الخميس، 7 مايو 2020

جهاز الإنذار المبكر لفيروس كورونا


عندما وقعتْ واحدة من أكبر الكوارث البيئية الصحية على وجه الأرض، وهي انفجار واحتراق إحدى وحدات محطة تشرنوبيل للطاقة النووية في يوم السبت 26 أبريل 1986 في منطقة تشرنوبيل في أوكرانيا واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقاً، لم يكن أحد خارج نطاق المحطة يعلم بوقوع هذه الطامة الكبرى سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي، فقد أخفت وصمتت عنها السلطات الرسمية السوفيتية لعلها تمر دون حدوث أي ضجيج أو احتجاج من أحد، ولكن أجهزة مراقبة التلوث الإشعاعي في الهواء الجوي وأجهزة الإنذار المبكر في مدينة فورس مارك (Forsmark) الواقعة شمال ستوكهولم في السويد صاحت بصوتٍ عال، وكشفت هذا الإشعاع المخفي، وحذَّرت من وجود نسبٍ مرتفعة غير طبيعية وغير عادية من الملوثات المشعة في الهواء الجوي، حيث تبين بعد التحقيق وتحليل نتائج قياسات الأجهزة والجهة التي قدمت منها هذه الإشعاعات، بأنها قد أتت من أوكرانيا.

ولذلك فإن أجهزة قياس التلوث والإنذار المبكر مهمة جداً وضرورية في جميع القطاعات لما لها من دور رئيس في خفض درجة الضرر، ومنح الوقت الكافي للتفكير سريعاً في إيجاد الحلول المناسبة والفاعلة لمواجهة الخطر القادم.

واليوم يقف العالم أمام كابوس مخيف ومرعب، يؤرق حياة كل إنسان يعيش على سطح الأرض، فالكل مترقب لمصير مجهول ينتظره، فهذا الوباء الفيروسي نزل على البشرية فجأة ودون سابق إنذار، ودون تمهيد أو مقدمات، فلم يجعل للإنسان فرصة للتفكير، ولم يعط الإنسان الوقت الكافي لمواجهته وإعداد الأسلحة الدفاعية اللازمة لمكافحته والتصدي لهجومه الشرس والسريع والفاعل. ولذلك فلو كانت هناك أجهزة إنذار مبكر كشفت لنا ظهور هذه الكارثة العمياء لما وقعت هذه الخسائر البشرية العظيمة، بين مريض قابع في المستشفيات، وبين من هو لقى حتفه فانتقل إلى مثواه الأخير.

فخطورة هذا الوباء الفيروسي تكمن في مصدر هذا الوباء، وهو فيروس كورونا الجديد، الذي أُطلق عليه كوفيد_19، فهو فيروس غامض خفي لم يعرفه الإنسان من قبل، ولذلك لم يستطع التكهن بتصرفاته وسلوكياته عندما يدخل جسم الإنسان، ولم يتمكن من معرفة حجم الضرر الذي سيلحقه بأعضاء جسم الإنسان.

فهذا الفيروس المخادع يدخل في جسم الإنسان، ويسرح ويمرح في الجزء العلوي من الجهاز التنفسي، ثم ينتقل رويداً رويداً وبهدوء شديد وبدون ضجيج إلى الجزء السفلي وبالتحديد الرئتين ومناطق الشعاب الهوائية، وأثناء هذا الوقت والذي قد يستمر 5 أيام أو أكثر، لا يحس الإنسان المصاب بهذا الفيروس، ولا يشعر بوجوده في جسمه، ولا تظهر عليه أية أعراض تكشف عن استيطان هذا الفيروس للجهاز التنفسي وإيقاع التدمير البطيء في خلاياه، أي أن الإنسان يكون مصاباً بالفيروس ويعدي كل من حوله من الناس ولكن بدون أن يعرف أي إنسان بأنه يختلط بإنسان يعديه بهذا المرض العضال.

ولذلك وجود جهاز إنذار مبكر، يحذر الإنسان سريعاً بوجود هذا الفيروس المعدي سيحفظ أرواح المئات من البشر ويجنبهم المرض والموت.

وقد وجد العلماء ضالتهم في مياه المجاري!
فالفيروس عندما يدخل في جسم الإنسان، وبالتحديد إلى الجهاز التنفسي، ينتقل إلى الأمعاء ثم يخرج مباشرة وبعد فترة قصيرة جداً من الزمن مع البراز والبول الذي ينتقل إلى محطات معالجة مياه المجاري، ولذلك تحليل مياه المجاري لفيروس كورونا يؤكد بأن المرض موجود في تلك المنطقة قبل أن تظهر أعراض المرض على المصاب بهذا الفيروس، ويقدم معلومات قيَّمة حول مدى انتشار المرض وتفشيه في المدينة.

وقد نشرت مجلة "الطبيعية" المرموقة مقالاً في 10 أبريل حول أبحاث بعض الدول في استخدام مياه المجاري كجهاز، أو نظام إنذار مبكر، حيث أكد المعهد الوطني للصحة العامة والبيئة في هولندا في 24 مارس 2020 عن اكتشاف الفيروس في مياه المجاري بعد أربعة أيام من إعلان الحالة الأولى، كما أكد المعهد الإيطالي للصحة هذه النتيجة في مدينتي ميلان وروما، كذلك قامت الجهات المعنية في أستراليا بمثل هذه الأبحاث في 16 أبريل. كذلك أجريت دراسة على مياه المجاري في باريس ونُشرت في المجلة الطبية البريطانية في مايو من العام الجاري تحت عنوان: "الكشف عن فيروس كورونا الجديد في مياه المجاري في باريس وعلاقته بحالات الإصابة بالفيروس"، حيث كشفت عن نجاح هذه التقنية المخبرية الجديدة في الكشف عن فيروس كورونا.

ولذلك فإن تحليل مياه المجاري للبحث عن فيروس كورونا قد يكون مفيداً جداً في مواجهة هذا الوباء العصيب، ويكمل دور الأدوات والأجهزة الأخرى المستخدمة في هذا المجال، كما يقدم معلومات أولية قيمة لمتخذ القرار لرسم السياسات الآنية والمستقبلية حول إدارة وباء فيروس كورونا. وهذه الأداة الجديدة يمكن بالتحديد أن توفر المعلومات التالية حول الفيروس، ومنها كما يلي:
أولاً: تحليل مياه المجاري يمكن استخدامه كنظام إنذار مبكر يؤشر على وجود المرض ونسبة وجوده في المجتمع.
ثانياً: هذه الأداة التحليلية مفيدة في مراقبة التغير في أعداد المصابين في المجتمع.
ثالثاً: تحليل مياه المجاري يعطي معلومات حول مدى فاعلية سياسة وإجراءات وجهود المدينة في التصدي للمرض واحتوائه.
رابعاً: التحليل المستمر لمياه المجاري حتى بعد الانتهاء من المرض يعمل كجهاز إنذار مبكر يحذر وينبه متخذ القرار في حالة ظهور موجة جديدة ثانية للمرض.
خامساً: هذا النوع من التحليل رخيص، وآمن، ودقيق مقارنة بالأنواع الأخرى.

وبناءً عليه أدعو الجهات المعنية في البحرين إلى إدخال هذا النوع من التحليل ضمن آلية وإجراءات الكشف عن المرض، ليلعب دوراً تكميلياً للتحاليل الأخرى التي تجرى دورياً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق