الثلاثاء، 28 مايو 2024

مخلفات فضائية تسقط على رؤوس الناس!

 

الثامن من مارس 2024، لم يكن يوماً عادياً كسائر أيام السنة بالنسبة لأسرة أمريكية تسكن في أحد المنازل في مدينة "نابسل" (Naples)في جنوب غرب ولاية فلوريدا الأمريكية. ففي المنزل وفي ذلك اليوم بالتحديد كان جميع أفراد الأسرة في خارج المنزل باستثناء أحد الأبناء، حيث تفاجأ هذا الولد في ذلك اليوم وفي الساعة الثانية والنصف بعد الظهر بسماع صوتٍ رعدي مخيف يزلزل المنزل من فوق، وعندما هدأ هذا الصوت الرعدي، وخف صداه، تحرك الولد فوراً في جولة سريعة في أرجاء المنزل ليعاين ويشاهد ماذا حدث في كل غرفة من غرف المنزل. فلما وصل إلى الصالة ونظر إلى الأعلى رأى فُوهة واسعة وحفرة كبيرة في السقف، فلم يعلم ماذا حدث في المنزل، ولم يعلم مصدر الصوت العقيم، ومن الذي صنع هذه الفوهة في جدار السقف وأحدث تدميراً جزئياً لأعلى المنزل.

 

ففي هذا اللحظة نزل الخوف على قلب الولد الصغير، وجثم على صدره الذعر الشديد، وامتلأت نفسه رعباً وإثارة لكل ما شاهده أمام عينيه ولمسه بيديه، فهرع الصبي مرتعباً ومسرعاً للاتصال بأبيه "ألجندرو أوتيرو" (Alejandro Otero) ليفاجأه بهذا الخبر الغريب والمرعب والمقلق جداً، وبما جرى على المنزل، والذي كان بالنسبة له كالحلم والكابوس المرعب والغريب الذي لا يمكن تصديقه، ولا يقدم أي تفسير منطقي وواقعي لما سقط على المنزل. فلم يقع مثل هذا المشهد من قبل على أحد، إلا في أفلام هوليود الخيالية، ولم يتعرض أي إنسان في أي مكان وفي أي زمان لمثل هذه الحادثة الغامضة والفريدة من نوعها على سطح الكرة الأرضية.

 

فجاء الأب مدهوشاً ومرتكباً ومصدوماً مما سمع من ابنه، وقام على الفور بالاتصال بالشرطة، واستغاث بهم ليحققوا في هذه الحادثة المأساوية، ويقدموا تفسيراً علمياً لهذه الفوهة العميقة في جدار السقف. فبعد وصول الشرطة، والتجول في غرف وصالات المنزل، وجدوا جسماً معدنياً صغيراً أسطواني الشكل، وتظهر عليه آثار الحرارة العالية والانصهار المعدني الشديد. ولكن الشرطة لم تجازف بالاقتراب كثيراً من هذا الجسم، فلعله يكون ساماً وخطراً على الإنسان، وقد يكون كائناً فضائياً غازياً للأرض.

 

فبعد الفحص الأولي الظاهري البسيط عن بعد انتابهم الشك والريبة بأن هذا الجسم المعدني الغامض لم ينزل على البيت من مصادر فوق سطح الأرض، وأنه قد جاء من الفضاء، ومن السماء العليا. ولذلك تم أخذ كافة الاحتياطات اللازمة في التعامل مع هذا الجسم المعدني، ونقله مباشرة إلى الجهة المختصة بشؤون الفضاء وهي "الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء"(ناسا)، وبالتحديد في "مركز كنيدي للفضاء" في فلوريدا. وفي 15 أبريل من العام الجاري وبعد الانتهاء من التحليل الشامل لهذا الجسم الفضائي، نَشرتْ "ناسا" تقريراً مفصلاً أكدت فيه بأن هذا الجسم المعدني عبارة عن سبيكة معدنية فلزية شديدة القوة وتتحمل الحرارة العالية، وزنها 1.6 رطل، وطولها أربع بوصات، وقطرها 1.6 بوصة. ثم جاء الجزء الثاني من التقرير وهو مصدر هذا الجسم السماوي، حيث أفاد التقرير بأنه في مارس 2021، أي قبل أكثر من ثلاث سنوات، قام رواد الفضاء في "سفينة الفضاء الدولية" باستبدال البطاريات القديمة التي كانت تُزود المحطة بالوقود والطاقة وانتهت صلاحيتها ومدتها الافتراضية، بمجموعة جديدة من بطاريات أيونات الليثيوم، مما استدعى التخلص من مخلفات البطاريات القديمة التي كانت تزن قرابة 2.63 طن، وحجمها كسيارة كبيرة، وكان يُطلق عليها(Exposed Pallet 9). وهذه المخلفات الكبيرة أُطلقت في الفضاء لتسبح حول الأرض، بدون أن يعرف أحداً بالدقة الشديدة مصير هذه المخلفات الفضائية ومستقرها في نهاية المطاف. فقد كان من المتوقع أن هذا الجسم الضخم يدور حول الأرض فترة قصيرة من الزمن، ثم يحترق كلياً أثناء دخوله مرة ثانية في الغلاف الجوي، فيتحول إلى رمادٍ متناثر وينتهي أمره دون ضرر على البشر. فلم يكن في الحسبان، ولم يكن متوقعاً بأنه لن يحترق كله ويتحول إلى جسم صلب ينزل على رؤوس سكان الأرض، وقد يلحق الضرر الجسدي بالبشر.  

 

فهذه الواقعة غير المحسوبة وغير المسؤولة من قبل علماء الفضاء، كانت هي أول حادثة من نوعها لها علاقة بالبشر، بحيث إن أجساماً ومخلفات فضائية تنزل على المنازل المأهولة بالسكان، وكادت أن تسقط على رؤوس الناس فتلحق بهم ضرراً وألماً شديدين. فجميع الحالات السابقة التي تم توثيقها تؤكد سقوط المخلفات الفضائية الصلبة على سطح المحيطات، ودون أن يتضرر منها أي إنسان، أو أي مرفق بشري.

 

وفي الواقع فإن هذه الحادثة تثير الكثير من التساؤلات والشكوك حول وجود رؤية علمية واضحة لكيفية إدارة جميع المخلفات التي تنتج عن برامج الفضاء في كل دول العالم، إضافة إلى برامج إطلاق الآلاف من الأقمار الصناعية التي لم تتوقف منذ أكثر من عقد من الزمن بأحجامها المختلفة الصغيرة والكبيرة، وبالتحديد حول هذه الأقمار الصناعية بعد الانتهاء من تشغيلها وصلاحيتها. ومن الأسئلة التي أطرحُها شخصياً ولم أجد الإجابة الشافية والكافية عنها في المصادر العلمية ما يلي:

أولاً: هل هناك حصر لنوعية وكمية المخلفات الفضائية التي تحوم حالياً حول الأرض؟

ثانياً: ما هو مصير هذه المخلفات؟ وكيف سيتم التعامل معها بهدف حماية سكان الأرض؟ وهل هناك خطة حالياً ومستقبلاً لإدارة هذه المخلفات؟

ثالثاً: هل هناك دراسات قامت بإجراء التحليل الكيميائي لنوعية الملوثات الموجودة في مدارات الأرض المنخفضة وفي السماء العليا، وبالتحديد في مواقع دخول المخلفات الفضائية إلى الغلاف الجوي لتحترق فتلوث وتفسد نوعية هذه المدارات بالملوثات العضوية والعناصر الثقيلة السامة؟

رابعاً: ما هو تصور علماء الفضاء بالنسبة للسفينة الدولية للفضاء التي تعمل منذ عقدين من الزمن، ولكنها ستُحال إلى التقاعد بحلول عام 2030 عندما تنتهي صلاحيتها وينتهي دورها وعملها، علماً بأنها حجم هذه السفينة كبير كحجم ملعب كرة القدم؟

خامساً: من يملك الفضاء؟ ومن يتحكم في إدارته؟ فمن المفروض أنه ملكية عامة مشتركة لا سيادة لأحد عليه، ولا قرار فردي يُتخذ في غزوه والاستفادة من موارده.

سادساً: كيف يمكن ضمان سلامة الملاحة الجوية للطائرات المدنية خاصة التي تحلق في السماء عندما تدخل هذه المخلفات الفضائية الغلاف الجوي الأرضي؟ وفي الوقت نفسه كيف يمكن ضمان سلامة السفن التي تبحر في البحار والمحيطات، وسلامة المرافق البشرية البرية عندما تنزل بقايا هذه المخلفات على سطح الأرض، براً أو بحراً؟

 

إذن فما حدث للمواطن الأمريكي في ولاية فلوريداً قد يحدث لأي واحد من سكان الأرض في أية بقعة منها في البر أو البحر، مما يؤكد في تقديري تخبط الإنسان وعشوائيته في التعامل مع مخلفات الفضاء التي لا يمكن مشاهدتها وتحسس وجودها بسهولة، وبخاصة أنه مازال يقف عاجزاً أمام إيجاد الحلول المستدامة والجذرية لمخلفات الأرض التي بين يديه، ويراها أمامه، وتنتج يومياً منذ مئات السنين، من مخلفات منزلية، وصناعية، وزراعية، وتجارية، وبالتحديد المخلفات المشعة الصلبة وشبه الصلبة التي نجمت من برامج نووية عسكرية وسليمة، والتي تخزن منذ أكثر من 90 سنة بصفةٍ مؤقتة تحت الأرض في دول نووية كثيرة، وتُمثل قنبلة دمار شامل قد تنفجر في وجوهنا في أي وقت.

 

فإذا كان الإنسان يقف حائراً وعاجزاً عن إدارة مخلفات سطح الأرض، فكيف سينجح مع مخلفات الفضاء، وأعالي السماء على بعد عشرات أو مئات الكيلومترات فوق سطح الأرض، وخاصة أن هناك الكثير من الغموض والسرية، ونقص المعلومات الدقيقة، وقلة الخبرات المتراكمة مع هذه المخلفات الفضائية؟

 

الخميس، 23 مايو 2024

الإرث الأسود لبايدن


إذا مات الرئيس الأمريكي الصهيوني "بايدن" الذي أعلن صهيونيته منذ أن زار الكيان الصهيوني في أغسطس 1973 وقدَّم الولاء والمحبة عندما كان عضواً صغيراً في مجلس الشيوخ، فسأذكُره بأقبح وأسوأ عملين قام بهما، وسيكونان هما التراث الفاسد والكارثي المظلم الذي تركه للأجيال اللاحقة من بعده.

 

أما الأول فهو في الجانب السياسي والأمني، ويتمثل في الدعم المطلق واللامحدود العسكري، والمالي، والسياسي، والإعلامي الذي قدَّمه سراً وعلانية وبدون موافقة من الكونجرس في بعض الحالات للكيان الصهيوني ليستمر طوال أكثر من سبعة أشهر في الإبادة الجماعية الشاملة للبشر، والشجر، والحجر لمجتمع فلسطيني أعزل وفقير ومحاصر منذ أكثر من 13 عاماً، ولا يملك السلاح المتطور والمتقدم ليدافع عن نفسه وعرضه وأرضه. وهذا العمل الإجرامي الذي تسبب أيضاً في المجاعة لأكثر من مليوني فلسطيني ليس في تقديري الشخصي فقط، وإنما بشهادة المجتمع الدولي المتمثل في قرارات مجلس الأمن المتكررة، والجمعية العمومية للأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية، إضافة إلى شهاد الشعب الأمريكي، من دبلوماسيين يعملون في وزارة الخارجية، ومن عشرات الآلاف من الطلاب الذين احتلوا بعض الجامعات الأمريكية، ومن الملايين من الشعب الأمريكية الذي خرج لأشهر طويلة وبدون انقطاع منددين بسياسة بايدن العدائية، وطالبين منه وقف الحرب على هذا الشعب المستضعف الفقير.

 

وأما الثاني فهو في الجانب الصحي والاجتماعي على المستويين القومي الأمريكي والدولي، عندما عدَّل وغير تصنيف أحد أنواع المخدرات المعروفة عالمياً وهو الحشيش في الثاني من مايو 2024، أو الذي يُطلق عليه في الولايات المتحدة باسم المارجوانا، أو نبات القنب، مما غير مجرى التاريخ الصامد لقرابة قرن من الزمان في الولايات المتحدة الأمريكية، وأعطى الضوء الأخضر على المستوى الاتحادي أولاً، ثم على المستوى الدولي ثانياً، وفتح طريق الشر والفساد الشامل، وتدمير الفرد والأسرة والمجتمع، كما فتح الباب على مصراعيه للدخول في عالم الحشيش الأسود واتخاذ الخطوات الأولية للسماح باستخدام الحشيش، سواء في سجائر الحشيش، أو مأكولات الحشيش، أو غيرهما.

 

فقد وجه بايدن إلى تغيير وضع الحشيش وتحويله إلى تصنيف يعتبر أخف وأقل ضرراً من تصنيفه السابق المعتمد منذ عام 1937. فالاقتراح الآن هو نقل الحشيش من الجدول رقم(1) الذي يضم المواد المحظورة الخطرة والمدمنة، والتي ليست لها أية فوائد طبية، أو غير ذلك، وتسبب الإدمان، مثل الهيروين والكوكاين، حسب قانون المواد المحظورة لعام 1970(Controlled Substances Act)، إلى الجدول رقم(3)، والذي يضم بعض أنواع الستيرويد، مما يعني فك وتخفيف حدة ربط الحزام علي الحشيش.

 

فهذا التعديل يمهد الطريق، ويفتح الباب على مصراعيه، وتعد الخطوة الأولى التي ستنتهي في تقديري مع الزمن وبسرعة فائقة بسجائر الحشيش على المستوى الاتحادي وعلى المستوى الدولي. فهذا التعديل العقيم سيسمح للشركات في الدخول في المجال البحثي المتعلق باحتمالية وجود فوائد طبية لهذا المخدر القديم، كما ستكون نقطة البداية لاتخاذ خطوات الاتجار بالحشيش وفتح الشركات بكافة أنواعها وأحجامها، سواء أكانت الشركات الزراعية المختصة بزراعة الحشيش، أو شركات التوصيل والنقل، أو شركات تحويل نبات الحشيش إلى منتجات متنوعة منها تدخن، ومنها تؤكل، أو شركات التوزيع والمحلات التجارية التي تفتح في المجمعات وغيرها. كذلك فإن هذا التغيير في تصنيف الحشيش سيُسهل ويسمح لكافة المعاملات البنكية المتعلقة بجميع أنواع الاتجار بالحشيش، إضافة إلى شركات الدعاية والاعلام والتسويق لمنتجات الحشيش، والتي ستعمل بكل ما أُوتيت من قوة وأفكار ووسائل شيطانية حديثة على ترويج هذا المنتج الجديد، وتلميع صورته، وتحسين سمعته ليكون جاذباً ومحبوباً للأطفال، والمراهقين، والشباب، والشيوخ، كما أنها ستدَّعي بأن سجائر الحشيش غير ضارة، أو أنها أقل ضرراً من السجائر التقليدية القديمة، وأن بعض منتجات الحشيش لها فوائد طبية علاجية.

 

وكما هو معروف حالياً فإن هناك على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية 24 ولاية إضافة على العاصمة واشنطن "دي سي"، ومقاطعة جوام، قد سمحت لاستخدام الحشيش لأغراض شخصية ومن أجل الترويح عن النفس والتسلية الفردية، كما أن هناك في الوقت نفسه 38 ولاية قد سمحت للاستخدام الطبي والعلاجي. ولذلك فإن التعديل الذي اقترحه بايدن سيُعجل من رغبة الولايات الأخرى في السماح للحشيش، وسيشجعها على سرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك والانضمام إلى باقي الولايات. وفي الوقت نفسه هناك عامل آخر سيحث الولايات إلى السماح للحشيش، وهو موقف ورأي الشعب الأمريكي نفسه من الحشيش، وهذا الموقف سيجع متخذ القرار من المُشرعين في الولايات إلى العمل على تحليل الحشيش. فهناك استطلاع للرأي أُجري في 8 نوفمبر 2023 من شركة جالوب (Gallup poll) ويفيد بأن 67% من الأمريكيين مع السماح لاستخدام الحشيش، مقارنة بــ 50% في عام 2013، و 12% فقط في عام 1969. كما أجرت "المعاهد القومية للصحة" استطلاعاً للرأي في عام 2022 وأشار إلى أن 28.8% من الأمريكيين من الذين تتراوح أعمارهم بين 19 إلى 30 تعاطوا الحشيش، وهذه النسبة أعلى من تدخين السجائر التقليدية. وهذه النسب في ارتفاع مطرد، حيث أكد استطلاع للرأي لمركز أبحاث بيو(Pew Research Center) في أبريل 2024 بأن 88% من الأمريكيين وافقوا على السماح لاستخدام الحشيش لأغراض طبية أو شخصية.

 

أما على المستوى الدولي فقطار السماح للحشيش يمشى بين الدول ولكن ببطء، وآخر دولة سمحت لاستخدام الحشيش لأغراض شخصية كانت ألمانيا في 20 أبريل 2024، ومن قبل كانت كندا، وهولندا، واليابان، وتايلند، ونيكاراجوا، والنمسا، وأستراليا، وماطا، ولوكسمبرج.

 

ولذلك فقرار بايدن الفاسد سيوسع من دائرة سماح الولايات أولاً لاستخدام الحشيش، ثم يشجع الدول الأخرى، وقد تُفرض عليها السماح بالحشيش بحُكم المعاهدات كمنتج أمريكي شرعي، مثل عن طريق اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية بين الولايات المتحدة الأمريكية والكثير من دول العالم، كما أن خطوة بايدن السوداء ستُسرع من حركة قطار الحشيش بين دول العالم.

 

فماذا سيكون موقف دولنا من سجائر الحشيش القادمة لا محالة؟ 

الأحد، 19 مايو 2024

مستوى سطح البحر في ارتفاع، فماذا نحن فاعلون؟

 

كل من يعيش في جزيرة فسيكون مباشرة في مرمى تداعيات ومؤشرات نزول مشكلة التغير المناخي الكثيرة والمختلفة، وبخاصة التداعيات البيئية المتعلقة بارتفاع درجة حرارة مياه البحر وارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن سخونته. وهذه التداعيات تؤدي إلى زيادة أعداد الفيضانات الساحلية واتساع دائرتها وشدتها وتكرار وقوعها، وفي الوقت نفسه فمثل هذه الفيضانات تضرب المجتمعات والمرافق الساحلية، وتهلك البشر والشجر والحجر، وكل شيء يقف أمامها وفي طريقها.

 

وهذا "السيناريو" ينطبق على كل الدول الجزرية، ونحن في البحرين لسنا بمنأى عن جميع تداعيات التغير المناخي الخاصة بالبيئة البحرية، وخاصة أن الدراسات والتقارير الميدانية تؤكد تفاقم هذه التداعيات مع الزمن ووضوح مؤشراتها، وبالتحديد ارتفاع حرارة مياه البحر وارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة للازدياد المطرد لانبعاث الغازات المتهمة بوقوع ظاهرة التغير المناخي والاحتباس الحراري، أو التي يطلق عليها غازات الدفيئة، مثل غاز ثاني أكسيد الكربون الذي ينبعث عن أية عملية احتراق لمشتقات النفط والغاز الطبيعي، إضافة إلى غاز الميثان، وأكسيد النيتروز، والمركبات العضوية التي تحتوي على الكلورين والفلورين.  

 

وقد نشرت "الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء"(ناسا) في 21 مارس 2024 تقريراً تحت عنوان: "ارتفاع مستوى سطح البحر"، وهذا التقرير الدوري يأتي ضمن سلسلة من التقارير عنوانها: "بيانات الأرض"(Earthdata وحسب برنامج "ناسا" المتعلق بـ"بيانات أنظمة علوم الأرض". وهذا التقرير يعد آخر دراسة حول أنماط التغيرات في مستوى سطح البحر على المستوى الدولي، وقد اعتمدت الدراسة في نتائجها على أحدث التقنيات وأكثر تطوراً ودقة ومصداقية، مثل الأقمار الصناعية المتخصصة في تقديم البيانات والمعلومات البيئية، وبخاصة المتعلقة بمؤشرات التغير المناخي، كما أن الدراسة قدَّمت بيانات مراقبة التغير في مياه سطح المحيطات لأكثر من 30 عاماً، وبالتحديد من عام 1992 إلى 2023. 

 

فقد خلصت الدراسة إلى حدوث قفزة كبيرة وغير مسبوقة في مستويات سطح المياه في المحيطات على المستوى الدولي خلال الثلاثة عقود الماضية، ويمكن تقديم أهم الاستنتاجات كما يلي:

أولاً: المعدل العالمي لمستوى سطح البحر ارتفع قرابة 0.76 سنتيمتر من عام 2022 إلى 2023، أي بزيادة قرابة أربعة أضعاف عن السنة الماضية، حيث كان المعدل 0.2 سنتيمتر كل سنة.

ثانياً: الزيادة المطردة سنوياً لمستوى سطح البحر من عام 1993 إلى 2020، حيث كان المعدل الإجمالي لمستوى سطح البحر عالمياً في عام 1993، 0.18 سنتيمتر وارتفع سنوياً إلى أن وصل إلى 0.43 سنتيمتر حالياً. والتقديرات التي جاءت في الدراسة تفيد بأنه بحلول عام 2050 سيرتفع معدل مستوى سطح البحر 20 سنتيمتراً إضافياً، أي علينا أن نُضيف 20 سنتيمتراً على المعدل العالمي السنوي.

ثالثاً: المعدل الإجمالي لارتفاع مستوى سطح البحر بلغ اليوم 10.1 سنتيمتر منذ عام 1993 وحتى عام 2022.

رابعاً: تشير الدراسة إلى أن هناك سببين رئيسين لهذه الزيادة الكبيرة في أنماط تغير مستوى سطح البحر على المستوى العالمي، وبالتحديد في السنوات القليلة الماضية. أما السبب الأول فهو طبيعي ولا علاقة له بأيدي وأنشطة الإنسان بشكلٍ مباشر وهو ظاهرة ألنينو(El Nino)، حيث تسخن مياه المحيط وترتفع سخونتها أكثر وأعلى من السخونة الطبيعية، إضافة إلى سقوط الأمطار وانصهار الثلوج ودخولها مع مصادر المياه العذبة الأخرى في مياه البحار ورفع مستواها.

 

وأما السبب الثاني لارتفاع مستوى سطح المحيطات فهو من صنع أيدينا، وله علاقة مباشرة بأنشطة الإنسان التنموية على مدى قرنين من الزمن، والتي تتمثل في حرق الوقود الأحفوري في السيارات ومحطات توليد الكهرباء والطائرات والمصانع وغيرها، وانبعاث الغازات الملوثة للهواء الجوي، والتي كوَّنت طبقة في السماء العليا تحبس هذه الملوثات فتقوم بدورها بحبس الحرارة المنعكسة من الأرض وتمنع انتشارها وتشتتها، فتكون ظاهرة الانحباس الحراري، أو المعروفة بظاهرة التغير المناخي. ولهذه الظاهرة مؤشرات تؤكد صحتها وواقعيتها على الأرض، مثل ارتفاع درجة حرارة الأرض وسخونة كوكبنا، وهذه الحرارة المرتفعة للأرض تمتصها مياه البحار فترتفع حرارتها مما يؤدي إلى تمددها وارتفاع مستواها مع الوقت. وقد نُشرت دراسة في مجلة: "طبيعة التغير المناخي"(Nature Climate Change)في 15 مارس 2024 تحت عنوان: "تأثير الإنسان على الدورة الموسمية لدرجة حرارة سطح البحر"، حيث أفادت بأن ارتفاع تركيز الملوثات المتهمة برفع درجة حرارة الأرض، أو غازات الدفيئة هي التي تسببت في ارتفاع درجة حرارة البحر، كما أصدرت وكالة حماية البيئة الأمريكية تقريراً حول هذا الموضوع تحت عنوان: "مؤشرات التغير المناخي: مستوى البحر" في يوليو 2022.

   

وكل هذه الزيادة المستمرة سنوياً منذ عقود طويلة لمستوى سطح البحر تنتج عنها كوارث طبيعية ساهم البشر في وقوعها، وبخاصة الفيضانات والأعاصير وتدميرها للمرافق الساحلية وغرقها كلياً، إضافة إلى موت البشر وقتل الشجر. ومن أكثر الدول تأثراً بارتفاع مستوى سطح البحر هي الدول الجزرية ومنها البحرين، حيث إن معظم المرافق الحيوية، والتنموية الصناعية، والإسكانية، والمنتجعات تقع مباشرة على مستوى سطح البحر وقد بنيت على مساحات كبيرة مدفونة من البحر، مما يعني أية زيادة وارتفاع في مستوى سطح البحر قد تكون لها عواقب وخيمة على هذه المنشآت الساحلية وعلى سكانها. ونظراً لأهمية هذه الظاهرة وتداعياتها التي لا تعد ولا تحصى على الأمن الدولي، فقد خصصت الأمم المتحدة ممثلة في مجلس الأمن جلسة خاصة في 14 فبراير 2023 لمناقشة التغير المناخي، مع التركيز على ارتفاع مستوى سطح البحر، تحت عنوان: "ارتفاع مستوى سطح البحر: الآثار المترتبة على السلم والأمن الدوليين"، حيث قال الأمين العام للأمم المتحدة بأن: "ارتفاع مستوى سطح البحر لا يشكل تهديداً فقط في حد ذاته، وإنما هو تهديد متعدد الجوانب. فبالنسبة لمئات الملايين من الناس الذين يعيشون في الدول الجزرية الصغيرة النامية وغيرها من المناطق الساحلية المنخفضة في مختلف أنحاء العالم، فإن ارتفاع مستوى سطح البحر يشكل وابلاً من المشاكل"، كما أضاف قائلاً: "ويهدد ارتفاع مستوى مياه البحار، وُجُودَ بعض المجتمعات المنخفضة وحتى البلدان".

فالقضية إذن حقيقية، والمشكلة واقعة لا محالة بعد فترة قصيرة أو طويلة من الزمن، فماذا أعددنا لمواجهتها؟