الجمعة، 28 أبريل 2017

صفحة سوداء في تاريخ أمريكا



الدول الغربية والشرقية التي لا تقوم على المبادئ الأخلاقية العليا، والقيم الإنسانية السامية، تفعل كل شيء، وتستغل أية وسيلةٍ شرعية كانت أم غير شرعية، محظورة أم مسموحة، من أجل تحقيق التفوق العسكري، والتقدم العلمي البارز، واستتاب الأمن القومي، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة.

وصفحات تاريخهم المعاصر مليئة بالفضائح التي ارتكبوها على شعوبهم وشعوب الدول الأخرى على حدٍ سواء، وأرشيفهم الموجود في مكتباتهم يقطر دماً وينزف جرحاً من شدة ألم ومعاناة الجرائم التي قامت بها أيديهم خلال العقود الماضية.

ودعوني هنا أُقدم لكم مثالاً واحداً فقط من الولايات المتحدة الأمريكية يؤكد صِدق ادعاءاتي، ويثبت منهجيتهم اللاأخلاقية التي يتبعونها دائماً في تسيير أمور الحكم والدولة. 

ففي الفترة من 1929 إلى 1972 أجرتْ حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، ممثلة في عدة جهات حكومية في مقدمتها "إدارة الخدمات الصحية" تجارب طبية كلينيكية استخدمت فيها فئران التجارب المخبرية، ولكن هذه المرة كان فئران التجارب من البشر الفقراء غير المتعلمين والمستضعفين في الأرض وعددهم 399 أمريكياً من أصول أفريقية، لا يتمتعون بأي نفوذ، أو سلطة، وليس لديهم من يدافع عن حقوقهم ويحميهم من البشر المفترسين، فهؤلاء يسكنون في مناطق ريفية نائية بعيدة عن الأعين الساهرة وعن مراقبة وسائل الإعلام ومتابعاتهم اليومية، ومن السهولة جداً استغلالهم لمثل هذه الأفعال المشينة غير الإنسانية.

فهؤلاء الفئران البشرية كانوا يعانون من مرض الزهري أو السِفْلِس(syphilis)، ويعيشون في مدينة تسْكِجي(Tuskegee) الصغيرة في مقاطعة ماكون(Macon County) بولاية ألباما المعدومة والمعروفة بارتفاع أعداد سكان السود فيها، حيث أغروهم بعدة وسائل مالية لإدخالهم في تجاربهم السرية الخبيثة حول التعرف على أعراض مرض الزهري على السود خاصة، والتغيرات التي تطرأ على هذه الأعراض منذ الإصابة بالمرض إلى أن ينقلوا إلى مثواهم الأخير. ومن الوسائل المغرية العلاج "الوهمي" المجاني، والمواصلات وتوفير الغذاء والتأمين عليهم بعد الموت للدفن، وعُرفت بعد ذلك هذه التجارب أو الدراسات الميدانية تحت عدة مُسميات منها دراسة السفلس في تسكجي(Tuskegee Syphilis Study).

فقد أُجريت هذه التجارب دون علم المرضى أو موافقتهم، وتم الكذب عليهم بأن هذه التجارب تجرى على دمائهم "غير السليمة"، فبَدأتْ التجارب عليهم واستمرت مراقبة التدهور في حالتهم الصحية بسبب السفلس، وتدوين الأعراض المرضية المختلفة التي تظهر عليهم مع الوقت، والأدهى والأمر من هذا كله والأشد بأساً وتنكيلاً بالجميع، أنه في عام 1947 تم اكتشاف العلاج الناجع والتام لهذا المرض، ويتمثل في استخدام البنسلين(penicillin)، ومع ذلك رفض هؤلاء العلماء السفاحون القائمون على هذه التجارب تقديم البنسلين لهم، بل وأصروا على إكمال تجاربهم ومشاهداتهم، فتركوهم عمداً تحت أنظارهم وأعينهم القاسية وقلوبهم المتحجرة دون رحمةٍ أو شفقةٍ على حالهم المزري الحزين، ومَنَعُوا أي علاجٍ من الوصول إليهم لتستمر معاناتهم الشديدة من آلام وقسوة المرض، ويقاسوا من أعراضه العصيبة، ويمضوا ما تبقى من حياتهم تحت وطأة الموت البطيء الأليم.

وهكذا استمرت معاناة هؤلاء البشر من الشعب الأمريكي أكثر من 25 عاماً، وهم يقاسون من العذاب العصيب، حتى انكشفت هذه الغمة في عام 1972 عندما فضح طبيب من سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا هذه الجريمة النكراء باسم العلم، ونبه إلى الجوانب الأخلاقية والإنسانية، واضطر إلى اللجوء إلى سلطة الإعلام ليوجه تحذيره ويضع حداً لهذه المأساة البشرية، حيث نشرت صحيفة "الواشنطن ستار" أول مقالٍ في 25 يوليو 1972 حول هذا الكرب العظيم، ثم تلتها الصحف الأخرى وحقَّقت فيها السلطات التشريعية، وفي مقدمتها الكونجرس.

ونتيجة لهول هذه القضية على المجتمع الأمريكي برمته، والصدمة الكبيرة التي نزلت على الشعب الأمريكي من ممارسات الحكومة، فقد اضطر الرئيس الأسبق بيل كلينتون من إعلان اعتذارٍ رسمي في 16 مايو 1997 لضحايا التجارب البشرية، حيث قال: "نيابةً عن الشعب الأمريكي، ما قامتْ به حكومة الولايات المتحدة الأمريكية يُعد مخزياً وأنا آسف".

ومنذ أن فاحت رائحة هذه الكارثة البشرية ووصلت إلى الشعب الأمريكي، تحولت إلى هزة ثقافية شملت كافة القطاعات الثقافية والفنية على مستوى أمريكا برمتها، فمنهم من ألَّف الأغاني بكلمات تصف مشاهد معاناة الضحايا، ومنهم من كتب المسرحيات والروايات والمقالات الواقعية، ومنهم من عمل أفلام درامية ووثائقية حول فئران التجارب البشرية، إضافة إلى الحلقات التلفزيونية التي استمرت عدة سنوات.

والطامة الكبرى أن تداعيات هذه الجريمة البشعة لم تنته عام 1972 بظهورها فوق السطح، وإنما هي مازالت حتى يومنا هذا ماثلة أمام الجميع، فهناك من يعانون حالياً من انعكاساتها الصحية العضوية والنفسية، فهؤلاء المرضى الذين تُركوا دون علاج نَقَلوا المرض إلى الآخرين، فكانت الحصيلة إصابة أربعين امرأة من زوجات المرضى، و 19 طفلاً حملوا المرض عند ولادتهم، وهؤلاء الزوجات والأبناء والأحفاد وغيرهم من ضحايا الكارثة أنشئوا الآن مؤسسة خاصة لتخليد ذكرى هذه الفضيحة وكَشْف حقيقة حكومتهم وأسلوب تعاملها مع بعض فئات الشعب، وأَطْلقوا عليها "أصوات إرث آبائنا"(Voices for Our Fathers Legacy Foundation).

فهذا ما كشفتها لنا بعض صفحات التاريخ المعاصر حول تصرفات الغرب لتحقيق العُلو، والسُمو، والسلطة المطلقة على الآخرين، وهناك حالياً صفحات أخرى تُكتب في جنح الليل، وبكتمانٍ شديد وسريةٍ عالية، ولكن سيتم فضحها في السنوات القادمة، فاحذروا وتنبهوا فهم لا يرقُبون في أحدٍ إلاً ولا ذمة.


الأحد، 23 أبريل 2017

ماذا يحدث عندما يذوب الثلج؟


سؤال يبدو بسيطاً وبديهياً جداً أطرحه عليكم هو: ماذا يحدث عندما يذوب الثلج؟

 

لا شك بأن كُلكم سيجيب على هذا السؤال ويقول بأن الثلج الذي ينزل من السماء برداً وسلاماً، وعذباً نقياً سائغاً شرابه، سيتحول مع الوقت إلى ماءٍ فرات زُلال يروي الأرض ويسقي الحرث والنسل ويملأ الأنهار والبحيرات والوديان. وهذا هو عين الصواب والحق، ولكن ليست الحقيقة كلها، فهناك أسرار خفية اكتشفها العلماء الآن حول سؤالي هذا، وتعمقوا في مدلولاتها، وعلى الجميع الاطلاع عليها ومعرفتها والتنبه إلى خطورتها على الإنسان وبيئته والحياة الفطرية التي تعيش معه.

 

فدورة الحياة الطبيعية التي نراها منذ آلاف السنين هي تحَوُل الثلوج التي تسقط على الأرض عند ارتفاع درجة حرارة الجو من الحالة الصلبة وهي الثلج إلى الحالة السائلة وهي الماء الصافي النقي الخالي من الملوثات والشوائب، وهذه العملية يُطلق عليها بالذوبان.

 

ولكن في عصرنا الآن وفي زمننا هذا، فكل الأمور اختلفت وتغيرت، والظاهرة الطبيعية لم تعد كذلك طبيعية وفطرية كلياً، فأيدي الإنسان تدخلت فيها بدون علمٍ أو خبرة، فعبثت في جوهرها، وأفسدت دورتها، وأدخلت عليها خليطاً معقداً من سموم وملوثات تنْميتنا التي ملأت الأرض، والسماء، وأعماق البحار.

 

فهذا الثلج الذي يسقط علينا ويتراكم مع الوقت في الشوارع والطرقات وعلى أسطح المنازل، يمتص يوماً بعد يوم كل الملوثات التي تنبعث من عشرات الآلاف من عوادم السيارات التي تسير في شوارعنا ليلاً ونهاراً طوال اليوم، فيبدأ تركيز هذه السموم بالارتفاع كل دقيقة، فتتراكم في جسم هذه الثلوج وتنحبس بداخلها فترة من الزمن في أشهر الشتاء القارسة وتبقى تحملها في بطنها كالجنين في رَحِم المرأة حتى تأتي بشائر الربيع الجميل بهوائه المنعش العليل، وترتفع درجة حرارة الجو قليلاً، فتأخذ الثلوج طريقها إلى الذوبان رويداً رويداً، وعندها يُطْلِق الثلج الجنين الذي مكث في بطنه طوال الأشهر الطويلة، وتبدأ الملوثات في الخروج من بَياتها الشتوي وسجنها المتين والانطلاق إلى الحياة الدنيا والأوساط البيئية المختلفة كالشوارع، والأنهار، والبحار، والبحيرات، ثم مع الوقت تتحول إلى الحالة الغازية وتنبعث إلى الهواء الجوي.

 

وقد أكد علماء من جامعة مَاكْ جِيْلْ الكندية في مونتريال على هذه الدورة للملوثات وواقعيتها في بيئتنا، وكشفوا النقاب عن حركة الملوثات التي تنبعث من سياراتنا ومصيرها عندما تدخل في الهواء الجوي، أو تترسب على الأرض، حيث نشروا نتائج مشاهداتهم وأبحاثهم المخبرية في مجلة "تلوث البيئة" في العدد الصادر في 11 أبريل من العام الجاري تحت عنوان: "دور الثلوج في مصير الملوثات المنبعثة من عوادم السيارات".

 

ومن أخطر الملوثات التي تمت مراقبتها، ومتابعة مسيرتها، والتعرف على تحركاتها ومصيرها في نهاية الأمر هي مركبات تُعرف بأنها تسبب السرطان للإنسان، مثل البنزين، والمركبات الهيدروكربونية العطرية متعددة الحلقات (polycyclic aromatic hydrocarbons)، إضافة إلى الغبار أو الجسيمات الدقيقة المتناهية في الصغر، حيث أكدت الدراسة امتصاص الثلج لهذه المواد المسرطنة التي تنطلق من سياراتنا، ثم تراكمها في الثلج، وأخيراً خروجها وتحررها من البيئة الثلجية وتعرض الإنسان والحياة الفطرية لشرورها وأمراضها.

 

فهذا الاكتشاف الجديد لمصير ملوثات عوادم السيارات عند دخولها إلى الهواء الجوي يفتح الباب على مصراعيه أمام قضية تلوث الهواء الجوي بشكلٍ عام، وتهديدها المباشر والمستدام للأمن الصحي للإنسان وبيئته.

 

فهناك حقائق حول تلوث الهواء يجب على الجميع معرفتها، وأقدمها لكم في النقاط التالية:

أولاً: أكدت منظمة الصحة العالمية في 17 أكتوبر من عام 2013 على أن الهواء الجوي العادي الذي نستنشقه يومياً يقع ضمن "المواد المسرطنة للإنسان"، ولذلك يُطلق على تلوث الهواء بالقاتل الصامت.

 

ثانياً: يُعد تلوث الهواء من أهم أسباب الموت على المستوى الدولي، وهناك إجماع لدى العلماء المختصين بأن تلوث الهواء يسبب الكثير من الأمراض، منها السرطان بأنواعه المتعددة، والسكتة القلبية والدماغية، وأمراض القلب والجهاز التنفسي، وداء السكري، والزهايمر، وكل هذه الأمراض تعتبر من العوامل التي تؤدي إلى موت الإنسان. ولذلك فإن منظمة الصحة العالمية تُقدر بشكلٍ دوري عدد الذين يقضون نحبهم مبكراً بسبب تلوث الهواء، ففي عام 1990 كان العدد 3.5 مليون، وارتفع في2015 إلى 4.2 مليون، ووصل الآن إلى مستويات مرعبة تقشعر لها الأبدان، حيث قُدر العدد الآن إلى نحو6.5 مليون إنسان.

 

ثالثاً: تلوث الهواء له علاقة بخفض وزن الجنين، أو الإصابة بتشوهات خَلْقية وعقلية، أو الولادة المبكرة قبيل الموعد الطبيعي، حيث أفاد تقرير منظمة الصحة العالمية في 16 فبراير من العام الجاري أن 3.4 مليون ولادة مبكرة حول العالم مرتبطة بتلوث الهواء، وهذه تمثل 18% من الولادات المبكرة. ودعماً لنتائج هذا التقرير المخيف، فقد نَشرتْ منظمة الأمم المتحدة للطفولة تقريراً في 30 أكتوبر 2016 أفادت فيه أن نحو 300 مليون طفل يعيشون في بيئاتٍ هواؤها ملوث، وهذا الهواء الملوث يُسهم بشكلٍ رئيس في القضاء على أكثر من 600 ألف طفل سنوياً تقل أعمارهم عن خمس سنوات.

 

ولذلك صَدَقَ من أَطلق على تلوث الهواء بالقاتل الصامت!

الجمعة، 14 أبريل 2017

ورَجَعَ عصر الفَحْم من جديد



كُنت أظن بأن عصر استخدام الفحم كوقود لتوليد الكهرباء وتشغيل المصانع قد ولى ولن يعود مرة ثانية، وخاصة بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي السابق أوباما في عام 2015 برنامجه الخاص بسياسة واستراتيجية أمن الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي أَطلق عليه ببرنامج "خطة الطاقة النظيفة"(Clean Power Plan).

فاستراتيجية أوباما كانت تهدف إلى ضرب عصفورين بحجرٍ واحد من خلال تحقيق عدة قضايا متعلقة بأمن الطاقة بالولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وبالبعد البيئي من جهةٍ ثانية من ناحية خفض انبعاث الملوثات التي تُحدث التغير المناخي الذي نشهده الآن وتؤدي إلى سخونة ورفع درجة حرارة كوكبنا، ولذلك فإن خطة أوباما للطاقة النظيفة كانت تُركز على ثلاثة محاور رئيسة. الأول رفع فاعلية وكفاءة استخدام الوقود بشكلٍ عام، سواء في محطات توليد الكهرباء، أو المصانع، أو وسائل النقل والمواصلات. والثاني هو الخفض التدريجي مع الزمن لاستخدام الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء، وبخاصة الفحم والبترول، والتوجه كبديل عنه إلى أنواع ومصادر الوقود النظيفة كالغاز الطبيعي من جهة، ومصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية، والرياح، والوقود الحيوي وغيرها من المصادر التي لا تنبعث عنها ملوثات تهدد الأمن الصحي والبيئي على حدٍ سواء.

وتطبيق هذه الخطة يمكِنْ الولايات المتحدة الأمريكية من تنفيذ تعهداتها والتزاماتها البيئية التي وقعَتْ عليها حسب معاهدة باريس لعام 2015، حيث أكدت على خفض انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة تتراوح بين 26 إلى 28% بحلول عام 2025 مقارنة بمستويات عام 2005، إضافة إلى خفض انبعاث غاز الميثان من آبار الغاز والنفط بنسبة 40% دون مستويات عام 2012 بحلول عام 2025.

والآن، وبالتحديد في 28 مارس من العام الجاري دخلت الولايات المتحدة الأمريكية مرحلة جديدة من السياسات الحكومية في مجالي الطاقة والبيئة، وبخاصة بالنسبة لقضية التغير المناخي عندما وقَّع الرئيس ترمب على الأمر التنفيذي تحت عنوان: "استقلال الطاقة"(Energy Independence) في المكتب الرئيس لوكالة حماية البيئة الأمريكية، وصرح قُبيل التوقيع قائلاً: "إدارتي ستَضع نهايةً للحرب على الفحم".

وبهذا الأمر التنفيذي، ألغى ترمب برنامج أوباما للطاقة النظيفة، وأعلن إحياء وقود الفحم من جديد، سواء من ناحية عملية الاستخراج من باطن الأرض، أو استخدام الفحم والبترول وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى في توليد الكهرباء وفي العمليات الصناعية.

هذه السياسة فرح بها البعض، وصفَّق مهللاً بإعلانها سواء على مستوى أمريكا، أو خارج أمريكا، وفي المقابل هناك من أبدى معارضته لها وانتقدها بشدة. أما المـُكَبرين والراضين عن هذه السياسة الجديدة، فهم أرباب صناعة الفحم والبترول، سواء الأفراد والشركات العاملة في مجال التنجيم والاستخراج والتكرير، أو الشركات التي تولد الكهرباء وتشغل المصانع بالفحم أو مشتقات البترول. وعلاوة على هذه الفئات المستفيدة من إعادة الرُوح من جديد للفحم والنفط وإنعاش السوق النفطية، فإن دُولنا أيضاً ستربح من هذه السياسة بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، وبخاصة أنها مازالت تعتمد على النفط كمصدر رئيس للدخل القومي.

وفي المقابل فإن هناك الذين انتقدوا هذه الاستراتيجية، سواء من داخل الكونجرس الأمريكي من الديمقراطيين وممن دعموا خطة أوباما للطاقة النظيفة من الأفراد والشركات، أو من حماة البيئة والمدافعين عن قضية التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، أو من خارج حدود أمريكا. فالاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، هاجم وانتقد سياسة الحكومة الأمريكية، حيث صرح المسئول في الاتحاد الأوروبي عن ملف التغير المناخي قائلاً: "نحن ناسف بأن الولايات المتحدة الأمريكية تتراجع عن ركنٍ أساسي من سياستها حول التغير المناخي، وهو خطة الطاقة النظيفة، والآن سَنَرى كيف تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية الوفاء بتعهداتها بتطبيق معاهدة باريس للتغير المناخي"، وأضاف متحدياً: "نحن سنَقِفُ مع باريس، وسندافع عن باريس، وسنعمل على تنفيذ باريس".

فهذا الأمر التنفيذي لترب يُولد القلق العميق والخوف الشديد مرةً ثانية لدى الحكومات والشعوب حول مصير معاهدة التغير المناخي، وبالتحديد معاهدة باريس، والتي سهر العالم كله على إنجازها وتحقيقها، وعانى أكثر من 25 عاماً من خلال مفاوضاتٍ شاقة ومرهقة ومكلفة للوقت والمال والنفس حتى تم الوصول إليها.
        

الاثنين، 10 أبريل 2017

القضاء والقدر من أسباب السرطان


منذ عقودٍ طويلة والعلماء والأطباء يجتهدون ويعملون بكلِ ما أُتوا من قوةٍ عقلية وفكرية، ووسائل علمية وتقنية، ويقضون الساعات الطوال ويسهرون الليالي في المختبرات من أجل سبر غور لغز مرض السرطان الذي حيَّر الجميع، وجعلهم يقفون أمامه عاجزين مكتوفي الأيدي عن علاجه، ومعرفة الأسباب الحقيقية التي تقف وراء سقوط الملايين من البشر في شباكه.


ومنذ سنوات وأنا شخصياً مهتم بهذا الوباء الصحي، وأطلع على معظم الأبحاث الموثوقة والأصيلة التي تُنشر حول هذه القضية المعقدة والمتداخلة لأَزْدادَ من العلم حول ملابسات وأسرار الإصابة بهذا المرض العضال.


ولفت انتباهي اليوم بحث فريد من نوعه من ناحية شموليته من جهة، ومن ناحية الاستنتاجات الغريبة والمخيفة في الوقت نفسه التي توصل إليها. فقد نَشَرتْ مجلة "العِلم" في العدد الصادر في 24 مارس من العام الجاري دراسة متكاملة حول الأسباب المحتملة للتعرض للسرطان، تحت عنوان: “السرطان والعامل الذي لا يمكن تجنبه"، وهذه الدراسة غطت مَرضى مصابين بـ 17 نوعاً من أنواع السرطان ويعيشون في 69 دولة مختلفة، بلغ عدد سكانهم الإجمالي 4.8 مليار نسمة.


 


فمن المعروف تقليدياً عند الأطباء ومنذ سنوات بأن هناك عاملين رئيسين يؤديان مع الوقت إلى الوقوع في هذا المرض المزمن. فالسبب الأول يُعزي الإصابة بالسرطان، أو ظهور الخلايا السرطانية إلى العامل الوراثي (heredity)، أو العامل(H)، أي الجينات التي ورثناها من الآباء والأجداد، وتم الآن التعرف على الجينات المتهمة بالسرطان. أما السبب الثاني فهو العامل البيئي (environmental factors) أو العامل (E) والمرتبط بالتعرض للسموم والملوثات، وأسلوب حياة الإنسان وممارساته اليومية.


 


واليوم وبالتحديد في هذه الدراسة، يكتشف العلماء سبباً آخر للوقوع في شباك مرض السرطان وهو متعلق بكيفية استنساخ الخلايا، أو استنساخ الـ دي إن أيه في جسم الإنسان، حيث أكدت الدراسة بأن الجزء الأكبر من التغيرات التي تطرأ على الخلايا والتي تُكَون الخلايا السرطانية يكون بسبب العامل الثالث المتعلق باستنساخ وانقسام الخلايا بطريقة غير مُنتظمة وبصورة عشوائية، أي حدوث طفرات وتغييرات في التركيب الجيني للخلايا لا تفسير علمي لها، أو أخطاء تقع عند انقسام الخلايا لا يَعرف تفسيرها أحد، فتتحول الخلايا السليمة إلى خلايا سرطانية، وأُطلِقَ على هذا السبب الثالث بأخطاء الاستنساخ (replication errors أو العامل (R)، وأنا أُطْلِقْ عليه بعامل "القضاء والقدر".


 


كما قامت هذه الدراسة بتقديم تحليلٍ كمي لنسبة مساهمة كل عامل من العوامل الثلاثة في التعرض للسرطان بأنواعه المختلفة، حيث أفادت بأن 95% من حالات الإصابة بسرطان البروستات، والمخ، والعظام ترجع لأخطاء تنتج عند انقسام الخلايا أو استنساخ الـ دي إن أيه أو العامل (R)، أو عامل الصدفة والقضاء والقدر، و 77% من تعرض الإنسان لسرطان البنكرياس مرتبط بهذا السبب، ولكن 35%  فقط من سرطان الرئة له علاقة بالصدفة والقضاء والقدر والخطأ في انقسام الخلايا، حيث إن الإصابة بسرطان له علاقة قوية بالتعرض للملوثات البيئية من مصادرها الكثيرة كالتدخين وعوادم السيارات وغيرهما. وعلاوة على هذه الاستنتاجات، فقد أكدت الدراسة على أن نحو 66% من إجمالي السقوط في هذا المرض العضال ينجم عن الصدفة والقضاء والقدر الذي لا دور للإنسان في الوقوع فيه، في حين أن 29% ينتج لأسباب بيئية وأسلوب حياة الإنسان وممارساته اليومية وعاداته، و 5% فقط يعزى للجينات غير السليمة التي تنتقل إلينا من الآباء.


 


بالرغم من هذه النتيجة العصيبة التي تُصعق الإنسان وتجعله في حيرةٍ شديدة من أمره، فإن الدراسة أكدت على أهمية الكشف المبكر وضرورة الأخذ بالأسباب، وتجنب العوامل الأخرى للتعرض لهذا المرض العضال، والابتعاد عن أي سبب قد يزيد من مخاطر هذا المرض. فهناك أسباب أجمع العلماء على أنها تؤدي إلى زيادة احتمال الإصابة بالسرطان، منها التدخين بمسمياته المتعددة والمختلفة، كتدخين سجائر التبغ التقليدية والشيشة والسجائر الإلكترونية، ومنها حرق البخور والعود واستنشاق الأبخرة التي تتصاعد منه، ومنها عوادم السيارات ومحطات توليد الكهرباء، ومنها أيضاً شرب الخمر وعادات الإنسان الغذائية وممارساته اليومية. وفي المقابل هناك ملوثات كثيرة أثبت العلم أنها تسبب السرطان أو تزيد من احتمال السقوط في هذا المرض الخبيث كالبنزين، والكروميوم، والبنزوبيرين، والأشعة المؤينة، والأشعة التي تنتج عن الهواتف النقالة، وتلوث الهواء بشكلٍ عام.


 


وخلاصة القول، ومن أجل درءِ مفسدة السقوط في مرض السرطان، علينا إتباع المنهج الإسلامي في الحياة والتوجيهات النبوية التي تقول: "اعلقها وتوكل"، فخذ بالأسباب جميعها، وتوكل على الله، وارض بقضاء الله وقدره.