الأحد، 22 أبريل 2018

هل نُكرر في البحرين أخطاء الصين التنموية؟


بعد أربعين عاماً من النمو الاقتصادي في الصين وبلوغ مستويات مرتفعة غير مسبوقة وصلت إلى أكثر من 11%، اقتنع الصينيون بأنهم وقعوا في الفخ العظيم الذي وقعت فيه الدول الصناعية الغربية واليابان قبل أكثر من خمسين عاماً، وتأكدت السلطة الصينية الآن واقتنعت كلياً أنها كانت منذ تلك السنوات تحفر قبرها بنفسها وبيدها حتى سقطت وهوت عميقاً فيه، ثم بعد ذلك أعلنت الحرب رسمياً على هذا النمَطْ المهلك لنفسه والمدمر لذاته والمعوق وغير المستدام للنمو الاقتصادي في البلاد.

 

وهذا الاقتناع والاعتراف بعدم جدوى النمط التنموي الذي أُتبع في الصين جاء على كافة المستويات والطبقات، بدءاً من أعلى سلم الهرم الرسمي السياسي والتشريعي للبلاد إلى طبقات العلماء والأطباء والمثقفين والمفكرين، ثم أخيراً إلى طبقة الشعوب البسيطة العاملة.

 

فقد أعلن الرئيس الصيني رسمياً في عام 2014 ولأول مرة في تاريخ الصين العريق "الحرب على التلوث"، وقال: "إنَّ علينَا أن نتعامل مع البيئة بالطريقة نفسها التي نحافظ فيها على حياتنا، وأن البيئة يجب أن لا تعاني من أجل النمو الاقتصادي"، وبعد هذا التصريح البليغ والواضح الذي وضع سياسة الصين واستراتيجيتها التنموية المستقبلية ورؤيتها في العلاقة بين حماية البيئة والتنمية الاقتصادية، جاء صدى الصوت من قيادات صينية أخرى، حيث أكد رئيس الوزراء قائلاً: "التلوث مشكلة رئيسة، والحكومة ستعلن الحرب على الضباب الملوث للهواء في المدن من خلال التخلص من السيارات الملوثة للبيئة وإغلاق الأفران التي تعمل بالفحم"، وأضاف مؤكداً وفي عبارات لا تقبل التأويل: "التلوث هو التحذير والضوء الأحمر للطبيعة بسبب النمو غير الفاعل والأعمى في بلادنا، ولذلك فإن تبني سياسة النمو البيئي المعقول ضروري وهام لحياة الناس ومستقبل أمتنا". كما اعترف عُمدة العاصمة الصينية وانج أنشن بهذا الوضع البيئي الكارثي وبخاصة بالنسبة للهواء الجوي عندما قال في 28 يناير من 2015 إن :"هواء بكين غير قابل للحياة"، أو بعبارةٍ أخرى هواء العاصمة الصينية لا يمكن العيش فيه بالنسبة للإنسان.

 

فهذه التصريحات القوية والانتقادات الحادة والحازمة للوضع البيئي المتأزم في الصين ومن قيادات سياسية عليا لم تُعرف من قبل باستخدامها لمثل هذه اللهجة الغليظة المشددة للتحدث عن أوضاع البلاد البيئية السيئة وعن الأسلوب غير المستدام للتنمية، كل هذه جاءت نتيجة لتدهور أوضاع جميع مكونات البيئة وانعكاسها المباشر على الأمن الصحي للإنسان إلى درجة عميقة وكارثية لا يمكن السكوت عليها، أو تجاهلها، بحيث إنها تحولت في المجتمع الصيني إلى قضية أمنية سياسية أثرت على استقرار البلاد وهددت استدامة التنمية في العقود القادمة، وكبدت الصين خسائر اقتصادية لا يمكن تقدير حجمها.

 

ودعوني أقدم لكم أمثلة سريعة تبين حجم الضرر الكبير الذي لحق بالبيئة الصينية حسب التقارير الحكومية الرسمية، فالهواء الجوي في بعض المدن الكبرى أصبح غير صالحٍ لحياة الإنسان إلى درجة أن هذا الهواء تحول من صحةٍ وعافية للناس إلى وباءٍ ومرض، كما اعترفت التقارير عن وجود أكثر من 500 قرية سرطانية في الصين، أي قرى ترتفع فيها مستويات الإصابة بالسرطان نتيجة لتدهور الهواء والمياه السطحية والجوفية وتسمم التربة. وفي المقابل أكدت هذه التقارير بأن 19.4% من الأراضي الزراعية، أي نحو 3.33 مليون هكتار، مسمومة بملوثات خطرة تهدد صحة الإنسان والكائنات الفطرية، وانعكس هذا التلوث على جودة المحاصيل وصلاحيتها لاستهلاك الإنسان، فزهاء 12 مليون طنٍ من الحبوب والرز التي تم إنتاجها كانت مسمومة بهذه الملوثات، إضافة إلى أن نحو 60% من المياه الجوفية مسمومة وغير صالحة للشرب و 85% من أنهار الصين غير صالحة للشرب.

 

فالحكومة الصينية الآن من خلال الكونجرس ومجلس الشعب ابتدعت مصطلحات جديدة تتناسب مع سياستها التنموية المستقبلية ورؤيتها ومفهومها التصحيحي الجديد حول حماية مكونات البيئة والمحافظة عليها والأنشطة التنموية الصناعية وغير الصناعية، فالوثائق الرسمية الصينية التي اطلعتُ عليها مؤخراً خلال شهر أبريل من العام الجاري كشفت عن مصطلحات وعبارات لم تُستخدم قط في أدبيات التنمية الاقتصادية، بل ولم أقرأ عنها في أية ورقة علمية أو دراسة تنموية، وبالتحديد عبارة "التنمية ذو الجودة العالية"، أو "التنمية ذو النوعية الممتازة"، وهذه العبارة الحديثة ستكون بديلاً في وثائق الحكومة الرسمية عن المصطلح الذي استخدم طوال الأربعين سنة الماضية وهو "النمو السريع".

 

فالتنمية الجديدة الآن في الصين تُركز على الإنسان أولاً وأخيراً، وتوجه نحو رفاهية الإنسان وسعادته، ليقطف هو ثمارها، ويأكل هو من طيباتها، ويجني من بركاتها وخيراتها.

 

فهذه هي التجربة الصينية التنموية الحديثة، رأيناها أمامنا، وشاهدنا تداعياتها وسلبياتها، فهل من متعظ ومُدكر.

السبت، 21 أبريل 2018

الحقل النفطي العظيم والاعتبارات البيئية


بعد أن هدأت التغطية الإعلامية محلياً ودولياً عن الحقل النفطي العظيم الذي وهبه الله سبحانه وتعالى لنا، ومنَّ علينا بهذه الثروة الكبيرة والكنز المفقود الذي وجدناه، أَودُ أن أقف وقفة متأنية ومتأملة حول الجوانب والاعتبارات البيئية المتعلقة بهذا الحقل النفطي العملاق من ناحية طرق وأساليب استخراج هذا النفط والغاز الطبيعي من أعماق باطن الأرض السحيقة تحت سطح البحر.

فالمؤتمر الصحفي الذي عُقد في الرابع من أبريل والتغطيات الإعلامية الأخرى والوثائق الرسمية الموزعة لم تتطرق إلى قضية الأبعاد البيئية المرتبطة باستخراج النفط والغاز المصاحب وغير المصاحب، ولم تشر إلى الاعتبارات البيئية التي سيتم اتخاذها عند القيام بهذه العملية الضخمة والمعقدة جداً والباهظة التكاليف.

فالخبرات الدولية حول استخراج النفط أو الغاز من تكوين شيل الصخري الموجود على أعماق تزيد عن الألف قدم، والتي تراكمت خلال السبعين سنة الماضية في الدول التي سبقتنا كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والصين وكندا، تؤكد أن عمليات الإنتاج والاستخراج والنقل والتخزين لها بعض المردودات السلبية على البيئة ومواردها الطبيعية من ماءٍ وهواءٍ وتربة، ولذلك لا بد الاستفادة من هذه التجارب والخبرات الطويلة للأمم الأخرى، ولا بد من التطرق إلى هذه السلبيات والأضرار التي قد تقع على عناصر البيئة أثناء القيام بهذه العمليات بهدف أخذ الاحتياطات اللازمة من الآن، وتبني الإجراءات الضرورية لحماية بيئتنا وصحتنا، ومنع هذا الضرر عنا كلياً، أو في الأقل تخفيف والحد من هذه الأضرار كلما أمكن ذلك إلى الحد العملي والواقعي الأدنى.

فهذا النفط الصخري الذي تم اكتشافه أستطيع أن أُشبهه بأنه مُقيد ومعتقل في سجنٍ كبيرٍ مغلقٍ ومُحكم الأبواب والنوافذ ولا يمكن اختراقه، أو الدخول فيه إلا بعد كسر أبوابه أو تهشيم نوافذه، فالنفط موجود في تكوين صخريٍ كبير أو طبقة واسعة، وكأن هذا النفط يسبح تحت الأرض في بحيرة عظيمة مغلقة، لا توجد فيه أية منافذ، فلا بد إذن من تكسير هذه الصخور لعمل منافذ أو ممرات صناعية لفك قيود هذا النفط السجين واستخراجه من سجنه الكبير.

وفي مثل هذه الحالات يُستخدم مخلوط من سوائل ومركبات صلبة مختلفة ومعقدة في التركيب وغير معروفة الهوية كلياً، حيث إن أكثر من 98% من المخلوط يتكون من الماء العذب، ونحو 1% منه عبارة عن حبيبات الرمل أو السيرميك، ثم هناك مكونات أخرى بنسبٍ صغيرةٍ جداً مثل المواد التي تقلل وتخفف من الاحتكاك، ومركبات تعمل ضد نمو البكتيريا، ومادة عضوية تمنع التآكل والصدأ، وحمض الهيدروكلوريك، إضافة إلى مواد أخرى سرية مجهولة الهوية. فهذا المخلوط يُوجه إلى أبواب السجن الصخري المغلق بشكلٍ أفقي وتحت ضغط عال لكسر الباب وفتح النوافذ والممرات والثقوب الآمنة لاستخراج النفط أو الغاز، ويُطلق على العملية بتكسير الصخور بالماء، أو التكسير الهيدرولكي، وباختصار عملية الفراكينج.

فالدراسات السابقة والخبرات الماضية الثرية وثَّقت بعض الانعكاسات السلبية لهذه العمليات على البيئة، منها ما يلي:
أولاً: تلوث المياه الجوفية والسطحية بالمخلفات السائلة التي تنجم عن عملية الفراكينج أو كسر الصخور، وخطورة هذه المخلفات تعتمد على نوعية الصخور ومكوناتها من العناصر المشعة أو العناصر الثقيلة السامة، إضافة إلى بعض مكونات مخلوط السائل غير المعروفة.
ثانياً: احتمال وقوع الزلازل بسبب تكسير الصخور الموجودة تحت سطح الأرض وإثارة الهزات الأرضية وتحرك طبقاتها.
ثالثاً: عند كسر الصخور قد ينبعث غاز الميثان الذي يلوث الهواء الجوي ويفاقم من ظاهرة التغير المناخي، إضافة إلى انطلاق ملوثات خطرة ومسرطنة أخرى كالبنزين، وكبريتيد الهيدروجين، والفورمالدهيد.
رابعاً: هناك حاجة إلى أحجامٍ ضخمة جداً من المياه العذبة إضافة إلى الرمل، وهذه كلها موارد وثروات طبيعية شحيحة في البحرين.

أما عن حجم الضرر الذي قد ينزل على البيئة من هذه العمليات فيعتمد على عدة متغيرات، منها نوعية العناصر الموجودة طبيعياً في الصخور تحت سطح البحر، وموقع طبقات المياه الجوفية من عمليات الاستخراج، إضافة إلى المركبات التي تدخل في مكونات مخلوط السائل المستخدم في كسر الصخور وكيفية كسرها.

فالضرر إذن يمكن تجنبه، أو تخفيفه بدراسة كل هذه المتغيرات، واختيار ما هو أقل فتكاً وتدميراً لمكونات بيئتنا، فالأمر إذن يرجع إلينا.

السبت، 14 أبريل 2018

ما هو رأي وزارة الصحة حول السجائر الإلكترونية؟


تُعد السجائر الإلكترونية من المنتجات الشيطانية الجديدة نسبياً التي ابتدعتها شركات التبغ والسجائر العملاقة كبديل يغطي الخسائر التي تكبدتها من انخفاض أعداد المدخنين لسجائر التبغ التقليدية المعروفة.

فهذه الشركات التي لا تيأس ولا يصيبها القنوط أو الفتور مهما كانت الضغوط التي تمارس عليها، تُسوق الآن السجائر الإلكترونية بأنها غير ضارة بالنسبة للمدخن ولمن حوله، أو إنها أقل فتكاً وتدميراً لصحة الناس، كما أنها تدَّعي بأن السجائر الإلكترونية تُعتبر المدخل الفاعل والعملي لعزوف المدخن عن تدخين السجائر التقليدية القاتلة، أي أنهم يجرونك ويحببون لك هذا النوع الحديث من السجائر لتتخلص من عادتك غير الصحية المتمثلة في تدخين السجائر العادية، فتقع من جديد وتسقط فريسة لهذه السجائر فتُدمن عليها!

أما أنا شخصياً فلا أصدق هذه الشركات العملاقة مهما ادعتْ، ومهما نشرت من أبحاث ودراسات مدفوعة الأجر مسبقاً، فهذه الشركات قائمة على أساس الكذب على المستهلكين لجني الأرباح فقط، فهدفها الربح السريع والوفير، ولذلك فثقافتها الداخلية مبنية على الكذب والتحايل والخداع، والأمثلة التي تؤكد قناعتي كثيرة جداً، وكتبتُ عنها مراراً وتكراراً.

وأُقدم لكم اليوم آخر متابعاتي للأبحاث المنشورة في مجلات علمية مرموقة ومعروفة بمصداقيتها وموضوعيتها واتْباعها للمنهج العلمي الرصين، لأؤكد لكم أن السجائر الإلكترونية مهلكة للجسد ومدمرة لأعضاء بدننا ويجب منعها كلياً واجتثاثها من مجتمعنا.

فالسجائر الإلكترونية تستخدم النيكوتين الخالص المعروف بسُميته العالية ويخلط مع مواد لإذابته وتحويله إلى سائل، كما تُضاف إليه آلاف النكهات والمذاقات السرية التي لم يتم بَعْد الكشف عن هويتها حيث بلغ عددها نحو 7000 مضاف، فيتحول إلى مخلوط سائل يتم تسخينه وتحويله من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية، أو البخار الأبيض الذي تشاهده أمامك عند تدخين هذه السجائر.

أما آخر الأبحاث والدراسات حول خطورة السجائر الإلكترونية، فمنها دراسة نُشرت في مجلة طب الأطفال الأمريكية في السادس من مارس من العام الجاري وأكدت اكتشاف خمسة ملوثات مسرطنة في بَول ولُعاب شباب استنشقوا دخان السجائر الإلكترونية. كما أكدت دراسة منشورة في مارس من العام الحالي في مجلة شؤون صحة البيئة عنوانها: "تركيز العناصر الثقيلة في السجائر الإلكترونية" عن وجود ملوثات سامة ومسرطنة في الدخان المنبعث من السجائر الإلكترونية مثل النيتروزوأمين والفورمالدهيد والنيكل والكادميوم والرصاص والكروميوم والخارصين والنحاس والزرنيخ. وعلاوة على هاتين الدراستين، فقد أشارت المجلة الأوروبية لأمراض القلب في أغسطس 2017 بأن تدخين السجائر الإلكترونية يضر بالقلب ويؤثر على أدائه ويعرضه للسقوط في حالات السكتة القلبية والموت. كما أفادت دراسة منشورة في 29 يناير من العام الجاري في مجلة وقائع الأكاديمية الأمريكية القومية للعلوم بأن الملوثات التي تنطلق من السجائر الإلكترونية تؤدي مع الوقت إلى تلف وتدمير الخلايا الوراثية "الـ دي إن أيه"، أي أنها تزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان والسقوط في فك أمراض القلب المهلكة.

وفي الوقت نفسه أكد تقرير صدر في 23 يناير من العام الجاري من اللجنة القومية الأمريكية للصحة والتابعة للأكاديمية الوطنية للعلوم بأن السجائر الإلكترونية تسبب الإدمان، وأن الشباب المستخدمين لها يقعون فريسة مع الوقت لتدخين السجائر التقليدية القاتلة المعروفة لدى الجميع. كما أعلنت منظمة الصحة العالمية بأن على شركات التسويق عدم وضع إعلانات تفيد بأن السجائر الإلكترونية "آمنة وتساعد المدخن على العزوف عن التدخين"، وذلك لعدم وجود الأدلة العلمية الدامغة التي تثبت هذا الزعم والادعاء.

وبناءً على ما سبق يجب أن نؤكد على أن السجائر الإلكترونية ضارة جداً لبيئتنا وصحتنا على المدى القريب والبعيد، وتُسهم مع الوقت في زيادة أعداد المواطنين الذين يصابون بأمراض خطرة مستعصية على العلاج، وعلى رأسها السرطان، ولذلك من انطلاقاً من الخطة الوطنية للصحة للفترة (2016-2025) والتي أقرها مجلس الوزراء في الاجتماع الذي عقد في 17 أكتوبر 2017، علينا تنفيذ سياسة وزارة الصحة المبنية على الحكمة الطبية القائلة "الوقاية خير من العلاج" وذلك من خلال العمل على منع، أو تقنين بيع وتسويق هذه الآفة الجديدة والوباء القاتل.

فما هو موقف ورؤية وزارة الصحة من هذه السجائر الإلكترونية؟

السبت، 7 أبريل 2018

أول مفاعل نووي عربي


قريباً ستتحول دول الخليج من دولٍ تعتمد كلياً على الوقود الأحفوري الناضب وغير المتجدد من النفط ومشتقاته والغاز الطبيعي كمصدر وحيد لا منافس له لتوليد الطاقة والكهرباء إلى مصدرٍ آخرٍ نظيف ورفيق بالبيئة ومواردها الطبيعية لإنتاج الكهرباء، وهو الطاقة الذرية أو النووية، وستكون دولة الإمارات العربية المتحدة هي الرائدة في هذا المصدر الجديد الذي ولج على بلادنا، وستفتح الباب على مصراعيه للدول الخليجية والعربية الأخرى لتحذو حذو الإمارات، وتعمل على إنشاء مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء.

 

فقد أعلنتْ مؤخراً مؤسسة الإمارات للطاقة النووية في أبوظبي ووزارة الطاقة في كوريا الجنوبية بأنها انتهت فعلياً من بناء أول محطة من الجيل الثالث للمفاعلات النووية من بين أربع محطات ضمن مشروع "براكة" لتوليد الكهرباء بالطاقة الذرية في أبوظبي، علماً بأنها ستُحمَّل بالوقود النووي للبدء في التشغيل الفعلي بحلول نهاية شهر مايو من العام الجاري. والجدير بالذكر فإن هذا المشروع الرائد والفريد من نوعه في المنطقة في مجمله سيوفر 25% من احتياجات الكهرباء في دولة الإمارات العربية المتحدة.

 

ولذلك وكما هو معلوم لدى الجميع فإن خبراتنا الكبيرة الواسعة السابقة في مجال توليد الكهرباء والأمور المتعلقة بالأمن والسلامة وحماية البيئة والناس تنحصر في المصانع التي تعمل بالغاز الطبيعي، أو أحد مشتقات النفط، ولكن خبراتنا وتجاربنا شبه معدومة في الجوانب المتعلقة بالسلامة والحفاظ على الثروات والموارد البيئية الطبيعية من أية حوادث أو تسربات قد تقع عند توليد الكهرباء من المفاعلات النووية، ولذلك لا بد من دراسة وتحليل وتدقيق الخبرات السابقة والكوارث النووية التي وقعت في التاريخ المعاصر لنتعرف عن كثب على أسباب وملابسات وقوعها، فنتجنب ونمنع أنفسنا من ارتكاب الأخطاء نفسها عندنا، ونتعلم كيفية التعامل معها وإدارتها، ونتخذ من الآن جميع إجراءات الأمن والسلامة المتعلقة بمثل هذه المفاعلات النووية من جهة، وعند حدوث الكوارث من جهة أخرى.

 

فالطامة الكبرى هي أن الحوادث التي قد تقع عند إنتاج الكهرباء من الوقود الأحفوري تكون محدودة من الناحيتين الزمانية والمكانية، فنطاق تأثيرها الجغرافي ضيق نسبياً وتأثيراتها السلبية على الإنسان وبيئته والحياة الفطرية تنتهي عادة بعد السيطرة عليها وبعد فترة قصيرة من الزمن، ولكن في حالة التسربات الإشعاعية والحوادث النووية فإن نطاقها وحدودها الجغرافي قد يغطي الكرة الأرضية برمتها وتبقى انعكاساتها وتداعياتها خالدة مخلدة في مكونات وعناصر بيئتنا، ثم تنتقل بشكلٍ مباشر أو غير مباشر إلى الإنسان، ولو بعد حين.

 

ويُعزى السبب في هذا التأثير الزماني والمكاني الواسع والطويل الأمد في أن بعض الملوثات الإشعاعية أو العناصر المشعة إذا انطلقت إلى الهواء أو الماء أو التربة فإنها ستبقى مشعة تنبعث منها الإشعاعات والجسيمات القاتلة والمسرطنة لآلاف السنين، فنُصف حياتها يمتد إلى هذه الفترة الطويلة من الزمن فتستمر في الإشعاع أينما تكون.

 

وكما يقول ربُنا في محكم كتابه: “لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب"، فعندنا قصة التسربات الإشعاعية عام 1979 من مفاعلات "ثري مايل آيلند"(Three Mile Island) في مدينة ميدل تاون في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، ورأينا أمامنا الطامة العظمى التي هزت المجتمع البشري برمته ومازالت آثارها قائمة حتى اليوم، وهي التسرب الإشعاعي من مفاعل تشرنوبيل في مدينةبريبيات(Pripyat) في أوكرانيا(الاتحاد السوفيتي سابقاً) في 26 أبريل 1986، فبعد مرور أكثر من 32 عاماً مازالت الملوثات المشعة موجودة في بيئتنا ونتضرر منها دون أن نعلم بوجودها معنا، بل وإن بعض الدراسات أفادت بأن الحياة لن تعود إلى مدينة مفاعل تشرنوبيل قبل نحو 3000 عام، أي ستكون مدينة خاوية على عروشها تسكنها الأشباح طوال هذه القرون من الزمان.

 

والكارثة العصيبة التي مازالت قريبة من أذهاننا، وعميقة تأثيراتها في نفوسنا، فلا شك بأن الجميع يتذكر التسربات الإشعاعية البالغة الخطورة التي انطلقت من مفاعلات فوكوشيما النووية في اليابان في 11 مارس 2011، حيث نقلت صحيفة اليابان تايمس في 30 مارس من العام الجاري خبراً مفاده بأن كلفة وقف التسربات المشعة من أعمدة الوقود التي مازالت موجودة في المفاعلات، إضافة إلى إدارة المياه المشعة تبلغ نحو بليونين دولار سنوياً، كما يحتاج إلى أكثر من أربعين عاماً للإنتهاء من هذه المهمة المستحيلة.

 

وعلاوة على صعوبة التعامل مع التسربات وكلفتها المالية التي لا تُقدر بثمن واستغراق هذه العملية مئات السنين، فإن هناك المخلفات الصلبة المشعة التي تنجم عن هذه المفاعلات في حالة التشغيل الطبيعية، والتي عجزت حتى الآن عقول علماء الغرب التوصل إلى إدارتها بشكلٍ صحي وبيئي مستدام. وأخيراً وليس آخراً هي التعقيدات التي سيواجهها الإنسان عند الإنتهاء من العمر الإفتراضي للمفاعل والقيام بالتخلص منه ومن الوقود النووي الموجود فيه.

 

فهذه بعض المخاوف التي تراودني دائماً عندما نتعامل مع المفاعلات النووية، وآمل أن نستفيد من الخبرات والتجارب السابقة لجميع الدول النووية، سواء التي استخدمت الطاقة النووية لأغراض سلمية أو عسكرية.

 

الأربعاء، 4 أبريل 2018

رؤيتي حول إدارة مخلفاتنا المنزلية


حادثة حقيقية وقعت في الثمانينيات من القرن المنصرم وبالتحديد في مارس 1987، ولكنني مازلتُ أتذكر تفاصيلها وكأنها وقعت بالأمس، وتتلخص هذه الواقعة الغريبة في تحرك بارجة عملاقة تحمل في بطنها آلاف الأطنان من المخلفات المنزلية من ميناء مدينة إسليب في ولاية نيويوك الأمريكية، حيث انطلقت هذه البارجة العظيمة بشحنتها في رحلةٍ مجهولة المصير من أجل التخلص مما هو موجود على ظهرها من المخلفات، فمواقع الدفن والتخلص من القمامة المنزلية في الولاية امتلأت وتشبعت بالمخلفات ولا تستطيع تحمل المزيد منها.

 

فانطلقتْ هذه البارجة مُسرعة تخوض عباب البحر، وتشق طريقها وسط الأمواج العاتية لعلها تجد من يخلصها من هذا العبء الثقيل الذي يجثم على ظهرها، فتوقفت عند موانئ ست ولايات أمريكية على المحيط الأطلسي، ولكنها لم تجد آذاناً صاغية تَرفق بحالها وتُرحب بحمولتها، فاضطرت إلى الذهاب إلى ثلاث دول خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية فقد تتعاطف معها هذه الدول وتجاملها فتزيل عنها هذا الحمل العصيب، ولكنها في كل الحالات تم رفض طلبها، وردها رداً جميلاً، فرجعت أدراجها خائبة متحسرة من حيث أتت ومن الميناء الذي غادرت منه، وذلك بعد ستة أشهر عجاف من الإبحار وقطع أكثر من تسعة آلاف كيلومتر في بحار العالم.

 

فهل مثل هذه الحالة يمكن أن تقع عندنا في البحرين؟

 

في تقديري ومن خلال خبرتي في مجال إدارة المخلفات البلدية الصلبة أو القمامة المنزلية بالتحديد، فإن هذا المشهد الذي وقع في ولاية نيويورك ليس ببعيدٍ عنَّا، فمؤشرات وقوعها نراها أمامنا جلية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار. ولو تفحصنا الإحصاءات الرسمية حول الزيادة السنوية المطردة في كمية المخلفات الصلبة التي تنتج في البحرين لاقتنعتم جميعاً واتفقتم مع رؤيتي وتوقعاتي. ففي عام 2011 على سبيل المثال، كانت كمية المخلفات قرابة 1.2 مليون طن، وبنسبة زيادة تصل إلى 300%عما كانت عليه في عام2009، ثم ارتفعت هذه الكمية الآن لتبلغ نحو مليون و 800 ألف طن، وهكذا تزداد أحجام المخلفات سنوياً دون حسيبٍ أو رقيب، ودون أن تكون لنا رؤية واضحة أو استراتيجية موضوعية طويلة الأمد، أو سياسة علمية نعتمد عليها في إدارتها، أو تخطيط عملي واضح المعالم نسير على هديه ونقوم بتنفيذه خطوة بخطوة.

 

فالسياسة الموجودة الآن في التعامل مع المخلفات هي سياسة "اللاسياسة" أو سياسة "خُذوه فغُلوه"، أي نجمع المخلفات ثم نلقيها في مقابر جماعية تُعتبر هي المثوى الأخير لها، وهذه المقابر بدأت تضيق ذرعاً بالكميات التي تصل إليها فتدفن فيها يومياً، وقد يأتي اليوم الذي تتشبع هذه المقابر بالمخلفات فنضطر إلى حملها كما حدث في نيويورك.

 

ولذلك فإنني أحذر من خطورة الوضع القادم لا محالة، إذا أهملنا هذه القضية البيئية الصحية والأمنية، وإذا غفلنا عنها بعد اليوم، ورؤيتي في إدارة هذه المخلفات تتلخص في إتباع أداة الإدارة المتكاملة للمخلفات وتبني أكثر من طريقة للتعامل معها، وأُقدمها في النقاط التالية:

أولاً: تبني سياسة المنع من المصدر كأولوية في مجال إدارة المخلفات البلدية الصلبة، أي نتخذ إجراءات عملية وننفذ خطوات واقعية لنمنع، أو نخفض من إنتاجنا للمخلفات البلدية في المنزل، والمكتب، والمعمل، والمصنع، وجميع المرافق الموجودة في البحرين.

ثانياً: إتباع سياسة تدوير بعض المخلفات، مثل الورق أو البلاستيك أو الألمنيوم أو غيرها، والقيام بإنشاء البنية التحتية والآليات اللازمة لإنجاح عملية التدوير من كافة المصادر، كما على الحكومة دعم هذه العملية برمتها ودعم المصانع التي تقوم بتدوير هذه المخلفات، فالرابح النهائي هي الحكومة التي ستوفر كثيراً عند تكليف القطاع الخاص بهذه العملية.

ثالثاً: تحويل ما تبقى من المخلفات إلى مصنعٍ لحرق المخلفات بحيث يُطبق المصنع أكثر المعايير البيئية حزماً بالنسبة للانبعاثات التي تصدر عنها وبالنسبة لكمية ونوعية المخلفات التي تنطلق إلى الهواء الجوي، وفي الوقت نفسه يمكن توليد الكهرباء من عملية الحرق. وهذه الطريقة تُعد في تقديري من أنسب الطرق فاعلية واستدامة لظروف البحرين الخاصة التي تعاني من ارتفاع شديد في كمية المخلفات وضيق مساحة البلاد، إضافة إلى الشح الكبير في المواقع التي تصلح لدفن المخلفات الصلبة.

رابعاً: لا بد من وجود مدفن وموقع خاص لدفن بعض المخلفات الصلبة، مع اتباع المواصفات البيئية والصحية التي تُنَفذ في مثل هذه المواقع.