الجمعة، 1 مايو 2020

هل فيروس كورونا عنصري؟(1 من 2)

كنتُ دائماً أكتب بأن فيروس كورونا الجديد لم يترك دولة صغيرة ولا كبيرة، متقدمة وغنية أو متأخرة وفقيرة، إلا وقد نزل عليها بهذا الوباء العصيب، فالجميع يبدو ظاهرياً سواسية كأسنان المشط أمام هذا الفيروس الخبيث.

ولكن مع مرور الوقت وارتفاع أعداد الضحايا من المصابين والموتى ووضوح الرؤية وبيان الصورة الشاملة في معظم الدول، انكشفت ظاهرة في بعض الدول لم تكن في الحسبان، وظهرت أنماط مشهودة لهذا المرض الفيروسي الغريب والغامض، فعندما نُدقق بشكلٍ منهجي علمي في هوية من قضوا نحبهم من هذا الفيروس وإلى الذين ينتظرون دورهم في قائمة الموتى، نجد أن هذا الفيروس عنصري وانتقائي بدرجة ملحوظة، ويُهدد فئة معينة من المجتمع، وكأن هذا الفيروس لا يساوي بين الناس فيميز بينهم حسب الجنس، واللون، والعرق، والحالة الاقتصادية.

فهذه الظاهرة استوقفت الكثير من العلماء والباحثين ورجال الإعلام، وبدأوا يُحللون الإحصائيات والمعلومات التي تصدر من الجهات المعنية حول أعداد المصابين والموتى من حيث الجنس، ذكر أو أنثى، ومن حيث العمر، واللون، والعرق، ومكان السكن، والحالة الاجتماعية والاقتصادية. 

ومن أول التقارير التي نُشرت لسبر غور أنماط هوية المصابين والموتى من فيروس كورونا كان في السابع من أبريل في صحيفة النيويورك تايمس ومجلة التايم، فقد أشارت المعلومات الأولية إلى ارتفاع أعداد ضحايا الأمريكيين من السود، أو من أصول أفريقية مقارنة بالبيض في بعض الولايات، حيث إن 70% من الذين قضوا نحبهم كانوا من السود في ولاية لويزيانا الجنوبية، و 72% في مدينة شيكاغو بولاية إيلينوي. كما نُشرت تقارير مساندة لهذين التقريرين في الثامن من أبريل في صحيفتي يُو إِس أي توداي والواشنطن بوست وأكدوا على ارتفاع نسبة الموتى من السود في ولاية أخرى مثل ويسكونسن ونيويورك. وعلاوة على هذه التقارير فقد أبرزت صحيفة الجارديان البريطانية هذه الظاهرة في المقال المنشور في 21 أبريل تحت عنوان:" السود في أمريكا مهددون بسبب كورونا"، حيث قدَّمت بعض الإحصائيات الأولية من ولايات أمريكا، فعلى سبيل المثال، السود في ولاية نيوجيرسي يمثلون فقط 15% من السكان في حين أن عدد الموتى بلغ 20%، وفي المقابل فإن البيض يشكلون 55% من السكان و 50% من أعداد الموتى، كما أن السود في ولاية نيويورك يمثلون 22% من السكان و 28% من الموتى، في حين أن البيض يشكلون 32% من السكان و 27% من الموتى. كذلك نشرت مجلة الأمة(Nation) مقالاً عنوانه: "العنصرية وكوفيد_19 الثنائي القاتل" في 21 أبريل حيث أشار إلى أن التقارير والإحصائيات الأولية تفيد بأن نسبة الموتى من فيروس كورونا أعلى بين الأمريكيين من أصول أفريقية ولاتينية مقارنة بالبيض.
 وجدير بالذكر أن هذه الظاهرة وصلت صداها إلى البيت الأبيض وانعكست على تصريحات ترمب، حيث اعترف بواقعية الظاهرة، وقال بأن أمامنا "تحدياً عظيماً"، وأضاف: "نحن نعمل كل ما في وسعنا لمواجهة هذا التحدي".
كما أكدت تقارير أخرى على بروز هذه الظاهرة في بريطانيا، فقد نُشرَ مقال في 23 أبريل في مجلة التايمز البريطانية عنوانه: "فيروس كورونا يكشف عدم المساواة في الخدمات الصحية التي تواجهها الأقليات في بريطانيا"، حيث أشار المقال إلى أن المعلومات المنشورة من "المركز القومي للعناية المركزة والأبحاث" تفيد بأن 30% من بين 2249 بريطانياً أُدخلوا العناية المركزة حتى الثالث من أبريل كانوا من الأقليات، أي من السود والآسيويين. كما أكدت الصحيفة نفسها في 24 أبريل في تحقيقٍ تحت عنوان:"المرضى السود المصابين بفيروس كورونا يموتون بضعف معدلات الموتى من البيض في المستشفيات"، حيث قامت الصحيفة بإجراء تحليلٍ للمعلومات المتوافرة حول أعداد الموتى من "خدمات الصحة القومية والمكتب القومي للإحصاء"، وأشارت إلى أن أعداد الموتى من السود ضعف العدد من البيض، فأعداد الموتى لكل مائة ألف من السكان البريطانيين بلغ 23 للبيض، و 27 للآسيويين، و 43 للسود.  كما أن المؤشرات الأولية تفيد بأن الفيروس ضرب المجتمعات الفقيرة والمهمشة أكثر من غيرهم، مثل مناطق السود والأقليات من الآسيويين الذين يشكلون قرابة 13% من سكان بريطانيا، ولكنهم في الوقت نفسه يمثلون نحو 35% من مرضى كورونا الذين يعانون في العناية المركزة، حسب دراسة المركز الوطني للأبحاث والعناية المركزة في 25 أبريل. فهذا الظاهرة المستجدة لفتت انتباه المعنيين، ومنهم رئيس جمعية الأطباء البريطانيين الذي دعا إلى التحقيق في هذه الظاهرة المستجدة والتي رحبت بها الحكومة.

كما أن الظاهرة نفسها برزت في فرنسا، فقد أشار تحقيق المحطة الإخبارية الأمريكية سي إن إن في 26 أبريل من العام الجاري إلى ارتفاع أعداد الموتى من فيروس كورونا في بعض مناطق العمال والأحياء الفقيرة في فرنسا مثل منطقة( Seine-Saint-Denis) مقارنة بالمناطق الغنية والثرية، فعلى سبيل المثال، في الفترة من 30 مارس إلى الخامس من أبريل زادت نسبة من قضوا نحبهم في هذا الحي الباريسي إلى 295% مقارنة بمثل هذا الوقت في كل عام حسب المعهد القومي للإحصاء، علماً بأن الزيادة في نسبة الموتى في باريس بلغت 174% وفي فرنسا بشكل عام 61%.
 
كذلك هناك ظاهرة مشابهة انكشفت في الدول التي بها أقليات من السكان الأصليين، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا والبرازيل، حيث نُشرت عدة دراسات تُنبه إلى نشؤ هذه الظاهرة وارتفاع نسبة الإصابات والموتى بين هذه الفئة من المجتمع، منها الدراسة المنشورة في مجلة العلوم(science) في 17 أبريل تحت عنوان:" هل الفيروس عنصري: إِحمُوا السكان الأصليين من كوفيد_19"، إضافة إلى المقال المنشور في المجلة نفسها في 24 أبريل تحت عنوان: "مجتمعات السكان الأصليين في البرازيل يخافون من تأثيرات الوباء". كذلك هناك المقال المنشور في صحيفة يو إس أي توداي في 26 أبريل تحت عنوان: "قبائل السكان الأصليين في أمريكا تعرضوا لفيروس كورونا بأعداد كبيرة"، حيث يشير المقال إلى أن قبيلة نافاجو في ولاية أريزونا ويوتاه ونيومكسيكو سجلت أكثر من 1300 إصابة مات منهم 49 وهي أعلى من سكان الولايات المجاورة.

ومع بروز ظاهرة ارتفاع أعداد المصابين والذين يقضون نحبهم بسبب فيروس كورونا، نجد أنفسنا أمام ظاهرة أخرى مرتبطة أيضاً بهذا الفيروس الخبيث وتمخضت عن انتشاره بين بني البشر، وهي ظاهرة ارتفاع أعداد الموتى بين الرجال مقارنة بالنساء.

فما هي أسباب نشؤ هذه الظواهر؟ وهل بالفعل فيروس كورونا عنصري ومتحيز، فيميز بين الناس عندما يدخل في أجسامهم، ويفرق بين الأسود والأبيض، وبين الغني والفقير، وبين الرجل والمرأة، وبين الكبير والصغير؟

وهذا ما سنتحدث عنه تفصيلاً في المقال القادم؟ 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق