الخميس، 30 أكتوبر 2014

الصين تُغلق مصانعها!



عندما تستضيف البحرين اجتماعات مهمة ورفيعة المستوى، ولا سيما عندما تكون على مستوى رؤساء وقادة الدول، فإننا نرى اهتماماً استثنائياً وملحوظاً في الطرق والمناطق التي تمر فيها مواكب الرؤساء، من حيث تعديل وتوسعة بعض الشوارع التي أصابها الخراب سنواتٍ طويلة، وتنظيف وإصلاح الطرق وتجميلها بالنباتات والأشجار الخضراء، وتغيير مصابيح الشوارع التي لا تعمل، وإبداء كافة مظاهر الزينة والجمال على كافة الطرقات الخاصة بمواكب الزعماء، ولذلك نتمنى دائماً تكرار انعقاد مثل هذه المؤتمرات والاجتماعات في بلادنا حتى تظل دائماً نظيفة ومرتبة وخالية من عيوب وخلل البنية التحتية.

ولكن في الصين، وقبيل انعقاد اجتماع قادة وزعماء الأبيك، أو منتدى التعاون الاقتصادي الآسيوي ودول الباسيفيك والذي سيعقد في العاصمة الصينية بكين في الفترة من 7 إلى 11 نوفمبر من العام الجاري، لم نقرأ عن قيام الصين بمثل هذه الاستعدادات العاجلة استقبالاً لضيوفهم، ولم نسمع أيضاً عن اتخاذ الصين لمثل هذه الإجراءات التجميلية والإصلاحية في البنية التحتية، ولكن في المقابل أصدر نائب رئيس الوزراء الصيني زانج جاولي(Zhang Gaoli) في 25 أكتوبر أمراً تنفيذياً غريباً بعض الشيء، ولم نتعود سماعه في مثل هذه المناسبات، حيث قرر إغلاق المصانع والورش الكبيرة خلال انعقاد الاجتماع وحضور ضيوف البلاد وممثلي الدول، وذلك من أجل التأكد من صحة وسلامة نوعية الهواء الجوي وخلوها من الملوثات الضارة بالصحة العامة، وإبعاد شبح انكشاف الضيف الثقيل الذي ينزل على سماء المدن الصينية في أغلب أيام السنة وهو الضباب الضوئي الكيميائي، أو السحب البنية الصفراء اللون، خلال تلك الفترة وأثناء وجود القادة والزعماء والمسئولين المشاركين في اجتماع الأبيك.

فقد أكد نائب رئيس الوزراء الصيني في كلمةٍ ألقاها أن جودة الهواء الجوي أثناء وجود ضيوف الصين ستكون "أولوية الأولويات"، أي أنه قدَّم قضية البيئة والمحافظة على الهواء الجوي وحمايته من الملوثات على كل القضايا الأخرى من سياسية، وأمنية، واقتصادية، مما يؤكد أهمية هذه القضية القصوى وتداعياتها على المجتمع الصيني برمته، وتأثيراتها المباشرة على سمعة وهوية الصين أمام قادة دول العالم، كما يُثبت هذا الاهتمام غير العادي والكبير لنائب رئيس الوزراء الحالة السيئة والمأساوية التي وصلت إليها البيئة في بكين، وبالتحديد بالنسبة للتدهور الشديد الذي أصاب نوعية الهواء وانعكاساته المباشرة على صحة الملايين من المواطنين والمقيمين في الصين. 

ولذلك فالصين مضطرة إلى وضع تحسين جودة الهواء في مقدمة "أولوية الأولويات"، وهي مرغمة ومجبرة كذلك على اتخاذ إجراءات صارمة وخطوات "متطرفة ومتشددة" حفاظاً على سمعة الصين البيئية أثناء وجود القادة ووفود الدول الأجنبية. ومن هذه الإجراءات غير العادية إيقاف المصانع الملوثة للهواء الجوي عن العمل خلال تلك الفترة، وإعطاء إجازة رسمية لموظفي الحكومة، وتقنين حركة السيارات داخل بكين وتشجيع المواطنين على استخدام النقل العام والجماعي بهدف تقليل الازدحام وخفض درجة التلوث في الهواء الجوي.

وهذا الوضع الكارثي الذي وصلت إليها البيئة في الصين، وبالتحديد فساد نوعية الهواء وتدميره لصحة الناس، يُنبهني إلى التعلم من هذا الدرس الصيني القاسي، والاستفادة من هذه الخبرة العملية التي أجدها أمامي، فعلينا في البحرين أن لا نُكرر التجربة التنموية الصينية بجملتها، وإنما نأخذ منها الطيب والحسن، ونترك السيء والرديء، وبالتحديد يجب على تنميتنا في البحرين أن تكون مستدامة، أي نقوم بالعمليات التنموية في جوانب الاستدامة الثلاثة، وهي التنمية الاقتصادية جنباً إلى جنب مع التنمية الاجتماعية والبيئية.

وإذا لم نتعظ بهذه التجربة الواقعية المعاصرة، فلننتظر قريباً أن يَـحِل بنا كما حَلَّ بالصين، وفي الاجتماعات القادمة لزعماء الدول سنضطر أولاً إلى تحسين نوعية الهواء بدلاً من تحسين الشوارع والطرقات! 

الأحد، 26 أكتوبر 2014

تناقضات وأكاذيب الحكومة الأمريكية


ما زلت أتذكر خطاب وزير الخارجية الأمريكي كولين باول في مجلس الأمن في الخامس من فبراير عام 2003، والذي لفق فيه الكثير من الاتهامات، وقدَّم العديد من الضلالات حول امتلاك العراق "لأسلحة الدمار الشامل" بكل أنواعها، من نووية وبيولوجية وكيميائية، وأكد فيه قُدرة العراق الخارقة على تدمير العالم برمته، وما زلت أتذكر أيضاً اعتراف كولين باول لهذا الخطاب "المفبرك" الذي اعتبره هو نفسه وصمة عارٍ في تاريخه المهني، حيث قال في مقابلة تلفزيونية في 13 يونيو 2012: "أنا بالطبع آسف عن الخطاب الذي ألقيته، وآسف لأن الكثير من المعلومات التي قَدَّمتُها كانت خاطئة".

 

فتصورا أمة قد احتلت، ودُمرت، ومات مئات الآلاف منهم، وجُرح الملايين وشردوا حتى يومنا هذا بسبب تقديم معلوماتٍ "مفبركة" وخاطئة من الحكومة الأمريكية، ولم يجرؤ أحد على محاسبتهم، أو حتى توبيخهم على هذا الكذب المـُــتَعمد، بل وكأنها لم تقع في تاريخنا المعاصر وأمام أعيننا وأسماعنا.

 

وللأسف الشديد أن هذه المسرحية المأساوية تتكرر أمامنا مرة ثانية، وبالمشاهد نفسها، ولكن تحت مسمى جديد وعنوان آخر، وهو داعش أو تنظيم الدولة الإسلامية، فتقوم أمريكا بتخويفنا وإرهابنا من هذا العدو الشرس الذي يقتحم المدن ويلتهمها واحدة تلو الأخرى، فتنفخ يوماً بعد يوم في تضخيم قدراته، وتفخيم إمكاناته اللامتناهية المالية والعسكرية والبشرية، وتُلقي في قلوبنا الذعر من استخدام هذا العدو "لأسلحة الدمار الشامل"، ومنها استخدام داعش للسلاح الكيماوي ممثلاً في غاز الكلور، حسب التقرير المنشور في صحيفتي النيويورك تايمس والواشنطن بوست في 24 أكتوبر من العام الجاري، حيث أفاد التقرير بأن الحكومة الأمريكية تدقق في ما إذا كان داعش استخدم قنابل كيميائية في العراق أم لا.

 

ولذلك لو دققنا في الحالتين، لوجدنا أن العامل المشترك الذي بَرَّر إعلان الحرب والغزو الأمريكي والتدخل الأجنبي هو امتلاك تلك الدولة لـ"أسلحة الدمار الشامل"، وكأن امتلاك هذا النوع من السلاح يُعد عند أمريكا والمجتمع الدولي سبباً شرعياً كافياً لإعلان الحرب على هذه الدولة واحتلالها رسمياً وبمباركة مجلس الأمن ودول العالم.

ولو سلَّمْنا جدلاً صحة هذه المعادلة وشرعيتها، فمن المفروض تطبيقها على كافة الدول التي تمتلك الآلاف من أسلحة الدمار الشامل بكل أنواعها وأشكالها، وليس المقصود هنا فقط القنابل النووية والبيولوجية والكيميائية، أو الصواريخ الجوية والبحرية ذو الرؤوس النووية، وإنما أقصد هنا ما أُطلق عليه بــ "مخلفات الدمار الشامل"، أو "القنابل الإشعاعية الموقوتة" والمخزنة بكميات هائلة وبطرق غير سليمة صحياً وبيئياً في جميع الدول النووية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية. 

      

فأمريكا، على سبيل المثال لا الحصر منذ شروعها في مشروع منهاتن المشئوم والذي أدى إلى صناعة أول قنبلة ذرية ألقتها أمريكا على اليابان أثناء الحرب العالمية الثانية، وهي تولِّد في كل ساعةٍ أطناناً من المخلفات الصلبة وشبه الصلبة شديدة الإشعاع والانفجار، سواء أكانت من الأنشطة العسكرية، أو من المفاعلات النووية الكثيرة والمستخدمة لتوليد الطاقة الكهربائية، وكل هذه المخلفات الخطرة والقاتلة مازالت تتراكم منذ ذلك اليوم وتخزن في مواقع غير آمنة وغير مستقرة، وطوال هذه السنوات التي وصلت إلى نحو 75 عاماً، لم تحرك أمريكا ساكناً، ولم تعط هذه القضية اهتماماً يتناسب مع خطورتها وتهديدها الأمني القومي والسلم الدولي، فلم تتخذ حتى يومنا هذا خطواتٍ جادة وجذرية لمعالجة هذه المخلفات المدمرة التي قد تنفجر في أية لحظة فتلوث العالم برمته وتهلك الحرث والنسل، فكل ما قامت به هو تخزينها بصفةٍ مؤقتة في مواقع متعددة في قرابة 30 ولاية، إما تحت أعماق الأرض، أو تكديسها في بركٍ مائية.

 

فالسؤال المنطقي الذي يطرح نفسه: لماذا لا تكون هذه القضية المتعلقة بـ "مخلفات الدمار الشامل"، كما هو الحال بالنسبة "لأسلحة الدمار الشامل" مدعاة ليس لغزو هذه الدول وإعلان الحرب عليها، وإنما في الأقل أضعف الإيمان، وهو إبداء القلق والاهتمام من المجتمع الدولي برمته، ولماذا لا تُطرح هذه القضية في مجلس الأمن من قبل الدول الأعضاء للتحقيق فيها بعمقٍ وجدية، وللتعرف عن كثب على أبعادها الأمنية والبيئية والصحية؟

 

والجواب بسيط جداً، فمعظم أعضاء مجلس الأمن الدائمين متورطين في هذه القضية الخطرة المـُهددة لسلامة البشرية جمعاء، فدولهم هي التي تمتلئ بمخلفات الدمار الشامل، وأراضيهم هي التي تتكدس تحتها قنابل المخلفات الموقوتة، وبالطبع لن يَطرحَ أي واحدٍ منهم هذه القضية، وإذا ما حاولت دول أخرى طرحها لمناقشتها فقط، فسيتم حتماً إرهابها بطريقةٍ أو أخرى، وإسكاتها كلياً!  

الخميس، 23 أكتوبر 2014

البرنامج الانتخابي للمُرشحين للبرلمان والبلدي



أتمنى أن يكون البرنامج الانتخابي للسادة المترشحين للمجلس النيابي أو المجالس البلدية متكاملاً وشاملاً، وأن يسعى في نهاية المطاف إلى تحقيق التنمية المستدامة بأركانها الثلاثة ويعمل على نجاح عملية الإصلاح الشامل في كافة القطاعات في البحرين، وهي الإصلاح والتنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، بحيث إن هذه الجوانب الثلاثة التي نحتاج إليها جميعاً تمشي مع بعض جنباً إلى جنب، دون أن يطغى أحدهما على الآخر، ودون أن نسعى لتحقيق التنمية في أحد الجوانب على حساب الجوانب الأخرى.

أما الجانبان الاقتصادي والاجتماعي المتمثلان في رفع المستوى المعيشي للمواطنين، وتقديم السكن المناسب لهم، وتوفير الرعاية الصحية والتعليمية، فلا أحتاج إلى التركيز عليهما والتنبيه إليهما، فإنني على يقين بأن برامج المترشحين وتصريحاتهم وأنشطتهم ستكتظ بهذه الأبعاد الحياتية الآنية، وسيجتمع معظم المترشحين على ضمها في برامجهم.

ولكنني أريد هنا في خضم الأولويات الاجتماعية والاقتصادية التي لا يختلف على أهميتها أحد، أن أُنبه وأذكر إلى التركيز أيضاً، وفي الوقت نفسه على الركن الثالث للتنمية المستدامة، والذي عادة ما يسقط سهواً في البرامج الانتخابية، وينساه المترشحون ولا يضعونه في وسائلهم الدعائية وبرامجهم المعلنة، وهذا الركن هو "البيئة وحماية مواردها وثرواتها الحية وغير الحية من الناحيتين الكمية والنوعية".  

ولذلك فإنني أذكر الجميع بأن الإصلاح في المجال البيئي لا يقل أهمية عن الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وأدعو الأخوة المترشحين لخوض الانتخابات النيابية والبلدية إلى وضع البيئة ضمن الهَمْ والشأن العام لأنها هي أساس الحياة الصحية والسعيدة والمستدامة للإنسان، إذ لا حياة بدون هواءٍ نظيف وصحي، ولا حياة بدون ماءٍ سليم ونقي وعذبٍ زلال، ولا تنمية بدون تربةٍ خالية من الشوائب والسموم تُنتج نباتاً صحياً يتغذى عليه الإنسان، ولا حياة تستقيم وتستديم للإنسان بدون كائناتٍ فطريةٍ نباتية وحيوانية متنوعة وسليمة ومنتجة في البر والبحر، فالبيئة هي الركيزة الأولى لنجاح أعمالنا التنموية وتحقيق التنمية المستدامة، فكل ما يؤثر على بيئتنا ينعكس بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، وبعد فترةٍ قصيرةٍ أو طويلةٍ من الزمن على أمننا الصحي، فالبيئة المريضة تُفرز تنمية معوقة ومشلولة، وتُولِّد في الوقت إنساناً مريضاً سقيماً لا يقوى على العيش والعطاء والإنتاج، ولا يتمكن من مواصلة درب التنمية والبناء والتعمير.

ومن القضايا البيئية الهامة التي يجب أن تحظى باهتمام ورعاية المترشحين ما يلي:
أولاً: حماية الهواء الجوي من مصادر تدهوره، مثل الزيادة المطردة في أعداد السيارات والجوانب الصحية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بها، كذلك إعادة تأهيل المصانع الملوثة للهواء الجوي، وبخاصة المصانع الثقيلة الموجودة في المناطق السكنية.

ثانياً: حماية البيئة البحرية ومواردها الطبيعية، فهذه قضية مرتبطة أيضاً بالأمن الغذائي الذي هو مرتبط بالأمن السياسي للدول، فالمصدر الوحيد للبروتين الفطري المحلي هو الأسماك وباقي المصادر مستوردة من الخارج، إضافة إلى هذا البعد الخطير فإن ماء البحر يُعد حالياً ومستقبلاً المصدر الرئيس للمياه في البحرين، فأي ضرر يصيب ماء البحر ينعكس مباشرة على مياه الشرب والمياه التي نستخدمها لأغراض منزلية أخرى ولا يمكن الاستغناء عنها.فالنظر في قضية حماية البيئة البحرية يعني دراسة كافة العوامل المؤثرة على صحتها نوعياً وكمياً، مثل عمليات الردم والحفر، ومخلفات مياه المجاري ومخلفات المصانع السائلة، والصيد الجائر، إضافة إلى التركيز على بعض المناطق البحرية التي تعاني من مشكلات مزمنة، وبالتحديد خليج توبلي.

وانطلاقاً مما سبق فإنني أؤكد على جميع الأخوة ضرورة ضم الإصلاح البيئي والتنمية البيئية في البرامج الانتخابية والدعائية، قبل أن تتفاقم المشكلات البيئة أكثر وتتحول هي أيضاً إلى قضية أمنية وسياسية واقتصادية.

الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

التغير المناخي يُهدد الأمن القومي


عندما يُصرح أي وزيرٍ للدفاع، أو يُلقى خطاباً، فإن فحوى وجوهر الخطاب سينصب دائماً على الجانب الأمني والبعد المتعلق باستقرار وسلامة البلاد والمواطنين، وسيكون الهاجس الأمني هو المسيطر على اهتمامات هذا الوزير، ولكن الخطاب الذي ألقاه وزير الدفاع الأمريكي تشك هيجل في بيرو في 13 أكتوبر في مؤتمر وزراء دفاع الدول في القارة الأمريكية والمكون من 34 دولة، قد خرج عن هذا التقليد، وانحرف عن هذا العُرف في خطابات وكلمات وزراء الدفاع.

 

فقد ركز وزير الدفاع الأمريكي على قضيةٍ بيئيةٍ بحتة تُناقَش عادة في اجتماعات وزراء البيئة، وهي ظاهرة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية، حيث وصف قضية التغير المناخي بأنها تمثل "تهديداً مضاعفاً" للبشرية جمعاء، أي أنها قضية معقدة ومتشابكة وذات أبعادٍ كثيرة، وربط في خطابة هذه التهديدات التي تشكلها مشكلة التغير المناخي بالجانب الأمني واستقرار الدول والحكومات.

 

فقال الوزير في خطابه إن "وزارة الدفاع الأمريكية تأخذ المخاطر الناجمة عن التغير المناخي بجدية بالغة، وهي اليوم تُدشن خارطة طريق جديدة للتكيف مع التغير المناخي، كما تضع الخطوات الرئيسة لمواجهة التحديات التي تنجم عن التغير المناخي، وستدمج هذه التحديات ضمن خطة وبرامج الوزارة"، وختم وزير الدفاع خطابة قائلاً: "يجب علينا أن نضع نصب أعيننا التهديدات الأمنية التي يسببها التغير المناخي، ويجب أن نتخذ خطوات استباقية لمواجهته".

 

وقد استخلص وزير الدفاع خطابه من التقرير المنشور من وزارته تحت عنوان: "خارطة الطريق لعام 2014 للتكيف مع التغير المناخي"، حيث جاء فيه "إن التغير المناخي يؤثر على قدرات أمريكا للدفاع عن نفسها، ويشكل مخاطر فورية على الأمن القومي الأمريكي من حيث إن ارتفاع مستوى سطح البحر يُغرق القواعد العسكرية في أمريكا وحول العالم".

 

كما أكد التقرير المنشور من المجلس الاستشاري العسكري، والذي يتشكل من 16 جنرالاً أمريكياً متقاعداً، على هذه العلاقة الوثيقة بين التغير المناخي والأمن القومي والدولي، حيث ورد فيه أن "التغير المناخي يُعد عاملاً مساعداً لنشوب النزاعات، وأنه عامل من عوامل عدم الاستقرار، ويشكل بذرة خصبة لنشؤ العنف والحروب".

 

وليست هذه هي المرة الأولى التي يؤكد فيها مسئول أمريكي عن دور التغير المناخي في زعزعة الأمن، وتدهور الاستقرار، وإحداث أعمال العنف والشغب، فقد ألقى كيري وزير الخارجية خطاباً في 16 فبراير من العام الجاري في العاصمة الإندونيسية جاكرتا أمام حشدٍ من الطلاب حذر فيه إلى أن التغير المناخي بسبب أنشطة الإنسان من المصانع والسيارات ومحطات توليد الطاقة يُهدد أسلوب ونمط حياته، ويُعد خطراً شديداً لا بد من مواجهته بشكلٍ جماعي مشترك وبصورة عاجلة، لأنه يعتبر، حسب وصف كيري "التحدي الأعظم لجيلنا هذا". كما أضاف قالاً بأن التغير المناخي يُعد "سلاحاً آخر من أسلحة الدمار الشامل، وربما السلاح الأخطر والأكثر فزعاً من بين أسلحة الدمار الشامل". وعلاوة على ذلك فقد صنَّف وزير الخارجية الأمريكي قضية التغير المناخي مع القضايا المصيرية والرئيسة الأخرى التي تتصدي لها أمريكا منذ سنواتٍ طوال، كقضية الإرهاب، والفقر، وأسلحة الدمار الشامل. 

 

ولذلك إذا أردنا على المدى البعيد أن نحافظ على استدامة أمننا واستقرارنا، فعلينا أن نُبعد عنا كل العوامل التي لها صلة بهدم الأمن وإحداث النزاعات وأعمال الشغب والعنف، ولا ننسى أن حماية البيئة ومكوناتها من التلوث، وبالتحديد حماية كوكبنا من الملوثات التي تؤدي إلى ارتفاع سخونته ودرجة حرارته من العوامل التي تصب في حماية أمننا واستقرارنا.

  

الجمعة، 17 أكتوبر 2014

السباحة وسط المخلفات



المخلفات الصلبة بأنواعها وأشكالها المختلفة الصغيرة والكبيرة تحولت إلى ظاهرة بحرية يمكن مشاهدتها في كل بحار العالم، وأصبحت هذه المخلفات تحتل مساحة واسعة من البيئة البحرية، فهناك الآن خمس مناطق بحرية معروفة تطفو فوقها آلاف الأطنان من المخلفات الصلبة، مثل تلك الموجودة في الجزء الشمالي والجنوبي في المحيط الهادئ ويُطلق عليها بالبقعة العظيمة للقمامة(The Great Pacific Garbage Patch)، وهناك مناطق مشابهة في قلب المحيط الأطلسي يطفو فوق سطحها وفي بطنها وعلى عمق أكثر من عشرة أمتار خليط مما لا يخطر على قلب أحد من أنواع المخلفات، وتبلغ المساحة التي تغطيها هذه المخلفات نحو 16 ألف كيلومتر مربع، أي أكبر من مساحة البحرين بنحو 22 مرة!  

ومن أجل لفت أنظار العالم إلى هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد صحة الحياة الفطرية في البحار، وتُنذر بوقوع كارثةٍ وشيكة على الأمن الغذائي للإنسان، فقد قرر سباح ومحامي معروف من بريطانيا اسمه لويس بيف(Lewis William Gordon Pugh) السباحة في سبعة بحار هي البحر الأبيض، والأسود، والأحمر، وبحر قزوين، وإيجين، وبحر العرب، وبحر الشمال.

وبعد الانتهاء من السباحة قال بأن ظاهرة القمامة البحرية أشد سوءاً مما كنتُ أتصور، وأكثر خطورة على الكائنات البحرية، وحال البحار بشكلٍ عام في تدهورٍ شديدٍ مستمر، وأضاف قائلاً بأنني أصابتني الدهشة مما رأيتُ وصادفتُ أثناء السباحة في هذه البحار، فكأن هذه البحار تحولت إلى سلةٍ واسعةٍ وكبيرة تحوي في بطنها كافة أنواع وأشكال المخلفات التي ربما لا تخطر على بال أي إنسان، فجزء شاسع من هذه البحار تشبع بالقمامة المنزلية والصناعية من إطارات طافية فوق سطح الماء، وأكياس بلاستيكية صغيرة وكبيرة، وعلب زجاجية وبلاستيكية ومعدنية، وأحذية بشرية وملابس وأقمشة قطنية، وعلاوة على هذه المخلفات الصلبة الجاثمة فوق البحر وفي أعماقه، هناك الكائنات البحرية الخطرة التي تكاثرت بدرجةٍ كبيرة حتى امتلأت البحار بها فلا ترى غيرها، وبالتحديد الجيلي فش أو قناديل البحر، والتي تعد الآن من أخطر الكائنات البحرية التي لها انعكاسات في جوانب مختلفة منها الجانب البيئي، والصحي، والاقتصادي، والسياحي.

فهذه المشاهد المزعجة التي رواها هذا العالم بنفسه من خلال المقابلات والمقالات في وسائل الإعلام المختلفة في 28 سبتمبر من العام الجاري، من المفروض أن توقظ وتحرك دول العالم على المستوى الوطني والإقليمي والدولي لحماية ما تبقى من أمن هذه البحار، وصيانة ثرواتها الفطرية النباتية والحيوانية، وخاصة أن هناك دراسة ميدانية نشرها الصندوق العالمي للحياة الفطرية(World Wildlife Fund) في 20 سبتمبر من العام الجاري تحت عنوان: "تقرير كوكبنا الحي لعام 2014"، تؤكد كمياً ونوعياً مشاهدات هذا السباح والعالم البحري، حيث أفادت الدراسة على أن هناك الآلاف من الكائنات الفطرية البرية والبحرية التي فقدت أكثر من نصف أعدادها، وبالتحديد أشارت الدراسة إلى أن هناك 3038 نوعاً من الأحياء في البر والبحر انخفضت أعداها بنسبة 52% في الفترة من 1970 إلى 2010، أي خسرنا نصف كميتها خلال الأربعين سنة الماضية فقط. أما بالنسبة للبيئة البحرية فقد أفادت الدراسة أن الخسائر في أعداد الكائنات البحرية كالسلاحف والأسماك والطيور بلغت 39%.

وعلاوة على هذه الدراسة فقد نشرتْ سكرتارية اتفاقية التنوع الحيوي التابعة للأمم المتحدة التقرير الرابع حول حالة التنوع الحيوي على المستوى الدولي في السادس من أكتوبر تزامناً مع اجتماع التنوع الحيوي في كوريا الجنوبية، وأكد التقرير أن وضع الكائنات الحية البحرية والبرية في أزمةٍ خانقة حقيقة وأن على المجتمع الدولي التحرك سريعاً لعمل "تحالف دولي لإنقاذ الكائنات الحية"، على غرار "التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية"، فهل سنشهد هذا التحالف الدولي من أجل حماية البيئة والحياة الفطرية؟

في تقديري، لا أظن بأن هذا ممكن، فالبيئة ليست أولوية عند كل دول العالم بدون استثناء!   

الاثنين، 13 أكتوبر 2014

اشتعال مياه الشرب في المنازل!


المعروف علمياً وواقعياً أن المياه هي التي تُطفئ الحريق، وتُخْمد كل شيء يشتعل، أما أننا نقرأ عن مياهٍ تشتعل بنفسها، وتتحول إلى لهبٍ حارق، فهذا ما لم نسمعه في آبائنا الأولين!

 

ولكننا الآن في قرن الغرائب، فلا عجب أن نرى أمامنا المياه وهي يحترق، فقد شاهدتُ بأمي عيني واقعة تؤكد هذه الظاهرة، وهذه لم تكن ضرباً من السحر، أو خفة في الحركة، أو حيلة محكمة التنفيذ، فقد بَثَّ التلفزيون الأمريكي مؤخراً فيلماً وثائقياً يبين فيه هذه الواقعة في بعض المنازل في أمريكا، وأُطلق عليها بأرض الغاز(Gasland)، حيث يكشف الفيلم عدة مشاهد لأصحاب هذه المنازل وهم يفتحون حنيفة أو صنبور الماء في المنزل، فتخرج منها شعلة لهب كبيرة لا تنطفئ إلا بعد إغلاق الحنفية!

 

وأكدت على وجود هذه الظاهرة دراسة علمية منشورة في 15 سبتمبر من العام الجاري في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم، فقد أخذ الباحثون عيناتٍ من المياه من هذه المنازل لتحليلها ومعرفة مكوناتها، وتأكد بعد التحليل المخبري أنها مشبعة بنسبٍ عاليةٍ من غاز الميثان القابل للاشتعال والذي يُعد المكون الرئيس للغاز الطبيعي.

 

ولكن اللغز الذي حيَّر هؤلاء العلماء هو من أين جاء هذا الغاز؟ وكيف اختلط بمياه الشرب في منازل المدينة؟

 

وبعد سنوات من الأبحاث الميدانية المعمقة التي تَتَبعت مسار الغاز وراقبت مصدره، تأكد أنه قد تسرب من باطن الأرض، وبالتحديد من آبار الغاز الطبيعي في المنطقة، فانتقل مع الوقت ودخل في طبقات المياه الجوفية التي تستخدم للشرب في تلك المنطقة، ومنها إلى المحطة الأخيرة وهي مياه الشرب في المنازل.

 

وهذه الظاهرة السحرية العجيبة المتمثلة في اشتعال المياه المنزلية لها تداعيات أخرى أكثر خطورة، وأشد وطأة على الناس، فهذا الغاز القابل للاشتعال يتسرب في بعض الأحيان من خلال أنابيب المجاري من خارج المنزل إلى الحمامات في داخل المنزل، فيبدأ في التراكم مع الوقت إلى أن يصل إلى درجة يصبح فيها قابلاً للانفجار، فيتحول إلى قنبلة موقوتة تنفجر في وجود أية شعلة أو مصدر للحرارة، وهذه الظاهرة تشبه ما نسمع عنه في بعض الأوقات عن انفجار مطبخٍ برمته بسبب تسرب هذا الغاز نفسه من الفرن المنزلي دون علم أصحاب المنزل.

 

ولذلك لا بد من أخذ الحذر والحيطة من غاز الميثان من خلال التعرف على كافة مصادره وتتبع تحركاته، سواء من آبار الغاز الطبيعي أو من مواقع دفن القمامة المنزلية، حتى نجنب أنفسنا وقوع مثل هذه الحوادث المؤلمة والقاتلة.