الخميس، 29 أكتوبر 2015

الهِجرة القادمة



لا تخفى على أحد الهجرة الجماعية للسوريين والعراقيين وغيرهما إلى الدول الأوربية والشرقية هرباً من الظُلم والظَلمة وبطش الطغاة، وفِراراً من القتل المنتظر والموت المحتوم، فالصور الحية المأساوية التي تحَرق القلب ألماً والنفس رعباً وفزعاً وحسرة، تَنْقُلها جميع وسائل الإعلام الغربية والشرقية وشاهدها كل إنسان يعيش فوق سطح الأرض.

ولكن الموجة القادمة والسيل الجديد من المهاجرين في المستقبل القريب لن تكون فقط من سوريا والعراق، ولن تكون لأسبابٍ أمنية وسياسية بحتة خوفاً على حياتهم من المستبدين، أو عوامل اقتصادية طلباً لحياةٍ أفضل ووضعٍ مالي أوفر وأحسن، ولكن  التيار الأوسع نطاقاً والأكثر شدة وتدفقاً من المهاجرين سيكون نتيجة لتدهور الوضع البيئي في الكثير من دول العالم وارتفاع تركيز بعض الملوثات في الهواء الجوي، وبخاصة ثاني أكسيد الكربون، وتداعياته المزمنة على المناخ على المستويين الإقليمي والدولي، وانكشاف ظاهرة جديدة تتمثل في ارتفاع درجة حرارة الأرض والتغير المناخي المشهود لكوكب الأرض.

فالعوامل البيئية بشكلٍ عام أصبحت الآن تفرض نفسها على الساحة الدولية منذ أكثر من قرن، وانعكاساتها عبرت الحدود الجغرافية المصطنعة والضيقة بين الدول، وتحولت إلى مشكلات عالمية تهم كل مواطن يعيش على وجه الأرض، وتتضرر منها كل دول العالم بدون استثناء، كما أن تداعياتها تغيرت من بيئية وصحية واقتصادية إلى الجوانب المناخية المتعلقة بالحياة اليومية لكل إنسان.

فعندما ترتفع درجة حرارة الأرض نتيجة لتلوث الهواء، يتسبب هذا في وقوع الكثير من المظاهر والمشكلات منها ارتفاع درجة حرارة مياه البحار والمحيطات وتمددها مع الوقت، مما يؤدي إلى حدوث الفيضانات وتيار المد العاتية والأمواج العالية وغيرها من الظواهر المناخية الحادة والكارثية التي تهلك وتدمر القرى والمدن الساحلية وتغرق الجزر الصغيرة، وتُزيل كل شيءٍ يقف أمامها وفي طريقها، وتُشرد السكان من منازلهم وقراهم فتجعلهم نازحين في ملاجئ ومساكن مؤقتة في دولهم، أو مهاجرين إلى دولٍ أخرى مجاورة بحثاً عن السلامة من شُرور وأضرار هذه التقلبات والتغيرات المفاجئة في الطقس.

وأثناء كتابتي لهذه السطور وقبل أن يجف حِبْر قلمي، جاء واقعياً وفي الميدان الحَدَثْ الذي يُسند ويثبت ما ذكرته الآن، فقد تناقلت وسائل الإعلام خبراً خلاصته بأن اعصاراً شديداً وقاسياً هَزَّ شمال الفلبين وبالتحديد مدينة كاسيجوران(Casiguran) في العشرين منأكتوبر من العام الجاري، وأُطلق عليه "إعصار كوبو "، حيث ضرب هذا الإعصار هذه المدينة والقرى من حولها فجاء بريحٍ صرصرٍ عاتية بسرعة نحو 210 كيلومترات في الساعة، وحمل معه الأمطار الغزيرة والقوية، مما أدى إلى تكسر أغصان الأشجار واقتلاعها من جذورها، وقطع الأسلاك الكهربائية وتوقف الطاقة الكهربائية كلياً من المدينة، إضافة إلى هدم الجسور والمنازل، وقتل العشرات من السكان، وترك مئات الآلاف من المواطنين لمنازلهم وقراهم الساحلية والفرار نحو مناطق مرتفعة وآمنة تحميهم من هذا التغير المناخي الحاد، فأصبحوا الآن "لاجئو المناخ" أو "اللاجئون البيئيون"، فلا أحد يعرف مصيرهم وحتى متى سيبقون لاجئين بدون منزلٍ أو مسكن.

ولا أدعي هنا بأن التغير المناخي الناجم عن تلوث الهواء الجوي هو السبب الوحيد الذي أدى إلى نزول هذه الأعاصير والفيضانات والظواهر المناخية المميتة الأخرى في الفلبين وغيرها من دول العالم ونجم عنها هذا السيل العرم والمد المتواصل من المهاجرين البيئيين، فهناك أسباب طبيعية دورية مناخية تقع على الكرة الأرضية بشكلٍ عام وتحدث أضراراً كبيرة على البشر والحجر.

فالحقيقة العلمية الدامغة والتي يُجمع عليها كل العلماء وتؤيدها حكومات دول العالم حالياً هي أن أنشطة البشر المطردة وأعماله التنموية المتزايدة منذ أكثر من قرنين، وبخاصة في الدول الغربية والدول الصناعية الكبرى الأخرى، وما صاحبها من انبعاثٍ شديدٍ لملايين الأطنان من الملوثات إلى الهواء الجوي، وبخاصة ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرهما، هي التي أسهمت بدرجةٍ ما في تفاقم الأوضاع المناخية للكرة الأرضية وانكشاف ظواهر محددة أدت إلى الكوارث البشرية والهجرة الجماعية لأسباب بيئية. 

الثلاثاء، 20 أكتوبر 2015

فيلم هوليود حول جريمة فولكس واجن


الكثير من الناس لم يستوعبوا حتى الآن الجريمة النكراء التي ارتكبتها الأيدي الآثمة لشركة فولكس واجن، ولم يدركوا بَعْد حجم الضرر البيئي والصحي الذي لحق بالهواء الجوي وأصاب ملايين البشر في كل أنحاء العالم بدون استثناء.

 

وسأَقُوم هنا بتبسيط هذه الفضيحة الكبرى وبيان ملابساتها وانعكاساتها حتى يقتنع كل إنسان بما تفعله هذه الشركات العملاقة من ممارسات وأعمال يومية مُنافية للأخلاق والقيم المبادئ العامة التي أَجْمعت عليها الإنسانية في كل أنحاء العالم ودون أن يرقبوا في أحدٍ إلاًّ ولا ذِمَّة.

 

فلو سَمعتُم أو قرأتم عن إنسانٍ أو مصنع قام عمداً بإلقاء مواد كيميائية سامة في ماء البحر وأدت إلى قتل الأسماك والكائنات البحرية الأخرى، ثم الإنسان الذي يستهلك هذه الأحياء، فبِم ستصفون هذا الإنسان أو المصنع؟

 

ولو رَأيتم إنساناً أو مصنعاً يسمح بالملوثات المـُـسرطنة بالانطلاق إلى الهواء الجوي الذي تستنشقه كل ثانية لتعيش، وهذا الإنسان على اطلاعٍ تام وعلمٍ كامل بخطورة هذه الملوثات وتركيزها والأحجام التي يُطلقها في كل ساعة، فكيف تصفون هذا العمل؟ وماذا نطلق على هذا النوع من البشر؟

 

ولو شاهدتم وعلمتم عن شركة تبيع منتجات أو بضائع مغشوشة ومزيفة ومضللة للناس والحكومات لسنواتٍ طويلة، وهي على علمٍ يقيني، ومعرفة تامة بتفاصيل ودقائق الغش والزيف الموجود في منتجاتها، فماذا سيكون رأيكم عن هذه الشركة والقائمين عليها؟

 

ولو علمت عن شركة كذبت على الناس لعدة سنوات عندما ادَعَتْ بأنها تبيع منتجات نظيفة وصديقة للبيئة، وموافقة للمواصفات البيئية، ومتطابقة مع المعايير الخاصة بتلوث الهواء، فبم تصف هذه الشركة؟

 

فشركة فولكس واجن قامت فعلياً وعلى أرض الواقع بكل هذه التصرفات المشينة لأكثر من ست سنوات، وباعت على كل دول العالم قرابة 11 مليون سيارة ديزل تنطبق عليها كل الأفعال السيئة وغير المسئولة التي ذكرتها آنفاً، حيث إنها وبكل بساطة أرادت أن تكتسح سوق السيارات التي تعمل بالديزل، وتحقق السبق الدولي في تقديم سيارات منخفضة الإنبعاثات وتوافق عليها دول العالم وتباركها منظمات الأمم المتحدة المعنية بالتلوث، فقامت عمداً بتصميم وكتابة برنامج خاص للكمبيوتر يُوضع في السيارات فيَكْذب عند قياس تركيز الملوثات التي تخرج من عادم السيارة، ويعطي قراءات مضللة ومزيفة عن نسبة انبعاث الملوثات السامة والخطرة، واستطاعت عن طريق هذا البرنامج إقناع الدول بأن هذه السيارات صديقة للبيئة ولا تنبعث منها أحجام مرتفعة من الملوثات، ونجحت لفترةٍ من الزمن في بيع هذه الأعداد الهائلة من السيارات وحققت أموالاً طائلة وأرباح خيالية بلغت المليارات من الدولارات، ولكن الصدف كشفت كذب هذه الإدعاءات وزيف المعلومات التي قدمتها.

 

والآن نظراً لهول هذه الفضيحة على كافة المستويات وتأثيرها على كل دول العالم بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، فقد قررت هوليود في 13 أكتوبر من العام الجاري الدخول في هذه القضية وكشف أسرارها وفضحها أمام العالم، حيث أعلن الممثل المعروف ليوناردو ديكابريو بطل فيلم "تايتانيك" وشركة بارامونت لصناعة الأفلام أنهما سينتجان فيلماً مستخلصاً من كتاب سيصدر قريباً من تأليف جاك إيونج حول هذه الفضيحة العظيمة التي هزت شركة فوكسواجن نفسها، وهددت مصداقية صناعة السيارات في ألمانيا برمتها، وألحقت ضرراً فورياً بالاقتصاد الألماني.

 

فكل ما حققتها الشركة من أموال لا حصر لها خلال السنوات الماضية قد تذهب مع الريح هباءً منثوراً بسبب القضايا التي رُفعت ضدها في الكثير من دول العالم، فالرزق الحلال المـَـبْني على الصدق هو الذي يبقي ويستديم ويبارك الله فيه، والذي بُني على قاعدة الحرام والجشع والكسب بطرق غير شرعية فلا حياة له في الدَارَين، الدنيا والآخر.

 

الاثنين، 19 أكتوبر 2015

وَصْفة دواءْ جديدة


لا تستغرب الآن إذا ذهبتَ إلى الطبيب يوماً ما تشتكي عنده من مرضٍ أو علةٍ جسدية ونفسية وأعطاك وصفة جديدة ودواءً غير الأدوية المعروفة ومكتوب فيها "وصفة المتنزهات"( park prescription)، أي أن الطبيب يقول لك بصراحة بأن دواءك وعلاجك من هذا المرض الذي تعاني منه يكمن في شَدِّ الرحال فوراً إلى متنزهٍ عام، أو أية حديقة بالقرب من منزلك، أو منطقة طبيعية هادئة ومريحة تجلس فيها تحت ظل شجرة، وتطرب أُذنيك بسماع تغاريد الطيور، وتكحل عينيك بمناظر النخيل والأشجار ومختلف أنواع النباتات الخضراء، وتمشي بعضاً من الوقت في هذه الأجواء الساكنة والوادعة، وتعيش قليلاً بعيداً عن الضجيج والإزعاج والأصوات العالية المـُنفرة والمرضية.

 

وقد جاءت هذه الوصفة الغريبة والحديثة بسبب ظهور حالةٍ مرضية واضطرابٍ صحي في الدول الغربية خاصة وفي الولايات المتحدة الأمريكية عامة أُطلق عليها "مرض نقصان الطبيعة"( nature deficit disorder)، وهذه الحالة صاحبت الثقافة العصرية التي نقع جميعاً تحت وطأتها ونتصرف حسب متطلباتها، وبالتحديد من ناحية استخدام وسائل التقنية الحديثة وأدوات الاتصال والتواصل الاجتماعية التي لا تُفارقنا في أية لحظة وأينما نكون، فهي معنا وتحت أيدينا، وبخاصة الهاتف النقال الذكي الذي يحمل في بطنه آلاف البرامج الترفيهية والألعاب المسلية التي لا تُعد ولا تحصى، إضافة إلى برامج التواصل من "واتس أب"، و"انستجرام" وغيرهما، وكل هذه الوسائل والأدوات والأجهزة أدخلت أطفالنا وشبابنا، بل وشيوخنا إلى حدٍ سواء في قوقعتها، وأصبح الجميع أسيراً لها، فكل منا يَسجُن نفسه ساعاتٍ طويلة ويحبسها أمام هذه الأجهزة، حتى ولو كان في مجلسٍ عام أو مع أفراد أسرته الصغيرة والكبيرة.

 

فهذا التقوقع المتطرف مع الجهاز أخرج الإنسان من دائرة البيئات الخارجية وممارسة النشاط البدني ومزاولة التمارين الرياضية، حتى انتشرت بين الأطفال خاصة أسقام مزمنة وغريبة على عمرهم، كالسمنة المفرطة والبدانة المشهودة، وأمراض السكري والقلب، مما اضطر الأطباء والأجهزة المعنية بالصحة العامة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى دق جرس الإنذار واستحداث برامج صحية ضمن النظام الصحي العام، وأدخلوا فيها "وصفة المتنزهات والحدائق"  كدواء فاعل يعالج مثل هذه الاضطرابات والحالات الصحية الخطيرة.

 

ونظراً لاستفحال هذه الحالات المرضية في كل ولايات أمريكا وتفاقم هذه الأزمة الصحية وتهديدها المباشر لصحة الأطفال والشباب، فقد قام أوباما نفسه بطرح مبادرة خاصة بالبيت الأبيض في سبتمبر من العام الجاري تشجع المواطن الأمريكي على زيارة المتنزهات العامة، وتحثه على ممارسة الأنشطة خارج نطاق المنزل، وأَطلق عليها مبادرة البيت الأبيض لكل طفل في المتنزهات(White House’s Every Kid in a Park initiative).

 

وقريباً في البحرين ستجدون هذه الوصفة تكتب لكم كعلاج ودواء، فمن الأولى اتباع هذا العلاج من الآن للوقاية من مثل هذه الأمراض وتجنب الإصابة بها.

 

الجمعة، 16 أكتوبر 2015

تنفيذ مواصفة بيئية يُكلف 3.4 تريليون دولار!



المواصفات والمعايير البيئية، سواء المتعلقة بجودة الهواء أو الماء أو نوعية الانبعاث من السيارات والمصانع تخضع لعملية ديناميكية متغيرة مع المكان والزمان، وتتم مراجعتها بشكلٍ دائمٍ ومستمر، حسب توافر أحدث وآخر المعلومات العلمية والأبحاث الميدانية المتعلقة بتأثير الملوثات المـَعْنية على صحة الإنسان وأمن وسلامة البيئة والحياة الفطرية.

ولكن في المقابل وهو الأهم بالنسبة للدول هو خضوع هذه المعايير للجانب الاقتصادي من حيث حساب كُلفة تنفيذ المعيار أو المواصفة البيئية على الدولة من جهة، وعلى الشركات والمصانع من جهةٍ أخرى، وتحديد التبعات الاقتصادية التي تتكبدها هذه الجهات، وهذا البعد في تقديري يَلقى اهتماماً أكثر عند الحكومات ويُعْطَى الأولوية عند رجال السياسة والقانون في مرحلة اتخاذ القرار وتبني المواصفة وإقرارها، وهذا يَعني أن المـُشرعين والحكومات يضعون الأضرار والخسائر الاقتصادية التي قد تنجم عن تبني المواصفة أو القانون البيئي فوق الخسائر الصحية والبيئية التي تقع عند عدم تبني وتطبيق هذه المواصفة من ناحية السماح للملوثات من الانبعاث بنسبٍ مرتفعة تؤدي مع الزمن إلى تدمير صحة الإنسان وتصيبه بالأمراض والأسقام المزمنة، وتُفسد صحة وأمن مكونات البيئة من هواءٍ وماءٍ وتربةٍ وكائنات فطرية.

واليوم نقف أمام مواصفة بيئية اقترحها الرئيس أوباما وأعلن عنها في الأول من أكتوبر من العام الجاري وتؤكد دور العامل الاقتصادي عند اقتراح أية مواصفة أو معيار بيئي، فقد أعلن أوباما أنه يقترح تعديلْ المواصفة الخاصة بتركيز غاز الأوزون في الهواء الجوي من  75 إلى 70 جزءاً من الأوزون في البليون جزء من الهواء الجوي.

ومباشرة، وفور الانتهاء من خطابه بدأت آلة الحرب الإعلامية تشتعل لمواجهة هذا المعيار الجديد وهزيمته قبل أن يَرَى النُور، حيث جاء الرد السياسي والتشريعي سريعاً وقاسياً من الكونجرس، ممثلاً فيالسيناتور الجمهوري جيمس إينهوف(James Inhofe) رئيس لجنة البيئة والأشغال العامة، حيث أكد على معارضته الشديدة لهذا التعديل، وبعد سويعات من هذا التصريح السياسي، تحركت جماعات الضغط من شركات الفحم والنفط والغاز، والشركات المصنعة للسيارات، ومحطات توليد الكهرباء، وهاجمت المواصفة بدفع الملايين لحملات إعلانية مسعورة تركز على الجرح الذي يؤلم الجميع وهو الخسائر الاقتصادية التي تنجم عن تنفيذ هذه المواصفة، مؤكدين بأنها تُسبب نزيفاً داخلياً لقلب الاقتصاد الأمريكي لا يمكن توقيفه ومُقَدرين هذه الخسائر المالية بنحو 3.4 تريليون دولار، إضافة إلى فُقدان زهاء 2.9 مليون وظيفة خلال الأعوام القادمة، فمثل هذا المعيار عند تطبيقه يعني وضع أجهزة تحكم مكلفة وغالية جداً في ملايين السيارات والحافلات، وعلى آلاف المحطات الخاصة بتوليد الكهرباء، إضافة إلى المصانع التي تعمل بوقود الفحم أو الغاز الطبيعي أو الديزل، مما يرفع بدرجةٍ كبيرة من كلفة التشغيل والصيانة ويزيد من سعر إنتاج الكهرباء وسعر بيعه على المستهلكين، إضافة إلى الازدياد الملموس في أسعار السيارات وكافة المنتجات التي يحتاج إليها المواطن الأمريكي بشكلٍ يومي.

فهذا الهجوم الممنهج والمنظم على كافة الجبهات جاء بالرغم من أن أوباما لم يأخذ بتوصية ورأي الأطباء وعلماء البيئة والمناخ وآلاف الباحثين في هذا المجال، والذين أوصوا بأن تكون مواصفة غاز الأوزون في الهواء الجوي 60 جزءاً من الأوزون في البليون جزء من الهواء الجوي، وهي النسبة التي تقي صحة الإنسان من هذا الغاز القاتل، وتُجنبه الأمراض التي تنجم عنه من تلفٍ في الجهاز التنفسي، والربو، وأمراض الرئة الأخرى، إضافة إلى تأثيراته الضارة على مكونات البيئة الحية وغير الحية.

فالرئيس أوباما عند اقتراحه لهذه المواصفة ضرب بالبعد الصحي والبيئي عرض الحائط ولم يأخذ بآراء المختصين المعنيين بحماية أمن وسلامة الإنسان وعناصر البيئة من شر الأوزون وأخواته من الملوثات الأخرى، وتبني بدلاً من ذلك المدخل "السياسي والتوافقي" لإرضاء كافة الأحزاب والحصول على موافقة الجهات التي قد تتضرر عند تنفيذ هذه المواصفة، فأَراد بذلك اقتراح مواصفة "معتدلة ووسط" تكسب قلوب الجميع وتحظى بمباركتهم، وهذا ما لم يُوفق فيه أوباما حتى الآن، فالشركات العملاقة لا يَهُمها صحة الإنسان وبيئته بِقَدر ما يهمها صحة وثراء وملء جُيوبهم وجيوب المساهمين معهم.

أما في دولنا فنحن لا نشعر بهذه الحرب الضروس عند اقتراح المعايير والمواصفات البيئية الجديدة، ولا نحس بالأزمة السياسية التي تُشكلها عملية إقرار المواصفات، وذلك لأن مواصفاتنا البيئية تأتينا مُعِلبة وجاهزة للأكل، فنحن نستوردها كما هي عليها دون تغيير أي حرفٍ فيها، ولا ندرس أبعادها على الاقتصاد الوطني ومدى مناسبتها لظروفنا المحلية، كما أننا إذا وضعنا المعايير فستبقي خالدة مخلدة كالكتب المقدسة لا تعديل أو تغيير يجري عليها!

الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

لماذا لا يَتَعرض كل مُدخن لسرطان الرئة؟



ألقيتُ مؤخراً محاضرة عامة عن التدخين وأكدت فيه أن هناك إجماعاً دولياً بأن للتدخين تداعيات بيئية وصحية واجتماعية واقتصادية خطيرة تنعكس على الفرد، والأسرة، والمجتمع برمته، وشددت في المحاضرة على الأبعاد والأضرار الصحية والبيئية التي تتمثل في وجود نحو 4000 مادة كيميائية سامة وخطرة، منها مواد تصيب الإنسان بالسرطان، ومنها ملوثات مُشعة تُهلك الإنسان ومن حوله من غير المدخنين على حدٍ سواء، وكل هذه الملوثات تُوقع المدخن وغير المدخن في شر الإصابة بأكثر من 12 نوعاً من السرطان القاتل وفي مقدمتها سرطان الرئة، ومئات الأسقام الخطرة الأخرى.

وبعد الانتهاء من المحاضرة وفتح باب الأسئلة والمناقشة، وَقَف أمامي شخص قد بلغ من الكبر عِتياً، واشتعل رأسه شيباً، وانكشفت على وجهه تجاعيد العمر الطويل والخبرة العميقة، وقال لي وعلامات الحيرة والاستفهام تبدو على وجهه النحيل: يا دكتور أنا أُدخن منذ سنواتٍ طويلة ولم أصب بمرض السرطان كما تقول؟

وفي الحقيقة فإن هذا السؤال جاء في وقته، وهو تساؤل وجيه وموضوعي يراود ذهن الكثيرين ويشغل بالهم ويحتاج إلى تفسيرٍ علمي، وتحليلٍ طبي منطقي، وفي الوقت نفسه فإن هذه الظاهرة المتمثلة في عدم إصابة بعض المدخنين بأمراض السرطان، وبالتحديد سرطان الرئة، قد حَيَّرت العلماء منذ زمنٍ طويل وأَلْهـَمتهم القيام بدراسات مستفيضة ومعمقة لسبر غور الأسباب التي تقف وراء هذا اللغز الغامض والسر الخفي.
  
ولذلك اجتمع فريق علمي مرموق يُشكلون تخصصات متعددة ويمثلون العديد من الجامعات في مختلف دول العالم للإجابة عن هذا اللغز الغريب، والتعرف عن كثب على كافة الشبهات والملابسات التي تحوم حوله، وقاموا بدراسة شملت 50 ألف إنسان في بريطانيا من المدخنين وغير المدخنين، ونشروا نتائج هذه الدراسة في دوريةٍ طبية معروفة دولياً هي مجلة لانست للطب التنفسي(Lancet Respiratory Medicine journal) في العدد الصادر في 28 سبتمبر من العام الجاري. 
 وقد جاءت النتائج، وبعباراتٍ بسيطة، أن هناك بعض الجينات "الصالحة والجيدة" الموجودة فطرياً وطبيعياً في أجسام بعض الناس، وهي التي تَقي الإنسان المدخن من شر الوقوع في فَكِ مرض السرطان، فقد أفادت الدراسة إلى أن التغيرات والتحولات التي تحدث في الـ دي إن أيه، أو الجزئيات الوراثية والخلايا ليس للإنسان دخل فيها، ولا دور له في كيفية تحولها، وإنما حسب تفسير العلماء الذين أجروا هذه الدراسة تَحْدث من قبيل "الصدفة والحظ"، فقد تحدث هذه التغيرات لما فيها خير هذا الإنسان، فتكسبه القوة والصحة والسلامة في الجسد، وقد تحدث هذه التحولات لتُصيب الإنسان بالأمراض الخبيثة والمزمنة، والتي يطلق على بعضها بالأمراض الوراثية، ولذلك فإن بعض التغيرات تؤدي إلى تحسين صحة الرئة، وتقوية وظائفها الحيوية، فتَقِيها من تداعيات الملوثات التي تنبعث عن التدخين، حتى ولو كان مدخناً شرهاً، ولذلك يكون هذا الإنسان أقل عرضة من غيره للإصابة بالأمراض التنفسية، وفي حالات أخرى تُضعف هذه التغيرات الجينية من وظائف الرئة، وتُعرض هذا الإنسان للإصابة بالأمراض المزمنة الخطرة، مثل سرطان الرئة وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة والفتاكة.

وهذه الظاهرة التي اكتشفها العلماء في هذه الدراسة، بدأت تتحول إلى حقيقة علمية مع الوقت، ففي كل يوم أقرأُ وأسمع عن بحثٍ علمي يُؤكد هذه الظاهرة، ويثبت أن للقضاء والقدر، أو ما يُسميه العلماء "الحظ والصدفة" دوراً رئيساً وجوهرياً في ازدياد احتمال إصابة الإنسان بالسرطان.

وبالرغم من ذلك، فإن هذه الحقيقة يجب أن لا تُصيب الإنسان باليأس والقُنوط والإهمال لصحته وسلامته، فتدعوه إلى القيام بممارسات وعادات خاطئة ومضرة صحياً وأجمع العلماء على فسادها لصحة الإنسان، بل يجب إتباع نهج المصطفى عليه الصلاة والسلام عندما قال للإعرابي: "إعْقِلها وتوكل"، أي أن الإسلام يدعونا إلى الأخذ بالأسباب والوسائل التي تقينا شر الأمراض والعلل، وتوخي الحذر والحيطة في كل أمر من أمور دُنْيانا، كما يأمرنا ديننا الحنيف إلى تجنب أية ممارسة أو عادة تؤثر على أمننا الصحي، سواء أكان ذلك تدخين السجائر والشيشة بأنواعها المختلفة والمتعددة، أو شرب الخمر، أو تناول الأغذية المعلبة والمشروبات الغازية المشبعة بالسكر، أو الكسل والخمول وعدم ممارسة الرياضة، فالإسلام يثني ويؤكد على الحكمة التي تقول "الوقاية خير من العلاج".    

الاثنين، 12 أكتوبر 2015

كَمَّامَاتْ على الموضة


بسبب الازدياد المطرد والكبير على الكمامات والأقنعة التي توضع على الأنف والفم لمنع دخول الملوثات والغبار إلى الجسم، وبالتحديد عن طريق الجهاز التنفسي، فقد دخلت شركات الموضة على الخط، ووجهوا مصممي الموضة في شركاتهم إلى إبداع وتصميم كممات عصرية وحديثة تتناسب مع القرن الحادي والعشرين، وتتماشى مع آخر صيحات ومستجدات الموضة في العالم، وفي الوقت نفسه تكون فاعلة في منع الملوثات من الدخول إلى أعماق جسم الإنسان.

 

فالصين وحدها تستخدم البلايين من الكمامات يومياً، ولا يستطيع المواطن الصيني في بعض المدن الصناعية العريقة كبكين وشنغهاي وغيرهما من الاستغناء عنها بسبب تلوث الهواء الذي ضرب أطنابه في هذه المدن الصينية، وجعل هواءها غير صالحٍ للاستنشاق ولحياة الإنسان، ويعرضه لمختلف أنواع الأمراض التي تصيب القلب والجهاز التنفسي، ولذلك فإن تصميم كمامات وأقنعة الأنف والفم وبما يتوافق مع متطلبات الموضة العصرية تزيد من مبيعات هذه الشركات وترتفع أرباحها السنوية.

 

وليست الصين وحدها التي تعاني من شر الملوثات والسموم التي تَشَبع بها الهواء الجوي، وإنما أصبحت ظاهرة تلوث الهواء عالمية ونشاهدها في كل المدن الحضرية والصناعية. فتلوث الهواء يقضي سنوياً على 3.3 مليون إنسان يعيش على الكرة الأرضية، وتشير التقديرات إلى أن هذا العدد سيتفاقم والضحايا البشرية سترتفع إلى 6.6 مليون بحلول عام 2050، إذا لم تتخذ الدول الإجراءات الحاسمة والفاعلة للتخفيف من مستوى الملوثات التي ملأت الهواء الجوي على كوكبنا، وهذه المعلومات جاءت في دراسة قامت بها جامعة هارفرد الأمريكية ونُشرت في المجلة العلمية المرموقة "الطبيعة" في سبتمبر من العام الجاري، حيث أكدت على أن الذين يموتون من تلوث الهواء أعلى من الذين يقضون نحبهم بسبب الإيدز، أو الملاريا، أو أي مرضٍ آخر.

 

ولذلك فإن تجارة الأجهزة والمعدات التي تُنَقي الهواء الجوي بشكلٍ عام والتي تحمي الإنسان من الملوثات وهو في خارج المنزل بشكلٍ خاص، تعتبر تجارة مربحة لن تبور، ويزيد الاقبال عليها يوماً بعد يوم، مما أدى إلى استغلال شركات الموضة لهذه الفرصة الذهبية والولوج في سوق ومنتجات الأقنعة والكمامات التي تمنع انتقال السموم إلى جسم الإنسان، فقاموا بتصميم قناعٍ خاص أُطلق عليه فِريكا(Freka) ودَمَجَ بين الموضة وفاعلية القناع في صد ومنع دخول الملوثات إلى الجسم الأنف والفم، كما مَزَج بين المنظر والشكل الخارجي والمظهر العصري الجميل وجودته العالية وجمع في الوقت نفسه بين سهولة الاستخدام والراحة عند الاستعمال وعدم الشعور بضيق التنفس والوقاية من التلوث.  

 

والآن يستطيع الإنسان أن يصون جسمه من شر الملوثات ويكون عصرياً وعلى الموضة بالنسبة لهيئته الخارجية.