الأحد، 28 يونيو 2020

البيئة تَسقطْ ضحيةً لكورونا


استفادت البيئة قليلاً في الأشهر الأولى من انكشاف الغمامة السوداء للريح الفيروسية الصرصر العاتية التي هبَّت على كل دول العالم، فرجعتْ عافيتها، واستعادت قوتها، وانتعشت وتعززت قدرتها على العطاء مرة ثانية لاستدامة حياة الإنسان، فانخفضت نسبة الملوثات في هوائها، وتحسنت جودة الهواء التي يتعرض لها كل إنسان على سطح الأرض.

وهناك الكثير من الدراسات الميدانية التي راقبت التغيرات التي طرأت على نوعية الهواء الجوي في بعض دول العالم، وراقبت مستوى التلوث في الهواء قبل نزول أيام كورونا السوداء الثقيلة على البشرية، وأثناء وجود هذا الفيروس الخبيث في مجتمعاتنا.

فقد رصد القمر الصناعي سنتينال-5(Sentinel-5) التابع لوكالة الفضاء الأمريكية(ناسا) ووكالة الفضاء الأوروبية هذه التغيرات الجذرية في نسبة التلوث، حيث قدَّم هذا القمر الصناعي الصور الحية التي تبين التغير في تركيز الملوثات قبل ظهور فيروس كورونا، وبعد وأثناء انكشاف هذا الوباء الصحي الجماعي، وبالتحديد بالنسبة لتركيز غاز ثاني أكسيد النيتروجين والأوزون وثاني أكسيد الكربون. فقد تم نشر الصور الفضائية من 1 إلى 20 يناير من العام الجاري، أي قبل بدء سجن الحجر الصحي العظيم، ثم من 10 و 25 فبراير أثناء الحجر الصحي، كما أن هناك تقارير أخرى نُشرت حول هذه المستجدات البيئية الخاصة بجودة الهواء. فعلى سبيل المثال، انخفضت في منتصف مارس في المدن الصينية نسبة مستويات غازات أكاسيد النيتروجين 38% عن مستويات عام 2019، و 34% بالنسبة للدخان أو الجسيمات الدقيقة. ولذلك فقد أكدت نتائج كل هذه الدراسات بأن هناك فوائد وايجابيات غير متوقعة قد صاحبتْ هذا الوباء الفيروسي العام، وتمثلت بشكلٍ مشهود للجميع في تحسين نوعية الهواء، وبالتالي تجنيب الناس الأمراض والموت من هذا التلوث العقيم المستدام.
ولكن هذه الانتعاشة البيئية والازدهار المثمر في نوعية وجودة الهواء قد لا تدوم طويلاً، فبعد أن فتحت المدن أبوابها، وخرج الناس من منازلهم زرافاتٍ ووحدانا، وبدأت الحركة المرورية تدب في شوارع الأحياء والمدن، بدأ العد التنازلي التدريجي لارتفاع مستوى التلوث في الهواء الجوي، كما كان عليه قبل أن يضربنا هذا الوباء العقيم، حيث أفادت التقارير المنشورة في الثالث من يونيو في بعض مدن العالم بأن نسب تلوث الهواء تأخذ في الصعود يوماً بعد يوم وبوتيرة متسارعة. ففي مدينة ووهان، مسقط رأس فيروس كورونا، أفادت التقارير الأولية بأن نسبة أكاسيد النيتروجين أقل فقط 14% من السنة الماضية، وفي شنغهاي أقل 9%، وفي لندن وباريس انخفضت النسبة نحو 30%.

كما أن هناك ظاهرة جديدة أخرى بدأت تنكشف خيوطها في بعض دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وتؤكد هذه الظاهرة خسارة المكونات البيئية لكل المكتسبات التي حققتها خلال الأشهر الماضية، كما تُثبت بأن البيئة بشكلٍ عام أصبحت فريسة سهلة، وضحية هشة لتداعيات فيروس كورونا. فكما يعلم الجميع بأن فيروس كورونا زلزل اقتصاد الدول بشكلٍ عام دون تفريق أو تمييز، وهز أركانها على كافة المستويات، فنسبة النمو راوحت في مكانها، أو انخفضت بدرجة مشهودة، والبطالة ارتفعت بمستويات غير مسبوقة، حتى وصلت في الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال إلى أكثر من 14% في بعض الأشهر، أو قرابة عشرين مليون عاطل عن العمل.

كل هذه الانعكاسات الاقتصادية العقيمة، والحالة الاقتصادية الطارئة التي تمخضت عن كورونا، اضطرت الدول إلى اتخاذ إجراءات جذرية وسريعة تهدف إلى انتعاش الاقتصاد مرة ثانية، وإعادة الناس إلى وظائفهم، إضافة إلى توفير فرص عمل جديدة. فكل هذه الإجراءات التي نفذتها الدول كانت بعضها على حساب البيئة، والتي أُطلق عليها "الطُوفة الهبيطة" التي يتجاوزها عادة رجال السياسة والنفوذ، ويسهل تسلقها والقفز عليها بسهولة ويسر، وإهمالها بحجة حماية الاقتصاد، وتوفير الرفاهية للناس، وخلق الوظائف الجديدة.

وهذا ما قام به بالضبط الرئيس الأمريكي ترمب، فمن أجل البدء في انطلاقة سريعة وقوية لعجلة التنمية من جديد، أصدر أمراً تنفيذياً في الرابع من يونيو للوكالات الأمريكية الاتحادية تحت عنوان: "تعجيل استعادة الاقتصاد الوطني لعافيته من كوفيد_19 من خلال التسريع في الاستثمار في البنية التحتية والأنشطة الأخرى". فقد جاء في مقدمة الأمر التنفيذي بأنه "على ضوء التطورات التي تشهدها البلاد فقد قررتُ بأنه بدون تدخلي فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستواجه مشكلة اقتصادية كبيرة وارتفاعاً مشهوداً في البطالة"، كما جاء فيه: "التأخير غير الضروري الناجم عن تنفيذ الأنظمة البيئية يُفوت الفرصة على المواطنين للوظائف والأمن الاقتصادي، ويسبب في جعل الملايين من الأمريكيين بدون وظيفة وعمل ويمنع استراد الاقتصاد لعافيته". ففي هذا الأمر التنفيذي يأمر السلطات الاتحادية إلى البدء فوراً في تنفيذ المشاريع التنموية الكبرى من دون الرجوع إلى إجراءات تقييم الأثر البيئي، أو القيام بالمراجعات البيئية الخاصة بالمشاريع الكبرى، أي بعبارةٍ أخرى السماح بتنفيذ المشاريع حتى ولو كانت ضارة بالبيئة ومدمرة لمواردها وثرواتها البيئية الحية وغير الحية، فكأن البيئة تحولت الآن إلى العائق الكبير أمام التنمية ويقف حجر عثرة أمام التطور وتنفيذ المشاريع!
وقد احتوى الأمر التنفيذي على ستة بنود، هي أهداف الأمر التنفيذي، ثم السياسات، والبند الثالث إلى الخامس حول التسريع في تنفيذ مشاريع البنية التحتية الخاصة بالمواصلات ومشاريع الأشغال والأعمال المدنية ومشاريع البنية التحتية في الأراضي الاتحادية، وأما البند السادس فقد اختص بقانون السياسة البيئية والإجراءات والأنظمة الطارئة الخاصة بها، والتي تسمح بتجاوزها عند حالات الطوارئ.

ومثل هذه السياسات التي تضر بالبيئة وتفسد الهواء والماء والتربة وتدمر الحياة الفطرية تحت مبرر فيروس كورونا والأوضاع الاقتصادية الطارئة، فإنها مع الوقت ستخنق الإنسان نتيجة لتلوث الهواء، وربما تجعله يقول كما قال الأمريكي الأسود الذي قتله الشرطي الأبيض "لا أستطيع التنفس"، ولكن هنا سيكون بسبب ارتفاع تركيز الملوثات السامة الخانقة في الهواء الجوي.

الأحد، 21 يونيو 2020

كورنا يحيي قضية الأمن الغذائي


كورونا ليس شراً كله بالرغم من عظمة المعاناة المجتمعية والبشرية في كل شبرٍ مهما كان صغيراً من كل دول العالم بدون استثناء، فقد ترك هذا الفيروس المجهول والحقير بصماته العقيمة المدمرة بعمق في كافة مجالات حياتنا الصحية والاقتصادية والاجتماعية، ومع ذلك كله فإننا يجب أن نفتح لأنفسنا ولدولنا فرصاً مشرقة نستفيد من نزول هذا الوباء العصيب علينا، ويجب أن نفتح أمام هذا الشر الجامع أبواباً واسعة من الأمل والعمل نحو التغيير إلى الأفضل، والتطوير نحو الأحسن، والتقدم إلى الأمام، وتجنب أخطاء وسلبيات الممارسات السابقة قبل زمن كورونا، سواء على مستوى الأفراد والجماعات، أو على مستوى الدول.

فقد أكد لنا هذا الفيروس بأن لا نعتمد في حياتنا ومعاشنا وأمور دنيانا كلياً على الدول الأخرى، ولا نثق ولا نراهن تماماً باستيراد حاجاتنا المعيشية، وبخاصة مواردنا الغذائية والدوائية من دولة واحدة فقط مهما كانت العلاقة قوية والوشائج متينة مع هذه الدولة، ففي أي وقت، كما هو الحال عليه الآن قد ينقطع حبل الاستيراد من هذه الدول، وقد يتوقف كلياً في أية لحظة من الزمن، مما يجعلنا في وضع صعب يهدد حياة شعوبنا بخطر المجاعة، وسوء التغذية، وتدهور الأمن الصحي، وتردي أوضاع المرافق والخدمات الصحية الأساسية التي لا غنى عنها لكل إنسان، إضافة إلى تهديد الأمن السياسي الذي يجعلنا عرضة لابتزاز واستغلال الدول المصدرة لحاجاتنا اليومية.

فقد رأينا جميعاً الشلل التام الذي وقع على جميع وسائل المواصلات بين الدول، سواء البرية، أو البحرية، أو الجوية. فعلى سبيل المثال، توقفت جميع الطائرات في كل أنحاء العالم عن التحليق في أعالي السماء، وبها تجمدت كلياً حركة نقل واستيراد وتصدير البضائع والسلع بين كافة دول العالم، فتحولت مطارات العالم إلى مواقف عظيمة للطائرات.

فهذا المشهد الغريب لم يخطر على بال أحد، وهذا الوضع الكارثي لم يتوقعه أي مسؤول أو مفكر، وهذه الحالة التي مرَّرنا بها كانت كالصاعقة المفاجئة التي نزلت على البشر فهزت الأرض من تحت أقدامهم، ولا نريد أن يفُوتَ علينا هذا الوضع المأساوي وكأن شيئاً لم يكن، ولا نريد أن تفُوتَ علينا هذه الفرصة الذهبية من دون أن نتعلم منها، فلا بد إذن من المراجعة الشاملة الدقيقة لحساباتنا في إدارة شؤوننا، ولا بد من وقفة متأنية وناقدة لكل ممارساتنا وتعاملاتنا ورؤيتنا لقضايانا المحلية المختلفة.
فمن أهم القضايا التي كشفها لنا فيروس كورونا هو الأمن الغذائي للدول، وضرورة تنويع مصادر ونوعية الغذاء على المستوى الداخلي من جهة، وتنويع مصادر استيراد ونقل المواد الغذائية على المستوى الخارجي.

ومن الثروات التي أهملناها طوال العقود الماضية، ومن الموارد المتجددة الموجودة بين أيدينا، ومن النعم الوفيرة التي منَّها الله علينا فلم نشكر الله كثيراً على وجودها معنا، ولم نعطها ما تستحق من العناية والرعاية والاهتمام هي نعمة الثروة البحرية التي عاش عليها الأجداد من قبلنا.
وهذه النعمة العظيمة المنسية والمهملة، تؤكد على أهميتها للإنسان وضرورة حمايتها والاعتناء بها دراسة قامت بها جامعة ستانفورد الأمريكية المرموقة، وبالتحديد "مركز ستانفورد للحلول من المحيطات"(Stanford’s Center for Ocean Solutions)، والمبادرة الدولية "تقييم الغذاء الأزرق"(Blue Food Assessment)، حيث نشرت الجامعة تقريراً في الثالث من يونيو تمت فيه مراجعة شاملة وإجراء تقييم دولي للموارد المائية المالحة والحلوة ودورها في الأمن الغذائي الدولي.

وقد خلص التقرير إلى أن وباء كورونا عرَّى الكثير من الممارسات الخاطئة التي كانت تقوم بها الدول، كما أزال هذا الفيروس الخبيث الستار عن رؤى ناقصة وغير ناضجة تبنتها البشرية، وألزمت كافة الدول على إتباعها والالتزام بمبادئها، كسياسة العولمة وفتح الحدود والأسواق، وتسهيل حرية التنقل بين الدول دون قيود أو شروط، إضافة إلى الاعتماد على الدول الكبرى في التزود بالغذاء والدواء وكافة السلع دون التشجيع على الاستثمار في الثروات المتوافرة داخل الدولة نفسها، وتحفيز ودعم تنميتها وتطويرها، وتحقيق الاكتفاء الذاتي كلما أمكن ذلك.

كذلك أكد التقرير على الحاجة الملحة إلى تنمية دول العالم لمواردها البحرية بشكلٍ خاص، وحُسن استغلالها وإدارتها كمصدر فطري طبيعي متجدد ونظيف ومستدام لا ينقطع لتحقيق الأمن الغذائي للدول والشعوب.

وانطلاقاً من هذا التقرير، واستفادة من وباء كورونا كفرصة للتحسين والتطوير وتجنب الأخطاء الماضية، أتمنى مراجعة كافة سياساتنا الحالية والمستقبلية المتعلقة بالبيئة البحرية، وإعطاء الأولوية لهذا المصدر القومي الطبيعي المستدام، والذي يمكن الثقة به، والاعتماد عليه لتوفير الغذاء للشعب البحريني.
ولذلك فإنني أدعو إلى القيام بما يلي:
أولاً: مراجعة الخطط والبرامج الموضوعة لعمليات حفر ودفن البحر بشكلٍ عام، فهذه العمليات تمثل العدو الأكبر والتهديد الأشد للبيئة البحرية والثروة السمكية، فالمخاطر التي تقع على البحر من هذه العمليات لا يمكن تقويمها وتصحيحها وإعادتها إلى طبيعتها التي كانت عليها، فهي تمثل تدميراً شاملاً وكاملاً لا رجعة فيه لتلك المنطقة التي تدفن.
ثانياً: وضع خطة متكاملة وشاملة للصيد البحري، وتنفيذ هذا الخطة بشكلٍ حازم وشديد، بحيث تشمل عدد ونوعية الثروة السمكية التي يجوز صيدها، وتحديد مواقع الصيد والوسائل والأدوات المشروعة للصيد، وتشكيل فريق أمني لتفعيل هذه الخطة.
ثالثاً: تحديد كافة المصادر البرية والبحرية التي تؤثر على أمن وسلامة البيئة البحرين، وإلزامها على توقيف إفسادها لهذه البيئة المستباحة.
رابعاً: تطوير وتنمية وحماية المواقع البحرية المعروفة بإنتاجها للثروة السمكية، كمناطق الشعب المرجانية والأعشاب والطحالب البحرية.
خامساً: الاستثمار في مجال الاستزراع السمكي في المناطق الساحلية.

الاثنين، 8 يونيو 2020

كورونا غيَّر نمط حياتنا


مضتْ أكثر من سبعة أشهر على نزول وباء فيروس كورونا على البشرية جمعاء، وكأنها في الواقع أعوام عجاف طويلة تمر على البشرية، فلا تكاد تنتهي، ولا تكاد تغيب مشاهدها الكارثية وتنجلي آلامها عن الأمة جمعاء في كل بلاد العالم المتطور منها والمتأخر، الغني منها والفقير.

فلم تمر الأمة الإسلامية عبر تاريخها العريق والمجيد مثل رمضان هذا العام، ولا أظن بأننا سنشهد مثيلاً له في المستقبل المنظور، فلا صلاة جمعة ولا جماعة، ولا صلاة تراويح ولا قيام، ولا صلاة عيد ولا أعياد،  ولا زيارات بين الأسر وبين الأقارب والجماعات.

فقد غيَّر فيروس كورونا الضعيف والمجهول تغييراً جوهرياً في نمط حياتنا اليومية، فبدَّل حالنا من حالٍ إلى حال، وأحدث تحولات جذرية في أسلوب حياة الأفراد والجماعات والدول، فغير في الأعماق أمور ديننا ودنيانا، سواء نمط الحياة الدينية وإقامة وممارسة الشعائر التي نتقرب فيها إلى الخالق لكل الأديان والمذاهب، أو نمط الحياة الاجتماعية التي نعيشها على مستوى الفرد والأسرة والمجتمعات وأسلوب تعاملنا بعضنا مع بعض بشكلٍ يومي، أو من ناحية نمط ونوعية الملابس التي نلبسها ونتزين بها للمرأة والرجل، أو نمط وأسلوب إدارتنا لوسائل المواصلات والنقل الجماعي بمختلف أنواعها البرية والبحرية والجوية.

أما على المستوى الاجتماعي، فقد تغير نمط إلقائنا للتحية والسلام على بعض، فلم تُعد فيها حميمية وعن قرب، وإنما تحولت إلى تحيةٍ عن بعد وبدون لمس، كما أن لقاءاتنا الأسرية الدورية والجلسات العائلية الجماعية، تحولت من الزيارات عن قرب إلى اجتماعات افتراضية عن بعد عبر وسائل الاتصال الاجتماعي الجماعي المقروءة والمسموعة والمرئية أو عبر أجهزة الحاسب الآلي.

أما من ناحية نوعية ونمط الملابس التي يرتديها الرجل أو المرأة أو حتى الطفل فقد تم إدخال عنصرٍ جديد فيها، فتمت إضافة الكمامات وواقيات الأنف والوجه كجزء أساسي لا يتجزأ من اللباس العام. وقد تأقلم وتكيف الجميع مع هذه القطعة من اللباس، سواء من قبل الأفراد أنفسهم، أو من قبل الشركات والمصانع المنتجة لها. أما بالنسبة للأفراد، وبخاصة النساء، فقد تحولت الكمامات إلى موضة عالمية دخلت فيها كبريات الشركات المتخصصة في إنتاج أحدث ملابس النساء، لكي تبدو المرأة عصرية وجميلة ومتأنقة حتى عندما تلبس الكمامة. فقد قامت هذه الشركات بمواكبة هذا التطور الجديد، وتأقلمت معها من خلال تصميم الآلاف من هذه الكمامات الجميلة والأنيقة التي تناسب الحدث، أو المناسبة التي تكون فيها المرأة، وتتماشى في الوقت نفسه مع القطع الأخرى من الملابس التي ترتديها، فلا تكون الكمامة عندئذٍ قطعة دخيلة وغريبة لا موقع لها من الإعراب ضمن الهيئة الخارجية للمرأة، أو الرجل، أو الطفل. فعلى سبيل المثال، قامت الشركات التي تتميز بعلاماتها التجارية المعروفة باستغلال هذه الفرصة السانحة لكسب المزيد من المال، مثل شركة "كيم كارداشيان" المشهورة التي قامت بتصميم نوعٍ "أنوثي" خاص للمرأة التي تلاحق كافة مستجدات وأحدث أنواع الملابس التي تكون مع الموضة العصرية، كما أن الشركات الفنية مثل برافدوا الفنية(Bravado) المعروفة بصناعتها للأدوات الفنية والموسيقية بملاحقة هذا التطور الدولي المستجد وصممت كمامات للفرق الموسيقية التي تتناسب مع شعارها ورموزها. كذلك دخلت شركة ديزني الأمريكية العريقة على خط إنتاج الكمامات، فأنتجت واقيات للوجه للأطفال وغيرهم من الفئات العمرية وعليها صور الشخصيات الكارتونية المحببة لدى الناس صغاراً وكباراً، مثل ميكي ماوس، وبيبي يودا.

وعلاوة على ذلك، فإن المشاهير من رجال السياسة والنفوذ والفن، وبخاصة النساء بدأن في تغيير أنماط اللباس وبما يتماشى مع الموضة ونوعية اللباس في كل يوم وكل مناسبة، فعلى سبيل المثال، كتبت صحيفة النيويورك تايمس الأمريكية مقالاً في العشرين من مايو تحت عنوان: "الكمامات الكثيرة لنَانْسِي بِيلُوسي"، حيث أفادت بأن رئيسة مجلس النواب الأمريكي لديها المئات من الكمامات الملونة حسب الموضة الجارية وبما يتناسب مع لون الملابس التي ترتديها كل يوم. وهناك أيضاً من مشاهير عرض الأزياء، كنَعْومي كمْبِل، السمراء التي غيرت جذرياً نمط لباسها لحماية نفسها من كورونا، حيث إنها تلبس أثناء سفرها ملابس بيضاء تغطي كل جسمها، وكأنها الملابس التي يرتديها من يريد مواجهة خطر السموم، أو الملوثات الكيميائية القاتلة بسبب عمله.

وإضافة إلى ذلك، فإن تغير نمط الملابس الذي أحدثه فيروس كورونا، غير في الوقت نفسه بالضرورة من نمط التبرج والزينة، أو "عالم المِكياج" للمرأة. فالمرأة التي تلبس الكمامة لا يظهر من ملامحها ووجهها سوى العينين والحواجب، أي أن منطقة الفم والوجه والأنف محجوبة عن الرؤية، مما يعني أن زينة المرأة في تلك المنطقة ووضعها للمكياج لا داعي له لأنه مخفي عن الناس، فلا داعي إذن لأحمر الشفاه أو مساحيق الوجه، ولذلك يركز المعنيون بالزينة والتبرج الآن على الأجزاء من الوجه المرئية والظاهرة والتي يشاهدها الناس، وبالتحديد العينين والحواجب، فكل مظاهر الزينة اتجهت إليهما، وبدأ المختصون بإبرازهما والتركيز عليهما كنوع من التبرج وإظهار الجمال والزينة في عالم لبس الكمامات.

وأما عن نمط الحياة في عالم المواصلات العامة، وبالتحديد الطيران، فإنه من المتوقع أن يتغير نمط سفر الإنسان منذ دخوله إلى أرض المطار، ثم إلى قاعة المسافرين، ومن المتوقع أن تكون هذه مرحلة جديدة غير مسبوقة في تاريخ الطيران وإدارة المطارات. فالسياسة العامة كانت في السابق تتجه نحو تأمين سلامة المسافر من الناحية الأمنية، واليوم مع فيروس كورونا فقد تحولت الأنظار والسياسات نحو تأمين السفر من الناحية الصحية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف فإنه من المتوقع أن تقوم الجهات المعنية بالسفر بتحديد إجراءات وتنفيذ أنظمة من شأنها السفر الصحي الآمن. فربما سيطلب من المسافر تقديم شهادة صحية تثبت أنه لا يعاني من أمراض معدية، وبخاصة كورونا، أو عند دخول المطار يُلزم عليه أولاً مراجعة مكتب صحي يقوم بفحوصات أولية تشير إلى أنه مؤهل صحياً للسفر، مثل درجة الحرارة، وتحليل عينة من الدم، وقياس دقات القلب والتنفس، أو ما إلى ذلك من الإجراءات التي تضمن البراءة الصحية، أو عن طريق مرور المسافر في نفقٍ يقوم بتحليل وتقويم وضعه الصحي العام وعمل تعقيم عام للمسافر، كما هو الحال بالنسبة لغسيل السيارات الأوتوماتيكية التي تدخل فيها السيارة متسخة وتخرج نظيفة لامعة من شدة نظافتها. ومن جانبٍ آخر، فإن الإنسان الآلي، أو الروبوتات ستقوم مقام الإنسان بالتحرك في كل مرافق المطار لمهمات التنظيف والتعقيم تجنباً للازدحام وكثرة العمال.

وفي المقابل، فإن هناك تغييرات حدثت بالفعل مع بعض خطوط الطيران من عدة مناحي، منها الزي الرسمي لطاقم الطائرة، حيث صُممت وأُنْتجت أزياء خاصة مميزة لمواجهة كورونا تشبه ملابس رواد الفضاء، ويُطلق عليها الأدوات الشخصية الواقية (personal protective equipment (PPE))، إضافة إلى التغيرات التي حدثت في نمط جلوس المسافرين في صالة المغادرة، أو في توزيع مقاعد الطائرة، أو في كيفية توزيع الوجبات داخل الطائرة، أو في إدارة الحمامات، أو أجهزة الترفيه والتسلية، وغيرها من الأمور عندما يكون المسافر داخل الطائرة.

ففي عصر كورونا الآن أصبحنا مسيرين ولسنا مخيرين، طائعين لكي ما يفرضه علينا، فكل ما من شأنه مواجهة هذا التهديد الصحي القائم والمشهود فعلينا مضطرين القيام به، فتغيير أسلوب الحياة ونمط الحياة القديمة من أهم العوامل التي تجنبنا السقوط في فك الفيروس، ومن أنجح الإجراءات العملية لمكافحته، فعلينا مجبورين التكيف مع هذه الأنماط الحالية الجديدة.