الاثنين، 28 سبتمبر 2015

الغش البيئي: فضيحةُ شركةٍ كُبرى


البيئة عند بعض الشركات العملاقة ومتعددة الجنسيات تحولت إلى أداة فاعلة وناجحة لكسب المال الوفير، وتحقيق الثروات الطائلة، وأصبحت ورقة رابحة تستغلها هذه الشركات لمصالحها وترويج بضائعها وتسويقها عالمياً.

 

فعندما تدَّعي شركة ما بأنها صنعت مُنتجاً بيئياً يحافظ على الثروات الفطرية الطبيعية ويحمي مكونات البيئة من هواءٍ وماءٍ وتربة ويصون صحة الإنسان، فإن هذا المنتج سيكون محل اهتمام الحكومات والأفراد على حدٍ سواء، وسيحصل حتماً على صفقاتٍ كبيرة لشراء هذا المنتج الصديق للبيئة والصحة العامة.

 

وهذا بالضبط ما قامت به أكبر شركة مصنعة للسيارات في العالم وهي شركة فولكس واجن(Volkswagen) الألمانية للسيارات، حيث ادعت بأنها صنعت سيارات تعمل بالديزل وتنبعث منها ملوثات قليلة تتطابق مع مواصفات ومعايير الانبعاث، وقد نجحت بالفعل في الفترة من 2007 إلى سبتمبر 2009 من بيع ملايين السيارات، منها فقط نصف مليون سيارة في الولايات المتحدة الأمريكية.

 

فقد وَضَعتْ هذه الشركة أجهزة مُضللة وركَّبتْ برنامجاً خاصاً في كمبيوتر السيارة يُعطي عَمْداً قراءات خاطئة ومزيفة لمستوى التلوث المنبعث من عوادم السيارات، بحيث إن هذه القراءات التي تراها الأجهزة الحكومية أمامها تشير إلى فاعلية جهاز التحكم الموجود في السيارات وانخفاض نسبة الملوثات المنطلقة من عوادمها.

 

ولكن كما يقول المثل الشعبي "حَبْلْ الكذب قَصير"، فقد كشفت الصُدف زيف وكذب إدعاءات هذه الشركة العملاقة وتمكنت مختبرات وأجهزة أمريكا بعد سنوات من إثبات هذا الغش التجاري وإرغام الشركة على الاعتراف، حيث اضطر الرئيس التنفيذي للشركة نتيجة لهذا الاكتشاف إلى أن يُبدي أسفه، ويعتذر أمام الملأ في 21 سبتمبر من العام الجاري، ويعترف ضمناً بهذه الجريمة الأخلاقية التي ارتكبتها أيديهم ضد حرمات البيئة وصحة الإنسان، وهذا الاعتذار أدى فوراً إلى خسائر مادية فادحة تمثلت في فقدان الشركة لـ 17.1% من قيمتها في السوق، وتحطم مباشر لقيمة سهم الشركة، وتوقف بيعها في الولايات المتحدة الأمريكية ودول العالم الأخرى، إضافة إلى الغرامات المالية التي ستُفرض عليها وتقدر بنحو18 بليون دولار.

 

وفي المقابل أمر الرئيس أوباما والكونجرس الأمريكي إلى إجراء تحقيقٍ جنائي ضد هذه الشركة بسبب هذه الجريمة النكراء.

 

وانطلاقاً من هذه الحادثة الواقعية، أود أن أُقدم النقاط التالية كردة فعل شخصية لها، وهي: أولاً: هل نعلم في البحرين عن هذه الفضيحة الكبرى فنكشف عن هذه السيارات التي تم بيعها خلال تلك الفترة، أم أننا كما يقول المثل "خَبَرْ خَير"!

ثانياً: إذا نجحت هذه الشركة في أن تضلل وتغش وتزيف المعلومات في أكبر دولة متطورة ومتقدمة في العالم، فما يمنعها هي وغيرها من الشركات التحايل علينا وتضليلنا في قضايا أخرى؟

ثالثاً: كما أكدت في مقالات سابقة فإن ثقافة هذه الشركات هي الكذب والتضليل، ولذلك يجب عدم الاعتماد على التقارير والمعلومات والادعاءات التي تصدر عن الشركات نفسها، سواء في مجال البيئة، أو التغذية، أو الأدوية، أو ألعاب الأطفال والمنتجات الأخرى، فلا بد من قيامنا ببعض التجارب للتأكد من صحة المعلومات.

 

الأحد، 27 سبتمبر 2015

11 مليون سيارة مغشوشة، فهل منها السيارات في البحرين!



شركةٌ عملاقة مثل فولكس واجن التي تعتبر من أكبر شركات السيارات في العالم ومبيعاتها بلغت دول الشرق والغرب وكل شبرٍ من الأرض، وأرباحها تناطح عنان السماء، فلماذا تلجأ هذه الشركة الناجحة والمهيمنة على سوق السيارات إلى أسلوب التزوير، والتضليل، والغش؟

فهذه الشركات متعددة الجنسيات ثقافتها المتجذرة في تاريخها المظلم، والمتأصلة في سياساتها وممارساتها المشينة عبر العقود تتلخص في الربح الكبير والسريع على حساب كل شيء وملء البطون بالحلال والحرام، وباتخاذ كافة الوسائل الشرعية وغير الشرعية، الأخلاقية وغير الأخلاقية من غشٍ وخداعٍ وتحايل، وينطبق عليها قول رسولنا الكريم: "لَوْ أَنَّ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيًا مِنْ مَالٍ، لَتَمَنَّى ثَانَيًا، وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ".

والفضيحة النكراء التي يقف أمامها المجتمع الدولي اليوم وتُعد في تقديري أكبر حادثة غش بيئي وصحي في تاريخ البشرية وأُطلق عليها "واترجيت السيارات"، ما هي إلا مثال واحد من بين أمثلة وحالات كثيرة ذكرتها وشدَّدتُ عليها في مقالات سابقة، فشركة فولكس واجن ارتكبت في حق البيئة والبشرية ذنباً لا يُغتفر، واقترفت إثماً عظيماً لا يمكن السكوت عنه وتجاهله، وخانت الأمانة والمسؤولية، وقامت مع سبق الإصرار والترصد منذ سنوات بغش الإنسانية والتضليل المتعمد للمعلومات والكذب الفاضح على الناس، حيث باعت ومنذ عام 2009 أكثر من 11 مليون سيارة مغشوشة على كل دول العالم دون أن يكون لها أدنى إحساس بالذنب، أو أي شعور بالإثم تجاه حُرمات البيئة التي قامت عمداً بتلويثها والإضرار بمكوناتها، أو صحة الإنسان التي قامت عمداً بتدميرها وإلحاق الأمراض المزمنة بها.

لقد ركَّبَتْ هذه الشركة الآثمة على هذه الملايين من السيارات برنامجاً في الحاسب الآلي للسيارة(software) وأُطلق عليه(defeat device)، وحَوَّرت هذا البرنامج وتلاعبت فيه ليكذب على المستهلك، ويُقدم معلومات كاذبة ومزورة عن نسبة الملوثات التي تنبعث من عوادم السيارات التي تعمل بالديزل، بحيث كيَّفت هذا البرنامج ليُقدم أرقاماً وقراءات خاطئة تفيد بأن التلوث الناجم عن هذه السيارات منخفض جداً ويتوافق مع معايير الانبعاث التي وضعتها دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ونجحت بهذا الغش التجاري البيئي لعدة سنوات وتمكنت من اكتساح سوق السيارات وإقناع الدول على شراء هذه السيارات الخضراء "الصديقة للبيئة" التي يلهث العالم لشرائها حفاظاً على صحة البيئة وصيانة لأرواح الناس!

وحققت بذلك أرباحاً خيالية لفترة وجيزة من الزمن، ولكن علَّمتنا حوادث التاريخ بأنه مهما طال الزمن وبَعُد، فإن الكذب سينكشف، والخديعة ستظهر، والغش يزول، وستكون النتيجة النهائية الوبال والخزي والعار على كل من قام بهذه الجرائم، وستكون تداعياتها وانعكاساتها أكبر وأشد من الأرباح الآنية التي حصلوا عليها، ودعوني أُلخص لكم حتى كتابة هذه السطور البعض من هذه التداعيات المباشرة لأثبت لكم أن الكذب والغش والخداع وبال عظيم ونقمة مستدامة على صاحبه.

أولاً: التداعيات الاقتصادية وتمثلت فوراً وبشكل مباشر في هبوط سعر السهم بنسبة 23%، وانخفاض القيمة السوقية للشركة، كما انعكست هذه الفضيحة على باقي السيارات الألمانية، فانخفضت أسعار أسهمها. كذلك فإن هناك غرامات مالية عظيمة تنتظرها في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، وتُقدر بنحو 18 بليون دولار، إضافة إلى الغرامات التي ستفرض على الشركة في دول أخرى في الأيام القادمة.
ثانياً: الانعكاسات القانونية ومنها دعوة أوباما والكونجرس إلى التحقيق في الفضيحة، إضافة إلى قيام وزارة العدل الأمريكية بفتح قضية "جنائية" ضد الشركة، وستتبعها في دول أخرى قضايا مماثلة سترفع ضد الشركة، بل وإن بعض الدول استدعت المسئولين عن الشركة للتحقيق معهم، وأتمنى من البحرين أن تتخذ إجراءات مماثلة لهذه الدول.
ثالثاً: التداعيات الاجتماعية وتتمثل في تشويه سمعة الشركة وفقدان مصداقيتها وتحطم علامتها التجارية، وهذه أيضاً تعدت إلى شركات السيارات الألمانية الأخرى فأصبحت الآن جميعها في قفص الاتهام.
رابعاً: توقف بيع السيارات في دول العالم واسترجاع السيارات التي تم بيعها من أجل تصليحها وإعادة تأهيلها. 

والأيام القادمة ستكشف لنا المزيد من هذه التداعيات التي ستقصم ظهرها، فابقوا معي وتابعوني لأخبركم بالخبر اليقين.
  

الخميس، 24 سبتمبر 2015

ولاية أمريكية ترفع دعوى ضد حكومتها الاتحادية!



هل سَمِعتم عن وزارة، أو أية جهة حكومية تشتكي على الحكومة نفسها، أو ترفع دعوى قضائية ضدها في المحاكم؟
فهل مثل هذه الممارسات مقبولة ومعمول بها في الدولة الواحدة؟

أما في دول العالم النامي أو "الثالث" فهذه التصرفات غير مقبولة وغير واقعية، وإن وجدت فإنها غير مُفَعلة وغير مجدية، فالجهاز الحكومي أو الهيئة الحكومية لا ترفع شكوى على الحكومة نفسها، بل ونجد أن الأجهزة الرقابية الحكومية وغير الحكومية عادةً ما لا تحاسب الوزارات والهيئات والمجالس الحكومية الأخرى، فليس بقدرتها عملياً وواقعياً رَفْع مخالفات وتجاوزات هذه الجهات إلى القضاء للمحاسبة والعقاب.

ولكن في الدول الصناعية المتطورة نرى أمثلة واقعية ونشاهدها أمامنا، ونقرأ عنها في وسائل الإعلام المختلفة، وكلها تؤكد أن آلية رفع الشكوى، والمراقبة، والمحاسبة موجودة قانوناً ومُفعلة في الحياة اليومية بين الأجهزة الحكومية نفسها. 

وسأضرب لكم مثالاً واحداً فقط لقضية بيئية مزمنة يعاني منها سكان ولاية واشنطن الأمريكية لأكثر من سبعين عاماً، وبالتحديد سكان مدينة هانفورد والمدن الأخرى الواقعة بالقرب منها، مما اضطر حكومة هذه الولاية بعد الصبر والمصابرة لهذه السنوات العِجاف إلى رفع دعوى قضائية، وتوجيه التُهم ضد حكومتهم الأمريكية الاتحادية، وبالتحديد وزارة الطاقة المعنية مباشرة عن معاناة المواطنين في هذه الولاية طوال العقود الطويلة الماضية.

وتَرجع قصة هذه الدعوى إلى مطلع الأربعينيات من القرن المنصرم، وبالتحديد عام 1943، عندما قررت الولايات المتحدة الأمريكية صناعة قنبلة دمارٍ شامل فريدة من نوعها لم يشهدها العالم من قبل، فتاكة ومدمرة للحرث والنسل والأخضر واليابس لكي تكسب بها الحرب، فبدأت ببرنامجٍ سري أُطلق عليه "مشروع منهاتن" في موقع في غاية السرية بعيدٍ جداً عن المدن الحضرية والمناطق المأهولة للسكان، وسُمي بموقع هانفورد النووي(Hanford Nuclear Reservation) الواقع على نهر كولومبيا، ومساحته 1517 كيلومتراً مربعاً، أي نحو ضعف مساحة البحرين، حيث هدف المشروع إلى إنتاج البلوتونيوم لصناعة أول قنبلة ذرية أُلقيت بعد ذلك على هيروشيما وناجازاكي في اليابان، فكانت نهاية الحرب العالمية الثانية. وبالرغم من ذلك فإن المشروع لم يتوقف واستمر حتى عام 1987 مع استمرار الحرب الباردة. وفي هذه الأثناء، ومع انشغال أمريكا بصناعة جميع أشكال وأنواع الأسلحة والقنابل والصواريخ النووية لتدمير البشر والحجر والتركيز على التفوق العسكري، أَهملت تماماً مكونات البيئة الطبيعية، وتجاهلت كلياً عناصر البيئة من أنهار سطحية وجوفية، وهواء، وتربة، فسياسة أمريكا ونظرتها في تلك المرحلة التاريخية كانت "أمنية" بحتة، واتجهت كلياً نحو صناعة الأسلحة مهما كلف الثمن وعلى حساب كل شيء، فصحة الإنسان والبيئة وحماية الثروات والموارد كانت في تلك الحقبة قضايا هامشية وجانبية لا تجذب اهتمام رجال السياسة وقادة الجيش، ولذلك نجد أن برامج صناعة الأسلحة وَلَّدتْ مع الوقت أحجاماً ضخمة من المخلفات المشعة شديدة الخطورة على البشر والبيئة، فتفاجأت أمريكا بعد عقود أنها تقف مكتوفة الأيدي وحائرة أمام ملايين الأطنان من "مخلفات الدمار الشامل" المتراكمة في عقر دارها، والتي تمثلت في قرابة 25 مليون قدم مكعب من المخلفات المشعة الصلبة، ونحو 56 مليون جالون من المخلفات الخطرة المشعة شبه الصلبة والسائلة والتي تم وضعها في 177 خزاناً تحت الأرض، إضافة إلى 520 كيلومتراً مربعاً من المياه الجوفية المشعة تحت سطح الموقع نتيجة لتسرب المواد المشعة من الصهاريج والخزانات وانتقالها إلى الأنهار الجوفية. وعلاوة على هذه المخلفات، فقد تسربت مواد مشعة إلى الهواء الجوي مع الوقت وأدت إلى إصابة العمال والسكان في الموقع بأمراض مزمنة وخطيرة منها السرطان وغيرها.

وبالرغم من معرفة الحكومة الأمريكية الاتحادية بهذا الوضع البيئي والصحي المأساوي، إلا أن وزارة الطاقة المسئولة عن إدارة المخلفات في الموقع لم تحرك ساكناً على مدى أكثر من سبعين عاماً، ولم تُقدم حلولاً جذرية للتخلص من هذه الأطنان من "قنابل الدمار الشامل" الموجودة تحت الأرض وفوقها والتي تهدد حياة الناس للخطر والموت المحتوم، مما أدى إلى نفود صبر المعنيين في ولاية واشنطن وفقدان ثقتهم بوعود وزارة الطاقة المتكررة منذ عقود، فتوجهوا إلى القضاء لحل قضيتهم الأزلية.

واستخدام هذه الآلية المتمثلة في قُدرة جهة حكومية على محاسبة ورفع دعوى قضائية ضد جهة أخرى تُعد من محاسن النظام الأمريكي، وآمل الاقتداء بها في مثل هذه الممارسات الصِحِيَّة والبناءة للوطن والمواطن.         

الثلاثاء، 22 سبتمبر 2015

مُمثل أمريكي مشهور يسرق الماء!



هل يحتاج ممثلٌ قديم ومشهور يعرفه الجميع في هوليود ويمتلك الملايين من الدولارات لارتكاب جريمة بسيطة وتافهة بالنسبة له وتتمثل في سرقة الماء؟

فهذا الممثل وهو توم سيلك(Tom Selleck) ذلك الاسم اللامع والكبير في عالم السينما والتلفزيون المتهم بسرقة الماء وهو وزوجته، قَدَّم الكثير من الأفلام السينمائية إضافة إلى المسلسلات التلفزيونية التي استمرت سنوات طويلة من الزمن وشاهدتها أجيال من الأمريكيين وغير الأمريكيين، ، ويواجه الآن هذه التهمة المحرجة والغريبة في الوقت نفسه من قبل قطاع شؤون الماء في مقاطعة فينشوري(Ventura County) بولاية كاليفورنيا، ورُفعت ضده وزوجته قضية في محاكم هذه المدينة وتناولتها كافة وسائل الإعلام في الكثير من دول العالم. 

وفي الواقع عندما تَعَمقتُ أكثر في ملابسات وتفاصيل "قضية سرقة الماء" تأكدت بأن هذه السرقة لم يكن هدفها توفير المال، فمثل هذه الشخصية الثرية والمعروفة ليست بحاجة إلى المال أو توفير دولارات بسيطة معدودة لا تساوي شيئاً بالنسبة لثروته العظيمة، ولكن الأزمة الخانقة المتمثلة في شح الماء وعدم توافره في المدينة بشكلٍ خاص وفي ولاية كاليفورنيا بشكلٍ عام هي التي اضطرته إلى السرقة بأساليب ملتوية، وأَخوف ما أخاف منه هو أن يأتي علينا جميعاً زمان، وقد يكون هذا الزمان قريباً جداً، أن يكون لدَينا فيه المال الوفير والكثير، ولكن بالرغم من ذلك لا نتمكن من الحصول على الماء السليم والصحي، كما حصل بالفعل لعائلة هذا الممثل ولولاية كاليفورنيا.

فالقحط المائي المزمن الذي ضرب عدة مدن في ولاية كاليفورنيا منذ أكثر أربع سنوات غَيَّر بشكلٍ جذري مشهود أنماط حياة الناس، وبدَّل أسلوب إدارتهم وتعاملهم مع الثروة المائية بشكلٍ يومي، فقد اتجه الناس نحو ترشيد استهلاك الماء وتقنين استخدامه، حيث أكدت دراسة نُشرت في 14 سبتمبر من العام الجاري في مجلة "طبيعة التغير المناخي" أن نزول الثلج الذي هو المصدر الرئيس للماء العذب لولاية كاليفورنيا في منطقة سيارا نيفادا(Sierra Nevada) كان الأقل منذ 500 عام!

ولذلك فإنما يحدث الآن في كاليفورنيا يدق ناقوس الخطر المائي ويُقدم مثالاً صارخاً وملموساً لم تواجهه من قبل دول العالم قاطبة بالنسبة للفقر المائي المزمن، فمنها ما يعاني من نقصٍ حادٍ في كميته وحجمه، ومنها ما يواجه تدهوراً مزمناً في نوعية المياه بالرغم من وفرتها وكثرتها ووجود الأنهار التي تجري من تحتهم والبحيرات التي تملأ مدنهم، فهذه المياه تكون عادةً غير صالحه للاستعمال بسبب تلوثها وفسادها بالمركبات الكيميائية الضارة والخطرة والمهددة لصحة الإنسان والحياة الفطرية.

فالثروة المائية العذبة مهددة بالانقراض في كل دول العالم والتقارير والدراسات العلمية التي تُنشر في هذا الصدد تؤكد هذه الحقيقة، حتى أن منظمات الأمم المتحدة المعنية، قد تقتدي بالتعاليم الإسلامية وتدعو دول العالم في يوم الماء العالمي إلى القيام بصلاة الاستسقاء!

فعلى سبيل المثال، نَشَر معهد الموارد الدولي(World Resources Institute) في 27  أغسطس من العام الجاري دراسة شاملة غطت كل دول العالم حول الحالة المائية التي تعاني منها الدول، حيث أكد على واقعية وجود أزمةٍ مائية وفقرٍ مائي شديد في دول الشرق الأوسط في المستقبل المنظور وبحلول عام 2040، وبالأخص دول مجلس التعاون التي صُنفَتْ بأنها الأشد تأثراً وتضرراً من هذا الوضع المائي الذي يهدد الأمن القومي لدولنا من جهة، ويشكل ضغطاً مشهوداً على استدامة الأنشطة التنموية من جهةٍ أخرى. وعلاوة على ذلك كله فإن النقص في الماء بين دول الخليج ودول الشرق الأوسط قد يولد حروباً على موارد ومصادر المياه العذبة.

وأتمنى استناداً إلى هذه الدراسات المخيفة والواقعية أن لا يأتي علينا يوم نضطر فيه إلى سرقة الماء كما حصل للممثل الأمريكي توم سيلك.

الاثنين، 21 سبتمبر 2015

مياه المجاري تُعكِّر نجاح الألعاب الأولمبية في البرازيل


من أهم أسباب نجاح وتميز أية منافسة أو دورة رياضية، وبخاصة عندما تكون على مستوى الألعاب الأولمبية التي يشترك فيها كل دول العالم وتستضيف أفضل الرياضيين واللاعبين على المستوى الدولي، هي وجود الملاعب المناسبة ذات الجودة العالية والمواصفات الدولية لممارسة اللعبة الرياضية عليها، سواء أكانت ملعباً لكرة القدم، أو الصالات الداخلية المتعددة الأغراض، أو أحواض السباحة، أو البيئات المائية الخارجية مثل الأنهار والبحيرات والبحار التي تستخدم لبعض الألعاب المائية، مثل التجديف، والترايثلون، والسباحة، ورياضة القوارب الشراعية، والماراثون المائي. 

 

وتوفر مثل هذه الملاعب المهيأة من جميع النواحي تزيد من احتمال نجاح وقدرة الرياضي الأولمبي في تحقيق الأرقام القياسية وتحطيم أرقام سابقة عالمية أو أولمبية، ولكن في أغلب الأحيان نجد أن تركيز الجهات المنظمة للألعاب الرياضية والأولمبية بشكلٍ خاص ينصب على بناء الملاعب المصطنعة أو المنشآت الرياضية التي يبنيها الإنسان، فيغفلون في الوقت نفسه عن نوعية وجودة "الملاعب الطبيعية"، أو أنواع الرياضات التي تقام في البيئات الطبيعية الخارجية.

 

وهذا بالفعل ما يحدث الآن في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية التي ستستضيف الألعاب الأولمبية في عام 2016، حيث أفادت التقارير والدراسات الميدانية أن ملاعب البيئات الطبيعية الخارجية، وبالتحديد الملاعب التي ستقام عليها الرياضات المائية من أنهار وسواحل بحرية، تشهد تدهوراً نوعياً مزمناً ومخيفاً بسبب تلوثها بمياه المجاري الآسنة غير المعالجة أو المعالجة جزئياً وامتلاء هذه المسطحات المائية الأولمبية بملايين البكتيريا البرازية، وتشبعها بأنواع مَرَضية من الفيروسات التي  تعرض حياة وصحة اللاعبين للخطر، وتهدد عافيتهم وأمنهم، وقد تؤدي إلى عزوف اللاعبين الدوليين عن المشاركة، وبالتالي فشل هذه الدورة الأولمبية.

 

ونظراً لخطورة هذا الوضع على الصحة العامة وصحة المتنافسين الرياضيين بشكلٍ خاص واحتمال انتشار الأمراض والأوبئة بسبب تلوث المياه بالكائنات الدقيقة، فقد تدخلت منظمة الصحة العالمية رسمياً في هذه القضية الصحية البيئية الرياضية في الثالث من أغسطس من العام الجاري ودعت اللجنة الأولمبية الدولية إلى إجراء التحاليل الحيوية اللازمة للتعرف على نوعية وحجم البكتيريا والفيروسات التي تعشعش وتتكاثر في هذه المياه، ومدى ملائمة هذه البيئات والملاعب المائية لممارسة الألعاب الرياضية وتنظيم البطولة الدولية عليها.

 

وقد أكدت النتائج الأولية أن هذه الملاعب المائية ملوثة جداً ولا تصلح بوضعها الحالي لإقامة هذه الرياضات المائية، وعلى السلطات في البرازيل الآن مهمة صعبة جداً، ويواجهون تحدياً كبيراً لإصلاح وتنظيف هذه البيئات المائية الطبيعية التي تركوها وأهملوها سنواتٍ طويلة دون رعاية أو أدنى عناية.  

 

السبت، 19 سبتمبر 2015

قناديل البحر تَحْتل بِحارنا: تجربة شخصية


ليس من باب المبالغة والتهويل في الكلام أن أَكْتب بأن "الجيلي جيش"، أو قناديل البحر بدأتْ رويداً رويدا تحتل كل بحار العالم، في الشرق والغرب، البعيدة والقريبة، فأصبحنا الآن نشاهدها في كل مكان أينما كُنا، وكُل من يسبح في البحر يحكي تجربته المريرة مع هذا المخلوق الهلامي الضعيف الذي يبدوا ظاهرياً بأنه لا حول له ولا قوة ولا يُلحق الأذى بأَحَد، وأنا شخصياً من بين هؤلاء الذين تعرضتُ لهذا الكائن الغازي والمحتل لبحارنا.

 

فقد كُنتُ قبل أيام في أحد المنتجعات المعروفة على الخليج العربي، وشدَّني للسباحة في البحر صفاء لون الماء الزُلال، ونقاوته العالية، وزرقته الجاذبة، فدخلت فوراً في البحر لأتمتع بهذا الجمال الطبيعي الخلاب وأهرب قليلاً من القيظ الشديد لأغوص في برودة الماء، وما أن مكثت دقائق في ماء البحر وإذا بي أَحسُ في البداية بوَخْزات بسيطةٍ في جلدي، ثم تحولتْ إلى عضَّةٍ مؤلمة ولَسْعَةٍ حارقة، مما أجبرتني إلى الخروج جرياً من الماء، ولما أخذتُ أُدقق النظر في عمود الماء وأشاهد بتفحص وعن قرب، وإذا بي أرى المئات من هذه الكائنات الحية البيضاء الصغيرة الحجم وهي تسبح بكثافة في هذه المياه، ولم أَكُن الشخص الوحيد الذي فرَّ هارباً من البحر كما تفر الحُمر المستنفرة من القسورة، فإذا بي أرى العشرات من الناس أمامي مستلقين على الشاطئ على حبات الرمل الناعمة وهم يتلقون العلاج من هذه العضة القاسية.

 

وفي الوقت نفسه نقلت الصحف الغربية عن تجربة ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا مع هذا الكائن البحري، حيث أفادت بأن مرتادي ساحل أريتا(Arrieta) في جزيرة لانزاروت(Lanzarot) الإسبانية  السياحية المعروفة شاهدوا رئيس وزراء بريطانيا وهو يركض فجأة ويخرج سريعاً من البحر ويَحكُ يديه وذراعيه بقوة، كما سمع الناس الموجودين بالقرب منه على الساحل صِرَاخَه بصوتٍ عال من شدة الألم.

 

فهذا الكائن البسيط، الصغير الحجم، وهزيل الجسم، وضعيف البُنْية، والذي تتقاذفه الأمواج والتيارات البحرية من مكانٍ إلى آخر، إذا انكشف في منطقةٍ بحرية ما، تُدق أجراس الإنذار، وترتفع أصوات وسائل الإعلام مُعلنة الحذر الشديد من الاقتراب أو الدخول في تلك المنطقة البحرية، كما إذا سمع مرتادو البحر عن وجود هذا الكائن يَرْتَعِدون خوفاً، ويَرْتَعِشُون ذعراً منه، ولا يقتربون من تلك المنطقة.

 

فهذا الكائن الضعيف الذي ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قِبَله العذاب والألم أصبح في السنوات القليلة الماضية بسبب نموه المتزايد والمتعاظم والكثيف يحتل مناطق واسعة من جميع بحار العالم ويسيطر عليها سيطرة تامة، ويُشكل تهديداً حقيقياً للإنسان من جهة وللبيئة البحرية وكائناتها من جهة أخرى، وتتمثل هذه التهديدات في الجوانب البيئية، والصحية، والاقتصادية، والسياحية، والاجتماعية، والجمالية.

 

فقد شاهدنا هذا الكائن الضعيف قبل سنوات وهو يسد فتحات أنابيب المياه التي تُدخل ماء البحر في محطة سترة لتحلية المياه ويسبب لها الكثير من المتاعب والإزعاج والإرباك غير المتوقع لعمل المحطة، كما سمعنا في الأول من أكتوبر من عام 2013 عن وقوع شللٍ في عمل أكبر وأول محطة نووية في السويد لتوليد الكهرباء على بحر البلطيق، وكان هذا المخلوق الهش يقف وراء هذا الشلل والتوقف المفاجئ للمحطة، وكاد هذا الكائن "البريء المظهر" أن يُوقع كارثة نووية لا يعرف أحد عواقبها وانعكاساتها على الإنسان والكرة الأرضية برمتها. كذلك شاهدنا الهجوم الجماعي لجحافل عظيمة منها للسواحل وغزوها الكامل لها والاستيطان فيها وطرد جميع السواح منها وإغلاق المنطقة البحرية برمتها بالشمع الأحمر، والذي ترتب عليها خسائر اقتصادية واجتماعية كبيرة على الجميع.

 

فهذه الظاهرة الحديثة المتمثلة في النمو غير الطبيعي للجيلي فيش واحتلالها للسواحل يعزى إلى عدة أسباب من أهمها هو الصيد البحري الجائر باستخدام كافة الوسائل والأدوات المشروعة وغير المشروعة والذي أودى بحياة الكثير من أنواع الأسماك التي كانت تتغذى على قنديل البحر، مما ترك الباب مفتوحاً لهذا النوع من الكائنات في التكاثر والنمو بدرجةٍ كبيرةٍ وفي مناطق واسعة من البيئة البحرية، ومنها التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة البحار التي تعمل كمغذي طبيعي يساعد على نموها وتكاثرها، إضافة إلى تلوث البحر الناجم عن مياه التوازن في السفن ومن المصانع الساحلية ومياه الصرف الصحي والزراعي.

 

ولذلك نجد أن تصرفات وسلوكيات الإنسان المـُتـَـعدية على حرمات البيئة والمفسدة لنوعيتها وهويتها هي التي كونت ظواهر بيئية خطيرة تهدد أمن وسلامة الإنسان والبيئة معاً.