الجمعة، 28 نوفمبر 2014

دراسة حول "البيئة" في البرامج الانتخابية للمترشحين


أَجريتُ دراسة سريعة لمحتوى البرامج الانتخابية للمترشحين لمجلس النواب، من حيث تضمين البعد والهم البيئي في قائمة البرامج التي طرحها كل مترشح، فقد قُمتُ بجمع عينة عشوائية من البرامج الانتخابية لمائة مترشح من المحافظات الأربع، وهي العاصمة، والمحرق، والشمالية، والجنوبية.

وقد هَدفتْ هذه الدراسة البسيطة إلى الإجابة عن عدة أسئلة، كما يلي:
أولاً: كم مرة وردت كلمة "البيئة" في البرنامج الانتخابي لكل مترشح لمجلس النواب؟
ثانياً: ما هي القضايا البيئية المطروحة في البرنامج الانتخابي لكل مترشح لمجلس النواب؟ وهل هذه القضايا ذات أولوية ومرتبطة بالواقع المحلي؟
ثالثاً: هل هناك علاقة بين الاهتمام بالقضايا البيئية وبين المحافظات، وبخاصة المحافظات التي توجد بها مناطق صناعية ومصانع ثقيلة؟

وبعد إجراء تحليل المضمون للبرامج الانتخابية للمترشحين في عينة الدراسة، وصلتُ إلى النتائج التالية:
أولاً: ذُكرتْ كلمة "البيئة" 11 مرة فقط في كافة البرامج الانتخابية لمائة مترشح، حيث إن 90 مترشحاً لم يتطرقوا كلياً إلى قضية البيئة وشؤونها التي تخص كل إنسان يعيش على هذه الأرض الطيبة.
ثانياً: بالنسبة للمترشحين الذي تنالوا قضية البيئة في برامجهم الانتخابية، فلم يطرح معظمهم قضية بيئية محددة، وإنما ورد ذكر عبارة "حماية البيئة من التلوث"، أو "حماية السواحل"، أو غيرهما من العبارات العامة التي لم تُعرَّف مشكلة محددة ذات أولوية نعاني منها في المجتمع البحريني، كما إنهم لم يقدموا برنامجاً واضحاً وعملياً لمواجهة وعلاج أية قضية بيئية.
ثالثاً: لم أجد هناك علاقة بين المحافظات التي تعاني من مشكلة بيئية كوجود المناطق الصناعية والمصانع الثقيلة والملوثة للبيئة واهتمام المترشح بهذه المشكلة الموجودة في محافظته.

وانطلاقاً من هذه النتائج أستطيع أن أقول بأن البعد البيئي جاء ضعيفاً في البرامج الانتخابية، ولم يرق إلى المستوى المطلوب، ولم يتناسب مع أهمية وأولوية القضايا البيئية المتعلقة بشكلٍ مباشر بالصحة العامة. فالاهتمام بالجانب المعيشي والاقتصادي للمواطن نال حيزاً كبيراً من الاهتمام والرعاية من جميع المترشحين، وهذه قضية حيوية تعتبر من هموم الشعب البحريني اليومية ولا يختلف عليها أحد.

ولكن دعوني أطرح سؤالاً جوهرياً على الجميع وهو: ما فائدة "المال" إذا كانت البيئة ملوثة وتحيط بها السموم والملوثات من كل مكان؟ وما فائدة "المال" إذا كانت البيئة غير صحية وتُعرض الإنسان للأمراض المستعصية والمزمنة؟

فهذا "المال" الذي قد يحصل عليه الإنسان سيصرفه كله على علاج نفسه وأسرته من الأسقام والعلل التي تنزل عليه بسبب وجود الملوثات المسببة للأمراض في الهواء أو التربة أو ماء البحر.

فمن المفرض إذن أن تكون البرامج الانتخابية للمترشحين متوازنة ومتكاملة بحيث إنها لا تركز وتهتم كلياً بجانب واحد يحتاج إليه الإنسان، وهو الجانب الاقتصادي، وينسى كلياً هموم وشؤون الجوانب الأخرى التي لا تقل أهمية وأولوية بالنسبة للمواطن، ولا سيما الجانب البيئي الصحي.

ولا بد لي هنا لأبين وأدلل على أهمية الجانب البيئي أن أُلفت عناية كافة المترشحين إلى وثيقتين معتمدتين من الشعب، وهما الدستور وميثاق العمل الوطني. أما الدستور فقد قدَّم الفصل الثاني منه تحت عنوان "المقومات الأساسية للمجتمع" وبالتحديد المادة التاسعة ح أن "تأخذ الدولة التدابير اللازمة لصيانة البيئة والحفاظ على الحياة الفطرية"، وميثاق العمل الوطني أورد في الفصل الثالث، المادة الخامسة تحت عنوان: "البيئة والحياة الفطرية" ما يلي: "نظراً للضغط المتزايد على الموارد الطبيعية المحدودة فإن الدولة تسعى للاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والتنمية غير الضارة للبيئة وصحة المواطن...".

ولذلك أتمنى أن لا نتجاهل هموم البيئة، فصلاحها صلاح وتنمية للإنسان.

السبت، 22 نوفمبر 2014

مقابلة مع وزير قبل 32 عاماً حول خليج توبلي


بعد أن نشرتُ مقالاً في 11 نوفمبر من العام الجاري في صفحة "بيئتنا" في أخبار الخليج تحت عنوان "أزمة خليج توبلي الخالدة"، أَرسل لي أحد الأخوة الفضلاء والمهتمين بخليج توبلي والمراقبين للتطورات التي يشهدها هذا الخليج الحزين، مقابلة صحفية أجراها الأستاذ الفاضل حافظ إمام رحمه الله مع أحد الوزراء المعنيين بخليج توبلي، ونُشرتْ في صحيفة "الأضواء" يوم السبت الموافق 30 يناير 1982، أي قبل قرابة 32 عاماً.

 

وهذه المقابلة ناقشت محوراً واحداً فقط هو مستقبل خليج توبلي وبرامج التطوير والتأهيل المقترحة لهذا الخليج، حيث بَيَّن سعادة الوزير أولاً المخاطر التي تحيط بهذه البقعة المائية من حيث التعدي على حدوده الشاطئية والذي أدى إلى ظهور آثار سلبية على تكوينه الطبيعي الجميل وعلى مستقبل هذا المسطح المائي المميز، كما أضاف منبهاً إلى التدهور الكبير الذي نزل على بساتين النخيل في جزيرة النبيه صالح. ثم تطرقت المقابلة إلى مستقبل الخليج والدراسة الواقعية المتكاملة التي أعدتها الوزارة المعنية والتي هدفت إلى تحويل خليج توبلي إلى مركز ترفيهي حضاري في إطار طبيعي من خلال إقامة العديد من المرافق، منها أماكن مفتوحة، ومتنزهات عامة، ومبنى للأحياء المائية، وقبة سماوية، ومسرح في الهواء الطلق، إضافة إلى أنشطة مختلفة أخرى تتناسب مع كافة الفئات العمرية مثل التزحلق على الماء والقوارب الصغيرة، وإنشاء مطاعم ومقاهي على السواحل.

 

وهذا هو الجانب الإيجابي المشرق الأول بالنسبة لخليج توبلي، من حيث إجراء الدراسات والتصورات الأولية المتعلقة بتطويره وتأهيله، وهي موجودة في الوزارة وفي متناول يد الجميع، والجانب المشرق الثاني فهو متعلق بسن التشريعات اللازمة لحمايته والمحافظة عليه من أيدي البشر المتعدية على حرماته، فهناك أولاً المرسوم بقانون رقم (53) لسنة 2006 باعتبار خليج توبلي منطقة محمية طبيعية، والصادر في الخامس من أغسطس 2006، حيث جاء في المادة الأولى أنه يعتبر خليج توبلي محمية طبيعية من الفئة الثانية، أو متنزه وطني، وجاء في مادة ثانية أن مساحة الخليج يجب أن لا تقل عن 13.5 كيلومتر مربع.

 

وانطلاقاً من هذا المرسوم صدر قرار وزير شئون البلديات والتخطيط العمراني رقم (70) لسنة 2011 بشأن تحديد خط الدفان في خليج توبلي والصادر بتاريخ 12 يونيو 2011، حيث حدد مساحة الخليج بـ 15.91 كيلومتر مربع، أي أن هذا القرار ظهر إلى الوجود بعد أكثر من خمس سنوات من المرسوم!

 

والآن نجد أنفسنا أمام قضيةٍ بيئيةٍ وطنية ملحة ومكتملة الأركان من حيث تحديد ووضع الحلول المناسبة لعلاجها، فالرؤى موجودة وموثقة، والقوانين والقرارات اللازمة لأعمال التطوير والإنشاء أيضاً موجودة ومعروفة للجميع، فماذا ننتظر بعد هذا كله لتفعيل التصورات والمقترحات وتنفيذ المراسيم والقرارات؟ 

 

في تقديري الشخصي فإن هناك عدة عوامل قد تقف حجر عثرة أمام استقرار خليج توبلي بشكلٍ دائم، وتعرقل أو تبطئ من تنفيذ القوانين والتصورات التي أَشرتُ إليها، وهي كما يلي:

أولاً: هناك حاجة لإصدار وثيقة رسمية هي "وثيقة أرض محمية خليج توبلي" استناداً على شهادة مسح معتمدة تبين على أرض الواقع كل نقطة من حدود هذه المحمية.

ثانياً: حل مشكلة الأراضي التي يمتلكها بعض المواطنين في خليج توبلي.

ثالثاً: تخصيص الموارد المالية اللازمة لتطوير وإعادة تأهيل الخليج من جميع النواحي.         

 

 

الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

الصين تُراقب أجهزة السفارة الأمريكية


صراعٌ خفي يدور بين السلطات الصينية وبين السفارة والقنصليات الأمريكية في الصين، وبالتحديد في العاصمة بكين، فقد بدأ المشهد الأول لهذه المواجهة الساخنة في عام 2008 عندما وضعت السفارة الأمريكية فوق سطح مبنى السفارة أجهزة خاصة تهدف إلى قياس تلوث الهواء والتعرف على جودة الهواء الجوي في كل يوم، ثم نشر هذه المعلومات إلى جميع المهتمين بنوعية الهواء ومدى توافقها مع المعايير والمواصفات الخاصة بتركيز الملوثات.

 

ومنذ ذلك الوقت والصين تمسك تحفظها على وجود هذا الجهاز الأمريكي، وتلتزم بالصمت والهدوء وضبط النفس، وغض النظر عنه وعن المعلومات التي تنشرها في الصين، ثم يبدأ المشهد الثاني من الصراع، حيث ولجنا في مرحلةٍ ثانية أبدت فيها السلطات الصينية اعتراضها ولكن بشكلٍ صامت ودبلوماسي لم يُحدث أي خللٍ في العلاقات الثنائية، ولم يحدث أي ضجةٍ إعلامية. ولكن هذا الصراع دخل مرحلة المواجهة الكلامية بعد أن تبين للحكومة الصينية أن هذه القراءات المنشورة على "التويتر" والهواتف النقالة ووسائل الاتصال الجماعية الأخرى عن وضع وحال الهواء غير الصحي للإنسان تفضح الصين، وتُبين سوءتها البيئية، وتكشف عورتها أمام شعبها ودول العالم أجمع من خلال متابعة أكثر من 50 ألف صيني للنتائج التي تنشرها السفارة الأمريكية، فعند ذلك اضطرت الحكومة الصينية إلى أن تُبدي انزعاجها واستيائها وتقديمها احتجاجاً رسمياً ضد السفارة الأمريكية.

 

وجاء هذه الاحتجاج والإنذار الحكومي من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده وو زياكنج(Wu Xiaoqing) نائب وزير البيئة الصيني في 5 يونيو 2012، حيث دعا السفارات الأجنبية إلى التوقف فوراً عن نشر المعلومات والتقارير الخاصة بجودة الهواء الجوي في المدن الصينية، وأكد على أن الحكومة الصينية فقط هي التي لديها الصلاحيات لمراقبة الوضع البيئي لعناصر البيئة الحية وغير هي الحية، وهي فقط المسئولة عن نشر أية معلومات عن صحة وسلامة البيئة ومكوناتها في الصين. ولكن الحكومة الأمريكية لم تقف متفرجة على هذه التهديد الصيني وجاء الرد سريعاً، ففي اليوم التالي، وبالتحديد في 6 يونيو 2012، قال المتحدث والناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية مارك تونر(Mark Toner): “إن السفارة الأمريكية في الصين لن تتوقف عن نشر المعلومات المتعلقة بجودة الهواء في المدن الصينية، وليست لديها مانع من قيام الحكومة الصينية بنشر المعلومات عن جودة الهواء في المدن الأمريكية”.

 

ثم استدل الستار على هذا المشهد وتوقفت المناوشات الكلامية بين البلدين في نهاية يونيو 2012، ولكنها خَرجتْ مرة ثانية إلى السطح أثناء انعقاد منتدى التعاون الاقتصادي الآسيوي ودول الباسيفيك أو قمة الأبيك الذي عقد في منتصف نوفمبر من العام الجاري، حيث حاولت الصين تحسين سمعتها البيئية من خلال اتخاذ إجراءات رادعة وحازمة لخفض تركيز الملوثات في الهواء الجوي ومنع أية جهة من نشر أية معلومات متعلقة بتركيز الملوثات في الهواء الجوي، حيث أمرت السلطات الصينية السفارة الأمريكية من خلال مذكرة رسمية بمسح المعلومات التي تقرأها الأجهزة عن نوعية الهواء، وعدم السماح لها بنشرها أمام الملأ، إضافة إلى منع وضعها في صفحة وزارة الخارجية الأمريكية على الإنترنت.

 

وبالرغم من كل هذه الإجراءات إلا أن التلوث لم ينقشع أثناء زيارة الزعماء ووفود الدول، مما أحرج الصين وألزمها إلى الاعتراف رسمياً بواقعية تلوث الهواء وتدهور نوعيتها عن طريق أعلى سلطة هي الرئيس الصيني، حيث قال في كلمته أثناء حفل العشاء الذي أقيم على شرف الزعماء والوفود المشاركة:" في هذه الأيام أول شيءٍ أَقُوم به عندما استيقظ هو التأكد من جودة الهواء، وكلي أمل أن لا يكون الضباب الملوث كثيفاً حتى يرتاح ضيوفنا الكرام أثناء وجودهم هنا....كما إنني آمل أن أرى كل يوم سماءً زرقاء، وجبال خضراء، وأنهار صافية في جميع أنحاء الصين".  

 

فحري بنا نحن في البحرين أن نقف ملياً أمام هذه التجربة الصينية الثرية بالعبر والمواعظ، وأن لا نكرر الأخطاء التي وقعوا فيها واعترفوا بها رسمياً، وكلها تنصب في أن التنمية يجب أن تأخذ في الاعتبار حماية البيئة وثرواتها الحية وغير الحية، وإلا ستكون فساداً ودماراً على المدى البعيد أكثر من أن تكون بناءً وإعمارا. 

  

الاثنين، 17 نوفمبر 2014

مُنْتج مُسرطن يلعب به أطفالنا


عندما رأيتُ هذا المنتج في البحرين، وشاهدتُ أمام عيني الأطفال والصغار والكبار يلعبون بهذا المنتج المشبوه صحياً وبيئياً، ويصنعون منه المنتجات الترفيهية والجمالية الأخرى التي توضع في الأصابع واليدين والرقبة والرأس والصدر، اضطررت إلى الكتابة عنه وتنبيه الجميع من المواطنين والمسؤولين إلى الاستعجال في سحبه من الأسواق ومنع اللعب به.

 

ولست الوحيد الذي يدعو إلى تحريم تداول هذه المنتج، فقد قامت الشركة نفسها التي كانت تبيعه في محلاتها إلى سحبه فوراً من جميع فروعها، حيث أعلنت سلسلة محلات الإنترتينر(The Entertainer) التي لها أكثر من 92 فرعاً متخصصاً في بيع ألعاب الأطفال في تصريحٍ مكتوبٍ قائلة:" :"نحن في شركة إنترتينر نضع سلامة الأطفال على رأس قائمة أولوياتنا، ولذلك كإجراءٍ احترازي، قُمنا بسحب هذا المنتج من جميع فروعنا....وسنقوم بتعويض زبائننا أو استبدالهم ببضاعةٍ أخرى".

 

وقد جاء هذا التحذير من هذا المنتج البلاستيكي الملون بألوان زاهية وجميلة وجذابة والذي يُباع على هيئة أشكال متعددة منها حبال بلاستيكية تلبس كأساور في اليد، من محطة الـ بي بي سي في بريطانيا، والتي أجرت تحليلاً لهذا المنتج عن طريق مختبر مستقل اسمه مكتب الفحص في بيرمنجهام(Birmingham Assay Office)، حيث كشف عن وجود نوعين من مركبات الباثاليت (phthalates) المحظورة بسبب تصنيفها كملوثات مسرطنة وبنسبٍ مرتفعة تراوحت بين 1% إلى 50%، وتفوق الحد المسموح به من قبل الاتحاد الأوروبي وهو 0.1% بالوزن في ألعاب ومستلزمات الأطفال.

 

ومركبات الباثاليت تُعتبر مجموعة من الملوثات الكيماوية التي تضاف إلى المواد البلاستيكية لزيادة مرونتها وليونتها وسهولة تشكيلها والتعامل معها لصناعة منتجاتٍ عملية يستفيد منها الناس في حياتهم اليومية، وهذه المضافات التي يُطلق عليها البلاستيسايزر(plasticizers)  موجودة في منتجات كثيرة نستعملها بشكلٍ يومي مثل السجاد، وكراسي السيارات، ومواد التجميل، وبعض الأدوية، وألعاب الأطفال، علماً بأن سبعة مركبات منها تم منعها حسب قوانين الاتحاد الأوروبي لأنها مسرطنة وتحوم حولها الشبهات.

ولذلك تأتي خطورة هذه المركبات في أنها تدخل في الأوساط البيئية بعد استعمالها مع الزمن ثم أخيراً إلى الإنسان، كما إنها بالتحديد تُشكل خطورة على الأطفال لأنهم يضعون الألعاب في الفم ويمتصونها فتدخل هذه السموم في أجسامهم.

 

وانطلاقاً مما سبق وأخذاً بمبدأ "الوقاية خير من العلاج" فإنني أتمنى من الجهات المعنية سحب هذا المنتج من الأسواق حفاظاً على صحة فلذات أكبادنا، وحماية لبيئتنا.

 

الجمعة، 14 نوفمبر 2014

الضحية الصامتة للحروب



ترددتُ في الكتابة حول هذا الموضوع والمتعلق بالأهوال والدمار والإهمال الشديد الذي تتعرض له البيئة وكافة ثرواتها ومواردها الحية وغير الحية عند وقوع الحروب والنزاعات المسلحة وأعمال الشغب والعنف، فالإنسان هو الأولى والأهم أن نتحدث عنه في مثل هذه الظروف المؤسفة، فنكتب بإسهاب عن القتل والتشريد والإصابات المزمنة التي يقاسي منها.

ولكن في المقابل هناك الكثيرين الذي يلقون الضوء على معاناة البشر والمحن المؤلمة التي تنزل عليهم في كل يومٍ تستمر فيه هذه الحروب، فوجدتُ نفسي مضطراً إلى التطرق إلى جانبٍ آخر للحروب، وضحية لا يتحدث عنها الكثير من الكتاب وهي البيئة وقضاياها المتعلقة بالنزاعات المسلحة، فالبيئة هي الضحية الصامتة للعنف والحروب وهي عادةً لا تستطيع التعبير عن نفسها، أو الكتابة عن همومها ومشكلاتها، أو رفع الصوت لإسماع البشرية عن معاناتها وآلامها وخسائرها اليومية، فكان لا بد مني أن أرفع صوت البيئة عالياً ليسمعه الجميع، وأدافع عن حقوقها نيابة عنها، فأُنبه إلى الفساد الشامل الذي يلحق بالماء، والهواء، والتربة، والشجر، والحَجَر، والكائنات الفطرية التي تعيش في مثل هذه البيئات في البر والبحر وفي أعالي السماء، وأؤكد على التدمير الممنهج والمتعمد الذي يلحق بالبنية التحتية لكافة عناصر البيئة، فالبيئة ومكوناتها الطبيعية هي أساس حياة الإنسان والضمانة الأولى لاستمرارية وجوده على سطح الأرض واستدامة أنشطته التنموية.

وقد جاءت قبل أيام، وبالتحديد في السادس من نوفمبر في يوم الأمم المتحدة العالمي لمنع استغلال البيئة في الحروب والنزاعات المسلحة، نداءات خجولة وبصوتٍ منخفض وفاتر لم يسمعه أحد، ولم يهتم بها الكثير من وسائل الإعلام في الغرب والشرق، فذهب ذلك اليوم وكأنه لم يك شيئاً، وكأن البيئة والدمار الذي يقع عليها لا أهمية لها، ولا دور لها في حياة الإنسان ورسم مستقبلٍ زاهر له وللأجيال اللاحقة. 

فكل ما قامت به الأمم المتحدة في ذلك اليوم، الذي لم يسمع عنه أحد، هو نشر إعلانٍ رسمي لا روح له ولا حيوية فيه ولا قيمة فعلية وواقعية له باسم بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، وجاء فيه:"كانت البيئة منذ زَمَن الضحية الصامتة للحرب والنزاع المسلح، من حيث تسمم التربة، وتدمير الغابات ونهب مواردها الطبيعية، وانهيار أنظمة الإدارة، فالانعكاسات البيئية للحرب تكون عادةً مدمرة وعلى نطاقٍ واسع...وفي هذا اليوم العالمي، دعونا نجدد تأكيدنا على التزامنا لحماية البيئة من تأثيرات الحروب، ونمنع نزاعات مستقبلية على الموارد الطبيعية".

فالحروب وأعمال العنف، كما هي تهلك الإنسان وتقضي على حياته، فهي في الوقت نفسه تدمر كل ما بناه الإنسان وعمَّره خلال سنوات طويلة، وهي أيضاً تفسد كل ما يعيش عليه البشر وتستقيم وتستديم حياتهم عليه، من مسطحات مائية، وهواء، وتربة، وحياة فطرية، وغابات مثمرة ومنتجة، ويكفي أن أذكركم فقط بحرق الآبار النفطية في الكويت أثناء حرب الخليج عام 1991 التي سممت الهواء الجوي على مساحاتٍ جغرافية واسعة بلغت جبال الهيمالايا، وأفسدت التربة، وكونت المئات من البحيرات النفطية التي ما زالت موجودة حتى الآن وتحكي قصة تأثير الحروب على صحة الإنسان وبيئته، كما يكفي أن أذكركم  بالصواريخ والقذائف الأمريكية التي بلغت أوزانها نحو 340 طناً من اليورانيوم المستنفد، مما أدى إلى انبعاث ملوثات مشعة قاتلة سممت التربة والمياه السطحية، ولوثت المياه الجوفية، وحولت مكونات البيئة برمتها إلى مواد مسرطنة سببت في ارتفاع أعداد المصابين بالسرطان والأمراض المزمنة وولادة أطفالٍ معوقين ومشوهين خَلْقياً.

فالحروب إذن تقتل الإنسان بشكلٍ مباشر، كما هي تقتل الإنسان بشكلٍ غير مباشر بعد فترةٍ من الزمن نتيجة للتلوث الذي يتعرض له، فلندعوا جميعاً إلى توقف هذه الحروب وأعمال العنف في كل مكان حتى نسلم وتسلم بيئتنا، ونحقق الأمن والأمان لنا ولبيئتنا.

الاثنين، 10 نوفمبر 2014

أزمة خليج توبلي الخالدة!


منذ منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم، أي منذ أكثر من 25 عاماً، وأنا أُدافع عن خليج توبلي، وأُحذر من احتمال انكماش مساحته وانقراضه مع الوقت، وكنت دائماً أكتب وأقول بأن حل مشكلة خليج توبلي، وحل أية مشكلة بشكلٍ عام، يجب أن يرجع إلى أعماق أسباب وجذور وقوع المشكلة، فلن يكون أي حلٍ ناجعاً ومستداماً إلا إذا سبرنا غور هذه الأسباب وتعرفنا عليها عن كثب، ثم نفذنا الحلول بكل جدية وصرامة.

 

ومن خلال تحليلي لأسباب المشكلة خلال ربع قرن، تيقنت بأن المشكلة الأساسية تكمن في عملية دفن البحر بشكلٍ مستمر خلال العقود الماضية، بحيث أن الخليج فَقَدَ وخسر حتى يومنا هذا أكثر من نحو 70% من مساحته الأصلية، وبالتالي فإن علاج أزمة خليج توبلي تتمثل أولاً في إيجاد الحلول المناسبة والمـُرضية للذين يمتلكون الأراضي في الخليج لمنعهم من المطالبة في دفنها، وذلك إما من خلال تعويضهم بأراضي أخرى، وإما بتعويضهم مالياً عن الأراضي التي يمتلكونها، وبدون هذا الحل الجذري ستستمر الأزمة معلقة، وستنكشف المشكلة من جديد عاجلاً أم آجلاً، وسيعيش الخليج في حالة من عدم الاستقرار، وسيكون أمنه وبقاؤه في تهديدٍ وخطرٍ مستمرين.

 

أما المشكلات الأخرى التي يعاني منها الخليج فهي سهلة الحل وليست معقدة أو مُكلفة اقتصادية، فمنها صرف مياه المجاري شبه المعالجة أو غير المعالجة في بعض الأحيان إلى جسم الخليج، مما يؤدي إلى تدهور صحة المياه ونوعيتها، ومع الوقت ينجم عنها انكشاف ظاهرة المد الأحمر أو الأخضر ونفوق الأسماك، وبخاصة في أشهر الصيف الحارة.

 

ومنها أيضاً مياه الصرف الناجمة عن مصانع غسيل الرمال والمصانع الأخرى الصغيرة المتناثرة والمنتشرة على سواحل الخليج، وهذه المشكلة يمكن علاجها بتحسين نوعية المياه التي تصرف إلى الخليج، أو العمل على تدويرها وإعادة استعمالها.

 

كذلك من المشكلات التي تضر بصحة الخليج هي المخلفات الصلبة من القمامة وغيرها التي تلقى على السواحل فتنتقل مع الوقت إما إلى عمق الخليج في الطبقات السفلى وإما أن تطفو فوق سطح الماء فتؤثر على الكائنات البحرية، وتشوه المنظر الجمالي للخليج.

 

 

الأحد، 9 نوفمبر 2014

استفتاءٌ شعبي على الأكياس البلاستيكية!






حاكم ولاية كاليفورنيا جيري براون(Jerry Brown) بالتوقيع ولأول مرة على قانون جديد هو القانون رقم (270)في الأول من أكتوبر من العام الجاري. ويتلخص هذا القانون في منع استخدام الأكياس البلاستيكية، وبالتحديد الأكياس البلاستيكية غير المرتجعة، أي التي تستخدم مرة واحدة ثم ترمى في سلات القمامة، وقد شمل هذا التشريع الجديد نحو 127 بلدية في ولاية كاليفورنيا، بحيث يبدأ تنفيذه في يناير 2017




التحالف التقدمي الأمريكي للأكياس(American Progressive Bag Alliance)، والذي هو بمثابة الجمعية التي تُمثل كافة منتجي الأكياس البلاستيكية،فأعلنوا رغبتهم في عمل استفتاء في نوفمبر عام 2016 حول الأكياس البلاستيكية، وذلك تزامناً مع عملية الاقتراع للانتخابات العامة التي ستُجرى في الولاية، حتى يكسبوا الوقت للتصدي لهذا القانون وإلغائه إذا أمكن، وعلى الفور شرعوا في جمع التواقيع اللازمة، وهي نحو نصف مليون توقيع من المواطنين للحصول على الموافقة الرسمية لعمل الاستفتاء الشعبي.

 

فقضية "الأكياس البلاستيكية" ومقارنتها بالأكياس الورقية مختلف عليها حتى بين دعاة البيئة، وخاصة إذا أخذنا في الاعتبار كيفية صناعة كل منهما والانعكاسات البيئية التي تنجم عند صناعة هذين النوعين من الأكياس في جميع مراحلهما، بدءاً بمرحلة استخراج وإنتاج المادة الخام، ثم مرحلة التنقية، ثم مرحلة التصنيع والإنتاج، ثم مرحلة النقل والاستعمال، وأخيراً مرحلة إعادة الاستعمال والتخلص النهائي منها، أي كما يقال له علمياً بدراسة المـُـنتجين، أو النوعين من الأكياس من "المهد إلى اللحد"، أو تقييم دورة الحياة النوعين من الأكياس(Life Cycle Assessment)، وهي دراسة تأثير المنتج من المهد إلى اللحد في جميع مراحل حياته، بدءاً باستخلاصه وإنتاجه ونقله وتسويقه واستخدامه والتخلص منه.

 

فهذا المثال يؤكد لنا أن القضايا البيئية عادةً ما تكون معقدة ومتشابكة ومتداخلة مع قضايا أخرى، كالجانب الاقتصادي والاجتماعي، ولذلك فالقرار في هذا المجال يجب أن يكون حكيماً وتوافقياً ومتزناً، ويجب دراسته بتأني وبأسلوبٍ علميٍ معمقٍ وشامل، بحيث يأخذ في الاعتبار كافة التأثيرات والتداعيات التي قد تنجم عنه، ثم يحاول تجنبها ومنعها، أو في الأقل تخفيف تأثيراتها على القطاعات التي قد تتضرر نتيجة لتنفيذ القرار أو التشريع البيئي.