الثلاثاء، 27 ديسمبر 2016

لماذا مَنَعتْ أربع مدن سيارات الديزل؟


ما السبب الذي يُلزم أربع مدن عالمية تُعد من كبريات المدن في العالم وأكثرها عراقة، هي باريس، ومدينة المكسيك، ومدريد، وأثينا إلى منع السيارات التي تعمل بوقود الديزل، وفرض حظرٍ عام على كل هذه السيارات ومنعها من التحرك في شوارع هذه المدن بحلول عام 2025؟

 

فلا بد وأن يكون هناك أمر جَللْ قد وقع في هذه المدن، وأن هناك مصيبة عظيمة قد نزلت عليهم فأثرت عليهم جميعاً، ولا بد أن يكون هناك مبرر وجيه ومُقْنع اضطر قادة هذه المدن إلى التعهد بهذا الإجراء القاسي والصعب والإعلان عن هذه الإستراتيجية المستقبلية، حيث أفصح عُمَدْ هذه المدن الأربعة عن التزاماتهم التي قطعوها على أنفسهم أمام شعوبهم في القمة التي تعقد كل سنتين لقادة المدن، والتي نُظمت هذه السنة في المكسيك في الثاني من ديسمبر من العام الجاري.

 

فهناك خطر محدق وقاتل يحيط بهذه المدن منذ عقودٍ طويلةٍ من الزمن، وهناك تهديد واقعي أفسد صحة وسلامة شعوب هذه المدن، فلم يُفرق بين فقيرٍ أو غني، أو بين ضعيفٍ أو قوي، أو بين طفلٍ وشابٍ وشيخٍ هرم عَليلْ البدن، ولم يفرق بين المريض أو صحيح الجسم، فالتهديد العصيب نزل على الجميع سواسية وأوقع الضحايا البشرية من جميع فئات وأعمار شعوب هذه المدن.

 

فهذا التهديد تحول إلى مظهرٍ من مظاهر المدن الحضرية التي تكتظ بالسيارات وتزدحم بها الطرقات، بحيث إنك لا تجد مفراً من هذا الازدحام المروري الكثيف، فهو عن يمينك وعن شمالك، ومن أمامك ومن خلفك، وفي كل أوقات اليوم، نهاراً أو ليلاً، وفي أي طريقٍ ذهبت وفي أي شارعٍ سلكت، فإن الازدحام يحيط بك من كل مكان، فيُعكر مزاجك، ويلوث نفسيتك، ويجعلك تشعر بالقلق والاكتئاب، ويضطرك إلى سوء المعاملة مع الآخرين، فيفسد أخلاقك وسلوكك وأنت في الطريق.

 


والأدهى من ذلك كُلِه والأمَّرْ، والأشد قسوة علينا وعلى أمننا الصحي هو الإنبعاثات السامة والمسرطنة التي تنطلق في كل ثانية من مئات الآلاف من هذه المصانع المتنقلة التي لا تقف عن الحركة في شوارعنا، وفي كل مدن العالم دون استثناء.


 


فهذه الملوثات القاتلة التي تنطلق من السيارات، وبخاصة التي تشتغل بوقود الديزل تَعْرج إلى السماء من فوقنا فتتفاعل مع بعض أثناء النهار وعند طلوع الشمس فتُكوِّن مجموعة قاتلة من الملوثات المؤكسدة، وهذه المجموعة من الملوثات نراها أمامنا ومن فوقنا وبأم أعيننا فلا يمكن أن تخفى على أحد، فتكشف عن أنيابها الحادة المفترسة على شكل ضبابٍ بني أصفر اللون، فيؤدي إلى إعلان حالة الطوارئ في المدن، وتغلق المدارس أبوابها، وتتوقف المصانع عن أعمالها، وتنشل حركة الطائرات ووسائل المواصلات الأخرى، وتمتلئ أقسام الطوارئ في المستشفيات بالضحايا البشرية الذين يسقطون زرافاتٍ ووحدانا عند تعرضهم لهذه السحب المميتة.


 


وعلاوة على هذه الطامة الكبرى التي تنزل على مدن العالم بسبب هذا الضباب المهلك للحرث والنسل، فهناك الدخان الأسود أو الجسيمات الدقيقة التي تنبعث مباشرة عند احتراق الوقود في السيارات، وبخاصة سيارات الديزل، وهذه الجسيمات الدقيقة يعتبرها علماء البيئة والأطباء حالياً من أخطر الملوثات فتكاً بصحة الإنسان، والأشد ضرراً على الأمن الصحي للمجتمع برمته. فهذا الدخان الذي يكُون في بعض الأحيان متناهياً في الصغر ومتشبعاً بمركبات أخرى خطرة يدخل إلى أعماق الجهاز التنفسي فيسبب ضيقاً في التنفس، أو يهدد وظائف القلب والأوعية الدموية، فيرفع من ضغط الإنسان، أو يصل إلى خلايا المخ فيسبب لها تلفاً شديداً وقاتلاً.


 


فعلى سبيل المثال، أُقدم لكم آخر الدارسات العلمية التي تؤكد تدمير الجسيمات الدقيقة لكل أعضاء جسم الإنسان دون تمييز، فهناك الدراسة المنشورة في الأول من ديسمبر من العام الجاري في المجلة الأمريكية المعنية بالصحة العامة وهي "مجلة شؤون صحة البيئة" حول علاقة التعرض للجسيمات الدقيقة والإصابة بأمراض الأوعية القلبية، إضافة إلى البحث المنشور في العدد نفسه من المجلة والذي يفيد بأن العيش في بيئة مشبعة بالجسيمات الدقيقة يزيد من احتمال الإصابة بداء السكري من النوع الثاني، وهذا الوباء الخطير استشرى في معظم مدن العالم، ونحن في البحرين من هذه الدول التي تعاني من ارتفاع أعداد المصابين به.


 


والآن وبعد أن قدمتُ بين أيديكم الأدلة الدامغة، والبراهين الثابتة، وأَحدثْ الدراسات العلمية الموثقة، هل تلومون قادة المدن الكبرى في العالم على اتخاذهم لقرار منع السيارات الديزل من المشي في الطرقات، بل وإنني أَلُوم الدول التي لا تتعجل في تبني مثل هذا القرار البيئي الصحي الذي فيه المصلحة العامة العليا للبلاد والعِباد، فهل سنقتدي في البحرين بهذه المدن فنحافظ على الأمن الصحي للمواطنين؟


 

 

الأربعاء، 21 ديسمبر 2016

دخان السيارات يَنْفذُ إلى مُخك



كُلما سألني أحد عن أهم مصادر تلوث الهواء في البحرين، فإنني أُجيب دائماً وبكل ثقة مُؤكداً على أن السيارات هي المصدر الرئيس لفساد جودة الهواء حالياً ومستقبلاً.

ويستغرب بعض الناس من هذه الإجابة، فأنظارهم تتجه دائماً نحو المصانع، فيتهمونها بأنها تدمر الهواء، وتعكر صفاءها، وتفسد نقاوتها، وهذه النظرة سليمة تاريخياً، فقَبْل أكثر من مائة عام كانت المصانع هي التي تقف وراء تلويث الهواء وتدهور صحة وسلامة الإنسان، حيث إن تقنيات التصنيع والإنتاج كانت قديمة، وأجهزة التحكم والمعالجة في الملوثات كانت معدومة، ولكن مع اختراع السياراتوإنتاجها بسرعة شديدة وعلى نطاقٍ واسعٍ وكبير، وانتشارها في كل مدن العالم وارتفاع أعدادها بوتيرة متسارعة وطفرية، أصبحت هذه السيارات كالمصانع المتحركة واحتلتوبدون منازع المرتبة الأولى في شدة تدميرها لنوعية الهواء الجوي وتأثيرها المباشر على سلامة وأمن البشر.

وفي كل يوم تأتي الأبحاث البيئية والطبية لتؤكد هذه الحقيقة وتثبت بأن عوادم السيارات، سواء التي تعمل بالديزل أو الجازولين، تنبعث منها الآلاف من المواد الكيماوية المسرطنة والسامة والخطرة والتيتُنزل على الإنسان العديد من الأمراض المستعصية كالسرطان، وأمراض القلب والجهاز التنفسي، وتدخله إلى مثواه الأخير مبكراً وهو في شبابه.

ومن أشد الملوثات وطأة على الهواء الجوي وتدميراً لصحة الإنسان هو الدخان المنطلق من السيارات، أو ما نُطلق عليه بالجسيمات الدقيقة، فهذه كلما صغر حجمها، زادت تأثيراتها على الإنسان، وتعاظمت أضرارها على الجهاز التنفسي والقلب.

ومن آخر الاكتشافات المتعلقة بالتداعيات الخطرة للتعرض لهذه الجسيمات الدقيقة المنبعثة من السيارات هو تحركها بكل حرية في أعضاء الجسم المختلفة، وبالتحديد وصولها إلى مخ الإنسان وتراكمها في هذا العضو الهام والحيوي.

فقد أكد علماء من جامعة أكسفورد البريطانية ولأول مرة في الدراسة المنشورة في مجلة"وقائع الأكاديمية الأمريكية القومية للعلوم" في العدد الصادر في الرابع من سبتمبر من العام الجاري، علىوجود الدخان أو الجسيمات الدقيقة المتناهية في الصغر بنسبٍ مرتفعة في الأفراد الذين تم تحليل أنسجتهم الموجودة في المخ، والذين يعيشون في مدن ملوثة مثل مدينة المكسيك ومانشستر في بريطانيا، كما أفادوا بأن هذه الجسيمات الدقيقة التي تنفذإلى المخ من العصب الشَمِّي في الأنف(olfactory nerve) والذي يربط بين الأنف والمخ،مصدرها حرق الوقود، وبخاصة في السيارات.

وهذا الاكتشاف الجديد يدق ناقوس الخطر مرة ثانية ليؤكد التهديدات المهلكة التي تسببها عوادم السيارات لكل إنسان يعيش على سطح الأرض، من طفلٍ وشابٍ وشيخٍ كبيرٍ في السن.


الأحد، 18 ديسمبر 2016

الاتحاد الخليجي البيئي فَرضُ عَينْ





مازلتُ أتذكر الحَدَث التاريخي غير المسبوق، والكارثة البيئية الصحية العصيبة التي نزلت على الكويت خاصة ودول الخليج عامة أثناء الغزو العراقي للكويت عام 1991، والتي تمثلت في عدة مظاهر خطيرة منها فتح أبواب نارِ جهنم من خلال حرق أكثر من 800 بئرٍ نفطي، ومنها هدم صمام الآبار النفطية للسماح للزيت الخام بالدخول إلى مياه الخليج العربي.

أما الكَرْبْ العظيم الأول الذي هزَّ الكويت والعالم أجمع فلم يشهد له التاريخ مثيلاً، ولا أظن بأن التاريخ سيشهد يوماً ما أيامٍ نحساتٍ عظيمة كالتي نزلت على الكويت والخليج بسبب حرق الآبار النفطية وتلويث السماء بغَماماتٍ سوداء مرعبة أَلْقت الفزع والهلع في نفوس الناس في الكثير من دول العالم، حتى إنها انتقلت من سماء الكويت فبلغت أعالي جبال الهمالايا ووصلت إلى اليابان وهاواي. وكُنْت شخصياً ممن رأيتُ هذه السحب المرضية القاتلة في البحرين والتي حولت النهار ليلاً أيام قَيْظ الصيف وغيَّرت من درجة حرارة الجو، بل وأَمطرتْ السماء ماءً أسود اللون، لوَّث الإنسان، والأرض، والبحر.

والطامة الكبرى الثانية تمثلت في فتح حنفيات مخازن الزيت الخام في ناقلات النفط العملاقة الراسية في ميناء الأحمدي بالكويت وفي الآبار النفطية الواقعة بالقرب من السواحل، والتي نجمت عنها بحيرات نفطية في البر والبحر لم ير العالم مثيلاً لها من قبل، وهذه البحيرات النفطية في مياه الخليج العربي لم تراوح في مكانها في سواحل الكويت وإنما لوثت المياه، وسممت الأسماك والحياة الفطرية الأخرى على سواحل دول الخليج الأخرى كالسعودية والبحرين وقطر.

هذه النازلة التي حَلَّت بالكويت والخليج، والتي شهدناها جميعاً، إضافة إلى حوادث أخرى مماثلة أقل حِدة علينا وعلى بيئتنا تؤكد بأن الخليج خاصة، سواء في بيئة الهواء الجوي أو البيئة البحرية، يعتبر منطقة واحدة مترابطة ومتصلة ببعض ولا يمكن فصلها أو عزلها عن بعض، فهي كجسم الإنسان إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. فأية دولة من دول الخليج لن تتمكن، مهما بذلت من جهود من العمل لوحدها للحفاظ على هوائها، إذا لم تحافظ الدول الأخرى على هوائها أيضاً، وفي المقابل لا يجدي عملياً لدولة واحدة أن تعمل بعيداً عن تعاون الدول الخليج لحماية بيئتها البحرية الساحلية وغير الساحلية والحياة الفطرية فيها، إذا لم تقم الدول الخليجية الأخرى بحماية سواحلها من التلوث في الوقت نفسه.

وهذه ليست بدعة جديدة، أو فكرة مستحدثة غريبة، وإنما الواقع والضرورة يحتمان علينا أن نتوحد بيئياً ونُكوِّن "الاتحاد الخليجي البيئي"، بل وفي الواقع العملي نجد أن بعض الدول التي بينها عداوات مُعلنة، أو نزاعات حدودية مزمنة، يُجبرون على الجلوس مع بعض على طاولة واحدة لحل القضايا البيئية المشتركة، فيَنْسون كل خلافاتهم ونزاعاتهم السياسية والأمنية. فعلى سبيل المثال، اتحدت الصين، وكوريا الجنوبية، واليابان بيئياً، وذلك بالرغم من خلافاتها السياسة، والأمنية، والفكرية عبر العصور، فعقدت اتفاقية ثلاثية مشتركة وملزمة تهدف إلى خفض نسبة انبعاث الملوثات التي تنطلق إلى الهواء الجوي من الدول الثلاث، إضافة إلى منع صرف المخلفات السائلة إلى الأنهار والبحار والبحيرات التي تشترك فيها مع بعض في الحدود الجغرافية.

ولذلك كما أننا ندعو إلى اتحادٍ سياسي وأمني واقتصادي خليجي لحماية أراضينا وشعوبنا من أي عدوٍ محتمل يغزو بلادنا أو يتعدى علينا، فإن هناك حاجة ماسة وضرورة ملحة الآن للاتحاد الخليجي البيئي لحماية بيئتنا من عدوٍ آخر شرس لا يخفى على أحد وهو التلوث. فهذا العدو يجب أن لا نتهاون معه ولا نستصغر قوته على التدمير الشامل، فهو لا يمكن إيقافه من قبل أي دولةٍ لوحدها مهما كانت قوتها وعظمتها وعدتها وعتادها، ومهما كانت لديها من أجهزة متطورة، ومعدات حديثة، وذخائر ثرية، فهذا العدو، كما هو معروف للجميع، لا تنفع معه المعدات الحربية العسكرية من دبابات وصواريخ وطائرات وقنابل نووية أو تقليدية، فهو لا يَعْرف الحدود الجغرافية المـُصْطنعة، بل ولا يعترِفُ بوجودها، فينتقل بكل سهولةٍ ويُسر من دولةٍ إلى أخرى ومن منطقةٍ إلى أخرى، ويزحف من مكانٍ إلى آخر دون حسيبٍ أو رقيب، فيضرب ضربةً موجعة وقاسية في أية دولةٍ أو منطقةٍ ينزل عليها، فيُهلك الحرث والنسل، ويقضي على الأخضر واليابس، ويُفسد ويدمر كل شيء يقف في طريقه من إنسانٍ أو نباتٍ أو حَجَر.

فالمطلوب إذن في المرحلة الأولى من الاتحاد الخليجي البيئي سن التشريعات البيئية، ووضع الأنظمة اللازمة لحماية الهواء، وماء البحر، والبيئة البرية، ثم متابعة تنفيذ هذه القوانين من قبل الدول، ووضع آلية للمخالفات والعقوبات بحيث تتم محاسبة أية دولة لا تنفذ هذه التشريعات والأنظمة دون مجاملات أو وساطات.

الأحد، 11 ديسمبر 2016

توجيهات رئيس الوزراء حول خليج توبلي




منذ أكثر من ثلاثين عاماً وأنا أَحْمل فوق ظهري حملاً ثقيلاً حتى كاد هذا الحِمْل أن يقْصِم ظهري من شدة وزنه وقوته ومعاناته، ويتمثل هذا الحمل الثقيل في هموم وشؤون البيئة التي لا تنتهي أبداً، فكلما انقشع هم واحد ظهر هم وغم آخر فوق السطح، أشد قوة منه، وأكثر تأثيراً علينا وعلى مجتمعنا.

 

ومن هذه الهموم التي أُتباعها منذ عقود، وأراقب آخر التطورات والمستجدات التي تطرأ عليها هي قضية خليج توبلي الخالدة، حيث إنني بذلت مجهوداً كبيراً لحماية هذا الخليج من الانقراض، وعملت بكل ما أُوتيت من قوةٍ وعلم على أن أُجنب هذا الخليج على أن يكون جزءاً من التاريخ الحديث، فلا يراه الجيل القادم أمامه على أرض الواقع، ولا يستطيع مشاهدته والاستمتاع بجماله وحيويته، وإنما يقرأ عنه في كتب التاريخ، كما يقرأ الآن أطفالنا عن العيون العذبة التي انتشرت في البحرين يوماً ما في البر والبحر، وعلى رأسها ومن أهمها تراثياً وجمالياً وسياحياً وتنوعاً حيوياً عين عذاري رحمة الله عليه.

 

فقد نظمتُ عدة مؤتمرات وطنية حول خليج توبلي ومستقبله الغامض، وكتبتُ عشرات المقالات لأبين المخاطر الجسيمة التي تحيط بجسم الخليج، وبخاصة من عمليات الدفان التي لا تتوقف ولا تنتهي والتي تأكل من بَدِن هذا الخليج المريض كل يوم شبراً شبرا، وألقيت الكثير من المحاضرات في المدارس والأندية والجمعيات لأحذر من المصير المشؤوم الذي ينتظر قلب هذا الجسم الضعيف العليل، وأخيراً أعددت كتابين شاملين ومتكاملين حول خليج توبلي، الأول عنوانه: “خليج توبلي" ويتكون من أربعة فصول تناولت فيها جميع الجوانب المتعلقة بالخليج من حيث خصائصه ومميزاته وأهميته السياحية والترفيهية والغذائية والبيئية والرياضية، كما تطرقت إلى العوائق والصعوبات والتحديات التي تواجه استدامة عطاء هذا الخليج وتهدد أمنه واستقراره، ثم ختمت الكتاب بفصلٍ كامل حول رؤيتي للمستقبل المبْهم لهذا الخليج المعطاء. أما الكتاب الثاني فقد جاء تحت عنوان: “السياحة البيئية"، حيث أفردتُ فصلاً كاملاً حول مواقع السياحة العائلية والبيئية في البحرين، ومن بينها أشجار القرم أو المانجروف في خليج توبلي.

 

واليوم ترجع قضية خليج توبلي إلى الصدارة مرة ثانية وإلى الواجهة الحكومية والإعلامية، حيث وجه رئيس الوزراء في الاجتماع الذي عقد يوم الأحد الموافق 2 ديسمبر إلى الإسراع في إعادة تأهيل خليج توبلي بالشكل الذي يحسن حركة المياه وتجددها فيه، ويحول دون انتشار الملوثات في الخليج، كما كلف رئيس الوزراء اللجنة الوزارية للإعمار والبنية التحتية بدراسة التوصيات التي عرضها وزير شؤون مجلس الوزراء في الاجتماع.

 

وأريد هنا أولاً أن أوجه شكري العميق إلى مجلس الوزراء الموقر وأسجل تقديري وامتناني على اهتمامه بهذه القضية من جديد، وإحياء روح الأمل والتفاؤل في احتمال علاج الأمراض المزمنة التي يعاني منها خليج توبلي وتفتك بجسمه كل يوم، قبل فوات الأوان، حيث عندئذٍ لا يفيد أي علاج ولا يجدي أي دواء.

 

ومن خلال خبرتي في التعامل مع مثل هذه القضايا، ومتابعاتي الدقيقة لشؤون خليج توبلي، فإنني أطرح على المعنيين في اللجنة الوزارية للإعمار والبنية التحتية "خارطة طريق" لعلها تفيد في علاج معاناة وآلام الخليج جذرياً وبدون رجعة، كما يلي:

أولاً: إيقاف عمليات الدفان في الخليج كلياً وبدون استثناءات، فلم يبق من جسم الخليج إلا القليل ولا يتحمل المزيد من الدفن.

ثانياً: حصر الأراضي المملوكة حالياً للمواطنين في البحر، والقيام إما بتعويضهم مالياً، أو بتخصيص أراض بديلة في مناطق أخرى، وهذه النقطة هي الأصعب والأكثر تعقيداً في الحل، وإذا لم يتم علاجها كلياً، فسيتحول جسم الخليج عاجلاً أم آجلاً إلى قناةٍ ضيقة وصغيرة ولا جدوى من الحفاظ عليها.

ثالثاً: إصدار "شهاد مسح" تُبين حدود خليج توبلي، لكي تتمكن الجهات المعنية من إقامة المشاريع السياحية والتنموية عليها.

رابعاً: معالجة التهديدات الأخرى للخليج والمتمثلة في مياه الصرف من محطة مياه المجاري ومصانع غسيل الرمل وغيرهما.

خامساً: تنظيف الخليج من المخلفات الصلبة وشبه الصلبة، إضافة إلى حمأة مياه المجاري المتكدسة في السواحل أمام محطة معالجة مياه المجاري. 

الثلاثاء، 6 ديسمبر 2016

حافلة مُتحركة تنقل السرطان لمنازلنا



قبل أيام وأنا أسوق سيارتي في الشارع، وإذا بي أَرى حافلة صغيرة تقف أمامي عند الإشارة الحمراء، ومَكتوبٌ عليها بالخط العريض والواضح الذي يلفت نظر أي إنسان "سيارة متنقلة للتانينج"، أي بعبارةٍ أخرى سيارة تقدم خدمة منزلية للمواطن لتغيير لون جلدهم ليكون متماشياً مع آخر صيحات الموضة، ومواكباً للمستجدات العصرية في مجال التبرج والزينة والجمال.

 

وفي الحقيقة عجبتُ كثيراً واندهشت من هذا الإعلان المنافي لصحة المواطن والذي يتعارض كلياً مع الاستراتيجية الصحية التي وضعتها وزارة الصحة، كما حزنتُ في الوقت نفسه على وجود حافلة خاصة تنقل السرطان إلى عقر دار المواطنين.

 

فعملية التانينج، أو عملية تغيير لون البشرة إلى اللون الذهبي، تَحول في السنوات الماضية إلى هَوسٍ مُفرط عند النساء، وبخاصة صغار السن من المراهقات فأصبح مظهراً عصرياً للجمال عند المرأة، حتى أن الصالونات التي تُقدم هذه الخدمة القاتلة انتشرت اليوم في الدول الغربية كانتشار النار في الهشيم، فعلى سبيل المثال، نشرت جامعة ميامي دراسة ميدانية طريفة مؤخراً، أكدت فيها أن أعداد صالونات التانينج في ولاية فلوريدا الأمريكية تفوق أعداد فروع مطاعم المكدونالد المشهورة عالمياً!، وهذه الصالونات لم تبق في الدول الغربية فحسب، وإنما انتقلت عدواها المرَضِية إلى دولنا، فنحن تحولنا إلى شعوبٍ لا هوية لها، فنقلد الغرب شبرٍ بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلناه معهم.

 

فالغرب بعد أن رَوَّج عدة سنوات لهذه العادة السيئة الخطرة، وجنَّد لها خبراء الإعلان والتسويق والدعاية لتشجيع المرأة وتحفيزها على ممارستها بشكلٍ دوري مستدام في الصالونات وفي المنازل، وعرَّض بيديه فلذات أكباده سنواتٍ طويلة لهذه العملية، تأكد له حجم المعاناة والضرر الأليم الذي سببه للمرأة بشكلٍ خاص وللرجل، وأنه قد دمَّر فعلياً حياة عشرات الآلاف من الشابات والشباب، وأنزل عليهم المرض العُضال الفتاك الذي لا علاج له، ونقلهم إلى مثواهم الأخير وهم في سنٍ مبكرة.

 

فهذه العملية الانتحارية تتم بتعريض جميع أعضاء جسم المرأة للمصابيح التي تنبعث منها الأشعة البنفسجية الضارة بجرعاتٍ عاليةٍ ومركزة ولفترة قصيرة من الزمن، وهذه الأشعة، كما أجمع عليها العلماء والأطباء، تؤدي في نهاية المطاف وبشكلٍ سريع إلى مخاطر الإصابة بسرطان الجلد، وبالتحديد النوع القاتل منه وهو سرطان المِلَنُوما(melanoma ).

 

فالكثير من الإحصاءات والتقارير نشرت في الدول الغربية للتأكيد على هذه الحقيقة، منها التقارير الكثيرة التي أعدتها الأكاديمية الأمريكية لأمراض الجلد، حيث أفادت هذه الجمعية الطبية المتخصصة بأنه منذ عام 1973 ارتفع عدد المصابين بسرطان الجلد بنسبة 200%، وأن هذا المرض يقضي على أكثر من ألف أمريكي سنوياً فينقلون إلى مثواهم الأخير. كما أشارت تقارير أخرى بأن نحو 400 ألف حالة سنوياً يضافون إلى قائمة المصابين بسرطان الجلد، ومن هؤلاء 6000 حالة من نوع الملنوما القاتل.

 

واستناداً إلى هذه التقارير الموثوقة سَنَّت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تشريعاً تمنع فيه عملية التانينج لصغار السن، أو الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً، كما يفرض هذا القانون على كل مستخدم لهذه المصابيح في الصالونات أن يُوقع على استمارة خاصة تفيد بِعِلْمه بمخاطر هذه العملية، والتي تشتمل على الإصابة بسرطان الجلد والحروق في الجلد والعينين. كما قامت، حتى كتابة هذه السطور، 14 ولاية أمريكية بتطبيق هذا التشريع الاتحادي ومنع صغار السن من الدخول في صالات الانتحار الطوعي.

 

أما على المستوى الدولي، ممثلاً في المنظمة الأممية المعنية بالصحة، وهي منظمة الصحة العالمية فقد صَنَّفت مصابيح التانينج التي تنطلق منها الأشعة البنفسجية بأنها "مسرطنة للإنسان".

 

والآن وبعد كل هذه الأدلة العلمية والطبية والإجماع الدولي على أضرار هذه العملية، أتمنى من الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة الصحة اتخاذ الإجراءات اللازمة، وعلى وجه السرعة لمنع شبابنا من الانتحار.

 

الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

بدأ ترمب سريعاً بتغيير لونِ جِلْده



خلق الله سبحانه وتعالى الكائنات الحية الفطرية بشقيها النباتي والحيواني وأبدع في جسمها آليات وإمكانات فريدة تدافع فيها عن نفسها وتخيف أعداءها فتبعدهم عنها، أو تجذب الآخرين إليها، وهذه الآليات تختلف وتتغير من كائنٍ إلى آخر.

 

ومن هذه الكائنات المعروفة والمشهورة تاريخياً حيوان الحرباء الذي يغير لون جلده حسب المتغيرات التي تَستجِد في بيئته من الضوء والحرارة وحركة الكائنات من حوله، وحسب وضعه الفيزيائي والفسيولوجي.

 

وقد استفاد بعض رجال السياسة من هذه الخاصية الفريدة للحرباء والكائنات الحية الأخرى، فهم يغيرون لون جلدهم حسب الحالة التي يمرون عليها، وحسب المرحلة التي يعيشونها، فجلدهم أثناء مرحلة الدعاية الانتخابية للوصول إلى منصبٍ سياسي، أو تشريعي، أو تنفيذي له لون براقٌ وجميل، وجذاب وأنيق، يُلفت أنظار الناس إليه، ويزيد من ميلهم نحو التصويت له، فلون جلده يكون حسب ما يحبه الناس وينجذبون إليه ويرغبون في مشاهدته، وإذا ما انتهت هذه الحالة واستطاع هذا السياسي أن يتخطاها بنجاحٍ وتفوق وينتقل إلى مرحلة الجلوس على الكرسي والحصول على السلطة، فعندها سيكون لون الجلد كريهاً أنانياً يتقلب حسب هواه ومصالحه الذاتية، وطموحاته الشخصية الآنية، ثم إذا ما انتهت هذه المرحلة، رجع جلده إلى وضعه الطبيعي.

 

وهذه المتغيرات والمراحل التي يمر عليها رجال السياسة، أراها أمامي الآن وبأم عيني في الولايات المتحدة الأمريكية، بدءاً بالرئيس أوباما الذي سيغادر كرسي الزعامة في العشرين من يناير عام 2017، حيث إنه أثناء حملته الانتخابية عام 2008 والذي أطلق عليها حملة "الأمل"، انتقد بشدة سجن خليج جوانتينامو في كوبا ووصف السجن السيئ الصيت بأنه" وصمة العار في سمعة وروح أمريكا الديمقراطية"، وقطع على نفسه عهداً بأنه إذا انتخب رئيساً فسيُغلق فوراً سجن التعذيب والمهانة، وعندما انتقل إلى مرحلة الرئاسة الفعلية غير لون جلده وأطلق المبررات الواهية لعجزه على الوفاء بالتزامه، وها هو الآن وبعد مرور أكثر من ثمان سنوات على تربعه عرش البيت الأبيض لم يتمكن من إثبات مصداقيته، فلم يغلق إلا قسماً صغيراً جداً من هذا المعتقل الكبير وفي آخر أيامه في الحكم، وبالتحديد في سبتمبر من العام الجاري.

 

ومن أوباما ننتقل إلى الحرباء "ترمب" الذي غير لون جلده سريعاً عندما تحول من حالة "المرشح للرآسة" إلى حالة "الرئيس المنتخب"، ولا أعلم سيتلون جلده إلى أي لون عندما يبلغ حالة "رئيس أمريكا"؟

 

ودعوني أضرب لكم مثالاً واحداً على تغيير مواقفه بسرعةٍ شديدة، وهذا المثال في الشأن الذي أُتابعه وأهتم به منذ أكثر 35 عاماً وهو الهَم البيئي، وبالتحديد في هذه الحالة قضية التغير المناخي. فترمب يُعد داعية متطرف ومتشدد لنكران دور الإنسان وأنشطته التنموية في رفع درجة حرارة الأرض، حيث صرح في عدة مناسبات، منها التغريدة التي نشرها عام 2012 قائلاً: “إن الصينيين اخترعوا فكرة التغير المناخي من أجل إضعاف تنافسية الصناعات الأمريكية"، وقال في مراتٍ عديدة بأن التغير المناخي "خُدعة وهراء"، أما بالنسبة لاتفاقية باريس للتغير المناخي فقد شدد كثيراً على أن المعاهدة سيئة بالنسبة لأمريكا وتضر بمصالحها التجارية، وأعلن في كلمة له في مايو من العام الجاري قائلاً: “سنقوم في أول مائة يوم من حُكمي بإلغاء اتفاقية باريس للمناخ والتوقف عن جميع مدفوعات أمريكا لبرامج الأمم المتحدة للتغير المناخي".

 

وما أن انتقل إلى حالة "الرئيس المنتخب" وبعد أسبوعين فقط، فقد غيَّر لون جلده، ولين من شدة مواقفه تجاه التغير المناخي، وخفف من عنف لهجته السابقة، ففي مقابلة حصرية أجرتها معه صحيفة النيويورك تايمس في 22 نوفمبر من العام الجاري حول عدة قضايا ساخنة محلية ودولية ومن بين القضايا تلك المتعلقة بالشأن البيئي، وبالتحديد القضية المعقدة والمتشابكة، قضية العصر، وهي التغير المناخي، فعندما سأله توماس فريدمان، أحد كتاب الأعمدة حول مرئيات عن التغير المناخي وبالتحديد اتفاقية باريس، فأكد على تغيير مرئياته السابقة قائلاً بأني: “مستعد للنظر في القضية بعنايةٍ شديدة، وهي قضية مثيرة للاهتمام"، كما أضاف في رده بأن: "هناك بعض العلاقة بين أنشطة الإنسان والمناخ"، مما يعني أن  لم يغلق باب التغير المناخي كلياً، وجعله مفتوحاً بعض الشيء، وكأنه يقدم للمجتمع الدولي بصيصاً من الأمل، ونقطة ضوء في نفق التغير المناخي المظلم.

 

وبالرغم من هذه المواقف الإيجابية المستجدة، إلا أن أفعاله على أرض الواقع لا تُبشر كثيراً بخير، فقد أكد بوب واكر، أحد كبار مستشاري ترمب في 23 نوفمبر من العام الجاري على خفض ميزانية وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، وبالتحديد قسم علوم الأرض المعني بمراقبة التغيرات المناخية وسخونة الأرض، بل وصرح بأن ترمب سيعمل على وقف الأبحاث في مجال التغير المناخي، وفي المقابل فإن تعييناته الإدارية الجديدة لأشخاص معروفين بنكرانهم للتغير المناخي لا تَدَعْ كثيراً مجالاً للتفاؤل.

ولا أدري كيف سيكون لون جلد ترمب عندما ينتقل إلى حالته الأخيرة والمرحلة الجديدة من حياته وهي "رئيس الولايات المتحدة الأمريكية"؟