الثلاثاء، 30 يناير 2024

توجيهات جلالة الملك والإدارة المتكاملة للثروة السمكية

 

أكد جلالة الملك في 28 يناير 2024 على ضرورة عمل ضوابط لتنمية الثروة السمكية وحمايتها، والاستمرار في عملية الاستزراع السمكي بما يفي متطلبات واحتياجات السوق المحلي، بالإضافة إلى وضع الإجراءات التي من شأنها المحافظة على الثروة السمكية وتنميتها باعتبارها من الموارد المهمة للمواطنين، وضمان استدامتها وحماية مواردها باعتبارها ثروة وطنية وإحدى ركائز الأمن الغذائي في البلاد.

 

وفي الحقيقة فإن هذه التوجيهات البالغة الأهمية لحماية وتنمية ثروة غذائية فطرية غنية ومتجددة، قد جاءت في الوقت المناسب والحرج جداً قبل أن تنبض هذه الثروة السمكية وتنقرض كلياً من مياه البحرين، فمؤشراتها وشواهدها الميدانية تتضح وتتعمق سنة بعد سنة من ناحية انخفاض الصيد السمكي، وانكماش مساحة الصيد، والتدهور الكمي والنوعي في الأسماك الموجودة في المياه الإقليمية البحرينية، إضافة إلى تدمير المصائد السمكية من فشوت وشعاب مرجانية وحشائش بحرية.

 

كما أن هذه التوجيهات قد أسست قواعد بناء ما أُطلق عليه "الإدارة المتكاملة والشاملة لحماية الثروة البحرية"، والتي تعني إدارة هذه الثروة الحية بأسلوب متكامل وشامل يغطي كل الجوانب والقطاعات المتعلقة بالحفاظ عليها وضمان استدامتها لنا وللأجيال القادمة من بعدنا، كما تشتمل على تَحَمُل كل جهة حكومية من وزارة وهيئات مسؤوليتها ودورها في هذه الحماية.

 

فالإدارة المتكاملة تعني الجانب القانوني والتشريعي لحماية الثروة البحرية المتعلق بتنظيم الصيد البحري ومراقبة ومحاسبة المخالفين لكل ما يؤدي إلى تدمير هذه الثروة البحرية المتجددة، وتعني أيضاً الجانب البيئي المتعلق بالحفاظ على جودة مياه البحر ومنع كل ما يؤدي إلى تدهورها والتأثير على الأحياء البحرية من الناحيتين النوعية والكمية. كما تعني الإدارة المتكاملة لحماية الثروة البحرية الجانب الإداري المتعلق بتقوية الإدارة المعنية مباشرة بالثروة السمكية من الناحيتين الإدارية والمالية والبشرية، إضافة إلى تشجيع وتحفيز القطاع الخاص ودعمه مالياً ومعنوياً للاستثمار في كل ما له علاقة بالثروة السمكية وتنميتها وحمايتها، مثل إنشاء مزارع الأسماك الساحلية. 

 

وكل هذه المهمات والواجبات المتنوعة والمختلفة التي تقع ضمن الإدارة المتكاملة للثروة البحرية لا يمكن أن تحْمِلها وزارة واحدة فقط معنية بالثروة البحرية السمكية، فهي لكي تنجح في أداء رسالتها ومهماتها تحتاج إلى تعاون وتنسيق حثيث ودائم، سواء التنسيق الداخلي، أي بين وزارة وهيئات الحكومة، أو التنسيق الخارجي بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، حتى تقوم كل جهة بدورها حسب اختصاصها، فكل جهة تكمل الجهة الأخرى، فلا يكون هناك نقص أو ثغرات في الأداء والعمل الإداري والميداني والتشريعي.

 

ومن أهم محاور وقواعد الإدارة المتكاملة والشاملة للثروة السمكية هو الإدارة المعنية مباشرة بحماية الثروة البحرية السمكية. فهذه الإدارة منذ ولادتها ونشأتها في الستينيات من القرن المنصرم كانت "يتيمة" تحت مسمى "مكتب الثروة السمكية" التابع لوزارة الخدمات الهندسية، فهي إذن وُلدت وتعاني من ضعفٍ جسدي وهوانٍ عضوي ونفوذ بسيط. وبعد سنواتٍ انتقل هذا المكتب الصغير في السبعينيات من القرن العشرين إلى وزارة المالية، فلم يلبث هناك فترة طويلة ليحس بالأمان والاستقرار والراحة الجسدية والنفسية فيتمكن من العطاء والإنتاج، فنُقل بعد أن كبر في السن قليلاً إلى وزارة التجارة والزراعة تحت مسمى "إدارة الثروة السمكية"، ثم شاءت الأقدار والظروف أن يُرحل إلى ملاذٍ آخر هو وزارة الأشغال والزراعة التي لم تتمكن من تبنيه طويلاً فنُقل إلى وزارة الإسكان والزراعة. وفي عام 2002 تغير اسمه إلى "إدارة الثروة البحرية" ونُقل إلى ملجأ جديد لم يُعرف من قبل هو "الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية"، فاستمر في هذا الملجأ فترة قصيرة ولم يستقر فيه، فأُلحق بعد ذلك وبالتحديد في عام 2012 بوزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني، وأخيراً وصل به المطاف ليكون ضيفاً على وزارة شؤون البلديات والتخطيط العمراني، والآن يسمى "وكالة الزراعة والثروة البحرية" بوزارة شؤون البلديات والزراعة. 

 

وهكذا نرى أمامنا وبكل وضوح الوضع الإداري والتنظيمي غير المستقرين، وتغير تبعية هذه الجهة المعنية بإدارة وتنظيم هذا المورد الحيوي الفطري غير الناضب والمتجدد المتمثل في الموارد البحرية الغنية والثروة السمكية الثرية، وهذا الوضع ينعكس مباشرة على قدرة وإنتاجية هذا الجهاز للاهتمام بهذه الثروة وصيانتها ورعايتها لنا وللأجيال اللاحقة.

 

والمحور الثاني المتعلق بجهاز البيئة المعني بحماية البيئة البحرية بشكلٍ عام من التلوث الكيميائي والحيوي، ومنع كافة أشكال التدهور النوعي والكمي للبيئة البحرية والثروة التجارية التي تعيش تحت ظلها، فهو الذي من المفروض أن يمنع أو يقنن أكبر مهدد للبيئة البحرية وكل ما فيها من ثروة حية حيوانية ونباتية، وهو عمليات حفر ودفن السواحل، وعليه أيضاً التأكد من صحة وسلامة كل ما يصرف في البحر من مخلفات مياه المجاري، أو الصناعي، أو الزراعي، كما عليه التأكد من سلامة البيئات البحرية الثرية والمنتجة، وبالتحديد الفشوت، والشعاب المرجانية، وبيئات الحشائش البحرية وبيئات المد والجزر.

 

والمحور الثالث فهو وزارة الداخلية وتعاونها مع إدارة الثروة السمكية لضبط ومراقبة ومعاقبة كل ما يدور في البحر، وكل ما تُرتكب من مخالفات لقانون الثروة البحرية، سواء من شباك ومعدات الصيد المحظورة، أو الصيد في الأوقات الممنوعة، أو مواقع الصيد وهوية الصيادين ومن يُسمح لهم بممارسة مهنة الصيد التجاري.

 

والمحور الرابع فهو القطاع الخاص ودعمه للاستثمار في كل ما يصب في مصلحة حماية الثروة البحرية وتنمية الثروة السمكية من الاستزراع السمكي، أو غيره من المشاريع السمكية.

 

فبتنفيذ هذه المحاور التي هي أساس الإدارة المتكاملة والشاملة للثروة البحرية سننجح في الحفاظ على تبقى من الثروة السمكية ونؤمن النوعية السليمة والمنتجة لمياه البحر، وسنضمن عطاءها لنا وللأجيال اللاحقة، كما نحقق في الوقت نفسه الأمن الغذائي الفطري للبحرين الذي هو جزء لا يتجزأ من الأمن السياسي وتجنب الاعتماد على الآخرين في غذائنا ومائنا.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق