السبت، 16 مايو 2020

مهمة جديدة لمنظمة الصحة العالمية


بعد أن احتدم الجدال حول مرض فيروس كورونا الجديد، وارتفعت وتيرة التُهم والحرب الكلامية والتصريحات المضادة للصين، وزادت في الوقت نفسه نظريات المؤامرات حول دور الصين في وقوع هذا الوباء العقيم على العالم أجمعين ومصدر هذا الفيروس ومسقط رأسه، اضطرت منظمة الصحة العالمية إلى مواجهة هذه النظريات والادعاءات بالحقائق العلمية والاكتشافات الميدانية من خلال تشكيل فريق أكاديمي محترف لا علاقة له بالسياسة، أو التحيز لدولة، أو لحزب، أو فريق.

ومن نظريات المؤامرة التي وضعت منظمة الصحة العالمية في حرجٍ سياسي ومصيري كبيرين هي المؤامرة التي  بدأتْ تأخذ زخماً قوياً منذ خروجها إلى العلن، وتلقى قبولاً في بعض الأوساط السياسية، وهذه النظرية يتزعمها البيت الأبيض الأمريكي ممثلاً في الرئيس ترمب ووزير الخارجية بومبيو. فقد قال ترمب في 30 أبريل بأن مصدر فيروس كورونا هو معهد ووهان لعلم الفيروسات(Wuhan Institute of Virology)، وهو أول مختبر للأمن الحيوي من المستوى الرابع، وأفاد بأن الفيروس تسرب إلى البيئة ربما عن طريق الخطأ، ثم اتهم ترمب في الثالث من مايو الصين في أنها قد تكون عمداً سمحت بالمصابين الصينيين عند بدء الوباء في الخروج من الصين لنقل العدوى، وجاء بعدها وزير الخارجية في الثالث من مايو في مقابلة مع الشبكة التلفزيونية الإخبارية أي بي سي ليؤكد بأن "لديه أدلة كثيرة تُثبت بأن الفيروس نتج في المختبر". وعلاوة على ذلك، فقد اتهم تقرير منشور في الأول من مايو من وزارة الداخلية، أو وزارة الأمن الداخلي الأمريكي(US Department of Homeland Security) دور الصين في نشر الفيروس وإخفائها للحقائق الأولية المتعلقة بتفشي المرض، وصمتها عمداً أمام المجتمع الدولي بعدم تقديم المعلومات الصحيحة والدقيقة. وكان الهدف من ذلك هو استيراد أكبر عدد ممكن من الأجهزة واللوازم الطبية لمواجهة المرض، إضافة إلى منع الصين الشركات من تصدير الأجهزة الطبية منذ مطلع شهر يناير والقيام بتخزينها، حيث زادت استيرادات الصين من الكمامات الجراحية بنسبة 278%، والملابس الطبية 72%، والقفازات 32% حسب التقرير الصادر من الشبكة الإخبارية الأمريكية أي بي سي، كما خفضت في الوقت نفسه تصديراتها بنسبة 45% أقل من أجهزة التنفس الصناعية، و 53% أقل من أجهزة قياس الحرارة، و 48% أقل من القفازات، و 71% أقل الملابس، و 48% أقل من الكمامات الطبية.

فمثل هذه التهم أجبرت منظمة الصحة العالمية إلى الاستماع لها، والتحقيق في مصداقيتها وواقعيتها، ولذلك أكدت منظمة الصحة العالمية في العاشر من مايو بأنها بصدد إرسال وفد من الفنيين والخبراء في مجال علم الفيروسات إلى الصين في مهمة جديدة لتقصي الحقائق وجمع المعلومات حول الأسئلة التي تثار والنظريات التي تطرح لتفسير مصدر الفيروس ومكان ولادته وطرق انتقاله إلى بني البشر. فالمنظمة تعتزم تكليف أفضل العلماء وأكثرهم خبرة وعلم لعالم الفيروسات المجهول والخفي لفك خيوط هذا اللغز المحير، وسبر غور هذا الفيروس الخبيث الغامض الذي بدأ يأكل في بني البشر في كل قطر من أقطار العالم، حتى أن عدد الحالات المرضية بلغت أكثر من أربعة ملايين ونصف المليون حتى الآن، توفى منهم أكثر من 95 ألفاً.

وجدير بالذكر أن "بعثة الخبراء الدولية" الأولى التي زارت الصين في الفترة من 16 إلى 24 فبراير من العام الجاري لم تتمكن من تحقيق أهدافها بسبب تأزم الوضع الصحي وإغلاق بعض المدن الصينية وصعوبة التحرك فيها، وقد نشرت منظمة الصحة العالمية تقريراً مفصلاً في 28 فبراير من العام الجاري حول زيارة هذا الفريق المشترك بين منظمة الصحة العالمية والصين لمدينة ووهان حول مرض كورونا، أي بعد نحو سبعة أسابيع من هذا ظهور المرض العقيم.

وقد هدفت الزيارة الأولى إلى الصين أساساً إلى تقديم المعلومات الميدانية على وجه السرعة للصين ودول العالم من أجل التخطيط والإعداد للخطوات القادمة لمواجهة هذا الفيروس، إضافة إلى التعرف عن كثب على هذا الفيروس ومدى نجاح الإجراءات التي اتخذتها الصين لمكافحة هذا المرض، وتقديم التوصيات المحددة لاحتوائه على مستوى الصين والعالم أجمع. علماً بأن الفريق تكون من 25 عالماً من الصين إضافة إلى خبراء من ألمانيا واليابان وكوريا ونيجيريا وروسيا وسنغافورا والولايات المتحدة الأمريكية.

ومن أهم استنتاجات الفريق ما يلي:
أولاً: تم اكتشاف المرض في مستشفى(Wuhan Jinyintan Hospital) في الثلاثين من ديسمبر 2019، وسببه هو نوع جديد ومجهول من أنواع فيروس كورونا الموجود في الخفاش، وهذا الفيروس يشبه إلى درجة كبيرة فيروس سارس، حيث إنه انتقل إلى الإنسان عبر حيوان وسيط غير معروف. ففي حالة مرض سارس في عام 2002 في الصين انتقل الفيروس إلى الإنسان عن طريق حيوان وسيط هو قط الزباد(civet cats)، وهو حيوان ليلي صغير الحجم يأكله الصينيون وينتمي إلى الثدييات، حيث انتقل إليه الفيروس من الخفاش وبدوره نقله إلى الإنسان. وأما في حالة وباء ميرس الذي وصل إلى دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، فيُعتقد بأن الجمل هو الذي كان يحمل المرض ونقل الفيروس إلى الإنسان.
ثانياً: ينتقل الفيروس عبر القطرات المائية التي تخرج من الفم والأنف أثناء العطاس والكحة.
ثالثاً: أعراض المرض تتمثل في الحرارة المرتفعة، والسعال الجاف، والشعور بالتعب، وضيق في التنفس، والصداع، والغثيان والقيء، واحتقان في الأنف، والإسهال.

ولذلك فالجميع الآن مترقب لهذه البعثة الأممية الثانية إلى الصين، والجميع يريد معرفة الجواب الكافي والشافي المتعلق بملابسات وأسرار هذا الفيروس الخبيث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق