الثلاثاء، 27 ديسمبر 2016

لماذا مَنَعتْ أربع مدن سيارات الديزل؟


ما السبب الذي يُلزم أربع مدن عالمية تُعد من كبريات المدن في العالم وأكثرها عراقة، هي باريس، ومدينة المكسيك، ومدريد، وأثينا إلى منع السيارات التي تعمل بوقود الديزل، وفرض حظرٍ عام على كل هذه السيارات ومنعها من التحرك في شوارع هذه المدن بحلول عام 2025؟

 

فلا بد وأن يكون هناك أمر جَللْ قد وقع في هذه المدن، وأن هناك مصيبة عظيمة قد نزلت عليهم فأثرت عليهم جميعاً، ولا بد أن يكون هناك مبرر وجيه ومُقْنع اضطر قادة هذه المدن إلى التعهد بهذا الإجراء القاسي والصعب والإعلان عن هذه الإستراتيجية المستقبلية، حيث أفصح عُمَدْ هذه المدن الأربعة عن التزاماتهم التي قطعوها على أنفسهم أمام شعوبهم في القمة التي تعقد كل سنتين لقادة المدن، والتي نُظمت هذه السنة في المكسيك في الثاني من ديسمبر من العام الجاري.

 

فهناك خطر محدق وقاتل يحيط بهذه المدن منذ عقودٍ طويلةٍ من الزمن، وهناك تهديد واقعي أفسد صحة وسلامة شعوب هذه المدن، فلم يُفرق بين فقيرٍ أو غني، أو بين ضعيفٍ أو قوي، أو بين طفلٍ وشابٍ وشيخٍ هرم عَليلْ البدن، ولم يفرق بين المريض أو صحيح الجسم، فالتهديد العصيب نزل على الجميع سواسية وأوقع الضحايا البشرية من جميع فئات وأعمار شعوب هذه المدن.

 

فهذا التهديد تحول إلى مظهرٍ من مظاهر المدن الحضرية التي تكتظ بالسيارات وتزدحم بها الطرقات، بحيث إنك لا تجد مفراً من هذا الازدحام المروري الكثيف، فهو عن يمينك وعن شمالك، ومن أمامك ومن خلفك، وفي كل أوقات اليوم، نهاراً أو ليلاً، وفي أي طريقٍ ذهبت وفي أي شارعٍ سلكت، فإن الازدحام يحيط بك من كل مكان، فيُعكر مزاجك، ويلوث نفسيتك، ويجعلك تشعر بالقلق والاكتئاب، ويضطرك إلى سوء المعاملة مع الآخرين، فيفسد أخلاقك وسلوكك وأنت في الطريق.

 


والأدهى من ذلك كُلِه والأمَّرْ، والأشد قسوة علينا وعلى أمننا الصحي هو الإنبعاثات السامة والمسرطنة التي تنطلق في كل ثانية من مئات الآلاف من هذه المصانع المتنقلة التي لا تقف عن الحركة في شوارعنا، وفي كل مدن العالم دون استثناء.


 


فهذه الملوثات القاتلة التي تنطلق من السيارات، وبخاصة التي تشتغل بوقود الديزل تَعْرج إلى السماء من فوقنا فتتفاعل مع بعض أثناء النهار وعند طلوع الشمس فتُكوِّن مجموعة قاتلة من الملوثات المؤكسدة، وهذه المجموعة من الملوثات نراها أمامنا ومن فوقنا وبأم أعيننا فلا يمكن أن تخفى على أحد، فتكشف عن أنيابها الحادة المفترسة على شكل ضبابٍ بني أصفر اللون، فيؤدي إلى إعلان حالة الطوارئ في المدن، وتغلق المدارس أبوابها، وتتوقف المصانع عن أعمالها، وتنشل حركة الطائرات ووسائل المواصلات الأخرى، وتمتلئ أقسام الطوارئ في المستشفيات بالضحايا البشرية الذين يسقطون زرافاتٍ ووحدانا عند تعرضهم لهذه السحب المميتة.


 


وعلاوة على هذه الطامة الكبرى التي تنزل على مدن العالم بسبب هذا الضباب المهلك للحرث والنسل، فهناك الدخان الأسود أو الجسيمات الدقيقة التي تنبعث مباشرة عند احتراق الوقود في السيارات، وبخاصة سيارات الديزل، وهذه الجسيمات الدقيقة يعتبرها علماء البيئة والأطباء حالياً من أخطر الملوثات فتكاً بصحة الإنسان، والأشد ضرراً على الأمن الصحي للمجتمع برمته. فهذا الدخان الذي يكُون في بعض الأحيان متناهياً في الصغر ومتشبعاً بمركبات أخرى خطرة يدخل إلى أعماق الجهاز التنفسي فيسبب ضيقاً في التنفس، أو يهدد وظائف القلب والأوعية الدموية، فيرفع من ضغط الإنسان، أو يصل إلى خلايا المخ فيسبب لها تلفاً شديداً وقاتلاً.


 


فعلى سبيل المثال، أُقدم لكم آخر الدارسات العلمية التي تؤكد تدمير الجسيمات الدقيقة لكل أعضاء جسم الإنسان دون تمييز، فهناك الدراسة المنشورة في الأول من ديسمبر من العام الجاري في المجلة الأمريكية المعنية بالصحة العامة وهي "مجلة شؤون صحة البيئة" حول علاقة التعرض للجسيمات الدقيقة والإصابة بأمراض الأوعية القلبية، إضافة إلى البحث المنشور في العدد نفسه من المجلة والذي يفيد بأن العيش في بيئة مشبعة بالجسيمات الدقيقة يزيد من احتمال الإصابة بداء السكري من النوع الثاني، وهذا الوباء الخطير استشرى في معظم مدن العالم، ونحن في البحرين من هذه الدول التي تعاني من ارتفاع أعداد المصابين به.


 


والآن وبعد أن قدمتُ بين أيديكم الأدلة الدامغة، والبراهين الثابتة، وأَحدثْ الدراسات العلمية الموثقة، هل تلومون قادة المدن الكبرى في العالم على اتخاذهم لقرار منع السيارات الديزل من المشي في الطرقات، بل وإنني أَلُوم الدول التي لا تتعجل في تبني مثل هذا القرار البيئي الصحي الذي فيه المصلحة العامة العليا للبلاد والعِباد، فهل سنقتدي في البحرين بهذه المدن فنحافظ على الأمن الصحي للمواطنين؟


 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق