الخميس، 26 سبتمبر 2019

الأطعمة العضوية، هل هي حقيقة أم خيال؟(1من 2)


بعد أن نشرتُ سلسلة من المقالات حول جشع الشركات الكبرى ولهثهم وراء كنز المال من الحرام والحلال، وتضليلهم وكذبهم على الشعوب بجودة منتجاتهم وادعاءاتهم وافتراءاتهم حول سلامة هذه المنتجات وعدم إضرارها بصحة الناس والبيئة، بعد كل هذه التجارب المرَّة التي كتبتُ عنها أصبحت عندي ردة فعل قوية تجاه هذه الشركات، وأصبح الشك في المنْتج هو الأصل، والريبة في صحته هي الأساس في التعامل معه عند شرائه، فخبرتي مع هذه الشركات أكدتْ لي بأنه لا يمكن تصديق ادعاءاتها والوثوق بها، إلا بعد تقديم الأدلة الكافية والبراهين الشافية، وأن تكون منتجاتها مصدَّقة من جهة رقابية حكومية معتمدة ومتخصصة في المجال.

فهناك على سبيل المثال شركات السيارات، مثل فولكس واجن التي ضلَّلت العالم بأن مركباتها صديقة للبيئة، وغشت الأمم والشعوب بأن سياراتها التي تعمل بالديزل تنبعث منها ملوثات منخفضة مقارنة بباقي الشركات المصنعة للسيارات، وهناك شركات الأدوية، مثل جونسون و جونسون وبيردو فارما(Purdue Pharma) وغيرها من شركات العقاقير الأمريكية التي كذبت على الناس بأن دواءها المسَكِّن للألم لا يسبب الإدمان، وأنه آمن للاستخدام البشري ولا توجد له أعراض جانبية خطيرة، وهناك شركة مونسانتو العملاقة التي أنتجتْ مبيدات للأعشاب، وسوَّقت للعالمين هذا المنتج بأنه سليم ولا مضار له، ولا يسبب للإنسان أو الحيوان أية أسقام أو أمراض مزمنة، وهناك شركات التبغ التي كانت تدِّعي بكل استعلاء وفخر ولعقود طويلة بأن التدخين لا يسبب الأمراض ولا يؤدي إلى الإدمان.

وهناك أخيراً وليس آخراً شركة الزراعة العضوية العملاقة وإنتاج الأغذية العضوية مثل فول الصويا في الولايات المتحدة الأمريكية التي كذبت لأكثر من سبع سنوات وتحايلت على الشعب الأمريكي، وربما على شعوب العالم أجمع في أن الأطعمة التي تُنتجها في مزارعها هي عضوية وسليمة وخالية من المبيدات والمواد الكيميائية الأخرى ولا توجد فيها المضادات الحيوية. ولمزيد من المعلومات حول أكبر فضيحة غذائية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية يمكنك الرجوع إلى مقالي المنشور في أخبار الخليج في 29 أغسطس من العام الجاري تحت عنوان:" شُكوك مشروعة حول الأغذية العضوية".

وفي جميع هذه الحالات التي ذكرتُها لكم، تمتْ رسمياً إدانة هذه الشركات من قبل المحاكم، وتغريمها الملايين من الدولارات، وفي بعض الحالات انتحر الأشخاص المدانون لعدم قدرتهم على تحمل واقعهم المرير، والفضيحة العصيبة التي وقعوا فيها من إفلاسٍ مُشين، أو المكوث في غياهب السجون المظلمة.

ولذلك عندما أتحدثُ اليوم معكم عن الأطعمة العضوية، أو المواد الغذائية العضوية، فلا بد لي أولاً وقبل الولوج في التفاصيل أن أُقدم لكم التعاريف النظرية المعتمدة لهذا النوع الجديد من الأطعمة، وأُبين لكم في أي الحالات يكون الطعام أو الغذاء عضوياً؟ وما هي الفروق الجوهرية بين الطعام والغذاء العادي التقليدي الذي نأكله منذ سنوات والطعام العضوي الحديث؟ ومتى يمكن للشركات المصنعة الادعاء بأن مُنتجهم عضوي عند التسويق والبيع، ومتى يُسمح لهم بوضع العلامة الخاصة بالمنتج العضوي؟

فهناك عدة تعاريف معتمدة من قبل الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي حول الأطعمة العضوية والزراعة العضوية، ولكنها تختلف في شمولية التعريف من حيث تركيز بعضها على الممارسات اليومية المتعلقة مباشرة بإنتاج الغذاء من المزارع وتؤكد على منع استخدام بعض المواد الضارة عند الزراعة النباتية والحيوانية، في حين أن تعاريف أخرى تكون أكثر شمولاً فتغطي كل جوانب التنمية المستدامة المتعلقة بالأبعاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية ذات العلاقة بالإنتاج العضوي.
فعلى سبيل المثال، ولجت الولايات المتحدة الأمريكية في باب الأطعمة والزراعة العضوية بشكلٍ رسمي وعلى المستوى القومي من خلال القانون حول الإنتاج العضوي للمواد الغذائية لعام 1990، حيث فتحت الباب على مصراعيه للجميع أمام هذا النوع الجديد من الأطعمة ومن الإنتاج الزراعي، ووضعت الأنظمة اللازمة والمعايير المحددة لوضع العلامات على المنتجات العضوية. كما قامت وزارة الزراعة المعنية بهذا القانون بإنشاء "البرنامج القومي العضوي"، الذي يقنن كل ما هو متعلق بهذا النوع من الزراعة والأطعمة.
فقد جاء تعريف وزارة الزراعة الأمريكية مُحدداً وواضحاً، حيث بيَّن ماهية الأطعمة العضوية في أنها: " نِتاج نظامٍ زراعي يتجنب استخدام الأسمدة الكيميائية، والمبيدات، والمضافات الغذائية للحيوانات، كما يتجنب الإشعاع واستخدام الكائنات الحية المعدلة وراثياً أو المنتجات المصنعة منها"، كذلك ورد تعريف آخر خاص بالزراعة العضوية وهو أنها: "نظام للإنتاج المستدام بيئياً واجتماعياً واقتصادياً، فالنظام الزراعي العضوي يعتمد على تدوير المحاصيل، واستعمال السماد الحيواني والنباتي، والتخلص يدوياً من الأعشاب، واستعمال المبيدات الحيوية الطبيعية".
كما حددت وزارة الزراعة الضوابط والمعايير التي يجب الالتزام بها لكي تنال أية شركة شهادة الطعام العضوي ويسمح لها بوضع علامة "الغذاء العضوي" على منتجاتها، حيث جاء بأن: "الأطعمة العضوية يتم إنتاجها في المزارع باستخدام موارد متجددة والحفاظ على التربة والمياه لتعزيز جودة البيئة للأجيال القادمة، وعدم إعطاء الحيوانات أية هرمونات للنمو أو مضادات حيوية، إضافة إلى عدم استعمال المبيدات والأسمدة الكيميائية والإشعاعات والهندسة الحيوية".   
أما قوانين الاتحاد الأوروبي فتركز على الهدف من الزراعة العضوية وهو احترام الأنظمة الطبيعية الحيوية القائمة، وتأسيس نظام إداري مستدام، والاستخدام المسؤول للماء والتربة والهواء.
وبالرغم من وجود هذه القوانين والأنظمة إلا أن العامل المهم في مثل هذه القضايا الحساسة والمعقدة وغير الواضحة، والمرتبطة بصحة الناس وأمنهم الغذائي، هو وجود التفتيش والرقابة المستمرين على جميع الجهات التي تدعي بأنها تنتج طعاماً عضوياً، إضافة إلى التحاليل المخبرية الدورية لكافة المنتجات، وعدم التهاون مع أية جهة تشم فيها رائحة الاحتيال والغش، أو تحوم حولها الشبهات، وخاصة بأنها تجارة رائجة لن تبور سيستغلها الجميع، والأمثلة كثيرة، وقد ذكرتُ بعضها في مجال التضليل والكذب التجاري.
وفي الحديث بقية.

السبت، 21 سبتمبر 2019

المصابيح القديمة تُبعث من قبورها!

 
كنتُ أظن بأن مصابيح التانجستن الزجاجية الكُروية، أو اللمْبَاتْ الساطعة القديمة التي أضاءت منازلنا وشوارعنا سنواتٍ طويلة أصبحت جزءاً من الماضي القريب، وأنها تحولت إلى المتاحف العلمية والكتب التاريخية التي تحكي قصة تطور التقنيات والأجهزة والمعدات في مجال الإضاءة وإنارة المنازل والمباني والشوارع. 

ولكن ترمب، رجل المفاجآت والتصريحات غير المتوقعة الذي سحب بلاده من اتفاقية باريس الجماعية الدولية المشتركة للتغير المناخي التي وافق عليها سلفه الرئيس أوباما، فلا غرابة منه ولا عجب أن يقوم أيضاً بتنفيذ قرارٍ آخر غير متوقع وغير مسبوق، فهو يريد أن يُرجع إلى العالم ما بدأ أن يتخلى عنه تدريجياً، ويعتبره من التقنيات البالية التي أدت دورها بكل فاعلية واقتدار في العقود الماضية، والآن انتهى عملها وعفا عليها الزمن، وجاءت تقنيات وأجهزة جديدة أخرى لتحل محلها وتؤدي وظيفتها.

فالرئيس الأمريكي ترمب أحيا عندنا من جديد ذكرى اللمبات الزجاجية القديمة التي نسيناها منذ زمن ليس بالبعيد، وأخذ يمدحها ويثني عليها ويصفها بأفضل الأوصاف، وكأنها تقنية جديدة موجودة أمامه، وجهاز حديث اخترعته الولايات المتحدة الأمريكية قبل سويعات، فهو يفتخر بهذا الإنجاز العلمي العظيم، وفي الوقت نفسه أخذ يذم المصابيح الحديثة التي بدأت جميع دول العالم في استخدامه منذ سنوات، حيث قال ترمب في العاشر من سبتمبر من العام الجاري وهو جالس في البيت الأبيض في المكتب البيضاوي: "أنا أبدوا أَجْمل بالقرب من المصابيح الساطعة(اللمبات) (incandescent light) بدلاً من المصابيح الأخرى المجنونة"، كما أضاف قائلاً: "هذه المصابيح (ويقصد بذلك المصابيح الحديثة المعروفة بالـ إِلْ إِي دِي) تجعل بِشرتي تبدو برتقالية اللون"!

فقضية الجدل حول استخدام مختلف أنواع المصابيح ليست جديدة على المجتمع الأمريكي خاصة، والمجتمع الدولي عامة، فهناك تسابق محموم وشديد بين الدول الصناعية المتقدمة وبين الشركات المتنافسة في هذا المجال في تطوير مصابيح المستقبل، بحيث إن هذه المصابيح القادة ستتمتع بالخصائص التالية لكي تحظى بالسبق في اكتساح السوق على المستوى الدولي، وكسب رضا الدول والشعوب والمنظمات الأممية ذات العلاقة، وهذه المميزات أُلخصها في النقاط التالية:
أولاً: أن يكون عمرها طويلاً، بحيث لا يحتاج الناس إلى تغيير هذه المصابيح في أوقات قصيرة جداً، كما هو الحاصل الآن بالنسبة لمصابيح التانجستن القديمة التي تتلف سريعاً فتحتاج إلى استبدالها بين الحين والآخر.
ثانياً: الفاعلية في استهلاك الكهرباء، أي أنها منخفضة استهلاك الطاقة، وبالتالي تقلل استهلاك الوقود في محطات توليد الكهرباء وتخفض من انبعاث الملوثات إلى الهواء الجوي، وبخاصة من ناحية التأثير على قضية العصر المعقدة والمزمنة وهي ظاهرة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض.
ثالثاً: أن لا يكون هناك هدر للكهرباء، بحيث إن نسبة الإضاءة المنبعثة من المصباح تكون أعلى من الحرارة التي تنتج عنها. فعلى سبيل المثال، مصابيح التانجستن تشتغل من خلال استخدام الكهرباء لتسخين شعيرة دقيقة تعرف بالفَتِيل مصنوعة من عنصر التانجستن إلى درجة حرارة عالية جداً، حيث إن معظم الطاقة الكهربائية تتحول إلى حرارة لا يستفاد منها، فتُهدر كمية كبيرة من الطاقة دون أية فائدة.
رابعاً: سهولة التخلص منها بعد انتهاء عمرها أو تلفها، بحيث إنها لا تحتوي على مواد خطرة وسامة تؤثر على البيئة والإنسان بعد رميها في مواقع الدفن، فتحتاج إلى إدارة خاصة ومكلفة جداً تقع ضمن إدارة المخلفات الخطرة.
خامساً: أن يكون سعرها مناسباً للناس في مختلف دول العالم.

فهذه الخصائص جعلت الصراع محتدماً بين شركات دول العالم، حتى توصلتْ مؤخراً إلى صناعة المصابيح التي يُطلق عليها الصمام الثنائي الباعث للضوء(light-emitting diode) والمعروف اختصاراً بـ إِلْ إِي دِي (LED)، حيث يعمل هذا النوع الحديث من المصابيح بالتحول المباشر للكهرباء إلى ضوء عن طريق تحريك الإلكترونات الموجودة في ذرة العناصر من خلال الترازيستر. وهذه المصابيح، بالرغم من أنها أغلى سعراً إلا أنها تدوم طويلاً وتستهلك طاقة أقل بكثير من المصابيح العادية المعروفة، وبذلك يتم التوفير في استهلاك الطاقة وانخفاض فاتورة الكهرباء الشهرية.

وبعد إنتاج هذه المصابيح التي تُرشد استهلاك الكهرباء، فقد تسارعت دول العالم في سن التشريعات اللازمة لاستخدامها فورياً واستبدالها تدريجياً بالمصابيح القديمة، حتى يتم مع الوقت التخلص منها كلياً.
فعلى سبيل المثال، اتفق الحزبان المتناحران الجمهوري والديمقراطي، وقَلَّ ما يتفقان، في عهد الرئيس الأسبق بوش عام 2006 على سن تشريع للتخلص التدريجي من مصابيح التانجستن القديمة، ثم أكد على التشريع الرئيس أوباما بإصدار قانون حول فاعلية مصادر الطاقة بشكلٍ عام، والآن جاء ترمب، وكعادته ألغى ما قام به أوباما والذي كان من المرفوض أن يبدأ تنفيذه في يناير 2020.

كما حظر الاتحاد الأوروبي استيراد وإنتاج المصابيح القديمة، حسب القانون رقم 244/2009 في 18 مارس 2009 حول التخلص التدريجي لهذه المصابيح، بدءاً بالمصابيح قوة 100 وات. كذلك ودَّعتْ الصين المصابيح القديمة بدءاً من 1 أكتوبر 2012، حيث قامت تدريجياً بالتخلص منه من حيث الاستيراد والبيع والإنتاج، وبحلول عام 2016 أصبحت الصين خالية من هذه المصابيح العتيقة.

ولذلك نجد بأن جميع دول العالم تعمل على ترشيد استهلاك الكهرباء وتقليل نسبة تلوث الهواء من خلال استخدام الأجهزة والمعدات منخفضة استهلاك الطاقة في جميع القطاعات، كالمصابيح الحديثة، إلا الولايات المتحدة الأمريكية، ممثلة في ترمب الذي همَّش وأهمل كلياً القضايا المتعلقة بالبيئة وحمايتها من التلوث، وبالتالي أرجع العالم إلى الوراء، أو كما يقال للخَلفْ سِر.

الجمعة، 13 سبتمبر 2019

لائحة التُهم ضد السجائر الإلكترونية في ازدياد


نَشرتْ مراكز منع والتحكم في المرض الأمريكية في السادس من سبتمبر من العام الجاري تحذيراً ولأول مرة من السجائر الإلكترونية، وجاء التحذير على خلفية المرض الرئوي الغامض والمحيِّر الذي ضرب الولايات المتحدة الأمريكية منذ أبريل من العام الجاري، حيث قالت رئيسة فريق التحقيق من مراكز منع والتحكم في المرض في هذه الحالة المرضية الغريبة: "بينما هذا التحقيق مازال مستمراً، على الناس عدم استخدام منتجات السجائر الإلكترونية".  كما أن السلطات الصحية في جميع الولايات الأمريكية أكدت على هذه التعليمات الجديدة، ودعت الناس إلى العزوف فوراً عن تدخين السجائر الإلكترونية.

وعلاوة على ذلك، فقد كتب رئيس فريق البحث الطبي من جامعة هارفرد الذي قام بدراسة طبية حول هذه الحالة المرضية الغامضة قائلاً: "من الواضح أن هناك وباءً يحتاج إلى استجابة سريعة"، وأضاف قائلاً: "علينا جميعاً تحذير الناس من التأثيرات الضارة للسجائر الإلكترونية".

ولذلك هناك اليوم تهمتان جديدتان تضافان إلى لائحة التهم السابقة المرفوعة ضد السجائر الإلكترونية. أما التهمة الأولى الجديدة التي تضاف إلى قائمة التهم السابقة المتعلقة بأضرار السجائر الإلكترونية فهي المرض الرئوي الغامض الذي ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية منذ أبريل من العام الجاري بمشاهدة حالة واحدة فقط في ولاية إلينوي، ثم أخذت هذه الحالات في الانتشار سريعاً وعلى نطاق واسع جداً حتى بلغت اليوم وحتى كتابة هذه السطور عدد هذا الحالات المرضية الغريبة إلى 450 في 33 ولاية، مات منهم 5 أشخاص من ولاية إلينوي، وإنديانا، وميناسوتا، وكاليفورنيا، وأوريجن. 

وقد تحقق بعض الأطباء من هذه الحالات، وقاموا بفحصها وتشخيصها ونشر نتائجها في السادس من سبتمبر من العام الجاري في مجلة نيو إنجلند للطب(New England Journal of Medicine) تحت عنوان: "مرض رئوي له علاقة بالسجائر الإلكترونية في ولايتي إلينوي ووسكونسن: تقرير أولي". فقد بدأت القصة في ولاية وِسْكُونْسِن وإِلينوي في شهر أبريل من العام الجاري، عندما ظهرت تقارير من وزارة الصحة في الولايتين عن مرض رئوي له علاقة بالسجائر الإلكترونية، ومنذ ذلك الوقت فإن هذه الحالات المرضية الغريبة في ازدياد وأعداد الذين يقضون نحبهم في ارتفاع، مما استدعي تشكيل فرق عمل طبية في مختلف الولايات لسبر غور هذه الحالات وكشف ملابساتها وأسبابها، منها الفريق الطبي الخاص بجامعة هارفرد، حيث أكدت على وجود أعراضٍ مرضية فريدة من نوعها في القاموس الطبي، ولا يوجد مرض معروف عند الأطباء يتوافق مع هذه الأعراض، والتي تتمثل في وجود تلفٍ مشهود في خلايا الرئتين وتدمير واضح لهما، والشعور بالغثيان، والتقيؤ، وزيادة وسرعة دقات القلب والتنفس، إضافة إلى آلام في الصدر وضيق في التنفس، والإصابة بالكحة والعطاس المستمرين، وآلام في البطن، والإسهال، وارتفاع درجة الحرارة.

كما أفادت الدراسة بأن معظم المصابين بهذه الوعكة الغامضة من الشباب والمراهقين ومن الذكور، والذين معدل أعمارهم 19 عاماً، وتتراوح بين 16 إلى 53. وقد خلصت الدراسة إلى أن السبب في انكشاف هذه الظاهرة المرضية لها علاقة بتدخين السجائر الإلكترونية، والتي بعضها كان مطعماً بزيوت الحشيش، أو مواد أخرى سامة.

أما آخر تُهمة جديدة تُدين السجائر الإلكترونية، وتُضيف دليلاً علمياً موثوقاً يؤكد أضرارها على المدخن هو التلوث الحيوي، أي تعرض المدخن للجراثيم والميكروبات التي تُسبب الأمراض، إضافة إلى التهم القديمة المتمثلة في التلوث الكيميائي وتعرض المدخن لمئات الملوثات السامة والمسرطنة التي تنبعث عند تسخين خليط من المواد الخطرة والمدمنة، ومن هذه الملوثات الكيميائية التي تسبب السرطان هي البنزين، والفورمالدهيد، والدخان أو الجسيمات الدقيقة المتناهية في الصغر، إضافة إلى الملوثات السامة كالنيكوتين، والأستَالدَهيد، والعناصر الثقيلة، والمركبات العضوية متعددة الحلقات، والمركبات العضوية المتطايرة، ومركبات النَيترُوزُوأمِين، ومركبات الدَاي أسِيتيل.

فهذا البعد الصحي المفسد لسلامة أعضاء جسم الإنسان، والذي يضاف إلى قائمة أضرار السجائر الإلكترونية، كشفت عنه دراسة حديثة منشورة في الثالث من سبتمبر من العام الجاري في مجلة شؤون صحة البيئة. فقد أفادت الدراسة عن وجود جراثيم وبكتيريا تسبب الأمراض وموجودة في السائل المستخدم في السجائر الإلكترونية، وقد توصل الباحثون إلى هذه النتيجة من خلال جمع 75 عينة من مختلف الشركات المصنعة للسجائر الإلكترونية والتي تباع في الأسواق الأمريكية، حيث قاموا بالبحث عن ملوثات عضوية تُعد المؤشر على وجود الجراثيم كالبكتيريا والفطريات، فهذه الجراثيم تفرز وتنتج عنها ملوثات كيميائية عضوية تدل على وجودها في ذلك الموقع. 

ففي هذا البحث كان المؤشر على وجود البكتيريا هو الإندوتوكسن(lipopolysaccharide)، وهو جزء من الغشاء الخارجي للبكتيريا، كما إن اكتشاف مركب الجلوكان(glucan) في مكانٍ ما يدل على وجود الفطريات، لأنها أحد مكونات جدار الخلية للكثير من أنواع الفطريات، وقد أكدت الدراسة من خلال التحاليل على وجود هذين المؤشرين في بعض عينات سائل السجائر الإلكترونية، أي وجود التلوث الحيوي المؤدي إلى الأمراض والالتهابات الحادة والمزمنة.

وهذه القائمة الحالية الخاصة بالسجائر الإلكترونية تُذكرني بقائمة التهم الموجهة لسجائر التبغ التقليدية، فهي مازالت موجودة منذ أكثر من سبعين عاماً، وفي كل يوم نُضيف ضرراً جديداً لم يكن في الحسبان إلى القائمة الحديثة القديمة.