الثلاثاء، 2 يونيو 2020

من يحاسب الدول العظمى على تجاربها النووية؟


لو رأى زعيم لدولة من دول العالم الثالث النامي في المنام بأنه يفكر فقط بالبدء في برنامجٍ للطاقة النووية، وأنه في المنام أيضاً حلم بالتفكير في إجراء تجربة نووية من أجل تفعيل هذا البرنامج، لقامت الدنيا ولم تقعد لتهديده ومحاسبته ورفع أمره إلى مجلس الأمن لمنعه من القيام بهذه التجربة وهو مازال في حلمه العميق، وربما تقوم الدول الغربية المتنفذة بغزو بلاده واحتلالها كعملية استباقية بسبب هذا الحلم!

فالنسبة للتقنية النووية والتجارب الذرية فهي بالنسبة للدول الصناعية الكبرى والدول النووية خط أحمر داكن لا يمكن لدول العالم الثالث النامي أن يلجوا فيه، أو يفكروا في اقتنائه أو تخطيه وتجاوزه، إلا للاستخدامات المدنية المعروفة كتوليد الطاقة الكهربائية، وحتى في هذه الحالة فإن هناك شروطاً تعسفية تُفرض على هذه الدول، وهناك ضمانات شديدة يجب أن تقدمها لمن يعنيه الأمر من الدول العظمى، كما إنه في الوقت نفسه ستظل التقنية نفسها، والقضايا الفنية والعلمية البحتة في غاية السرية والكتمان ولا يمكن الاطلاع على كامل تفاصيلها الدقيقة. وعلاوة على ذلك كله، فإن المادة الخام، أو وقود هذه المفاعلات النووية المستعمل لتوليد الطاقة وهو اليورانيوم المخصب، لا يمكن الحصول عليه في الأسواق العالمية بسهولة وبدون تعقيدات وصعوبات وقيود صارمة، كما هو الحال بالنسبة للنفط أو الغاز الطبيعي أو غيرهما من مصادر الطاقة الموجودة في كل مكان وبسهولة ويسر، فتوفير اليورانيوم المخصب يخضع لإجراءات أمنية صارمة وشديدة، وتحيط به بروتوكولات معقدة، ويقع مباشرة تحت هيمنة وسيطرة الدول المتقدمة المحتكرة للطاقة النووية، فهي وحدها التي تجيز وتسمح لأية دولة اقتناء هذا اليورانيوم المخصب وبنسبة محددة فقط، أي أن أية دولة من دول العالم الثالث التي تريد استخدام اليورانيوم لتوليد الكهرباء تكون دائماً تحت رحمة الدول الكبرى في تزويدها للوقود.

وأما بالنسبة للدول المتقدمة العظمى، وبالتحديد على سبيل المثال هذه الأيام الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وروسيا، والكيان الصهيوني فالحبل متروك على الغارب، فإذا قامت إحدى هذه الدول بتجارب نووية عسكرية من أجل تطوير سلاحٍ نووي جديد ومتقدم، فإما أن يصمت العالم ويغض الطرف كلياً متجاهلاً ما تقوم به هذه الدولة العظمى وكأن شيئاً لم يكن، وإما أن يتم التستر عليها والتغاضي عن فعلتها المهددة للأمن والسلم الدوليين إذا كانت من الدول غير المغضوب عليها.

وها هي الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، تُعلن حسب ما ورد في وسائل الإعلام، وبالتحديد في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في 23 مايو من العام الجاري نقلاً عن مسؤولين في البيت الأبيض على أن أمريكا تنوي إجراء تجربة نووية جديدة كردة فعل على التجارب النووية الصغيرة التي تجريها روسيا والصين.

فمثل هذه التجارب الذرية ليست شأناً قومياً داخلياً للولايات المتحدة الأمريكية فحسب، أو للدول الأخرى التي تقوم بها، فهي في الوقت نفسه شأن دولي عام، وشأن كل إنسان يعيش على سطح هذه الكرة الأرضية المشتركة مع جميع البشر، إضافة إلى الشجر والحجر، فكل تجربة انفجار نووي في البر، أو في البحر، أو في الجو وفي أعالي السماء، فإنها تُسمم كوكبنا برمته بالمواد المشعة التي تسبب للبشر أمراضاً مزمنة تؤدي بهم إلى الهلاك المبكر، إضافة إلى أن هذه الملوثات المشعة عندما تنطلق إلى البيئة فإنها ستظل خالدة مخلدة فيها عقود طويلة من الزمن، وقد تصل إلى آلاف السنين وتصبح جزءاً لا يتجزأ من مكونات عناصر البيئة الحية وغير الحية في البر والبحر، فتنتقل عبرها مع الزمن حتى تصل إلى الإنسان.

فعلى سبيل المثال، في الفترة من عام 1946 إلى 1958 غزت الولايات المتحدة الأمريكية واحتلت جزر المارشال في المحيط الهادئ، فأجرتْ قرابة 67 تجربة نووية دون إذنٍ من أحد، فاستباحت بكل كبرياء وغطرسة ولامبالاة أراضي هذه الشعوب الضعيفة والفقيرة، وتعدت على بيئاتها كلها من هواء وماء وتربة، فسممت بالمواد المشعة كل جزءٍ صغيرٍ أم كبيرٍ من مكونات البيئة، وتركت بصماتها قوية وعميقة منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا على الأمن الصحي لشعوب هذه الجزر. فقد أكدت التحاليل المخبرية لعناصر البيئة في هذه الجزر بأنها ما زالت مشعة وبمستويات مرتفعة حتى بعد مضي أكثر من سبعين عاماً على هذه التجارب، ولا شك بأن الإشعاع سيستمر إلى ما شاء الله في مكونات بيئة هذه الجزر، وسينعكس مباشرة على الأمن الصحي لهذا الشعب البسيط والشعوب الأخرى جمعاء التي لا حول لها ولا قوة.

فآخر الإحصائيات المنشورة في فبراير 2019 من "جمعية الحد من الأسلحة" تفيد بأن ثمان دول نووية قامت بإجراء ما مجموعه 2056 تجربة ذرية مشعة، منها التجربة النووية الأمريكية الأولى في 16 يوليو 1945 أثناء الحرب العالمية الثانية والتي نجم عنها القنابل الذرية التي أُلقيت على هيروشيما وناجازاكي، فكانت هذه التجربة الأولى تمهيداً لإجراء أكثر من 1054 تجربة نووية، ثم الاتحاد السوفيتي الذي قام بـ 715 تفجيراً، وفرنسا 210، وبريطانيا 45 تجربة نووية.

فكل هذه التجارب النووية التي استباحت حرمات بيئتنا في كل دول العالم ودمرت صحتنا لم تُردع هذه الدول على تحمل مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية تجاه البشر وسلامة البيئة، بل هي تتمادى يوماً بعد يوم وتستمر في سباق تسلحها النووي الطويل، وتطوير أسلحة أخرى جديدة للتدمير البشري الشامل وإفساد ما تبقى من بيئتنا.

وفي الوقت نفسه لا أسمع، ولا أرى، ولا أقرأ عن أي دور للأمم المتحدة في هذا الشأن الدولي العام، فمجلس الأمن الذي هدفه الحفاظ على السلم والأمن الدوليين يتجاهل كل عضو فيه هذه التطورات الأمنية المستجدة، وأمين عام الأمم المتحدة الذي عادة ما يقوم فقط بإبداء "القلق"، لم أسمع منه اليوم حتى هذا "القلق" على مصير الشعوب ومصير كوكبنا من هذا التسابق في تطوير وتحزين وتكديس الأسلحة التي لم تنفع أحداً منهم حتى في مواجهة حرب فيروس كورونا المجهول والضعيف!   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق