الاثنين، 8 يونيو 2020

كورونا غيَّر نمط حياتنا


مضتْ أكثر من سبعة أشهر على نزول وباء فيروس كورونا على البشرية جمعاء، وكأنها في الواقع أعوام عجاف طويلة تمر على البشرية، فلا تكاد تنتهي، ولا تكاد تغيب مشاهدها الكارثية وتنجلي آلامها عن الأمة جمعاء في كل بلاد العالم المتطور منها والمتأخر، الغني منها والفقير.

فلم تمر الأمة الإسلامية عبر تاريخها العريق والمجيد مثل رمضان هذا العام، ولا أظن بأننا سنشهد مثيلاً له في المستقبل المنظور، فلا صلاة جمعة ولا جماعة، ولا صلاة تراويح ولا قيام، ولا صلاة عيد ولا أعياد،  ولا زيارات بين الأسر وبين الأقارب والجماعات.

فقد غيَّر فيروس كورونا الضعيف والمجهول تغييراً جوهرياً في نمط حياتنا اليومية، فبدَّل حالنا من حالٍ إلى حال، وأحدث تحولات جذرية في أسلوب حياة الأفراد والجماعات والدول، فغير في الأعماق أمور ديننا ودنيانا، سواء نمط الحياة الدينية وإقامة وممارسة الشعائر التي نتقرب فيها إلى الخالق لكل الأديان والمذاهب، أو نمط الحياة الاجتماعية التي نعيشها على مستوى الفرد والأسرة والمجتمعات وأسلوب تعاملنا بعضنا مع بعض بشكلٍ يومي، أو من ناحية نمط ونوعية الملابس التي نلبسها ونتزين بها للمرأة والرجل، أو نمط وأسلوب إدارتنا لوسائل المواصلات والنقل الجماعي بمختلف أنواعها البرية والبحرية والجوية.

أما على المستوى الاجتماعي، فقد تغير نمط إلقائنا للتحية والسلام على بعض، فلم تُعد فيها حميمية وعن قرب، وإنما تحولت إلى تحيةٍ عن بعد وبدون لمس، كما أن لقاءاتنا الأسرية الدورية والجلسات العائلية الجماعية، تحولت من الزيارات عن قرب إلى اجتماعات افتراضية عن بعد عبر وسائل الاتصال الاجتماعي الجماعي المقروءة والمسموعة والمرئية أو عبر أجهزة الحاسب الآلي.

أما من ناحية نوعية ونمط الملابس التي يرتديها الرجل أو المرأة أو حتى الطفل فقد تم إدخال عنصرٍ جديد فيها، فتمت إضافة الكمامات وواقيات الأنف والوجه كجزء أساسي لا يتجزأ من اللباس العام. وقد تأقلم وتكيف الجميع مع هذه القطعة من اللباس، سواء من قبل الأفراد أنفسهم، أو من قبل الشركات والمصانع المنتجة لها. أما بالنسبة للأفراد، وبخاصة النساء، فقد تحولت الكمامات إلى موضة عالمية دخلت فيها كبريات الشركات المتخصصة في إنتاج أحدث ملابس النساء، لكي تبدو المرأة عصرية وجميلة ومتأنقة حتى عندما تلبس الكمامة. فقد قامت هذه الشركات بمواكبة هذا التطور الجديد، وتأقلمت معها من خلال تصميم الآلاف من هذه الكمامات الجميلة والأنيقة التي تناسب الحدث، أو المناسبة التي تكون فيها المرأة، وتتماشى في الوقت نفسه مع القطع الأخرى من الملابس التي ترتديها، فلا تكون الكمامة عندئذٍ قطعة دخيلة وغريبة لا موقع لها من الإعراب ضمن الهيئة الخارجية للمرأة، أو الرجل، أو الطفل. فعلى سبيل المثال، قامت الشركات التي تتميز بعلاماتها التجارية المعروفة باستغلال هذه الفرصة السانحة لكسب المزيد من المال، مثل شركة "كيم كارداشيان" المشهورة التي قامت بتصميم نوعٍ "أنوثي" خاص للمرأة التي تلاحق كافة مستجدات وأحدث أنواع الملابس التي تكون مع الموضة العصرية، كما أن الشركات الفنية مثل برافدوا الفنية(Bravado) المعروفة بصناعتها للأدوات الفنية والموسيقية بملاحقة هذا التطور الدولي المستجد وصممت كمامات للفرق الموسيقية التي تتناسب مع شعارها ورموزها. كذلك دخلت شركة ديزني الأمريكية العريقة على خط إنتاج الكمامات، فأنتجت واقيات للوجه للأطفال وغيرهم من الفئات العمرية وعليها صور الشخصيات الكارتونية المحببة لدى الناس صغاراً وكباراً، مثل ميكي ماوس، وبيبي يودا.

وعلاوة على ذلك، فإن المشاهير من رجال السياسة والنفوذ والفن، وبخاصة النساء بدأن في تغيير أنماط اللباس وبما يتماشى مع الموضة ونوعية اللباس في كل يوم وكل مناسبة، فعلى سبيل المثال، كتبت صحيفة النيويورك تايمس الأمريكية مقالاً في العشرين من مايو تحت عنوان: "الكمامات الكثيرة لنَانْسِي بِيلُوسي"، حيث أفادت بأن رئيسة مجلس النواب الأمريكي لديها المئات من الكمامات الملونة حسب الموضة الجارية وبما يتناسب مع لون الملابس التي ترتديها كل يوم. وهناك أيضاً من مشاهير عرض الأزياء، كنَعْومي كمْبِل، السمراء التي غيرت جذرياً نمط لباسها لحماية نفسها من كورونا، حيث إنها تلبس أثناء سفرها ملابس بيضاء تغطي كل جسمها، وكأنها الملابس التي يرتديها من يريد مواجهة خطر السموم، أو الملوثات الكيميائية القاتلة بسبب عمله.

وإضافة إلى ذلك، فإن تغير نمط الملابس الذي أحدثه فيروس كورونا، غير في الوقت نفسه بالضرورة من نمط التبرج والزينة، أو "عالم المِكياج" للمرأة. فالمرأة التي تلبس الكمامة لا يظهر من ملامحها ووجهها سوى العينين والحواجب، أي أن منطقة الفم والوجه والأنف محجوبة عن الرؤية، مما يعني أن زينة المرأة في تلك المنطقة ووضعها للمكياج لا داعي له لأنه مخفي عن الناس، فلا داعي إذن لأحمر الشفاه أو مساحيق الوجه، ولذلك يركز المعنيون بالزينة والتبرج الآن على الأجزاء من الوجه المرئية والظاهرة والتي يشاهدها الناس، وبالتحديد العينين والحواجب، فكل مظاهر الزينة اتجهت إليهما، وبدأ المختصون بإبرازهما والتركيز عليهما كنوع من التبرج وإظهار الجمال والزينة في عالم لبس الكمامات.

وأما عن نمط الحياة في عالم المواصلات العامة، وبالتحديد الطيران، فإنه من المتوقع أن يتغير نمط سفر الإنسان منذ دخوله إلى أرض المطار، ثم إلى قاعة المسافرين، ومن المتوقع أن تكون هذه مرحلة جديدة غير مسبوقة في تاريخ الطيران وإدارة المطارات. فالسياسة العامة كانت في السابق تتجه نحو تأمين سلامة المسافر من الناحية الأمنية، واليوم مع فيروس كورونا فقد تحولت الأنظار والسياسات نحو تأمين السفر من الناحية الصحية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف فإنه من المتوقع أن تقوم الجهات المعنية بالسفر بتحديد إجراءات وتنفيذ أنظمة من شأنها السفر الصحي الآمن. فربما سيطلب من المسافر تقديم شهادة صحية تثبت أنه لا يعاني من أمراض معدية، وبخاصة كورونا، أو عند دخول المطار يُلزم عليه أولاً مراجعة مكتب صحي يقوم بفحوصات أولية تشير إلى أنه مؤهل صحياً للسفر، مثل درجة الحرارة، وتحليل عينة من الدم، وقياس دقات القلب والتنفس، أو ما إلى ذلك من الإجراءات التي تضمن البراءة الصحية، أو عن طريق مرور المسافر في نفقٍ يقوم بتحليل وتقويم وضعه الصحي العام وعمل تعقيم عام للمسافر، كما هو الحال بالنسبة لغسيل السيارات الأوتوماتيكية التي تدخل فيها السيارة متسخة وتخرج نظيفة لامعة من شدة نظافتها. ومن جانبٍ آخر، فإن الإنسان الآلي، أو الروبوتات ستقوم مقام الإنسان بالتحرك في كل مرافق المطار لمهمات التنظيف والتعقيم تجنباً للازدحام وكثرة العمال.

وفي المقابل، فإن هناك تغييرات حدثت بالفعل مع بعض خطوط الطيران من عدة مناحي، منها الزي الرسمي لطاقم الطائرة، حيث صُممت وأُنْتجت أزياء خاصة مميزة لمواجهة كورونا تشبه ملابس رواد الفضاء، ويُطلق عليها الأدوات الشخصية الواقية (personal protective equipment (PPE))، إضافة إلى التغيرات التي حدثت في نمط جلوس المسافرين في صالة المغادرة، أو في توزيع مقاعد الطائرة، أو في كيفية توزيع الوجبات داخل الطائرة، أو في إدارة الحمامات، أو أجهزة الترفيه والتسلية، وغيرها من الأمور عندما يكون المسافر داخل الطائرة.

ففي عصر كورونا الآن أصبحنا مسيرين ولسنا مخيرين، طائعين لكي ما يفرضه علينا، فكل ما من شأنه مواجهة هذا التهديد الصحي القائم والمشهود فعلينا مضطرين القيام به، فتغيير أسلوب الحياة ونمط الحياة القديمة من أهم العوامل التي تجنبنا السقوط في فك الفيروس، ومن أنجح الإجراءات العملية لمكافحته، فعلينا مجبورين التكيف مع هذه الأنماط الحالية الجديدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق