الأربعاء، 27 مايو 2020

التبغ يحمي الإنسان من كورونا!


قبل أن أدخل في صُلب موضوع المقال، أُرجعكم قليلاً إلى الوراء، وبالتحديد إلى المقال الذي نشرته في صحيفة أخبار الخليج في الثلاثين من أغسطس 2019 تحت عنوان: "مرض رِئوي غامض مُرتبط بالسجائر الإلكترونية". وفي هذا المقال أوردتُ بعض الدراسات الميدانية الصحية التي تصف حالة مرضية غريبة وغامضة نزلت على كل الولايات الأمريكية، وأصابت أكثر من 2700 أمريكي، وأدخلت نحو ستين منهم إلى مثواهم الأخير وهم في ريعان شبابهم.

وقد أفادتْ الدراسات بأن المصابين كانوا يُعانون من أمراض تُشبه أعراض الالتهاب الرئوي الحيوي، مثل ضيق في التنفس، وصعوبة في التنفس وآلام في الصدر، والكحة المستمرة، والحرارة المرتفعة، إلا أن هذه الأعراض تتشابه ولكن لا تتطابق كلياً مع أعراض الالتهاب الرئوي البكتيري والفيروسي المعروفين، فهي فريدة من نوعها ومجهولة، ولذلك أُطلق إسم جديد على هذا المرض هو(E-VALI or VALI). وبعد أشهر طويلة من البحث ودراسة الحالات المرضية على مستوى جميع الولايات، توصل الأطباء بأن هذه الحوادث المميتة التي ضربت المراهقين بشكلٍ خاص كانت بسبب تدخينهم للسجائر الإلكترونية واستنشاقهم بشكلٍ مباشر لجرعةٍ عالية ونقية من النيكوتين السام الموجود في هذه السجائر، إضافة إلى أن هذه السجائر الإلكترونية كانت تحتوي على فيتامين إي أسيتيت(vitamin E acetate) الذي يستخدم كمضاف، فيُولِّد عند تسخينه خليطاً من السموم التالفة للجهاز التنفسي، منها غاز كيتين(ketene) والبنزين والفورمالدهيد، حسب الدراسة المنشورة في مجلة وقائع الأكاديمية الأمريكية للعلوم في 24 مارس 2020. 

فهذه الحادثة وحوادث أخرى كثيرة لها علاقة بتدمير التدخين بشكلٍ عام للجهاز التنفسي السفلي والعلوي، وإضعاف جهاز المناعة وإحداث الالتهابات في جميع أجزاء الجهاز التنفسي، إضافة إلى الوقوع في سرطان الرئة، فمع كل هذه الأضرار التي تنجم عن التدخين، ماذا سيحدث لهذا الإنسان الذي يدخن والذي يعاني أصلاً من تدهورٍ مزمن في الجهاز التنفسي إذا تعرض لفيروس كورونا الخبيث، الذي هدفه إفساد وتدمير الجهاز التنفسي أيضاً وإضعاف قدرته ووظيفته على العمل؟

وبالرغم من كل هذه الحقائق والدلائل الدامغة، يخرج علينا فريق من أطباء فرنسا يدَّعي بأن التبغ أو النيكوتين، وهو المكون الرئيس والنشط للتبغ قد يمنع الإصابة بفيروس كورونا، أو يوقف تطور تأثيراته الحادة للإنسان المصاب، حسب التقرير المنشور في صحيفة الجارديان البريطانية في الخامس من مايو، وكأن هذه الأصوات الغريبة والادعاءات غير المنطقية تُقدِّم دعاية مجانية مباشرة لشركات التبغ، وتسوق لهم التدخين وشراء السجائر بكافة أنواعها ومسمياتها وتزين لهم شراءها وتعاطيها، وبخاصة أننا نعيش الآن أياماً عصيبة قاسية يلهث فيها الإنسان نحو أي علاجٍ أو دواء مهما كان لهذا الوباء العقيم.

وقد سارعت منظمة الصحة العالمية إلى الرد على هذه الادعاءات الخطيرة التي لا تستند إلى دليل علمي، حيث نَشرتْ في العاشر من مايو بياناً قالت فيه: "من المعروف بأن تدخين السجائر يُعد من العوامل الخطرة التي تسبب الكثير من عدوى الجهاز التنفسي، وتزيد من حدة وشدة الأمراض التنفسية"، وأضاف البيان: "مرض كورونا هو مرض معدي ويهاجم الرئة، والتدخين يُضعف وظائف الرئة ويجعل من الصعوبة على جسم الإنسان محاربة مرض كورونا وأمراض أخرى"، كما جاء فيه:" حالياً لا توجد أدلة علمية ومعلومات كافية حول الادعاءات بأن التبغ، أو النيكوتين قد يخفض من مخاطر الإصابة أو العلاج بمرض كورونا". كذلك فإن منظمة الصحة العالمية خلصت في تقريرٍ نُشر في 13 مايو بأن: "المدخنين أكثر عرضة للإصابة بالمرض والتعرض لأعراض شديدة ومهلكة مقارنة بغير المدخنين".

وعلاوة على هذا البيان والتقارير الصادرة من منظمة الصحة العالمية، فهناك الكثير من الدراسات المنشورة مؤخراً وتبين العلاقة بين التدخين الوقوع في فك فيروس كورونا. فعلى سبيل المثال، نشرت "المجلة الصينية الطبية" في الخامس من مايو دراسة تحت عنوان: "دراسة تحليلية للعوامل التي لها علاقة بتطور حالة مرضى فيروس كورونا"، حيث قامت بمتابعة حالة 78 مريضاً بكورونا في الفترة من 30 ديسمبر إلى 15 يناير، وأفادت بأن المدخنين تتضاعف عندهم حالات الإصابة بالالتهاب الرئوي الفيروسي الجديد بنسبة 14 مرة. كما نشرت "المجلة العلمية الأمريكية" في أبريل 2020 مقالاً تحت عنوان: "التدخين التقليدي وتدخين السجائر الإلكترونية ربما يزيد من شدة العدوى بفيروس كورونا"، وأكدت في المقال بأن التدخين يزيد من عرضة المدخن لفيروس كورونا ويرفع من حدة أعراض المرض.

ولذلك نجد بأن شركات التبغ الشيطانية لا تترك أية فرصة أو مناسبة سانحة إلا واستغلتها من أجل جني الأرباح وزيادة المال، ولا تتوانى ولا تتردد في استخدام أية وسيلة مهما كانت، حتى ولو كانت غير شرعية ومنافية للقوانين لصالح تحقيق الثراء الفاحش والسريع، فتجنِّد من أجل ذلك الطبيب، والإعلامي، ورجال القانون، وعلماء البيئة والاجتماع والاقتصاد. فهذه الشركات لا يهمها الإنسان، ولا تُعير صحة البشر أي اهتمام، فقد وجدت اليوم في يأس الإنسان وقلة حيلته وضعفه أمام فيروس كورونا فرصة لا تعوض ولا يمكن تفويتها في تجميل صورة التبغ وتزينه بزينة العلاج والدواء لهذا المرض العضال الذي فتك بالبشرية جمعاء، فهؤلاء الشركات الخبيثة ينطق عليها قول ربنا: "كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَٰهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق