الأحد، 29 مايو 2016

25 عاماً وأنا أُلاحق السَرَاب


منذ عام 1992 وحتى يومنا هذا، أي منذ انعقاد قمة الأرض في مدينة ري ودي جانيروا في البرازيل والتي تمخضت عنها "الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي"، وأنا أُتابعُ وأراقب كافة التطورات المتعلقة بالتغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، وأُلاحق يوماً بيوم الجهود الدولية المكثفة والمستمرة منذ 25 عاماً والرامية إلى مكافحة هذه الظاهرة العالمية المشتركة، وهذه القضية الشائكة والمعقدة التي شغلت كل فرد يعيش على سطح الأرض، من مواطنٍ عادي إلى رئيس دولة، حيث تمثلت جهود العالم ومنظمات الأمم المتحدة المعنية بالتغير المناخي في السعي نحو تحقيق صفقة تشريعية دولية واتفاقية مُلزمة تطبقها كل دول العالم بدون استثناء.

 

وتبين لي أنني طوال هذه السنوات، أي طوال نحو ربع قرن من متابعتي لاتفاقية التغير المناخي المنشودة، أَلحق سراباً وهمياً لا وجود واقعي مشهود وملموس له، فأصبحتُ الآن ينطبق علي قول الله سبحانه وتعالى في سورةالنور:" كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً".

 

فدُول العالم في عام 1992 وافقتْ على الخطوط العريضة والمبادئ الأساسية للتغير المناخي والتي كانت هي حجر الأساس والقاعدة التي ينطلق منها بِناء معاهدة دولية تتعهد بتنفيذها كل الأطراف الدولية بدون استثناء، ولكن هذا البناء لم يكتمل بعد، وقد لا يكتمل أبداً في صورته النهائية المطلوبة التي تحقق هدف إيقاف التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، فمازال المجتمع البشري حتى يومنا هذا يضع وببطءٍ شديد طوباً فوق طوب كل سنة، وحجراً فوق حجر.

 

فقد وصل المجتمع الدولي إلى منتصف هذا الطريق الطويل وأَكْمل نصف البناء في 1997، عندما اتْفَقت دول العالم في مدينة كيوتو اليابانية على بروتوكول للتغير المناخي أُطلق عليه "بروتوكول كيوتو"، ومن أهم الإنجازات التي تحسب لهذه الاتفاقية أنها ألزمت الدول الصناعية الكبرى على خفض انبعاثاتها من الملوثات المتهمة برفع درجة حرارة الأرض وإحداث التغير المناخي، ولكنها كانت اتفاقية غير مكتملة وناقصة، حيث إنها استثنت الدول النامية ودول العالم الثالث من تنفيذها.

 

ولكن حركة البناء لهذه المعاهدة توقفت كلياً وأصابها الشلل التام عندما تراجعت الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أكبر دولة ملوثة للبيئة ومسئولة عن انبعاثات غازات الدفيئة، عن تعهداتها التي قطعتها على نفسها في كيوتو، حيث امتنع الكونجرس الجمهوري بزعامة ودَعْم جورج بوش من البيت الأبيض من التصديق على المعاهدة، فانسحبت كلياً من هذا البروتوكول الدولي، وبالتالي هَدَمْت أمريكا وحَطَّمت كل ما بناه المجتمع الدولي في قرارٍ واحدٍ فقط، وقضت على أحلام وطموحات الملايين من البشر في حماية كوكبهم والحفاظ عليه من تداعيات وانعكاسات التغير المناخي المهددة لاستدامة حياة الإنسان على الأرض.

 

وهنا وقف المجتمع الدولي حائراً وعاجزاً عن مواصلة البناء، فاضطر على بدء العملية من جديد ومن نقطة الصفر، وأخذ يجر مرة ثانية عجلة البناء لعله يتمكن من إعادة ما سهر على بنائه طوال العقود الماضية، فعُقدت الاجتماعات واحدة تلو الأخرى حتى وضع المجتمع الدولي آماله في الاجتماع الذي عقد في كوبنهاجن في الدنمارك في ديسمبر عام 2009 وبحضور زعماء العالم، يَتَقدمُهم الرئيس الأمريكي أوباما، ولكن خابت الآمال، وفشلت القمة، ولم يتفق قادة الدول على اتفاقية ملزمة، فاتجهتْ أنظار الشعوب من جديد في هذا النفق المظلم إلى اجتماع باريس في ديسمبر 2015، فاستبشرتُ خيراً لعل السراب الذي ألاحقه سيكون حقيقة، فانتهى الاجتماع بمعاهدة دولية ملزمة وغير ملزمة وطوعية في الوقت نفسه ومَرِنة جداً، بحيث إن الدول العالم كلها وافقت عليها دون تردد ووقعت عليها في 22  أبريل من العام الجاري في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، فهي تدعو الدول إلى التعهد والالتزام بخفض انبعاثات الغازات المتهمة برفع درجة حرارة الأرض، وفي المقابل تَمْنح الدول الحرية المطلقة، وتُعطيها الصلاحيات الكاملة بأن تقوم كل منها حسب إمكاناتها وظروفها بتحديد "مستوى" خفض الانبعاث، ولكن فَشَل الاجتماع في وضع آليةٍ للمحاسبة والعقوبات على كل دولة لا تقوم بخفض انبعاثاتها.

 

ولذلك في تقديري فإنني مازلت ألاحق سراب "معاهدة التغير المناخي" في آخر النفق الطويل الذي لا نهاية له، فالعالم لم يتفق على معاهدة مُلزمة لجميع الدول دون استثناء لخفض انبعاثاتها بمستوى محدد وثابت، ولم يُجْمع على آلية لمعاقبة الدول المخالفة والتي لا تنفذ تعهداتها، وفي المقابل فإن الأرض ترتفع حرارتها وتعاني وتتألم يومياً من سقمها المزمن، ودول العالم حتى يومنا هذا تتفاوض ولا تتفق.

 

الأربعاء، 25 مايو 2016

المقارنة بين حادثة سقوط الطائرة وحادثة تلوث الهواء


تألمتُ وحزنت كثيراً من سقوط طائرة مصر للطيران يوم الخميس 19 مايو، والتي ذهب ضحيتها 66 راكباً وهي في طريقها من باريس إلى القاهرة، كما أن وسائل الإعلام بجميع أشكالها وأنواعها وصورها ووسائل التواصل الاجتماعي هرعت منذ وقوع الحادثة، ومازالت حتى الآن، لتُغطي هذا الخبر، وتنشر كافة التفاصيل المتعلقة بنكبة هذه الطائرة سواء من الجوانب الخاصة بكيفية وأسباب سقوطها، أو الجوانب الإنسانية المتعلقة بالآلام الإنسانية والمعاناة البشرية لأهل وأقارب وذوي الذين لقوا حتفهم وقضوا نحبهم فجأة ومن غير أية مقدمات أو إنذار. 

 

وفي المقابل وقبيل فترة قصيرة من الزمن، وبالتحديد في 13 مايو من العام الحالي، نُشر تقرير دولي خطير من المفترض أن يُرعب الإنسان، وينشر في القلب الفزع والخوف، وهذا التقرير العلمي الجامع والشامل الذي نشرته إحدى منظمات الأمم المتحدة وهي منظمة الصحة العالمية يتحدث أيضاً عن الموت الجماعي للبشر والقتل المبكر للناس، ولكن هنا يختلف السبب عن حادثة سقوط الطائرة، فالسبب هو نتيجة لتلوث الهواء الجوي وتعرض الإنسان في كل ثانيةٍ من حياته للملوثات الخطرة والسامة والمسرطنة التي تَشبع بها الهواء في كل مدن العالم بدون استثناء.  

 

فالتقرير يؤكد أن خبرات الإنسان ونتائج أبحاثه تتجه نحو الاستنتاج بأن الهواء الذي نستنشقه ولا يمكننا الاستغناء عنه دقيقة واحدة يؤدي إلى إصابتنا بأنواع مختلفة من الأمراض الحادة والمزمنة القاتلة مثل أمراض الجهاز التنفسي، وأمراض القلب، وأمراض السرطان، وأشار إلى أن الجسيمات الدقيقة أو الغبار والملوثات المؤكسدة مثل الأوزون هي من الأسباب الرئيسة المؤدية إلى السقوط في هذه الأسقام والعلل المهددة لحياة الإنسان.

 

فهذا التقرير الكبير الذي غطى في حدوده الجغرافية 3000 مدينة، يمثلون 103 دول، أكد بأن أكثر من 80% من سكان هذه المدن يعانون من تلوث الهواء، ويعيشون في وسط هذه الأجواء القاتلة والمهلكة للصحة، كما أشار إلى أن تلوث الهواء يؤدي سنوياً إلى موت أعدادٍ مهولة من البشر تبلغ قرابة ثلاثة ملايين إنسان، يسقطون ضحية الإصابة بأمراض القلب، والسكتة، وسرطان الرئة وأمراض الجهاز التنفسي الأخرى، وهذا العدد يفوق الذي يسقطون ضحايا مرض الإيدز والملاريا.

 

وعلاوة على هذه الاستنتاجات المفزعة والمخيفة فإن التقرير أكد أن الوضع العام للهواء الجوي في معظم دول العالم في تدهورٍ مستمر وتدني مدقع، حيث أفاد بأن تلوث الهواء زاد بنسبة 8% خلال السنوات الماضية، والنسب العليا كانت في المدن الفقيرة غير المتقدمة، وهذه النسبة في تزايد كل سنة.

 

فهناك من دول العالم التي بلغ فيها مستوى تلوث الهواء درجة شديدة بحيث إن الهواء فيها أصبح غير قابلٍ للحياة ولا يمكن العيش فيها، وتحول إلى مستوى بليغ وحرج جداً لا يمكن تجاهله، أو السكوت عنه حتى من قبل الحكومات نفسها، كما حدث في الصين عندما أعلنت الحكومة الصينية ولأول مرة في تاريخها الطويل العريق "الحرب على التلوث" وأعلنت حالة الطوارئ الصحية القصوى في معظم أيام السنة، كما هو الحال في العاصمة بكين.

 

فبالرغم من هذه الحقائق المرعبة والمقلقة حول التأثيرات المميتة لتلوث الهواء إلا أن الحكومات ووسائل الإعلام لا تعيرها الأهمية المطلوبة منها، والتي تتناسب مع فداحتها وقوة أضرارها على المجتمع الإنساني، كما أن هذا التقرير الجامع الذي يؤكد على موت الملايين من البشر بسبب تلوث الهواء مَرَّ مُرور الكرام على معظم الصحف، وكأنهم لا يبالون بموت الإنسان، كما أن الحكومات لم تُصغ لنتائجه الصادمة، وكأنها لم تك شيئاً.

 

فهل موت الإنسان من سقوط طائرة، أو حادثة مرورية، يختلف عن موته لأسباب بيئية، مثل تلوث الهواء؟

 

أليس الموت "واحد".. أليست انعكاساته وآثاره على الفرد والأسرة والمجتمع واحدة، مهما كان السبب؟ فلماذا إذن هذا الاهتمام والرعاية من الجميع بنوعٍ واحدٍ من الموت، وفي المقابل تجاهل وإغفال الأنواع الأخرى الفاضحة والجلية من الموت، وفي مقدمتها الموت لأسباب بيئية، وبخاصة تدهور نوعية الهواء الجوي؟

 

 

الاثنين، 23 مايو 2016

هَدْر الطعام ظاهرة محلية أم عالمية؟


أساءنا جميعاً وتألمنا كثيراً من منظر العمال وهم يَرمُون بدمٍ بارد مئات الكيلوجرامات من الخضروات والفواكه الطازجة في سيارة جمع المخلفات، وكأنها نفايات تالفة لا قيمة لها وانتهت صلاحيتها فتُلقى إلى مثواها الأخير وتدفن في مقابر المخلفات.

 

ومثل هذا المشهد الذي قام به العمال ليس غريباً على الجميع، فنحن نراه أمامنا في مناسباتٍ كثيرة في بلادنا، سواء في الأفراح أم الأحزان، ويصل مثل هذا المشهد المحْزن ذروته في شهر رمضان إلى درجة أنني كتبتُ مقالاً قبل سنوات تحت عنوان: "رمضان شهر المخلفات".

 

ولكن هل هذا المشهد، أو "الظاهرة" المتمثلة في الإسراف في الطعام وهدر المواد الغذائية والتي تنعكس في نهاية المطاف على كمية المخلفات التي ينتجها الفرد أو المجتمع، تُعد ظاهرة محلية تنفرد بها البحرين، أم أنها مشكلة عالمية يمكن مشاهدتها في الكثير من دول العالم، وبخاصة الدول الصناعية الثرية والدول المتقدمة الغنية؟

 

لكي أجيب عن هذا السؤال اطلعتُ على الدراسات والأبحاث المتعلقة بهذه الظاهرة، وخرجت بالعديد من الحقائق حول هذه القضية البيئية الاجتماعية المتشابكة والمعقدة، وهي ما يلي:

أولاً: ظاهرة الإسراف في استهلاك المواد الغذائية وهدرها والتخلص منها بشكلٍ كبيرٍ ومشهود لها علاقة بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي للفرد والمجتمع، فبشكلٍ عام الدول الغنية أكثر هدراً للغذاء، وأشدها إنتاجاً لمخلفات الطعام، مما يعني بأن تصحيح سلوك أفراد المجتمع، ورفع الوعي الشعبي، وتغيير الاتجاهات يجب أن يكون من الأولويات على المستوى الحكومي للتقليل من حدة هذه الظاهرة. وسأُقدم مثالاً واحداً فقط لأُبين هذه الحقيقة، حيث قَدرت وكالة حماية البيئة الأمريكية أن المواطنين الأمريكيين، حسب إحصائية عام 2013 يُنتجون نحو 35 مليون طن من المخلفات الغذائية، ونحو 95% منها تنتقل إلى مقبرة المخلفات.

 

ثانياً: أَكدتْ منظمة الغذاء والزراعة(الفاو) التابعة للأمم المتحدة بأن قرابة ثلث الإنتاج العالمي من الغذاء لا يصل أصلاً إلى المستهلك وإلى موائد الطعام، أي يتم هَدْره والتخلص منه بعد إنتاجه مباشرة لأسباب متعددة منها سياسية ومنها اقتصادية، وهذا يعني أن نحو 1.3 بليون طن من المواد الغذائية يتحول إلى مخلفات ويصل أخيراً إلى مدافن المخلفات.

 

ولذلك فمن الواضح أن ظاهرة هدر وسوء إدارة المواد الغذائية تعتبر ظاهرة عالمية وليست محلية، ولكن درجاتها تتفاوت حسب المستوى الاقتصادي للشعب والدولة وحسب الوعي المجتمعي تجاه قضية المخلفات، ولكي نخفف من وطأة هذه الظاهرة، عَلَينا إتباع المنهج الإسلامي المتمثل في الوسطية والاعتدال في كل شأنٍ من شؤون الحياة، سواء في الأكل والشرب، أو استهلاك الماء والطعام، أو في العبادة.

 

الجمعة، 20 مايو 2016

إنها كارثةٌ من صُنعِ البشر



بالرغم من الازدحام الشديد لجدول أعمال أوباما، رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم، وبالرغم من أشغاله التي لا تنتهي، واهتماماته الكثيرة التي لا تُعد ولا تحصى، وبرامجه الكثيفة على المستوى القومي والإقليمي والدولي، فبالرغم من كل ذلك، إلا أن الرئيس الأمريكي تَرَكَ كل هذه الهموم الثقيلة جانباً، وابتعد قليلاً عن القضايا المصيرية العظمى التي تعاني منها أمريكا في الداخل والخارج وذهب إلى مدينةٍ صغيرة نائية غير معروفة ومهمشة ولا يمكن رؤيتها على خارطة هذه الدولة العظيمة، وليست لها أية أهمية سواء على مستوى الولاية التي تقع فيها، أو على المستوى القومي، كما أنها ليست لها أية أهمية انتخابية، ولا يوجد فيها كِبَار القُوم، من رجال السياسة والمال والنفوذ، فقد ترك أوباما كل هذا وراء ظهره، وركب طائرته متوجهاً إلى هذه المدينة الفقيرة المستضعفة من أجل قضية بيئية صحية مزدوجة، فقد انتقل أوباما إلى هناك بسبب اكتشاف أحد الملوثات الخطرة التي تهدد الصحة العامة في مياه الشرب في هذه المدينة الصغيرة القليلة العَدد والعُدة، ومعظمها من الــمُعْدمين السود، حيث يبلغ إجمالي عدد السكان قرابة مائة ألف نسمة.

فلولا أهمية هذه القضية وأبعادها البيئية، والصحية، والاقتصادية، والاجتماعية، ولولا الجوانب السياسية والأمنية التي انكشفت عنها علاوة على الجوانب الأخرى لما شَدَّ أوباما الرحال للاطلاع ميدانياً على مخاطرها وتهديداتها لحياة الإنسان ونوعية البيئة التي يعيش فيها، وبخاصة مياه الشرب التي لا حياة بدونها، حتى أن أوباما عندما حَطَّت رِحاله أرض المدينة في الرابع من مايو من العام الجاري ألقى خطاباً وصف فيه القضية بأنها "كارثة من صنع الإنسان، وكان يمكن تجنب وقوعها، وكان يمكن منعها"، أي أنه أعطى تصنيفاً خطيراً وعالياً لهذه القضية بوصفه لها بأنها "كارثة".

وهذه الكارثة لما كانت قد تقع لولا سوء إدارة الإنسان لمكونات بيئته، وقُصور نظرته، وضيق أفق سياسته ومحدوديتها، ورؤيته إلى شؤون البيئة ومشكلاتها بأنها لا أهمية لها ويمكن تجاهلها وتهميشها، إضافة إلى وضع الإنسان لهموم البيئة في أدنى سلم الأولويات وفي مؤخرة جدول الأعمال.

فالبذرة الخبيثة الأولى التي وُضعت في الأرض وسببت هذه الكارثة تكمن في رغبة المسئولين في مدينة فلينت(Flint) في ولاية مشيجان إلى التقشف في المصروفات، وخفض الاستهلاك العام وتوفير المال بسبب إفلاس مدينتهم وتدني إمكاناتهم المادية، فقاموا باتخاذ إجراءٍ بسيط يتمثل في تحويل مصدرِ مياه الشرب لسكان المدينة من مدينة ديترويت البعيدة عنها إلى المصدر الأرخص ثمناً، وهو نهر فلينت الذي يجري في قلب المدينة، دون الأخذ في الاعتبار جودة هذه المياه ونوعيتها، وتأثيراتها الصحية والبيئية على سكان المدينة، أي أن القرار الذي تم اتخاذه بُني فقط على جانبٍ واحد هو الجانب الاقتصادي البحت دون النظر إلى تداعيات هذا القرار على الجانب البيئي والصحي والأبعاد الأخرى ذات العلاقة.

وتبين مع الوقت أن المياه التي يشربها سكان المدينة ملوثة بواحدة من أخطر المواد الكيميائية التي عرفها الإنسان منذ القدم، وهو الرصاص، والأمر الذي نَقلَ هذه المشكلة وحولها من قضيةٍ بسيطةٍ تتمثل في تلوث مياه الشرب إلى "كارثةٍ بشريةٍ" هَزَّت الرئيس الأمريكي نفسه فأعلن حالة الطوارئ الاتحادية، هو تشبع دماء وعظام وأعضاء جسم سكان المدينة، وبخاصة الأطفال بهذا العنصر السام الخطير الذي يُسبب إعاقات وتشوهات خَلْقِية في الإنسان، ويؤثر على مستوى الذكاء عند الأطفال ويضعف من قدراتهم العقلية والفكرية، كما يجعل سلوكياتهم مع الوقت أكثر عدوانية وتميل نحو ارتكاب أعمال الشغب والجرائم والعنف.

ولذلك فإنني أُحذر، كما حَذرتُ ونَبهتُ كثيراً من قبل، إلى عدم الاستهانة بأية مشكلةٍ بيئية مهما كانت تبدو صغيرة وتافهة، وضرورة عدم تجاهلها وغض الطرف عنها باقتراح حلولٍ "ترقيعية" قصيرة الأمد، لأن المشكلة البيئية البسيطة إذا أُهملت وتُركت دول علاجٍ جذري شامل، ستتحول مع الوقت إلى قضيةٍ مزمنة، وكارثة مدمرة ذات أبعادٍ أمنية وسياسية، وستكون غولاً عظيماً لا يمكن السيطرة عليه، ولا يمكن التكهن بعواقبها.

الاثنين، 16 مايو 2016

حَسْم قضية السجائر الإلكترونية


منذ أن خَرجتْ علينا السجائر الإلكترونية في الأسواق قبل أكثر عشر سنوات، والنقاش يحتدم، والجدل يثور حول تصنيف هذا المنتج الجديد وكيفية التعامل معه، من حيث تسويقه، والإعلان عنه، وأماكن بيعه، والسن المسموح بتدخينه، واستمر هذا اللغَط حول هذه البدعة الشيطانية المهلكة والمفسدة حتى دخلت على الخط وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية، ممثلة في إدارة الغذاء والدواء وحسمت جميع الملابسات والشبهات التي تدور حولها، واتخذت قراراً جريئاً بشأنها.

 

فقد قررت إدارة الغذاء والدواء التعامل مع السجائر الإلكترونية بالطريقة نفسها التي يتم فيها إدارة منتجات التبغ المختلفة كالسجائر التقليدية المعروفة منذ مئات السنين، والسِيجار، والمِدْواخ، فهذا القرار يعطي الصلاحية الكاملة لهذه الإدارة بتنظيم، وتقنين، وإعطاء الرخصة الرسمية لاستخدام هذا المنتج، كما يمهد لها الطريق ويسمح لها بتقييم وتحليل والتعرف على كافة محتويات السجائر الإلكترونية من نكهات، وألوان، وآلاف المواد والمضافات الأخرى التي لا يعلم أحد حتى الآن عن تفاصيل هويتها، وكمياتها، وتأثيراتها على المدخن وعلى من حوله من غير المدخنين على المدى القريب والبعيد.  

 

وقد اضطرت وزارة الصحة الأمريكية إلى سن هذا القانون الذي جاء في وثيقة مكونة من 499 صفحة بعد أن شاهدت في الميدان انتشار هذا الجيل الجديد من السجائر وهذه الآفة الحديثة في المجتمع الأمريكي، وبخاصة بين الشباب كانتشار النار في الهشيم، حيث ارتفع عدد شباب مدارس الثانوية المدخنين للسجائر الإلكترونية من 1.5% عام 2011 إلى 16% عام 2015، أي بزيادة تصل إلى 900%، فكان لا بد من هذه الوزارة التي هدفها حماية صحة المواطنين من التدخل سريعاً قبل فوات الأوان وقبل إدمان الناس عليها إلى وضع الحدود والضوابط المتعلقة بهذه السجائر والكشف عن هويتها وأسرارها الخفية.

 

فهذه السجائر تُسوق على أنها البديل الصحي عن السجائر التقليدية القاتلة، وأنها تعمل مع الوقت على عزوف المدخن عن التدخين كلياً، والحقائق العلمية التي انكشفت حديثاً تؤكد على أنها ضارة ومهلكة للإنسان ولكنها أقل ضرراً من سجائر التبغ بكل أنواعها وأشكالها، فقد أثبتت التجارب الميدانية أنها تحتوي على النيكوتين السائل وآلاف المضافات السرية، والنيكوتين معروف بأنه سام ويسبب الإدمان للإنسان، كما إن البخار الأبيض الذي يتصاعد عند تدخين السجائر الإلكترونية يحتوي على الكثير من الملوثات السامة والخطرة، من أهمها الفورمالدهيد الذي يسبب السرطان للإنسان. 

 

وخلاصة القول فإنني على يقين، حتى ولو لم يكن لدي الدليل العلمي الدامغ، أن شركات التبغ والسجائر بشكلٍ عام لن تَصنع مُنتجاً يفيد البشرية ويحمي صحة الإنسان، فثقافتها الأزلية قائمة على إتباع كافة الوسائل والطرق الشرعية وغير الشرعية لتحقيق الربح السريع وجني المال الوفير على حساب كل شيء، ولو كان هذا الشيء هو صحة الناس وسلامة وأمن البيئة.

 

 

الأحد، 15 مايو 2016

أزمة الموت من أمراض القلب في البحرين


تُشير الإحصاءات التي نُشرت مؤخراً أن أمراض القلب والأوعية الدموية تتصدر قائمة الوفيات في البحرين والناتجة عن الأمراض المزمنة بنسبة 34%، تليها وفيات السرطان بنسبة 15%، في حين بلغت الوفيات من داء السكري قرابة 24%، وهذه الإحصاءات تتماشى وتتوافق مع الأنماط الدولية بالنسبة لأسباب الوفيات في دول العالم، حيث أفادت منظمة الصحة العالمية أن الأمراض القلبية تقع في صدارة أسباب الوفيات ويفوق عدد الوفيات الناجمة عن الأسباب الأخرى، فهي تمثل زهاء 31% من جميع الوفيات التي وقعت في العالم.

 

وهذه الأرقام تفيد بأن هناك عوامل مشتركة تعاني منها كل دول العالم فتُسهم وتؤدي إلى هذا الارتفاع المشهود في أعداد البشر الذين يلقون حتفهم، ويقضون نحبهم من جراء التعرض لأمراض القلب المختلفة.

 

فهناك عوامل وأسباب تقليدية معروفة منذ عقود في المجتمع البشري فتؤدي إلى سقوط الإنسان ضحية نتيجة لحدوث خللٍ ومشكلات مزمنة في القلب والأوعية الدموية، مثل العوامل الخَلْقِية والوراثية التي يكتسبها الإنسان وهو في بطن أمه، ونمط حياته من ناحية النظام الغذائي الذي يتبعه والمتمثل في كمية ونوعية المأكولات التي يتناولها يومياً إضافة إلى ممارسته للرياضة والنشاط البدني والعضلي. كذلك هناك مسببات أخرى معروفة عند الأطباء منذ عقود لها علاقة بالإصابة بأمراض القلب كالسمنة المفرطة والوزن الزائد، وشرب الخمر والتدخين، إضافة إلى الحالة النفسية التي يعيش فيها الإنسان وما يقاسي منه من قلقٍ واكتئاب.

 

وفي المقابل هناك عوامل حديثة ومستجدة بدأت تنكشف يومياً من خلال الأبحاث الميدانية والمخبرية التي يجريها الأطباء وعلماء البيئة والصحة العامة حول علاقة الجانب البيئي والتلوث الكيميائي والفيزيائي وتأثيره على أداء القلب وقدرته على القيام بوظيفته في كل ثانية من حياة الإنسان.

 

فأصابع الاتهام أصبحت الآن توجه نحو الملوثات الفيزيائية والطبيعية التي أثبت العلماء علاقتها بأمراض القلب والموت بسببها، ومنها التلوث الضوضائي وارتفاع الأصوات والإزعاج المستدام طوال اليوم وعلى مدار السنة. فقد أشارت دراسة دنمركية نُشرت في 20 يونيو 2012 في مجلة بلوس وان العلمية (PLoS ONE)، وقامت بها الجمعية الدنمركية للسرطان وأجرتها على 50 ألف مشارك، واستمرت عشر سنوات، على أن زيادة درجة الإزعاج والضوضاء بقدر 10 ديسيبيلات(الديسيبل وحدة لقياس الصوت) تؤدي إلى زيادة الإصابة بالذبحة القلبية بنسبة 12%، وبخاصة الضوضاء الناجمة عن السيارات أثناء الليل. وأفاد الباحثون أن السبب في ذلك هو أن الأصوات المرتفعة تُعيق النوم فيبذل الإنسان مجهوداً ليحاول أن يخلد إلى النوم، مما يؤدي إلى تعكير المزاج والتعب النفسي والجسدي وارتفاع في إفراز هرمونات الإجهاد(stress hormones) في الجسم، ثم الإصابة بمشكلات حادة في القلب. كذلك أُلفت عنايتكم الكريمة إلى دراستين كبيرتين تم نشرهما في مجلة طبية مرموقة هي المجلة الطبية البريطانية(British Medical Journal) في أكتوبر 2013، فالدراسة الأولى شملت نحو 3.6 مليون من البريطانيين الساكنين بالقرب من مطار هيثرو، وأفادت إلى أن السكن بالقرب من هيثرو يزيد من مخاطر التعرض لأمراض القلب والأوعية القلبية، والدخول للمستشفيات بسبب الإصابة بالذبحة القلبية بنسبة 10 إلى 20%، إضافة إلى ازدياد مخاطر الموت المبكر. أما الثانية فقد أُجريت في الطرف الثاني من المحيط، وبالتحديد في الولايات المتحدة الأمريكية، وشملت ستة ملايين أمريكي يعيشون بالقرب من 89 مطاراً، حيث أكدت على وجود علاقة قوية بين السكن بالقرب من المطارات وارتفاع أعداد الداخلين للمستشفيات بسبب أمراض القلب، وبخاصة بالنسبة عن كبار السن.

 

وفي المقابل هناك التلوث الكيميائي الذي يُهدد صحة الإنسان بإصابته بأمراض القلب، وسأُقدم لكم على سبيل المثال لا الحصر دراسة واحدة شاملة شارك فيها 41 باحثاً يمثلون 28 جامعة ومركزاً للأبحاث الطبية والبيئية، واستغرقت 12 عاماً، وشملت مائة ألف مواطن أوروبي، ونُشرت في العدد الصادر في 21 يناير 2014 في مجلة جمعية الأطباء البريطانيين تحت عنوان "التعرض طويل الأمد لتلوث الهواء وحوادث أمراض القلب الحادة"، حيث أكدت على أن العيش في المدن الحضرية يرفع من مخاطر التعرض للسكتة القلبية والإصابة بأمراض القلب بنسبة 13%، حتى ولو كانت نسب الملوثات التي يتعرض لها منخفضة وأقل من المعايير الأوروبية لجودة الهواء الجوي، واتهمت الدراسة عدة ملوثات تسبب هذه الحالات المرضية، وعلى رأس القائمة الدخان أو الجسيمات الدقيقة وأكاسيد النيتروجين.

 

وانطلاقاً مما سبق أتمنى من الأطباء في البحرين، وبخاصة أطباء القلب عدم نسيان "التلوث" عند التشخيص والعلاج للمصابين بأمراض القلب، والاهتمام بقضية التلوث والتركيز عليها في البحرين، وتقديم وصفات تتناسب مع حالاتهم الصحية، ومنها الابتعاد عن جميع أنواع التلوث، وحثهم على زيارة المتنزهات والمناطق البعيدة عن مصادر هذه الملوثات القاتلة.

 

الاثنين، 9 مايو 2016

تِجارة بَيْع الهواء النظيف!


هل تصورتَ بأنه سيأتي علينا زمان سنبيع فيه الهواء للناس، وسيُصبح الهواء الجوي سلعة غالية الثمن، بل ويتحول إلى عُملة نادرة يصعب الحصول عليها؟

 

وهل جاء في مخيلتك يوماً ما بأنه ستُنْشأ شركات تجارية ومصانع إنتاجية تقوم على بيع الهواء الصحي غير الملوث في علب أو حاويات خاصة، وستكون تجارة رابحة لن تَبُور؟

 

فمن منا كان يتصور بأننا جميعاً سنحتاج إلى علبٍ خاصة، أو أسطواناتٍ مُصممة لاستنشاق الهواء السليم صحياً في حياتنا اليومية؟

 

وهذا ما نراه اليوم أمامنا، فقد تم إنشاء شركة اسمها إثير(Aethaer) أو الهواء المنعش في مدينة دورست(Dorset) الواقعة جنوب إنجلترا، حيث تقوم بملء العبوات الزجاجية والجَرات بالهواء النظيف المأخُوذ من مناطق الأرياف البريطانية وتبيعها بمبلغٍ كبير يصل إلى قرابة أربعين ديناراً، كما أن هذه الشركة المتخصصة تُسوق هذا الهواء النظيف حسب رغبة الزبون في المنطقة التي أُخذ منها الهواء.

 

ولكن هل هناك حاجة ماسة إلى قيام مثل هذه الشركات لتعليب وبيع الهواء وهل سيكون هناك إقبال على هذا المنتج الجديد، كما هو الحال بالنسبة للمياه المعلبة؟

 

لا شك بأن الذين يعيشون في المدن الحضرية الكبرى، مثل لوس أنجلس في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، والعاصمة البريطانية لندن، وباريس، وبكين وشنجهاي في الصين، ومومباي ونيودلهي في الهند، سيُقدرون ويعرفون أهمية هذه الشركات وضرورة إنشائها، فهؤلاء الناس يستنشقون في كل ثانية هواءً ملوثاً مشبعاً بالسموم والمركبات السرطانية، ويتعرضون بسبب هذا الهواء القاتل إلى العلل والأسقام الحادة والمزمنة من أمراض القلب والجهاز التنفسي، ولذلك فوجود الهواء العَليل والعذب الزلال في متناول اليد أصبح من المستلزمات الحياتية اليومية الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها.

 

وقد صَنَّفتْ منظمة الصحة العالمية مؤخراً "الهواء الجوي" ضمن المواد التي تسبب السرطان للإنسان، مما يؤكد ويحتم أهمية استنشاق الإنسان بين الحين والآخر للهواء النظيف المنعش الذي يجدد رئة الإنسان ويطرد الملوثات القاتلة التي تعرض لها، مما يعني حاجة الإنسان إلى الهواء العليل والنقي المعلب في كل وقت، وبخاصة عند الحالات الطارئة التي ترتفع فيها نسبة الملوثات في الهواء الجوي.

 

الاثنين، 2 مايو 2016

أينما تكونوا يُدْركم التلوث، ولو كُنْتُم في بروجٍ مُشيدة


بعد دراساتٍ وأبحاث قُمت بها، ومقالاتٍ نشرتها لأكثر من ثلاثين عاماً حول التلوث ومصير الملوثات وطُرق تحركها في البيئة وانتقالها بين الأوساط البيئية المختلفة والسلسلة الغذائية، تأكدتُ بأنه لا مفر من التعرض للتلوث بشكلٍ مباشر أو غير مباشر وبعد فترةٍ قصيرة أو طويلةٍ من الزمن، ولن تستطيع أن تبتعد عنه مهما فعلتْ، فالتلوث معنا، وبين أيدينا، ويُدركنا أينما كُنَّا، ولو كان ذلك في بروجٍ مشيدة في أعالي السماء.

 

فليس هناك مكاناً آمناً بعيداً تستطيع أن تختبئ فيه فتهرب من الملوثات، وليس هناك غذاءً سليماً لا يحتوي على الملوثات والمواد الكيميائية الخطرة والسامة، وليس هناك ماءً تشربه لا توجد به ملوثات ولو بنسبٍ بسيطة ومنخفضة، وليس هناك ما تستظل به ليحميك من التعرض للملوثات ويقيك من شر الإصابة بأمراض التلوث المزمنة والمستعصية على العلاج.

 

فعندما تكون جنيناً في بَطن أُمك وفي رحمها، ذلك المكان الآمن والمستقر والمظلم، فأنت تكون في مَرمى كافة أنواع الملوثات التي تتعرض لها الأم سواء عن طريق الأنف أو الفم أو الجلد، فتتراكم في أعضائك أثناء نموها، وعندما تخرج إلى هذه الحياة الدنيا وتتغذى على حليب أمك فأنت أيضاً ليس في منأى عن التعرض للمواد الكيميائية سواء من حليب الأم نفسه، أو من الوسط البيئي الذي تعيش فيه.

 

وعندما تأكل من نبات الأرض ومن ثمرات الزرع، فأنت تتناول مأكولات ملوثة وأنت لا تدري، فالمبيدات الحشرية والفطرية ومبيدات الأعشاب التي تُستخدم في كل حقلٍ زراعي تختلط بالتربة وتمتصها النباتات فتدخل في الثمار التي تأكلها أنت، كذلك فإن الأسمدة الكيميائية بمختلف أنواعها تصل إليك من خلال السلسلة نفسها، وعلاوة على ذلك كله فإن ماء المطر الذي يروي الكثير من الحقول قد يكون ماءً حمضياً مُشبعاً بالملوثات الحمضية التي تنزل على التربة وعلى الزرع وتصل إلى الثمار وإليك شخصياً في نهاية الأمر.

 

وعندما تأكل من لحم الأبقار أو من حليبها فأنت تتعرض للملوثات التي تعرضت لها الأبقار سواء من ناحية الأدوية والمضادات الحيوية التي تحقن بها الأبقار، أو من ناحية المواد الكيميائية الحافظة التي توضع في لحم البقر، أو من خلال الأطعمة غير الصحية التي تقدم لهذه الأبقار فتصل إليك في نهاية المطاف.

 

وعندما تأكل الأسماك وهي في أعماق البحار، فأنت قد تأكل لحماً ملوثاً بالمواد البلاستيكية المجهرية المتناهية في الصغر وأنت لا تعلم بذلك، أو تتناول لحماً مشبعاً بالسموم نتيجة للبيئة البحرية الملوثة التي تعيش فيها الأسماك.

 

وعندما تستنشق الهواء الجوي، فأنت تُدخل في جسمك خليطاً من الملوثات الموجودة في الهواء الجوي والتي تنبعث عن السيارات والمصانع ومحطات توليد الكهرباء، حتى أن منظمة الصحة العالمية صَنَّفت تلوث الهواء تحت بند "المواد المسرطنة للإنسان". 

 

فهل بقي لنا شيء لم يلج فيه التلوث؟