الثلاثاء، 25 أكتوبر 2016

شعوبٌ تموت من الجوع وشعوب تموت من التُّخْمة


من المفارقات المبْكية والمحزنة التي نراها أمامنا في وسائل الإعلام ونشاهدها بأُم أعيننا ليلاً نهاراً موت شعوبٍ برمتها من شدة الجوع ونقصٍ حادٍ في المواد الغذائية، وموت شعوبٍ أخرى ولكن من شدة السمنة وارتفاع نسبة البدانة المفرطة والتُّخْمة المزمنة، وفي الوقت نفسه هناك شعوب تُعاني من الفقر الغذائي المدْقع وشح الطعام وسوء التغذية فتبحث عن فتات الطعام وفضلات الغذاء في حاويات القمامة من أجل لقيمات يُقِمْن صُلبهم، وفي المقابل هناك شعوب أخرى امتلأت بطونها فقامت بالتبذير في غذائها فرمت بأطيب الطعام في سلات وحاويات الفضلات.

 

فهناك عدة أسباب تؤدي إلى انكشاف هذه المظاهر المتفشية في المجتمعات البشرية وهذا الوباء الدولي المؤلم والاستنزاف غير المبرر للمواد الغذائية، منها الحروب التي تشهدها بعض الدول والحصار الغذائي المطبق على المناطق التي تقع في خارطة المعارك الدائرة فيها، كما هو الحال الآن في سوريا، ومنها سوء الإدارة والتوزيع غير العادل للموارد الغذائية بين دول العالم والإسراف والتنطع الفاحش في إنتاج الغذاء، إضافة إلى التعامل غير المسئول مع بقايا الطعام غير المستهلك، وهذا العامل هو الذي أريد أن أُركز عليه في مقالتي هذه.  

 

فالحقائق والإحصاءات المنشورة حول العالم تؤكد واقعية هذه المفارقات والتناقضات في أحوال الناس من الناحية الغذائية ومن ناحية إنتاج المخلفات، سواء بين الشعب الواحد في الدولة الواحدة، أو بين شعوب العالم على المستوى الدولي. فعلى المستوى الدولي، تُشير الإحصاءات أن دول العالم تُنتج زهاء أربعة بلايين طن متري من الغذاء سنوياً، ولكن هذه الكمية من الغذاء لا تصل إلى بطون البشر، فنحو 30 إلى 50% من هذا الطعام، أي ما يُقارب من 1.2 إلى 2 بليون طن يذهب هدراً دون الاستفادة منه، وهذا الهدر الغذائي يقدر بنحو 750 بليون دولار سنوياً، والولايات المتحدة الأمريكية وحدها فقط ترمي قرابة 60 مليون طن سنوياً من المواد الغذائية، أي أن 30% من غذائها يجد طريقه إلى حاويات المخلفات، وهذه الكميات تقدر مالياً بنحو 161 بليون دولار سنوياً، ودول الاتحاد الأوروبي تهدر نحو مائة مليون طن سنوياً من المواد الغذائية، وإيطاليا وحدها ترمي أكثر من 17% من غذائها في القمامة، أي زهاء 5.1 مليون طن، وهذه الكميات الضخمة تقدر بنحو 14.5 بليون دولار. أما في بريطانيا فقد أكدت دراسة أن الشعب البريطاني يلقي كميات كبيرة من المواد الغذائية في سلات القمامة تساوي نحو 10 بليون جنيه، حيث أفادت هذه الدراسة إلى أن المواطن البريطاني يلقي يومياً 4.4 مليون تفاحة، و 1.6 مليون موز، و 1.3 مليون حاوية للروب، و 660 ألف بيضة، و 550 ألف دجاجة، وفي المقابل أفادت دراسة إلى أن الفقر في بريطانيا في ازدياد وأعداد الجوعى في ارتفاع،فهناك نحو 13.2 مليون يعيشون في فقر، منهم 5.8 يعانون من الفقر المدقع.

 

فهناك عدة مصادر أو أسباب تقف وراء هذه التناقضات الغريبة فتؤدي إلى سوء إدارة الموارد الغذائية وتنجم عنها ملايين الأطنان من مخلفات الطعام التي تذهب إلى مواقع الدفن فتشكل عبئاً ثقيلاً للمدن وللكرة الأرضية برمتها بسبب غاز الميثان الذي يتصاعد من تحلل القمامة ويعمل على رفع درجة حرارة كوكبنا وإحداث التغير المناخي. فالمصدر الأول هو في المزارع والحقول الشاسعة التي تزرع فيها المحاصيل المأكولة، فهناك ملايين الأطنان من الخضروات والفواكه التي تُزرع لا تصل إلى المستهلك بسبب عدم تناسب أشكالها، أو أحجامها، أو ألوانها مع ذوق ورغبات المستهلكين، أي أن هذه التغيرات الشكلية الظاهرية البسيطة في هذه المنتجات الزراعية تُنفر المستهلك وتجعله يعزف عن شرائها، فيكون مصير معظمها إلى مقابر المخلفات. وهذه الممارسات اللامسئولة لا تعني فقط هدر الغذاء، وإنما هو في الوقت نفسه استنزاف بغيظ للموارد الطبيعية والثروات الفطرية الغالية التي استخدمت في الزراعة، من ماء، ووقود، وأسمدة، وتربة، ومبيدات بأنواعها المختلفة، وعلاوة على جهودٍ بشرية ذهبت هباءً منثورا.

 

والمصدر الثاني فهو الهدر الضخم للمواد الغذائية وإنتاج المخلفات على مستوى الأفراد في المنازل، وعلى مستوى المطاعم، والفنادق، والبرادات الكبيرة، وهذه ظاهرة أخذت في التفاقم مع الزمن وزيادة الفجوة بين من ينتج مخلفات الطعام وبين من يحتاج إلى هذه المخلفات لسد جوعه.

 

وقد استيقظتْ مؤخراً منظمات الأمم المتحدة والجمعيات الأهلية المعنية بهذه الظاهرة البيئية والاجتماعية والاقتصادية في كل دول العالم وأَطلقتْ حملة على مستوى الكرة الأرضية برمتها تحت شعار" الحملة الدولية لوقف هدر الطعام ". وقد أَتَتْ هذه الحملة أُكلها فقامت بعض الدول بسن تشريعات بهدف خفض إنتاج مخلفات الطعام والتوقف عن استنزاف هذه الثروة العظيمة. فإيطاليا، وبالتحديد في الرابع من أغسطس من العام الجاري، أَقرتْ تشريعاً خاصاً يهدف إلى خفض المخلفات الغذائية، وتدوير مليون طن من المواد الغذائية سنوياً، وذلك من خلال خفض الضرائب على المطاعم والفنادق وغيرهما في حالة قيامها بتدوير بقايا الطعام، كما قامت فرنسا بسن تشريعٍ مماثل، ولكن فرضت غرامات مالية على كل جهةٍ لا تقوم بتدوير أو إعادة استهلاك مخلفاتها من الطعام، واليوم وعلى جدول أعمال الكونجرس الأمريكي قانون يُطلق عليه "استرجاع المواد الغذائية"، وآمل من دول الخليج ركوب سفينة هذه الحملة ووضع البرامج التنفيذية للحفاظ على هذه الثروة الغذائية الضائعة.

وختاماً فإنني أستطيع أن أُجزم بأن العالم لا يعاني من نقصٍ في الغذاء، ولكن في الحقيقة يعاني من سوء إدارة هذه الموارد الغذائية.

 

السبت، 22 أكتوبر 2016

قرار مجلس الوزراء حول الخطة الوطنية للصحة


أقر مجلس الوزراء في الاجتماع الذي عقد في 17 أكتوبر من العام الجاري الخطة الوطنية للصحة للفترة (2016-2025)، ومن المفيد جداً من أجل وضوح الرؤية أن تكون للوزارات خطط متكاملة وشاملة تسير على هديها، فتُنير لها الطريق، وتمشي على الدرْب بخطى واثقة وسليمة، فتنْصُب جهود كافة العاملين بشكلٍ جماعي على تنفيذه والعمل به.

 

وهذه الخطة في الأساس منبثقة عن الوثائق التي تنشرها وزارة الصحة وتعد امتداداً لها، مثل الكتاب المنشور عام 2012 تحت عنوان: "أجندة مملكة البحرين الصحية: إستراتيجية تحسين الصحة للفترة من 2011 إلى 2014"، ثم إستراتيجية تحسين الصحة للفترة من 2015 إلى 2018.

 

وأتمنى بعد إطلاعي على هذه الوثائق أن يكون هناك تركيز خاص على أسباب وقوع الأمراض في مملكة البحرين، وأن تعطي هذه الخطط اهتماماً بارزاً لمصادر الأمراض الرئيسة التي نعاني منها في البحرين، ثم تَنْصب الخطط والبرامج على وضع الإجراءات العملية والخطوات التنفيذية للوقاية منها وحماية أنفسنا من شر الوقوع في شباكها.

 

ومن المصادر الرئيسة غير التقليدية للأمراض في كل دول العالم بدون استثناء، والتي أَجمعتْ عليها الدراسات العلمية الطبية وأعتمدتها منظمات الأمم المتحدة المعنية بالصحة العامة، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، هي التلوث بأنواعه الثلاثة وهي تلوث الهواء والماء والتربة، سواء أكان تلوثاً كيماوياً، أو حيوياً، أو طبيعياً. فقد أكدت الأبحاث الآن أن الملوثات اخترقت بعمق كل بيئتنا، بل وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من كل مكونات البيئة وعناصرها الحية وغير الحية، فلم يبق على ظهر الأرض بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلا ودخله التلوث، حتى أن هذا التلوث دخل في منازلنا وفي عقر دارنا، فهو موجود بين أيدينا، ومن أمامنا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ولا نتمكن من الهروب من أضراره وتداعياته المهلكة حتى ولو كُنا في بروجٍ مشيدة في أعالي السماء، أو تحت البحر وفي أعماقه السحيقة المظلمة.

 

فالطامة الكبرى أن هذا التلوث لم يضرب عناصر البيئة فحسب ويفسد صحتها وهويتها، وإنما أنزل هذا الوباء العصري الأمراض المزمنة على ملايين البشر، فكل الأمراض السارية غير المعدية التي تصيبنا كأمراض القلب، والسرطان، والسكري، والجهاز التنفسي، يُسهم التلوث بشكلٍ مباشر في وقوعها علينا. وعلاوة على ذلك فإن التلوث يسهم في الإصابة بالأمراض المعدية، إذا لم نهتم وندير القضايا اليومية بأسلوبٍ بيئي وصحي سليمين، مثل معالجة مياه المجاري، ومياه المسالخ، والتخلص السليم من القمامة المنزلية.

 

ودعوني أُلخص لكم الإحصاءات الموثقة التي تمخضت عن الدراسات والأبحاث الطبية، إضافة إلى التقارير الدورية التي تصدرها منظمة الصحة العالمية بشكلٍ مستمر حول أضرار تلوث الهواء بالتحديد، فقد أكدت هذه الوثائق أن نحو ستة ملايين إنسان يَلْقون حتفهم سنوياً وهم في ريعان شبابهم، فيُنقلون إلى مثواهم الأخير بسبب تلوث الهواء، وعدد هؤلاء الضحايا سيتضاعف بحلول عام 2050 إذا لم تتحرك دول العالم لمواجهة التلوث وكبح جماحه، وفي المملكة المتحدة فقط بلغ عدد الذين يسقطون صرعى نتيجة للتعرض لتلوث الهواء قرابة 40 ألف سنوياً، منهم 9500 الذين يعيشون في العاصمة لندن. وفي الولايات المتحدة الأمريكية تُقدر ضحايا تلوث الهواء بنحو 55 ألف أمريكي، وفي ألمانيا زهاء 35 ألف، وفي اليابان قرابة 25 ألف.

 

ولذلك من الجلي الذي لا غبار عليه أن التلوث، وبخاصة تلوث الهواء يعتبر على المستوى الدولي مادة قاتلة للبشر، ويعد من أهم أسباب الموت المبكر للإنسان في كل دول العالم، مما يضطرنا إلى التركيز على الوقاية منه وحماية صحتنا من أضراره المزمنة في أية إستراتيجية أو خطة صحية نضعها في البحرين.

 

ومن أهم مصادر تلوث الهواء التي يجد أن نعطيها رعاية خاصة في خططنا الصحية، ونركز جهودنا على مواجهتها هي السيارات، أو المصانع المتحركة والتي هي في زيادة طفرية مطردة لن تتحمل بيئتنا تداعياتها في المستقبل المنظور، ثم تأتي بعض المصانع في المرتبة الثانية من حيث انعكاساتها على أمننا الصحي، إضافة إلى مصادر أخرى محدودة ويمكن السيطرة عليها.

 

والآن هل سأجد موقعاً متقدماً للتلوث في استراتيجيات وخطط وزارة الصحة؟

السبت، 15 أكتوبر 2016

صحيفة الواشنطن بوست تتفق مَعي




نشرتُ مقالاً في أخبار الخليج في 13 أكتوبر تحت عنوان:"قضية محورية في معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية"، وأَقصد بهذه القضية السماح لاستخدام الماريوانا أو الحشيش في الولايات المتحدة الأمريكية، وقيام مرشحي الرئاسة بالحرص على تبني هذه القضية المتزايدة في شعبيتها على مستوى جميع الولايات الأمريكية والعمل على الدفاع عن حرية استخدامها، وفي اليوم نفسه نَشَرتْ صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية مقالاً يتقاطع ويتفق مع ما أكدتُ عليه في مقالي وعنوانه:"دَعْم السماح لاستعمال الماريوانا يَبْلغ مستويات مرتفعة مع انتخابات نوفمبر".

 

فقد أكد مقال الواشنطن بوست على ارتفاع أعداد الأمريكيين الذين يوافقون على السماح لاستخدام الماريوانا على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، وقد جاء هذا التأكيد استناداً على استطلاعٍ للرأي قام به مركز أبحاث بو (Pew Research Center) في نهاية أغسطس من العام الجاري، ونُشر تفاصيله في 12 أكتوبر، حيث أشار الاستطلاع إلى أن 57% من المواطنين الأمريكيين الذين استطلعت آراؤهم وافقوا على السماح باستخدام الماريوانا، وهذه تعتبر أعلى نسبة تُسجلها مراكز الأبحاث والمؤسسات المختصة باستطلاع آراء المواطنين حول القضايا التي تهم الإنسان الأمريكي. كما أفاد الاستطلاع نفسه أن نسبة الأمريكيين الذي عارضوا السماح للماريوانا انخفض إلى أدنى مستوى حيث بلغ 37%.

 

ولو رَجعنا قليلاً إلى الوراء لتَفحص ودراسة التغير في أنماط وتوجهات آراء المواطن الأمريكي حول قضية الماريوانا، لوجدنا أن النمط العام عبر السنوات الماضية يؤكد على ارتفاع مَيْل الأمريكيين نحو السماح لاستخدام الماريوانا، وفي الوقت نفسه انخفاض نسبة المعارضين له. ففي عام 1969 كانت نسبة الموافقين 12% والمعارضين 84%، فارتفعت نسبة الموافقين إلى 30% عام 1980، في حين انخفضت نسبة المعارضين إلى66%، ثم إلى 44% في مارس 2015، واليوم بلغت مستويات متدنية جداً حيث وصلت إلى37%.

 

فحالة استخدام الماريوانا في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي دول العالم جمعاء، والتغير في استعماله مع الزمن لأغراض طبية أو أغراض ترفيهية والترويح عن النفس، يُرجع بذاكرتي إلى الوراء قليلاً حول وضع تدخين السجائر في الولايات المتحدة الأمريكية وفي دول العالم الأخرى منذ ولادته في الأسواق العالمية، والتغيرات التي طرأت على آراء الناس وتوجهاتهم وسلوكياتهم مع التدخين، وردة فعل شركات التبغ العملاقة متعددة الجنسيات وتَكَيفَهم مع هذه التغييرات، وإبداع منتجات شيطانية جديدة ترفع من أرباحهم وتعزز من إيراداتهم.

 

فهذا المدْ الجارف المتمثل في الازدياد المطرد في أعداد مستخدمي الماريوانا على مستوى ولايات أمريكا وعلى مستوى دول العالم الأخرى، جعلت لعاب شركات التبغ والسجائر الكبرى يسيل نحو الاستثمار في هذا المنتج الجديد القادم لا محالة، وقد أكدت صحيفة أمريكا اليوم(USA TODAY) الواسعة الانتشار على هذا التوجه القادم لشركات التبغ في المقال المنشور في 11 أبريل 2016 تحت عنوان: "هل شركات التبغ العملاقة ستصبح شركات الماريجوانا العملاقة؟".

 

وفي الواقع فإن شركات التبغ العملاقة مؤهلة للقيام بذلك، فلديها كافة الموارد للإنتاج والتسويق على المستوى الدولي، من مصانع متطورة، وآليات حديثة، وأدوات إعلامية ودعائية ضخمة ومتطورة، وخبرات عالية وطويلة في فنون التسويق، إضافة إلى النفوذ السياسي والمالي المتمثل في لوبي التبغ، أو جماعات الضغط في واشنطن، فشركات التبغ كالحيوان المفترس الذي يراقب فريسته عن بعد، ثم يقترب منها شيئاً فشيئاً وينتظر بفارغ الصبر حتى يحين الوقت المناسب وتأتي الفرصة السانحة فينقض على فريسته.


 


ولذلك لا تستغربوا في السنوات القليلة القادمة إذا قامت شركات التبغ بتسويق منتجٍ جديد بشكلٍ رسمي وعلني تحت مسمى بريء هو "سجائر الماريوانا"، ولا تستغربوا إذا نشر بعض العلماء المرتزقة أبحاثاً ودراسات تشير إلى فوائد هذا النوع من السجائر، وتدَّعي بأن أضراره أقل من سجائر التبغ التقليدية المعروفة.


 


وعلينا في البحرين الاستعداد لهذه التطورات الجديدة في عالم استخدام الماريوانا والحشيش، والعمل مع دول مجلس التعاون والدول العربية والإسلامية على قطع دابر هذه الحية القاتلة، والوقوف صفاً واحداً أمام أية تحركات دولية مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية لفك الحزام عن الماريوانا، أو تخفيف القيود الحالية المربوطة حوله.


 

الأربعاء، 12 أكتوبر 2016

هل المَارِيوَانا(الحشيش) سيُحدد الرئيس الأمريكي القادم؟


المـُرَشح للرئاسة في أمريكا يحاول بكل طريقة ووسيلة موجودة أمامه ومتاحة لديه أن يُرضي الناخب الأمريكي، سواء أكان هذا الناخب مواطناً عادياً، أم صاحب شركة أو مصنع له نفوذ وقوة وسلطة ومال، أو رئيس جمعية أهلية ومنظمة غير حكومية معنية بإحدى قضايا الوطن، ولذلك فإن برنامجه الانتخابي يصب في صيد أصوات الناس من خلال وضع سياسات وبرامج تتقاطع مع رغباتهم وأهوائهم واحتياجاتهم، مهما كانت هذه الرغبات، سواء أكانت مُنافية للأخلاق والمُثل العليا، أو تتعارض مع المبادئ والقواعد الرئيسة للدولة.

 

ومن هذا المنطلق فأنا أَزْعم بأن المــُرَشَحين الباقيين والموجودين حالياً في ساحة الانتخابات الرئاسية، وهما المرشح عن الحزب الديمقراطي هيليري كلينتون ودونالد ترامب المرشح عن الحزب الجمهوري سيسعيان في هذه المرحلة الأخيرة من سباق الماراثون الرئاسي إلى إرضاء الناخب الأمريكي والتعرف على أهوائه واحتياجاته واهتماماته، ومن هذه الاهتمامات والأهواء هو السماح له بتعاطي المخَدر الشعبي المعروف بالمارِيوَانا، أو الحشيش، أو الكَانَابيس(Cannabis)، أو غير ذلك من الأسماء الأخرى التي تُطلق عليه، وقد تختلف من ولاية أمريكية إلى أخرى، أو من بلدٍ إلى آخر.

 

وزَعْمي هذا يعتمد على عدة معطيات موثقة، ويستند إلى الكثير من الحقائق الواقعية وآخر الإحصائيات المنشورة في هذا المجال، كما يلي:

أولاً: بناءً على استطلاعات الرأي المنشورة العام الجاري،58% من الشعب الأمريكي يوافق على السماح لاستخدام الحشيش أو الماريوانا، مما يعني أن أي مرشح للرئاسة سيعمل جاهداً على حصد أصوات هذه النسبة المرتفعة نسبياً من الشعب الأمريكي، وسيدَّعي بأنه سيعمل مع السماح لاستخدام الحشيش.

ثانياً: حسب الدراسة التي نشرتها جامعة ميتشيجن في سبتمبر من العام الجاري حول استخدام الحشيش في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أشارت إلى أن نحو 6% من طلبة الجامعات استخدموا الحشيش بشكلٍ يومي في عام 2014، كما أكدت دراسة منشورة في أغسطس من عام 2015 في مجلة "قضايا المخدرات" إلى أن عدد متعاطي أو مستخدمي الحشيش ارتفع من11% عام 1972 إلى 49% اليوم، أي أن أكثر من33 مليون أمريكي يتعاطون هذا المخدر مقارنة بـ 40 مليون من المدخنين. وفي دراسة أخرى منشورة في مجلة اللانست للأمراض النفسية(Lancet Psychiatry) في 25 أغسطس من العام الجاري والتي قامت باستطلاع آراء الناس في الفترة من 2002 إلى 2014،أكدت فيها ارتفاع متعاطي الماريوانا في الولايات المتحدة الأمريكية وازدياده من 10.4% إلى 13.3%. فالدراسات كلها تشير إلى الزيادة المطردة في أعداد المتعاطين لهذا المخدر مع الوقت، وهذا العدد يعتبر عالياً وسيجعل لعاب كل مرشح للرئاسة يسيل لإرضائهم وكسب أصواتهم من خلال دعم أي تشريعٍ أو نظامٍ يهدف إلى السماح بشكلٍ أوسع لاستعمال الحشيش.

ثالثاً: هناك توجه متصاعد لتغيير سياسات أمريكا ودول العالم الأخرى في التعامل مع الحشيش وتصنيفه ضمن قائمة وجدول المواد المحظورة، فقد تحول مع الزمن من سياسة الحظر التام والمنع والتجريم لكل من يزرعه أو يبيعه أو يستخدمه، إلى سياسة السماح لاستخدامه لأغراض طبية، ثم استخدامه لأغراض شخصية للترفيه والترويح عن النفس. وقد بدأ هذا التوجه أولاً في ولاية كاليفورنيا في عام 1996 عندما سمحت بالاستخدامات الطبية، حتى وصل العدد الآن إلى 24 ولاية، وفي نوفمبر من العام الجاري ستَطْرح تسع ولاية استخدام الحشيش للاستفتاء الشعبي. أما ولاية كولورادوا فهي أول ولاية سمحت ببيعه واستخدامه لأغراض وأهداف الترويح عن النفس والتسلية، ثم تلتها ولاية واشنطن، وألاسكا، وأوريجن، والعاصمة واشنطن أو مقاطعة كولومبيا، حتى أن بعض الولايات تُوفر صرافات آلية للحشيش في شوارع مدنها. وعلاوة على هذا فقد أعلنت 15 ولاية بأن استخدام وحيازة الماريوانا لا يُعد الآن جريمة يعاقب عليها القانون.

رابعاً: وفي المقابل هناك لوبي الحشيش أو جماعات الضغط التي تعيش على زراعة الحشيش، وبيعه، وترويجه وتسويقه، وتكسب أرباحاً خيالية من وراء هذا المخدر، فبيع الحشيش بشكلٍ رسمي وعلني في ارتفاع مستمر حيث بلغ قرابة 5.4 بليون دولار عام 2015، وفي ولاية كولورادوا وحدها وحسب صحيفة الواشنطن تايمس في 30سبتمبر من العام الجاري فمن المتوقع أن تكون مبيعات الماريوانا رسمياً منذ يوليو وحتى نوفمبر أكثر من بليون دولار.

خامساً: أما على المستوى الدولي فقد بدأت بعض الدول بإرخاء الحزام عن استخدام الحشيش، فهناك دول سمحت بتعاطيه وبيعه مثل هولندا التي بها مقاهي رسمية للماريوانا، وأوروجواي، وإسبانيا، وهناك دول سمحت بتعاطيه لأسباب طبية مثل أستراليا وجامايكا وكولومبياوبورتوريكو.

 

فهذه الحقائق التي ذكَرتُها تكفي لكي تقنع كل مرشح رئاسي في أمريكا للدفاع عن استخدام الماريوانا على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، وقد اقتنعتْ هيليري كلينتون بالفعل بهذه الوقائع فدَعَتْ الحكومة الفيدرالية في السابع من نوفمبر 2015 في أحد لقاءاتها الجماهيرية إلى رفع القيود، أو تخفيفها عن الحشيش، وإعادة تصنيفه من الجدول الأول الذي يشمل الهيروين إلى الجدول الثاني، كما قالت بأنها تقف مع السماح لاستخدامه لأغراض طبية.

السبت، 8 أكتوبر 2016

بابا الفاتيكان: "تلويث البيئة خطيئة وذَنْب"


أعلن بابا الفاتيكان في الأول من سبتمبر من العام الجاري من مقر الفاتيكان أثناء اجتماعه الأسبوعي وفي اليوم العالمي للصلاة للعناية بالخَلْقْ قائلاً بأن"الله قد مَنَحنا حديقة وافرة، ولكننا حولناها إلى أراضي ملوثة مشبعة بالمخلفات والخراب والقذارة"، كما أكد في خطابه على أن ما يقوم به الإنسان الآن من فسادٍ للبيئة، وتدميرٍ شاملٍ ممنهج لمواردها الطبيعية الفطرية الحية وغير الحية يُعد "إثماً وخطيئة"، وأن على الإنسان طلب العفو والمغفرة من هذه الذنوب التي يرتكبها تجاه مخلوقات الله، ودعا إلى تغيير الإنسان لسلوكياته الجشعة والأنانية اللامسؤولة المبنية على سياسة "زيادة الأرباح بأي ثمن".

 

وفي الحقيقة فإننا كمسلمين لسنا بحاجة إلى مواعظ البابا وتوجيهاته في هذا المجال، فدِيننا الإسلامي الحنيف غني وحافل بهذه التعليمات والمبادئ المتعلقة بحماية البيئة، وأحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام ثرية بالتوجيهات النبوية الخاصة بسبل حماية الثروة المائية من الناحيتين النوعية والكمية والحفاظ على المورد الهوائي الطبيعي، إضافة إلى صيانة الحياة الفطرية الحية من نباتات وحيوانات والتعامل معها بكرامة وعناية فائقتين، كما أن التراث الإسلامي بشكلٍ عام اعتنى بشكلٍ مباشر بهذا الجانب الحيوي من حياة الإنسان على وجه الأرض.

 

ويكفينا هنا الإشارة إلى المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، والتي تَصُب في جوهرها إلى حماية البيئة ومواردها الحية وغير الحية بهدف استدامة حياة الإنسان وتعزيز امكاناته على عمارة الأرض وبنائها للأجيال المتلاحقة دون الإضرار بأي عنصرٍ أو مُكونٍ من مكوناتها نوعياً أو كمياً، حتى نضمن قُدرة كل جيل على العطاء والإنتاج والاستمتاع بخيرات الأرض جميها والعيش حياة كريمة على سطح الأرض.

 

ومن أهداف الشريعة الإسلامية ومقاصدها النبيلة هي الحفاظ على ما يُطلِق عليه علماؤنا بالضروريات أو الكليات الخمسة، وهي الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، ولذلك فكل ما يؤدي إلى المحافظة على هذه الأصول الخمسة هو مصلحة وفائدة، وكل ما يعرقل أو يؤثر عليها هو مفسدة ومضرة، ومنعها عن الإنسان مصلحة عامة يجب القيام بها وإعطاؤها الأولية في الاهتمام والتنفيذ. ومن الأمور التي يُجمع عليها علماء البيئة والأطباء وعلماء الاجتماع والاقتصاد هي أن تلويث البيئة، سواء أكانت الهواء أو الماء أو التربة يؤدي إلى انكشاف مظاهر خطيرة تهدد سلامة البيئة وأمنها وعطائها، وتعرقل استدامة حياة الإنسان والكائنات الفطرية على كوكبنا، مثل التغير المناخي، والمطر الحمضي والأسود، وانخفاض غاز الأوزون في طبقة الأوزون، وتحول لون البحار والمحيطات إلى اللون الأحمر أو الأخضر أو البني، مما يعني أن إفساد مكونات البيئة بالملوثات يمثل ضرراً مشهوداً ويتنافي مع أهداف الشريعة في الحفاظ على الكليات الخمسة.

 

أما الدين فهو مجموع العقائد والعبادات والأحكام التي شرعها الله سبحانه وتعالى لتنظيم علاقة الناس بربهم وعلاقات بعضهم ببعض، فالعبادات، مثل الوضوء والغسل وغيرهما لا تتم بالشكل الصحيح إلا بوجود المياه النقية والصافية غير الملوثة، وحماية النفس والنسل ضرورية لبقاء الإنسان واستدامة حياته، والسماح للملوثات للدخول في البيئة من السيارات والمصانع ومحطات توليد الكهرباء يتناقض مع هذا الهدف، إذ أن بعض الملوثات يؤثر على خصوبة الذكر والأنثى مما يؤدي إلى ضعف النسل وقلته مع الوقت، ومن الملوثات ما يؤدي إلى الإصابة بأمراض مزمنة كالسرطان وأمراض الجهاز التنفسي والقلب، ومنها ما يقضي على الإنسان وهو في سنٍ مبكرة وفي ريعان شبابه، وتأكيداً لهذه الحقيقة، فقد نشرت منظمة الصحة العالمية في 27 سبتمبر من العام الجاري تقريراً أكدت فيه أن 90% من سكان العالم يستنشقون هواءً ملوثاً، وأن قرابة ثلاثة ملايين إنسان يموتون سنوياً من أمراضٍ متعلقة بتلوث الهواء.   

 

أما الحفاظ على عقل الإنسان فلا يمكن تحقيقه مع تشبع بيئتنا بالملوثات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، عنصر الرصاص حرٌ طليقٌ في بيئتنا منذ أكثر من مائة عام، وأجمعت الدراسات العلمية أن الرصاص يؤثر على القدرات الذهنية للإنسان، ويضعف من مستوى ذكائه، ويخفض من مستوى أدائه العقلي والعلمي، كما أن التلوث يؤدي إلى ضياع المال وخسائر اقتصادية كبيرة، حيث نَشَر البنك الدولي في الثامن من سبتمبر من العام الجاري دراسة شاملة تحت عنوان: "كُلفة تلوث الهواء: إثبات البعد الاقتصادي من أجل اتخاذ الإجراءات"، حيث توصلت الدراسة إلى استنتاجات مخيفةٍ جداً تتلخص في تكبد دول العالم قاطبة لخسائر اقتصادية كبيرة وغير متوقعة وسترهق كاهل ميزانياتها، حيث بلغت الكلفة الإجمالية التي على العالم تحملها ودفعها نقداً من ميزانياتها الخاصة بالتنمية نتيجة للتعرض للهواء الملوث والسام والمسرطن في الداخل والخارج إلى قرابة خمسة تريليونان دولار سنوياً.

 

فمن الواضح إذن أن فساد البيئة يتنافى كلياً مع أهداف الشريعة الإسلامية الخمسة، ولذلك فإن الدين الإسلامي يحارب الفساد البيئي في الأرض، كما يحارب في الوقت نفسه الفساد الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي، وهذا ما يُطلق عليه المجتمع الدولي الآن بالتنمية المستدامة.

 

السبت، 1 أكتوبر 2016

قادة أَمْنيُون وعسكريون يُحذرون من التغير المناخي



قبل أكثر من أربعين عاماً كُنا نسمع ونقرأ تصريحات صادرة فقط عن علماء البيئة حول التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، وجميع هذه التصريحات كانت تحذر من شرٍ محتملٍ سيقع، ومن كوراث قريباً ستنزل على كوكب الأرض، ثم جاءت المرحلة الثانية من الاهتمام بهذه القضية البيئية، حيث بدأنا نسمع تصريحات رسمية من رجال السياسة والحُكم وبالتحديد من وزراء البيئة في دول العالم حول واقعية سخونة الأرض وحدوث التغير المناخي وتداعياتها الخطرة والمهددة لاستدامة كوكبنا والحياة عليها.

والآن تطورت واشتدت انعكاسات هذه القضية البيئية وتوسعت تأثيراتها الضارة لتشمل أبعاداً وجوانب لم تخطر على بالنا، ولم يتوقعها أحد منا، فنسمع اليوم تحذيرات ليس من علماء البيئة، أو وزراء البيئة ورجال السياسة، وإنما من رجال الأمن والقادة الأمنيين في بعض دول العالم، مُنبهين جميعهم إلى الجانب الأمني المتعلق بالتغير المناخي ورفع درجة حرارة الأرض، أي أنهم يؤكدون بأن هذه القضية البيئية اليوم خرجت من عباءة التداعيات البيئية المتوقعة لهذه المشكلة الكبيرة ودخلت في دائرةٍ أوسع، وأشد وطأة وضراوة على الإنسانية جمعاء، وهي دائرة الأمن والسلامة واستمرارية الوجود البشري على سطح الأرض.

وقد حذر الخبراء العسكريون وعدد كبير من الشخصيات الأمريكية المرموقة والمختصة بشؤون الأمن القومي الأمريكي في 16 سبتمبر من العام الجاري من "مركز المناخ والأمن" بأن التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض يشكل تهديداً حقيقياً للقواعد العسكرية الأمريكية الساحلية نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر ونزول الفيضانات على المناطق الساحلية، كما أكدوا بأن سخونة الأرض والتداعيات الناجمة عنها ستشعل فتيل النزاعات على المستوى الدولي، وخلصوا بأن "التغير المناخي يشكل تهديداً كبيراً على الأمن القومي الأمريكي والأمن والاستقرار الدولي"، ولذلك هناك حاجة ماسة إلى إعطاء اهتمامٍ أكبر من الحكومة الأمريكية لكافة الأبعاد المتعلقة بالتغير المناخي، كما أوصوا الإدارة الأمريكية بتخصيص وزارة مستقلة لمتابعة تداعيات ارتفاع درجة حرارة الأرض، ورسم الاستراتيجيات والخطط العملية الواضحة لمواجهة هذا التهديد الحقيقي والواقعي.

وفي المقابل أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في 14 سبتمبر من العام الجاري بأن البنتاجون يؤكد بأن التغير المناخي يشكل "تهديداً مضاعفاً" على الأمن القومي الأمريكي، وبالتالي سيعمل على إدخال وضم البعد المتعلق بالتغير المناخي في كافة أعماله وبرامجه التنفيذية، سواء أكانت متعلقة بتطوير الأسلحة والذخائر واختبارها، أو البرامج الخاصة بإعداد الجنود للحروب ورفع مستوى جاهزيتهم لخوض المعارك.

كما وصف مؤخراً المتحدث عن البيت الأبيض التغير المناخي قائلاً بأنه:"لا يوجد تحدي يهدد مستقبل أجيالنا اللاحقة أعظم من التغير المناخي، فالتغير المناخي لا يحترم الحدود الجغرافية للدول، وليس هناك دولة قادرة لوحدها على مواجهة التغير المناخي".
وعلاوة على ما سبق، فقد قال متحدث باسم وكالة المخابرات المركزية أو الـ سي آي إيه، بأن الوكالة "ستواصل تقييمها لتداعيات التغير المناخي على الأمن القومي"، كما أكد على أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي تَعْتَبر بأن التغير المناخي يمثل "تهديداً متنامياً على أمننا القومي".

وعلى المستوى الدولي، ممثلاً في منظمات الأمم المتحدة المختصة بالبيئة والتغير المناخي وفي مقدمتها الهيئة شبه الحكومية حول التغير المناخي(Intergovernmental Panel on Climate Change)، والتي ومنذ عام 1988 تُصدر تقارير دورية حول التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض وتداعياتها البيئية والاجتماعية والاقتصادية، فقد قررت في تقريرها وتقييمها الخامس لحالة المناخ على مستوى كوكب الأرض، ولأول مرة، إدخال البعد الأمني في التقرير، وتخصيص فصلٍ مستقل عن علاقة التغير المناخي بأمن الدول والحكومات، والحروب والنزاعات المسلحة وحالة عدم الاستقرار التي ستنشب نتيجة لهذه الظاهرة.

فمن الواضح إذن من هذه القضية البيئية بأن الظواهر والمشكلات البيئية لا تبقى "بيئية" إذا استمرت وتفاقمت وتم تجاهل وإهمال حلها ومواجهتها بشكلٍ جذري، وإنما مع الوقت ستظهر لها أبعاد أخرى خطيرة جداً، وستنكشف لها جوانب لا تخطر على بال أحد، كالجانب الأمني الذي يهدد الأمن والسلم ليس على مستوى الدول وضِمْن حدودها الجغرافية الضيقة، وإنما سيتعدى تأثيراتها لتشمل الكرة الأرضية برمتها، ولذلك من الأوْلى، ومن الحكمة قطع رأس المشكلة البيئية وهي في مهدها وفي أول نشوئها وظهورها، قبل أن تتحول إلى غولٍ عظيم لا يمكن السيطرة عليه.