولاد معوقين ومشوهين خَلْقياً بالنسبة للمرأة الحامل التي تدخن، أو التي تتعرض بشكلٍ مستمر للملوثات التي تنطلق من المدخنين أثناء الجلوس معهم.

 

فهل بعد هذه الأرقام الصادرة من منظمة الصحة العالمية، مازال التجار ورجال الأعمال يرفضون رفع الرسوم على السجائر، ويريدون الربح وجني المال من أشلاء الضحايا ومن وراء الاتجار بهذا القاتل الجماعي وسلاح الدمار الشامل؟ 

 

الاثنين، 26 مايو 2014

شبهات حول الكوكا كولا والبيبسي


وافقتْ أخيراً شركة الكوكا كولا في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن بعد سنواتٍ من الاحتجاجات والشكاوى الشعبية، على إزالة مادةٍ تَـحُوم حولها الشبهات وتكثر عليها التساؤلات من الناحيتين الصحية والبيئية من مكونات ومحتوى بعض أنواع المشروبات التي تَنْتُجها الشركة، وبالتحديد المشروبات الرياضية ذي النكهات الحمضية الذي يُطلق عليه بورأدى(Powerade)، وفرسكا(Fresca)، وفانتا(Fanta)، والتي تُصنَّع بعدة نكهات للفواكه كالليمون والفراولة، وبألوان مختلفة منها الأصفر والأحمر والأزرق والأخضر.

 

أما المادة المـُشتبهة فيها والتي تثور حولها الشكوك، والمتهمة بأضرارها على الصحة العامة فهي نوع من الدهون النباتية التي تحتوي على عنصر البروم، وهي الدهون النباتية التي بها البروم(Brominated Vegetable Oil, B.V.O.)، وتكمن خطورتها في وجود عنصر البروم في الزيت النباتي والذي يشكل تهديداً لصحة الإنسان، فهذا العنصر موجود أيضاً في المركبات التي تستعمل لإطفاء الحريق.

 

وتضاف هذه المادة إلى المشروبات الغازية لعدة أسباب من أهمها تحسين خاصية استقرار وثبات المواد الموجودة في المشروبات الغازية ومنعها من التحلل سريعاً حتى يطول عمر المنتج عند التخزين ولا يتلف بعد فترة قصيرة من الزمن. وجدير بالذكر أن هذه المادة التي تُضاف إلى المشروبات الغازية دون علم أحد ويستهلكها الملايين من بني البشر في كل أنحاء العالم محظورة في اليابان والاتحاد الأوروبي ويمنع استخدامها في المنتجات الغذائية والمشروبات. كما أن إدارة الغذاء والأدوية في الولايات المتحدة الأمريكية قد رفعت اسم هذه المادة من قائمة المواد التي تُصَنَّفْ بأنها "سليمة بشكلٍ عام" في عام 1970، أي أن أمريكا تعترف بأن هناك ملابسات وشكوكاً تحوم حول هذه المادة من ناحية الأمن الصحي العام، ولكن في الوقت نفسه سمحت باستخدامه ولكن بقدرٍ معلوم، فالتركيز المسموح به في المشروبات يجب أن لا يتعدى 15 جزءاً من هذه المادة في المليون جزء من المشروبات الغازية.

 

ومن قبل، وبالتحديد في يناير عام 2013 أعلنت شركة البيبسي منع استخدام هذه المادة في مشروباتها الرياضية، أو مشروبات الطاقة التي تُطلقْ عليها جاتوراد(Gatorade).

 

ولذلك من الواضح أن الشركات العملاقة متعددة الجنسيات، سواء أكانت شركات تنتج مواد غذائية أو مصانع، لا يهمها بشكلٍ عام الصحة العامة أو حماية البيئة ومواردها، بِقَدر اهتمامها بالربح السريع والوفير، مما يؤكد ضرورة مراقبة هذه الشركات بدقة وحزم وفاعلية وبخاصة من ناحية سلامة المنتجات التي تصدر إلى بلادنا. 

الخميس، 22 مايو 2014

زيارة وزير الدفاع الأمريكي وفيروس كورونا



جاء وزير الدفاع الأمريكي شك هيجل(Chuck Hagel) مؤخراً إلى جده بالمملكة العربية السعودية ليُطَمْئِنَ وزراء الدفاع والداخلية في دول مجلس التعاون في الاجتماع التشاوري الأول لمجلس الدفاع المشترك بشأن المفاوضات الجارية بين أمريكا والدول الأوروبية من جهة، وإيران من جهةٍ أخرى حول البرنامج النووي الإيراني والاتفاق الذي تم توقيعه مؤخراً بين الطرفين، فاحتاج هو شخصياً إلى من يُطَمْئِنَه ويُريح باله على أمنه الصحي وسلامته.

فقد كانت زيارة الوزير الأمريكي في وقت حرجٍ جداً، اشتعلت فيه نيران أزمةٍ صحيةٍ حادة في المملكة العربية السعودية بشكلٍ خاص، وتمثلت في ارتفاع أعداد المصابين بفيروس كورونا(coronavirus) السفاح القاتل والمرض الذي يصيب الإنسان جراء التعرض له، والذي يُطلق عليه بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية(Middle East Respiratory Syndrome)، واختصارها ميرس(MERS-CoV).

فمن أجل أن يَطْمَئِنْ وزير الدفاع الأمريكي على صحته ووقايته من الإصابة بالمرض، تلقى عناية خاصة وكشفاً صحياً دقيقاً، ليس لشخصه والوفد المرافق له فحسب، وإنما لكل من اجتمع به من المسئولين السعوديين وغير السعوديين، فقد خضع جميع الداخلين لقاعة المؤتمرات لاختبارات الكشف عن فيروس كورونا، كما اضطر الجميع بدون استثناء من المرور أمام جهازٍ خاص يقيس ويسجل درجة حرارة الجسم وما إذا كان مصاباً بالحمى وارتفاع درجة الحرارة، وبعد أن اجتاز الجميع هذا الامتحان الصحي، اطْمَئن قلب الوزير الأمريكي، ثم بعد ذلك طَمْئَنَ الجميع عن البرنامج النووي الإيراني، وأكد لهم عدم التخوف من إمكانية امتلاك إيران للسلاح النووي أو القنبلة الذرية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى.   

وفي الحقيقة فإنني لا ألوم تخوف وقلق الوزير الأمريكي والفريق المرافق له، فهذا المرض معدي وخطير ويؤدي إلى هلاك الإنسان في نهاية المطاف، فقد وقع ضحية هذا المرض منذ أن تم اكتشافه في أبريل عام 2012 وحتى كتابة هذه السطور 571إنساناً على المستوى العالمي، لقى نحبه منهم 171،معظمهم من السعودية، حيث بلغ العدد في المملكة العربية السعودية 157، كما ارتفع عدد الدول التي ظهر فيها المرض إلى 18 دولة، آخرها في الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا، وجميع المصابين بالمرض كانوا قادمين من السعودية.

ومن أجل الوقوف عن كثب على آخر الحقائق والمستجدات المتعلقة بالمرض من حيث كيفية انتشاره، وعدد المصابين به، وطرق علاجه، عَقَدتْ منظمة الصحة العالمية اجتماعاً للخبراء في 14 مايو، وبعد الانتهاء من الاجتماع أعلنت بأن المرض في هذه المرحلة لا يُعد قضية "صحية عالمية طارئة"، ولذلك لم تُعلن منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ على المستوى الدولي، وذلك لأن الأبحاث والحالات الميدانية في المستشفيات لا تُفيد بأن المرض ينتقل بسهولة وسرعة بين بني البشر من خلال التنفس والهواء الجوي المحيط بالمريض، فلا توجد أدلة دامغة وقوية على ذلك.

فكل الدراسات الطبية التي أجريت على فيروس كورونا وطرق انتقاله إلى الإنسان، ثم إلى الناس الآخرين تؤكد على أن هذا الفيروس ينتقل إلى الإنسان عن طريق الجمال، حيث تمكن الباحثون في أمريكا والسعودية من اكتشاف وفصل هذا الفيروس وهو على قيد الحياة من عينات من الأنف من جـِمال تعيش في السعودية، ثم تم إجراء التحاليل الجينية التفصيلية على هذا الفيروس، وتبين أن هناك الآلاف من الأنواع الأخرى المستخلصة من هذا الفيروس والمنتشرة بكثافة عالية في الجمال، ومنها نوع يتطابق مع فيروس تم اكتشافه وفصله من أحد المرضى، مما أكد لدى الباحثين أن الجمال تعتبر من المصادر الرئيسة لفيروس كورونا وهي التي نقلت الفيروس إلى الإنسان.

وعلاوة على هذا الاستنتاج، فقد أكد العلماء أن الفيروس لا ينتقل بسهولة من المريض المصاب إلى الآخرين، إلا من خلال التعامل المباشر مع المريض، ولذلك معظم المصابين بالمرض هم من العاملين في القطاع الصحي. ونتيجة لذلك فقد أوصت الجهات المعنية على ضرورة التحكم في منع نقل المرض من المستشفيات والمراكز الصحية من خلال أخذ كافة مستلزمات الحذر والحيطة الشديدة من قبل العاملين من أطباء وممرضين وعمال في القطاع الصحي. كما دعت هذه الجهات كافة الناس إلى تجنب مخالطة الجِمَال والابتعاد عن أماكن تجمعها، إضافة إلى عدم شرب حليب الجمل أو لحمه النيئ إلا بعد غليانه وطبخه جيداً.


الاثنين، 19 مايو 2014

القصة الكاملة للكريمات المسمومة


في 25 أبريل من العام الجاري رَفعتْ مجموعة من الرجال والنساء وصل العدد إلى 14 من مقاطعة هيروشيما اليابانية دعوى قضائية ضد شركة كانيبو(Kanebo) اليابانية الدولية التي تتخصص في صناعة المنتجات التجميلية وأدوات التبرج والزينة، وتعتبر من أكبر وأشهر الشركات في اليابان المـُصممة والمطورة لمنتجات الزينة والتبرج، وتطالب هذه المجموعة تعويضاً يتراوح بين 25 إلى 43 مليون ين ياباني لكل واحدٍ منهم، وذلك بسبب المعاناة الجسدية والنفسية والاقتصادية التي حَلَّت عليهم نتيجة لاستخدام منتجات هذه الشركة، وتُعد هذه القضية باكُورَة القضايا من ضمن قائمةٍ طويلةٍ لا تنتهي من الشكاوى والقضايا التي سترفع ضد هذه الشركة.

 

وتبدأ قصة هذه الدعاوى القضائية من عام 2011 عندما تهافت الناس كالعادة وتسابقوا لنيل السبق في شراء واقتناء منتجٍ جديدٍ نزل في الأسواق وتم تطويره حصرياً من شركة كانيبو المرموقة، ويقوم هذا المنتج السحري الجديد بتبييض البشرة وإعطائها الوجه المشرق واللامع والجذاب، وإخفاء الملامح القبيحة والمـُنفِّرة للجلد، إضافة إلى القضاء على البقع والعيوب والخَلْقية والتخلص من العلامات الكريهة في الجلد، سواء أكانت موجودة في الوجه أو العنق أو اليدين.

 

ولكن هذا المنتج العجيب بدلاً من أن يُجمِّل صورة المرأة ويحسن من لون البشرة ويجعلها أكثر جاذبية وصفاءً ونقاءً، قام بتشويه البشرة وتخريبها وإظهار علاماتٍ وبقعٍ حمراء متناثرة على سطح الجلد، وكأن الجلد أصابه البَهَق أو الحرق الشديد، وغطت هذه البقع القبيحة الوجه والعنق واليدين، إضافة إلى إفساد لون وطبيعة الجلد بشكلٍ عام. ونتيجة لهذه الحالة السيئة التي أصابت ملايين الناس بعد استعمال هذا المنتج الجديد، رفع أكثر من 15 ألف من الرجال والناس الشكوى عند شركة كانيبو في جميع أنحاء العالم، وبعد أن قامت الشركة بالتحريات والفحوصات اللازمة وتأكدت من صدق هذه الشكاوى، سحبت مجموعة من هذه المنتجات من جميع المحلات في كافة الدول بدءاً من 4 يوليو 2013، وهذه المنتجات هي أكواليف(Aqualeaf)، وبلانشير سوبيرير(Blanchir Superior)، وإمبرس(Impress)، وسويساي(Suisai)، وتواني(Twany). وقد تأكد من التحليل المخبري أن هذه المنتجات تحتوي على ملوث اسمه التجاري(Rhododenol)، واسمه العلمي(4-(4-hydroxyphenyl)-2-butanol)، وهذا المركب الكيماوي يقف الآن في قفص الاتهام لظهور البقع الجلدية الحمراء.

 

ولذلك اضطر رئيس الشركة ماسوميناتسيساكا(Masumi Natsusaka) إلى تقديم اعتذارٍ رسمي من خلال مؤتمرٍ صحفي لوسائل الإعلام في 12 سبتمبر 2013، وأفاد عن أسفه الشديد لوقوع هذه الحادثة المؤلمة، وتعهد بإجراء فحصٍ دقيقٍ وشامل لجميع المنتجات من ناحية الأمن والسلامة، كما أبدى التزامه بتحمل المسؤولية عن كافة الأضرار التي لحقتْ بالناس، إضافة إلى إعلانه لخفض رواتب كافة الموظفين التنفيذيين في الشركة.

 

فقصة هذا الكريم يجب أن تنبهنا إلى أخذ كامل الحذر والحيطة وعدم الاستعجال والتسرع في شراء واستخدام أدوات التجميل والزينة التي تظهر علينا في الأسواق كل يوم بوجهٍ جديد، وصورةٍ عصرية منمقة، وادعاءات لا حصر لها بفوائدها ومنافعها الجمالية للمرأة بشكلٍ خاص.

 

 

الجمعة، 16 مايو 2014

التخلص من 50 مليون جالون من مياه الشرب العذبة!



اضطرتْ الجهات المعنية بإنتاج وتوزيع مياه الشرب في مدينة بورتلند(Portland) بولاية أوريجن الأمريكية إلى التخلص من زهاء 50 مليون جالون من ماء الشرب العذب الفرات الصافي وصرفه في المسطحات المائية، ونظراً لأهمية هذا الخبر بالنسبة للإنسان وغرابته في الوقت نفسه، فقد كَتبتْ عنه واهتمت بتغطيته وسائل الإعلام الأمريكية وغير الأمريكية مثل صحيفة الإندبندنت البريطانية، ومحطة السي إن إن الإخبارية الأمريكية، إضافة إلى صحف أمريكية قومية مرموقة مثل الواشنطن بوست، والـ يو إس أيه توداي(USA Today)، واللوس أنجلوس تايمس.

فلماذا هذا الهدر الكبير للماء؟ ولماذا اضطرت مدينة بورتلند على اتخاذ هذا الإجراء الاستثنائي العجيب والمـُكلف اقتصادياً؟

فأسباب صرف هذا الحجم الهائل من ماء الشرب النقي الزُلال تتلخص في قيام بعض الشباب بعد منتصف الليل وفي الساعة الواحدة صباحاً بالتبول في مخزونٍ ضخمٍ ومفتوحْ يحفظ مئات الملايين من المياه في المدينة، ويُزود المواطنين بمياه الشرب والمياه المنزلية بشكلٍ عام، حيث قامت كاميرات المراقبة بكشف هذه الحادثة وتصويرها كاملة، وعندها قامت الشرطة باعتقال الشباب واتهامهم جنائياً لارتكابهم لهذه الجريمة الصحية البيئية الشنيعة.

وبالرغم من بساطة هذا الخبر، إلا أنه يرمز إلى قضيةٍ بيئيةٍ وصحيةٍ خطيرة تعاني منها الكثير من المجتمعات الحضرية والريفية منذ قرون، وتهدد أمنهم الصحي والبيئي، وهي قضية مياه المجاري وطرق معالجتها والتخلص منها والآثار الصحية والبيئية والاقتصادية التي تترتب على سوء إدارتها.

وتكمن خطورة مياه المجاري التي من مكوناتها الرئيسة هي البول، في محتوى ومكونات هذه المياه الآسنة، وبخاصة إذا صُرفت في المسطحات المائية المالحة أو العذبة دون معالجة، أو حتى معالجة جزئية وثانوية. فمياه المجاري تحتوي على ملوثات كيميائية من جهة، وملوثات حيوية من جهةٍ أخرى. أما الملوثات الكيميائية فهي مركبات الفوسفور والنيتروجين من اليوريا وغيرها من الملوثات، إضافة إلى عشرات الآلاف من الملوثات التي يصرفها الناس في مياه المجاري من أدوية تالفة، وأصباغ، ودهون وغيرها. وفي المقابل هناك الملوثات الحيوية في هذه المياه من بكتيريا وفيروسات وغيرهما من الأحياء المـُعدية والخطرة على صحة الإنسان والكائنات الفطرية النباتية والحيوانية.

ولذلك فإن هذه الملوثات الكيميائية والحيوية الموجودة في مياه المجاري إذا لم تتم معالجتها قبل صرفها في البحر، أو المسطحات المائية الأخرى، فستسبب ظاهرة بيئية تُعرف بالإثراء الغذائي أو المد الأحمر، وهي تَحَول المسطحات المائية إلى اللون الأخضر أو الأحمر، وينجم عنها فرز سمومٍ تقتل الأحياء الفطرية المائية وتؤثر صحياً على الإنسان في حالة استهلاكه لكائنات حية من تلك المنطقة، وقد تؤدي إلى وفاته، كما حدث بالفعل في الكثير من الدول. وفي دول الخليج قد تتفاقم المشكلات الصحية والبيئية العامة التي تنجم عن عدم الإدارة السليمة بيئياً وصحياً لمياه المجاري، حيث إن دولنا تعتمد بدرجةٍ كبيرة على مياه البحر للتحلية لإنتاج مياه الشرب والمياه المنزلية، وفي حالة صرف مياه المجاري في البحر فإنها قد تختلط مع مياه البحر وتدخل مع مجرى المياه التي تدخل للتحلية في المصنع فتنتقل الملوثات الكيميائية والحيوية إلى الناس عن طريق مياه التحلية، وتُعرِّض حياتهم للأمراض والأوبئة والموت.

ولذلك علينا الاستثمار في مياه المجاري من ناحية معالجتها بشكل سليم بيئياً وصحياً ثم الاستفادة منها وإعادة استخدامها في ري المسطحات المائية، حيث تُعد مياه المجاري في الكثير من الدول التي تعاني من شحٍ في المياه من المصادر غير التقليدية المتجددة وغير الناضبة، ويمكن الاعتماد عليها في جميع الأحوال والظروف.

وقد عالج الإسلام قضية إدارة مياه المجاري بتبنيه لنهجِ وسياسة الوقاية، من حيث منع صرف عناصر ومكونات هذه المياه الملوثة في المسطحات المائية، وهناك أحاديث كثيرة تؤكد هذه الحقيقة، منها نهي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُبال في الماء الراكد، ومنها ما ورد عن أبى هريرة رضي الله عنه أن سمع رسول الله يقول:"لا يبولن أحدكم في الماء الذي لا يجري ثم يغتسل فيه"، إضافة إلى الأحاديث التي تَنْهى المسلم من البراز في الموارد المائية.


الخميس، 8 مايو 2014

من أين نزل فيروس كورونا؟


مازال المجتمع الطبي حتى يومنا هذا يقف في حيرةٍ من أمره خائفاً ومترقباً وباحثاً عن الإجابة عن أسئلة كثيرة ومحاولاً حل هذا اللغز الصحي الجديد، فلا يعرف من أين نزل فيروس كورونا على الإنسان؟ ومازال يبحث بعمق في مختبراته ليتعرف على كيفية انتقال هذا الفيروس الفتاك القاتل إلى الإنسان، وطرق انتشاره بين بني البشر.

 

فمنذ أن بَرَزَ هذا الفيروس المـُعدي إلى السطح في أبريل عام 2012 وأوقع المئات من الضحايا البشرية في كل أنحاء العالم، معظمهم في منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة في المملكة العربية السعودية، انكشفت الكثير من النظريات العلمية من خلال إجراء الدراسات الميدانية، وآخر هذه النظريات نُشر في 29 أبريل من العام الجاري في مجلة الجمعية الأمريكية لعلم الأحياء الدقيقة(journal of the American Society for Microbiology)، شارك فيها فريقٌ كبير من العلماء يمثلون جامعات ومراكز علمية مرموقة هي جامعة كولومبيا، وكلية آيكان للطب، ومؤسسة تحالف صحة البيئة من الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى جامعة الملك سعود وهيئة الحياة الفطرية السعودية.

 

فهذه الدراسة قَدَّمت دليلاً علمياً آخر يضاف إلى الأدلة الأخرى التي تحوم حول الجمل كمصدر رئيس لهذا الفيروس القاتل، حيث تمكن الباحثون من اكتشاف وفصل هذا الفيروس وهو على قيد الحياة من عينات من الأنف من جملين يعيشان في السعودية، ثم تم إجراء التحاليل الجينية التفصيلية على هذا الفيروس، وتبين أن هناك الآلاف من الأنواع الأخرى المستخلصة من هذا الفيروس والمنتشرة بكثافة عالية في الجمال، ومنها نوع يتطابق مع فيروس تم اكتشافه وفصله من أحد المرضى، مما أكد لدى الباحثين أن الجمال تعتبر من المصادر الرئيسة لفيروس كورونا وهي التي نقلت الفيروس إلى الإنسان.

 

ولذلك فالمعلومات العلمية الموثقة الموجودة حول هذا الفيروس والمرض المميت الناجم عنه يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

أولاً: فيروس كورونا(coronavirus) الذي يصيب الإنسان بمرض يسمى ظاهرة أو متلازمة الشرق الأوسط التنفسية(Middle East Respiratory Syndrome)، واختصارها ميرس(MERS-CoV)، يُصنَّف من ضمن عائلة فيروس الأنفلونزا المعروف، ومن ضمن الفيروس الشهير الذي سبب الموت الجماعي لنحو 800 إنسان عام 2003 وأصابه بالمرض التنفسي الحاد والشديد واختصاره سارس(severe acute respiratory syndrome, SARS).

ثانياً: أعراض المرض تتلخص في الإصابة بالكحة، وارتفاع درجة حرارة الجسم، ومشكلات في التنفس، ثم تؤدي إلى التهابٍ رئوي وفشلٍ كلوي وأخيراً الموت، وفيروس كورونا نادراً ما ينتقل من إنسان إلى آخر، والفترة الزمنية بين التعرض للمرض وظهور الأعراض هي خمسة أيام.

ثالثاً: إحصاءات منظمة الصحة العالمية تفيد بأن هناك 401 حالة أكيدة مصابة بالفيروس من 16 دولة هي:  المملكة العربية السعودية وقطر والكويت وعمان ودولة الإمارات العربية المتحدة والأردن ومصر وماليزيا والفلبين وتونس وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا واليونان، وآخر حالة اكتشفت في 27 أبريل من العام الجاري في ولاية إنديانا(Indiana) الأمريكية لمواطن أمريكي كان يعمل في القطاع الصحي، وجاء من العاصمة السعودية الرياض عبر مطار لندن ثم شيكاغو في أمريكا، وأخيراً انتقل بالحافلة إلى ولاية إنديانا عندما ظهرت عليه أعراض المرض.

رابعاً: المرض ينتقل إلى الإنسان من الحيوانات مثل الجمل والخفاش.

 

ولكن مازال هناك الكثير من الغموض الذي يحيط بالمرض، فمازالت العديد من الأسئلة تحتاج إلى الإجابة الشافية والمقنعة مثل: هل هناك حيوانات أخرى تحمل هذا الفيروس؟ وهل هذا الفيروس يسبب الأمراض للجمل نفسه؟ ولماذا ظهر هذا الفيروس الآن وقرر أن يضرب الإنسان؟ وكيف ينتقل من الجمل إلى الإنسان؟

 

ولذلك فالأبحاث جارية والدراسات مستمرة لتكشف المزيد من الحقائق وتقدم المعلومات حول هذا الفيروس والمرض الذي يسببه.

 

الاثنين، 5 مايو 2014

كائنٌ بحري يَلْسَع رئيس وزراء بريطانيا


 

 

نقلتْ وسائل الإعلام الغربية أن مرتادي ساحل أريتا(Arrieta) في جزيرة لانزاروت(Lanzarot) الإسبانية  السياحية المعروفة قد شاهدوا ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا وهو يركض فجأة ويخرج سريعاً من البحر ويحك يديه وذراعيه بقوة، كما سمع الناس الموجودين بالقرب منه على الساحل صراخه بصوتٍ عال من شدة الألم.

 

فماذا حدث لرئيس الوزراء؟ ولماذا خرج من البحر بهذه العَجَلة والسرعة وكأن هناك أسماك القرش خلفه وهي تلاحقه في البحر؟

 

فقد انطلق رئيس الوزراء البريطاني هارباً من البحر كالحُمر المستنفرة التي فَرَّتْ من قَسْورة، ليس من سمك القرش الذي يُرهب الإنسان عندما يشاهده ويقف أمامه مشلولاً عديم الحركة، وإنما فَرَّ من كائنٍ هلامي بسيط، صغير الحجم، هزيل الجسم، ضعيف البُنْية، تتقاذفه الأمواج والتيارات البحرية من مكانٍ إلى آخر، ولكن هذا الكائن بالرغم من هشاشته وقلة حيلته، إلا أنه إذا ظهر في منطقةٍ بحرية ما، تدق أجراس الإنذار، وترتفع أصوات وسائل الإعلام معلنة الحذر الشديد من الاقتراب أو الدخول في تلك المنطقة البحرية، كما إذا سمع مرتادو البحر عن وجود هذا الكائن يَرْتَعِدون خوفاً ويَرْتَعِشُون ذعراً منه ولا يقتربون من تلك المنطقة.

 

كما أن هذا الكائن الضعيف إذا ظهر في منطقة بحرية يُشكل إنذاراً وتهديداً كبيراً لمحطات تحلية المياه وتوليد الكهرباء، سواء أكانت تعمل بالطاقة النووية أو الطاقة التقليدية كالغاز الطبيعي. فهذا الكائن البسيط الصغير الحجم أدى في الأول من أكتوبر من عام 2013 إلى شلِّ عمل أكبر وأول محطة نووية في السويد لتوليد الكهرباء على بحر البلطيق، وسبب في إغلاقها بصورة مفاجئة، وكاد هذا المخلوق الهش أن يُوقع كارثة نووية لا يعرف أحد عواقبها وانعكاساتها على الإنسان والكرة الأرضية برمتها. كذلك فإن هذا الكائن الهلامي سبب الكثير من المتاعب لمحطات تحلية المياه في البحرين، وأدى في عدة حالات إلى سد مداخل مياه البحر، وإحداث إرباكٍ شديد لعمل مصنع التحلية.

 

هذا المخلوق الذي يسبب للإنسان هذه الخسائر البيئية والاقتصادية والاجتماعية والصحية هو قنديل البحر، أو الجيلي فيش الذي لا عظام له، ويسبح في البحر بتقلصات جسمه وبقوة تيار ورياح البحر.

 

ولذلك لا بد من معرفة أسباب انتشار هذا الكائن ونموه غير الطبيعي في الكثير من بحار العالم، ويمكن تلخيصها في عاملٍ رئيس هو الصيد البحري الجائر باستخدام كافة الوسائل والأدوات المشروعة وغير المشروعة والذي أودى بحياة الكثير من أنواع الأسماك التي كانت تتغذى على قنديل البحر، مما ترك الباب مفتوحاً لهذا النوع من الكائنات في التكاثر والنمو بدرجةٍ كبيرةٍ وفي مناطق واسعة من البيئة البحرية.

 

وبعد هذه الحادثة المؤلمة التي مر بها رئيس الوزراء البريطاني شخصياً، أتمنى أن يعطي اهتماماً لقضية تلوث البيئة البحرية من جهة، وقضية قناديل البحر وتهديدها للإنسان ومنشئاته الساحلية من جهةٍ أخرى.