الجمعة، 27 نوفمبر 2015

قمة "المجاملات" للتغير المناخي





الاجتماع رقم (21) للدول الأطراف في الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي، أو ما يُطلق عليه الآن قمة باريس، والتي تُعقد حالياً في العاصمة الفرنسية، تَحولت إلى قمة "مجاملات" لفرنسا، وليست قمة لحماية الأرض من تهديدات التغير المناخي وسخونة الأرض، فأصبح تركيزها ومركز اهتمامها مُنْصباً على التضامن مع الشعب الفرنسي ضد العملية الإرهابية التي نزلت عليها فهزت أركانها ودعائمها وأصابتها في عُقر دارها ومركز ثقلها وقلبها النابض بالحياة، فتوافد معظم رؤساء الدول ورؤساء وزراء الحكومات إلى باريس دعماً لحكومة وشعب فرنسا، وللإعلان عن وقفتهم الصلبة مع هذه الدولة المنكوبة، إضافة إلى التشديد على مواقفهم الثابتة والراسخة وتحديهم للإرهاب، وبالتحديد الإرهاب الناجم عن ما يُطلق عليه بداعش أو تنظيم الدولة الإسلامية.

ولذلك مع هذه الروح السائدة بين وفود الدول المشاركة، وهذه النية الواضحة التي طَغَتْ على مشاركة رؤساء الدول، فماذا نتوقع منهم من تعهدات تجاه كوكبنا وارتفاع درجة حرارتها وسخونة أعضاء جسمها؟

وهل ستَخْرج الدول المشاركة في القمة بمعاهدة "شاملة وملزمة قانونياً"، أي معاهدة تشمل كل دول العالم بدون استثناء، ومعاهدة تلتزم بها كافة الدول وتتعهد أمام الملأ على وضع حدودٍ واضحة لنسبة ودرجة انبعاثاتها من الغازات التي تهدد سلامة كوكبنا، وبالتحديد غاز ثاني أكسيد الكربون؟ 

فالتقارير الحكومية والصحفية التي تُنشر هذه الأيام حول موقف الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الدولة العظمى الأولى التي بيدها مفاتيح انجاح القمة أو فشلها، وبيدها تحريك دفة سفينة التغير المناخي إلى بَر الأمان، تُؤكد بأن الرئيس الأمريكي أوباما يحضر القمة وليس في جعبته أية التزامات قوية وواضحة المعالم من الحكومة الأمريكية، أو تفويض رسمي من الكونجرس لخفض انبعاثاتها من الغازات المسؤولة عن التغير المناخي ورفع درجة حرارة الأرض، ولن يُقدم أثناء زيارته القصيرة أية وعود حقيقية فاعلة، أو ضمانات أمريكية مكتوبة لحماية الأرض من حرارتها المرتفعة، فمشاركته تدخل ضمن باب الدعم والمساندة للحكومة الفرنسية ضد الإرهاب وليس وقوفاً مع قضية التغير المناخي الدولية، وتحدياً للإرهابيين أينما كانوا وليس تحدياً لمواجهة والحد من إطلاق الملوثات إلى الهواء الجوي، وحضوره للقمة يأتي تلبيةً لدعوة حارة قدَّمها الرئيس الفرنسي هولاند عند زيارته الأخيرة للبيت الأبيض لمناقشة سبل التعامل مع تداعيات العملية الإرهابية في فرنسا وتنسيق الجهود المستقبلية ضد داعش.

فالرئيس أوباما الآن في الرَمق الأخير من حُكمه، وهو يَعُد أيامه القليلة الباقية، ويجهز حقائبه لمغادرة البيت الأبيض، فلن يتمكن في هذه المرحلة الختامية من رئاسته من ضمان مساهمة الولايات المتحدة الأمريكية في خفض انبعاثاتها في القريب العاجل، ولن يكون قادراً عملياً على الالتزام بأية تعهدات مؤثرة وفاعلة للحد من إطلاق الملوثات إلى الهواء الجوي، فمن جهة الرئيس القادم له الحق في تغيير وإلغاء أي التزامٍ غير مكتوب وموثق قانونياً للرئيس السابق، ومن جهةٍ أخرى فإن الكونجرس الأمريكي يُسيطر عليه الآن الجمهوريون، ومعظمهم لا يؤمن بالتغير المناخي وانعكاساته على سلامة الأرض، بل ويدَّعون بأن أي التزامٍ أمريكي على مستوى الولايات بخفض انبعاثاتها من الملوثات سيُضحي بالاقتصاد الأمريكي ويُضعفه، ويقتل فرص الأعمال والعمل والوظائف في الولايات المتحدة الأمريكية برمتها.

وجدير بالذكر أن دول العالم منذ الاتفاق على بروتوكول كيوتو لعام 1997 والتي ألزمت الدول الصناعية، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية على خفض انبعاثاتها بنسبة معينة وفي فترات زمنية محددة، تُراوح في مكانها، فلم تتمكن من اتخاذ خطوة أخرى مماثلة على المستوى الدولي، فدول العالم مازالت حتى يومنا هذا في مرحلة "المفاوضات"، ومازالت تُعقد الاجتماعات، واحدة تلو الأخرى، ولكن دون جدوى أو قرارات ملزمة وفاعلة، وهذه القمة الباريسية الآن لن تكون في تقديري مختلفة عن باقي القمم، وعلى كوكبنا الانتظار، والتحمل، والتكيف مع كل هذه التغييرات المناخية التي أصابتها وضربت أعضاءها.     

الجمعة، 20 نوفمبر 2015

الفشل مصير قمة باريس للتغير المناخي



هل ستكون قمة باريس أفضل حالاً وأوفر حظاً من القمم والاجتماعات الدولية الأخرى التي عُقدت حول قضية التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، أم سيكون مصيرها كمصير باقي الاجتماعات والمؤتمرات التي وكأنها لم تُعقد، فلم يتمخض عنها ما يُروي غليل كوكبنا وبيئتنا الوحيدة، ويطفئ ظمأها، ويُقمن صلبها، ويشفي عِلتها؟

فالتحدي الكبير الذي يواجه الدول الآن والذي يحدد فشل أو نجاح أية قمة للتغير المناخي هو الاتفاق جميعاً على معاهدة دولية شاملة و"ملزمة قانونياً"، أي الحصول على تعهد كافة دول العالم بدون استثناء على الوفاء بالتزامات ملموسة وفاعلة وواضحة خلال فترة زمنية محددة، والقيام بخطواتٍ تنفيذية مشهودة، كل دولة على حِدة، وتتمثل هذه الإجراءات في خفض انبعاث الملوثات المسئولة عن وقوع التغير المناخي للأرض والمتهمة برفع درجة حرارتها وإصابتها بالسخونة المزمنة.

ولكي أجيب عن السؤال الذي طرحته في مقدمة المقال، سأرجع إلى مواقف ومرئيات دول العالم الرسمية والمعلنة حول التغير المناخي، وبخاصة الدول الصناعية الكبرى التي في يدها القرار وتوجيه بوصلة سياسات العالم، وتسير دفة سفينة كوكبنا، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.

ففي 12 نوفمبر من العام الجاري وعلى هامش قمة "فاليتا" بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا حول الهجرة، فَجَّر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قنبلة من قنابل الدمار الشامل التي لاقت صداها في كل دول العالم وأصابت الكثيرين بالإحباط والتشاؤم، حيث صرح في مقابلة صحفية مع جريدة الفايننشال تايمس مشيراً إلى قمة المناخ رقم (21) التي تستضيفها العاصمة الفرنسية باريس في الفترة من 30 نوفمبر حتى 11 ديسمبر من العام الجاري، وقال: "لن تكون معاهدة بالتأكيد... لن تكون هناك أهداف خفض لانبعاث الغازات ملزمة قانونياً مثل ما كان الأمر بالنسبة إلى كيوتو". فوزير الخارجية الأمريكي في هذا التصريح يستبعد بكل وضوح وصراحة إمكانية دول العالم التوصل إلى اتفاقية للتغير المناخي ملزمة قانونياً، بحيث تُـجبِر دول العالم بدون استثناء على خفض انبعاثاتها من غازات الدفيئة المعنية بالتغير المناخي بنسبٍ محددة وفي فترة زمنية واحدة.
فالمعاهدة الدولية اليتيمة التي أَجمعتْ عليها دول العالم وتعهدت بتنفيذها من خلال الحد من انبعاثاتها بدرجةٍ محددة، كانت بروتوكول كيوتو لعام 1997، وحتى هذه المعاهدة لم تر النور طويلاً، فقد هاجمتها الولايات المتحدة الأمريكية بشدة وخرقت الاجماع الدولي، عندما رفض الرئيس السابق جورج بوش والكونجرس الجمهوري الأمريكي المصادقة عليها بحجة تأثيرها على الاقتصاد الأمريكي، فكان الفشل هو مصير هذا البروتوكول الوحيد.  

ولذلك جاء رد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس(Laurent Fabius) سريعاً ومباشراً على تصريحات كيري غير المشجعة والمخيبة للآمال، حيث أبدى أسفه العميق من هذا الموقف، وقال بعبارات لطيفة للإعلام مشيراً إلى هذه التصريحات: "أعتقد أنه كان يمكن أن يستخدم تعبيراً أفضل".

فمن الواضح إذن أن قمة باريس ستبدأ بقواعد ضعيفة ومهزوزة، وليست لديها القوة السياسية الكافية التي تسمح لها بالخروج بقرارات حاسمة وجازمة، ولم تحصل على الدعم المطلوب من أكبر قوة سياسية وعسكرية في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، فالكونجرس الأمريكي الذي يسيطر عليه الجمهوريون والذين كسبوا سمعة سيئة خلال محاربتهم لأي اتفاق ملزم في مجال التغير المناخي وعدائهم المعلن لوضح حدود لانبعاث الملوثات، سيعمل على احباط أية محاولة من البيت الأبيض لبلوغ اتفاق دولي يلزم أمريكا على خفض انبعاث الملوثات. 

واستناداً إلى هذه المعطيات، فإنني غير متفائل من أن دول العالم ستنجح في الالتزام بشكلٍ جماعي في حماية كوكبنا من ارتفاع درجة حرارتها، وأتوقع كالعادة في باقي الاجتماعات أن يخرج عن المؤتمر حفاظاً على ماء وجه المجتمعيين الذي لوثوا البيئية ورفعوا درجة حرارتها من خلال سفر عشرات الآلاف من الوفود إلى باريس، أن يوافقوا على بعض "اللوائح والأنظمة والإجراءات العامة"، ولكن لن تتمخض عن القمة أية تعهدات من الدول على خفض انبعاث ملوثاتها إلى الهواء الجوي بحدود معينة وفي فترات زمنية واضحة.



الاثنين، 16 نوفمبر 2015

البُعد البيئي لرفع الدعم عن اللحوم


لستُ هنا بصدد الحديث عن قضية "دعم اللحوم" بشكلٍ عام، ولا أريد أن أَدخل في الجدل القائم حالياً في البلد حول هذه القضية المتداخلة والمعقدة، ولكنني شخصياً لا أرى من المصلحة العامة على المدى القريب وفي هذه المرحلة الحرجة من رفع الدعم عن المواطن بسبب الظروف المحلية والإقليمية الأمنية الملتهبة التي نعيشها، فلا نريد أن نزيد من وقود اشتعالها بإحياء قضيةٍ أخرى تزيد من احتقان المواطن وتُعمق من معاناته اليومية.

 

ولذلك أُريد اليوم أن أُلقي الضوء على المردودات البيئية التي تنجم عن العُزوف عن استهلاك اللحم، أو في الأقل خفض استهلاكه نتيجة لارتفاع سعره.

 

فعلماء البيئة، والتغير المناخي بشكلٍ خاص ينصحون الناس ويوجهونهم إلى التقليل من استهلاك اللحوم الحمراء، وبشكلٍ خاص لحم البقر، وذلك من أجل حماية كوكبنا من الإصابة بالسخونة وارتفاع درجة حرارته والحد من تفاقم مشكلة التغير المناخي، فكلما قَلل الإنسان من أكل اللحوم زاد من اسهامه ودوره على المستوى الفردي في منع أو التخفيف من حدة تداعيات ظاهرة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض.

 

ويُعزى السبب في هذه العلاقة المتينة والقوية بين أكل اللحوم ودرجة حرارة الأرض في الإحصاءات التي نشرتها مؤخراً منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة، والتي أكدت على أن قطاع إنتاج وتنمية المواشي يُسهم بنسبة 18% من الانبعاثات الكلية للملوثات التي تؤدي إلى تلوث الهواء الجوي ورفع درجة حرارة الأرض، أو ما يُطلق عليه الآن غازات الدفيئة وغازات الاحتباس الحراري، وبنسبةٍ تصل إلى 35% من غاز الميثان، أحد المتَهمين الرئيسين عن التغير المناخي، أي ربما أعلى من القطاعات التنموية الأخرى كقطاع المواصلات والصناعة.

 

فالأبقار والمواشي بعد الأكل وبعد عملية تخمر الغذاء وهضمه في الجهاز الهضمي تَتَجَشأ أيضاً كما يَتَجَشْأ (يِتْجدِّه) الإنسان، فيتولد عنها غاز الميثان الذي يعتبر من أشد الغازات والملوثات وطأةً وتأثيراً على الكرة الأرضية من حيث وقوع ظاهرة التغير المناخي وسخونة الأرض، فهذا الغاز له قدرة 23 مرة أعلى من الغازات الأخرى المسئولة عن رفع درجة حرارة الأرض، وبالتحديد ثاني أكسيد الكربون.

 

وانطلاقاً من هذه الحقيقة، فعملية رفع الدعم عن اللحم ليس شراً كلها.

 

 

السبت، 14 نوفمبر 2015

البحرين ضمن أعلى الدول العربية في مرض السكري


جميع الإحصاءات التي نَشَرتها المنظمات الإقليمية والدولية كمنظمة الصحة العالمية أو الاتحاد العالمي للسكري خلال العقد الماضي تؤكد أن الدول العربية بشكلٍ عام ودول الخليج بشكلٍ خاص، ومن بينها البحرين تُعد من أعلى الدول بالنسبة للإصابة بمرض السكري وانتشاره بين السكان، فمازلنا حتى يومنا هذا نتصدر وبِكُل فخرٍ واعتزاز قائمة البلدان الأكثر إصابة بمرض السكري بين دول العالم قاطبة!

 

ولا أريد هنا أن أَلج في دَهاليز مرض السكري من حيث الأنواع والأسباب التقليدية المعروفة لدى الجميع والتي تؤدي إلى الإصابة بالسكري سواء أكانت البدانة والسمنة المفرطة، أو قلة ممارسة الرياضة والأعمال والأنشطة الجسدية والعضلية، أو الضغوط النفسية والقلق الذي قد يتعرض له الإنسان أثناء حياته، وإنما أُريد في هذا المقال أن أرُكز على عاملٍ جديد يجهله الكثير من الناس، ومصدرٍ حديث يغفل عنه الأطباء والمختصون بتشخيصِ وعلاج هذا الوباء العام الذي تفشى في مجتمعاتنا الخليجية.

 

هذا العامل الجديد هو تلوث البيئة ومكوناتها الحية وغير الحية بآلاف الملوثات الكيميائية التي دخلت وتغلغلت في كل شبرٍ من عناصر بيئتنا، سواء أكانت الهواء الجوي، أو المسطحات المائية والأنهار الجوفية، أو التربة، والمظاهر التي تنجم عن هذا التلوث ووجود الملوثات والتي نراها أمامنا واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ولا تخفى على أي إنسان، مثل الضباب الضوئي الكيميائي القاتل الذي يُغير لون الهواء الجوي الجميل إلى اللون البني الأصفر، أو المد الأخضر والأحمر الذي يُعكر صفاء ونقاوة لون البحار والبحيرات، أو ارتفاع درجة حرارة الأرض والتغير المناخي والاحتباس الحراري. 

 

فكل هذه الملوثات التي ضربت أطنابها عميقة في بيئتنا، والمظاهر الخطرة والمرئية التي تنكشف بسبب وجودها، تؤثر بشكلٍ مباشر أو غير مباشر علينا وتُهدد أمننا الصحي، وتصيبنا بالأمراض المستعصية المزمنة كأمراض الجهاز التنفسي، والقلب، والسرطان، ومرض السكري ليس ببعيدٍ منها.

 

فعلى سبيل المثال لا الحصر، ظاهرة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة كوكبنا والتي تنكشف بسبب ارتفاع تركيز بعض الملوثات في الهواء الجوي، مثل ثاني أكسيد الكربون، وغاز الميثان، وأكاسيد النيتروجين الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري في السيارات، والطائرات، ومحطات توليد الكهرباء، والمصانع، تؤدي إلى ازدياد احتمال الإصابة بمرض السكري.

 

وقد أكدت الدراسات أن هناك علاقة قوية بين السكري، وبالتحديد السكري من النوع الثاني والتغير المناخي، فقد نَشر الاتحاد الدولي للسكري تقريراً يُعد هو الأول من نوعه في يونيو 2012 تحت عنوان: "السكري والتغير المناخي"، حيث قام فريق من الخبراء المختصين في العلوم الصحية والبيئية بتحليلِ الأبحاث والدراسات المتعلقة بهذه القضية وأشاروا إلى أن التغير المناخي يؤدي إلى ارتفاع احتمال التعرض لمرض السكري.

 

وعزا هؤلاء العلماء السبب في وجود العلاقة بين التغير المناخي والسكري إلى أن ارتفاع درجة حرارة الأرض يزيد من فقدان الجسم للماء فيؤدي إلى تفاقم الحالة الصحية للإنسان، وبخاصة المصابون بمرض السكري وانتكاس حالتهم المرضية.

 

ومن جانبٍ آخر أكدت الدراسات أن هناك علاقةً قوية بين التعرض لفترة طويلة للملوثات وارتفاع احتمال الإصابة بالسكري. فهناك دراسة نُشرت في مجلة شؤون صحة البيئة الأمريكية في يناير 2014، وتبين أن التلوث، وبالتحديد الدخان أو الجسيمات الدقيقة يصيب الإنسان بحالةٍ تُعرف بمقاومة الإنسلين(Insulin resistance)، وهي فشل خلايا الجسم في التجاوب مع وظيفة هرمون الإنسلين، فالجسم يُنتج الإنسلين ولكن بعض الخلايا لوجود خللٍ في أحد أجزائه ومكوناته يقَاوم الإنسلين ويمنع القيام بوظيفته الطبيعية، وهي تنظيم نقل الجلوكوز من مجري الدم إلى داخل الخلايا لتزويدها بالطاقة اللازمة للإنسان، وتَكُون النتيجة هي ارتفاع الجلوكوز في الدم، مما يسبب مشكلات صحية متعددة، منها مرض السكري من النوع الثاني.

 

ودراسة ثانية نشرت في يوليو 2013 في مجلة شؤون صحة البيئة تحت عنوان:" مخاطر الإصابة بالسكري عند التعرض المستمر للجسيمات الدقيقة في مدينة أونتاريو الكندية"، وأُجريت على نحو نصف مليون إنسان، حيث أكدت أن التعرض لسنواتٍ طويلة للجسيمات الدقيقة يزيد من الوقوع في حالة مقاومة الإنسلين، وبالتالي الإصابة بالسكري. كذلك نُشرت دراسة في يوليو 2013 في المجلة نفسها تحت عنوان: "تقييم العلاقة بين الملوثات العضوية الثابتة والمستقرة ومرض السكري"، حيث قامت بتقييم وتحليل الدراسات الوبائية السابقة المتعلقة بالموضوع، وعددها 72، وتَبَين أن هناك علاقة بين بعض الملوثات العضوية الثابتة التي تحتوي على عنصر الكلور والإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.

 

والخلاصة أن هناك عاملاً جديداً دخل الآن مع العوامل التقليدية الأخرى التي تُعرضنا للوقوع في فخ مرض السكري وهو التلوث، وسيكون مع الوقت هو العامل الرئيس للإصابة للسكري، فاجتنبوه وابتعدوا عنه، وحاربوه أينما وُجد.

 

الأربعاء، 11 نوفمبر 2015

اسم جديد على لوحة شرف المواد المسرطنة


في كل يوم نسمع ونقرأ عن اسمٍ ومادةٍ جديدة، أو ملوث آخر يضاف إلى قائمة الشرف الخاصة بالمواد التي من المحتمل أن تسبب السرطان للإنسان، وهذه القائمة اكتظت الآن بالأسماء، وامتلأت صفحاتها بالمواد الكيميائية والحيوية والفيزيائية التي تهدد حياة البشر وتعرضهم في فخ الوقوع في هذا المرض العضال، حتى أصبحت أسماء المواد السليمة خارج دائرة هذه القائمة أقل من أعداد المواد التي أُدمجت في قائمة الشر ولوحة الفساد الصحي هذه.

 

فقد أعلنت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، وهي الذراع العلمي والفني لجميع القضايا المتعلقة بالسرطان لمنظمة الصحة العالمية، حيث تقوم بين الحين والآخر بإصدار الفتاوى العلمية حول آخر المستجدات حول مرض السرطان وأحدث المعلومات عن المواد المسببة للسرطان، أن بعض المواد الغذائية، وبالتحديد اللحوم الحمراء المعالجة كيميائياً قد تم تصنيفها ضمن المجموعة الأولى من المواد المــُسرطنة(carcinogenic)، أي أنها تسبب السرطان للإنسان، وبالتحديد سرطان الأمعاء أو القولون المستقيمي، كما وضع الإعلان نفسه اللحوم الحمراء كالبقر والخراف والأغنام والخنزير ضمن المجموعة الثانية(أ)، أي أنها من المحتمل أن تكون مسرطنة وتعرض الإنسان لخطر الإصابة بسرطان القولون والبروستات والبنكرياس.

 

وهذا الإعلان الجديد الذي نُشر في العدد الصادر في أكتوبر من العام الجاري في مجلة لانست لعلم الأورام (Lancet Oncology) هَزَّ المجتمع الدولي برمته وأوقعه في حيرةٍ من أَمره، وبخاصة من جهةِ الذين يستهلكون يومياً هذه الأنواع المعالجة من اللحوم ولا يستطيعون الاستغناء عنها كلياً، واللذين يعتمد رزقهم على تصنيعها وإنتاجها وتوزيعها وتسويقها وبيعها من جهةٍ أخرى.

 

وبعبارةٍ بسيطة فإن هذا التصنيف الأخير للحوم الحمراء المعالجة يقول لمليارات الناس في كل أنحاء العالم اجتنبوا وتوقفوا فوراً عن أكل ما تلذذتم به منذ عقود،كالبيكن(bacon)، والسوسيج(sausage)، والهام(ham) والهوت دوج(hot dog)، والسالامي(salami) وغيرها من المأكولات الشهية ذات الشعبية الواسعة، وإلا سيكون مصيركم الوبال والحسرة والسقوط في المرض الخبيث. 

 

ويُعزى السبب في هذا التصنيف المخيف إلى أن اللحوم الحمراء تعالج إما للمحافظة عليها لفترة طويلة من الزمن لمنع نمو البكتيريا، وإما تعالج لتحسين طعمها ونكهتها ولونها والحفاظ على طراوتها ومظهرها الخارجي، وطرق المعالجة هذه تكون بالتمليح، أو التدخين، أو التخمير، أو إضافة المواد الحافظة، وتكمن الخطورة في هذه العملية عند إضافة أملاح "النيترايت"(nitrite)، أو "النيتريت"( nitrate) كمواد حافظة إلى اللحوم، وهذه المركبات تتحول في الجسم إلى مركبات "النيتروزو أمين"( nitrosamine) المصنَّفة كمواد مسرطنة.

 

وجدير بالذكر أن قائمة المواد المسرطنة التي تم وضع اللحوم الحمراء المعالجة فيها والتي تُعد الأشد فتكاً بصحة الإنسان، تشتمل على ملوثات ومواد أخرى كثيرة منها التدخين بكل أنواعه وأشكاله وصوره، والخمر، وأشعة إكس والأشعة المؤينة الأخرى، وأجهزة التانينج التي تقوم بتغيير لون الجلد ودباغة الجلد، إضافة إلى الهواء الجوي بشكلٍ عام والملوثات التي تنبعث من عوادم سيارات الديزل والجازولين.

 

وختاماً ربما يثور سؤال عند الناس: ماذا نأكل، وماذا نشرب، وأين نعيش إذا كانت المأكولات الشهية التي تعودنا على أكلها تُعرضنا للأمراض المستعصية المزمنة، وإذا كان الهواء الجوي الذي نستنشقه يُفسد علينا صحتنا؟

 
وإجابتي عن هذا السؤال تكمن في تبني منهج الوسطية والاعتدال والتنوع في الأكل والشرب وعدم الإفراط والإسراف في تناول نوعٍ واحد فقط من المأكولات وبقدرٍ كبير، كما هدانا رب العالمين عندما قال:"وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين"، إضافة إلى تجنب الممارسات السيئة غير الصحية التي نهى عنها ديننا والتي من المعروف أنها تصيب الإنسان بالسرطان، وهي في متناول قُدرتنا على تجنبها مثل التدخين وشرب الخمر وغيرهما.

الخميس، 5 نوفمبر 2015

كم يُساوي الخُفَّاش بالنسبة لك؟



قبل أيام تلقيتُ مكالمة من جامعة البحرين حول وجود أعدادٍ كبيرة من الخَفَافِيش التي قد وضعت عشها،وصنعت بيتها، واستقرت أمورها فاستَوطَنت وتكاثرت في أسقف أحد المواقع النائية والمظلمة وشبه المغلقة في مبنى الجامعة في منطقة الصخير، وكان الهدف من المكالمة هو التخلص من هذه الخفافيش المخيفة وإبعادها عن هذا المبنى المأهول بالبشر.

ولا شك بأننا في البحرين لا نستشعر أهمية مثل هذا الكائن الحي، ولا نحس أو نعرف دوره في حد ذاته، ولا نعلم شيئاً عن وظيفته ضمن النظام البيئي في البحرين، وبخاصة في المناطق البرية والكهوف النائية التي يستوطنها هذا الكائن، ولذلك من السهل علينا أن نقوم بالتخلص منها، إما بقتلها، أو جعلها تَنْفر وتهرب من بيئاتنا المسكونة بالناس.

ولكن في الولايات المتحدة الأمريكية فالأمر مختلف كلياً، وبخاصة بالنسبة لإحدى الولايات، فبَقَاء هذه الخفافيش ووجودها في البيئة التي تعيش فيها يساوي مبالغ مالية طائلة وعظيمة، وقُدرتْ مؤخراً فوائدها المحسوبة مالياً بنحو3.7 بليون دولار، أي أن دور ووظيفة الخفاش في البيئة الأمريكية مهم جداً وحيوي ليس من الناحية البيئية فحسب، والتي مع الأسف يغفل عنها الكثير من الناس ولا تُحرك ولا تسيل لعاب القادة السياسيين أو رجال الأعمال، وإنما من الناحية الاقتصادية البحتة على حدٍ سواء.

ففي المناطق الزراعية الواسعة وفي الحقول الشاسعة التي تبلغ مساحتها في بعض الأوقات أكبر من مساحة البحرين، والتي تزرع فيها المحاصيل التي يستهلكها الإنسان ويعتمد عليها كلياً في غذائه كالحبوب والفواكه، يضطر فيها المزارعون إلى استخدم شتى أنواع المبيدات القاتلة للحيوان، والحياة الفطرية والإنسان على حدٍ سواء، فيرشون في حقولهم أحجاماً كبيرة من مبيدات الحشرات، والأعشاب، والطفيليات وغيرها من أجل القضاء على كافة أنواع الآفات التي تأكل هذه المحاصيل فتقضي عليها كلياً في بعض الأوقات، أو تؤثر بشكلٍ مشهود على جودتها ونوعيتها.
وهذه المبيدات إضافة إلى أنها سامة للبشر والحجر والكائنات الحية الأخرى وتلوث التربة والمسطحات المائية والأنهار الجوفية، فهي مكلفة جداً وغالية الثمن وترهق ميزانية هؤلاء الفلاحين، فترفع من كُلفة الإنتاج وسعر المحاصيل.

ولذلك كان لا بد من إيجاد البدائل الطبيعية والصحية للبيئة والإنسان من جهة، والتقليل من مصاريف التشغيل والإنتاج من جهةٍ أخرى، فكان البديل المناسب والحل الناجع يكمن في ثرواتنا الفطرية الطبيعية الحية التي خلقها الله لنا، فجعل كلاً منها بِقَدَر وبأعداد محسوبة ووضعها في المكان المناسب الذي يقوم بدوره ووظيفته خير قيام ضمن الكائنات الحية الأخرى بدرجةٍ متناهية في الدقة والاتزان.

وكان الخفاش أو الوَطْوَاط هو الكائن الحي الذي يستطيع أن يقوم بهذه الوظيفة التي تتمثل في القضاء على الآفات والحشرات الضارة بالنباتات بشتى أنواعها، إضافة إلى تلقيح أكثر من 300 نوعٍ من الفواكه، وبالتالي توفير الملايين من الدولارات التي تُصرف على المبيدات والخسائر التي تنجم عن كمية المحاصيل وجودتها. فالخفاش يبدأ دوامه الرسمي ووقت عمله المرسوم له بعد غروب الشمس بعد أن نخلد نحن بني البشر إلى الراحة والنوم، فينطلق في الجو والفضاء المفتوح في هذه الحقول المظلمة فيلتهم كل حشرة ضارة تقف في طريقه، ويُقدم بالتالي خدمة مجانية للبشرية وعمل تطوعي دون أي مقابل من بني البشر.

وقد حاول العلماء منذ سنوات تحويل هذه الخدمة الطبيعية إلى أوراق نقدية محسوبة ومبالغ مالية معدودة، وقد توصلوا إلى أن الدور الذي تقوم به الخفافيش لحماية الإنتاج والمحاصيل الزراعية في الولايات المتحدة الأمريكية هي قرابة 3.7 بليون دولار، وفي ولاية تكساس يساوي حفاظها على حقول القطن زهاء مليون دولار، ونحو بليون دولار لإنتاج الذرة على المستوى الدولي.

ولذلك لا تحتقروا أي كائنٍ حي، مهما صغر، أو كان مفترساً وساماً، سواء أكان حيوانياً أو نباتياً، فلكلٍ دوره ووظيفته، فهناك من الوظائف التي اكتشفها الإنسان، وهناك ما لم يكتشفها بعد، والعلم كفيل بإظهارها ومعرفتها مع الوقت، فالله لم يخلق أي كائنٍ حي عبثاً.