الخميس، 5 سبتمبر 2019

مخدرات في الشيشه


استوقفني الخبر المنشور في صحيفة أخبار الخليج في 25 أغسطس تحت عنوان:" ثَلاثِيني يُغلف المخدرات بـ"مُعسَّل الشيشه" ليُخفي رائحتها عن كلاب الأثر بالجسر،  حيث جاء في الخبر بأن السلطات البحرينية المختصة كَشفتْ عن حيلة استخدمها خليجي لتهريب المخدرات عن طريق الجسر، حيث كان يقوم بتغليف المواد المخدرة بتبغ خاص بالشيشه.

ففي هذا الخبر استُخدم تبغ الشيشه للتمويه والتضليل لتهريب المخدرات القاتلة للبشر، ولكن هناك حالات وقعتْ في دول كثيرة يجب أن نقف عندها تتمثل في وضع المخدرات في تبغ الشيشه أثناء تدخين هذا الوباء من أجل جذب الشباب والمراهقين، وإسقاطهم في فخ الإدمان على الشيشه كلياً، وبالتالي عدم قُدرتهم على مقاومة تعاطي الشيشه بشكلٍ يومي مستمر، ولسنا في البحرين ببعدين، أو أن لدينا مناعة من وجود مثل هذه الحالات المشبوهة التي يقوم بها أصحاب الضمائر الميتة والقلوب المريضة. 

وفي الحقيقة فإنني مهتم بهذه القضية الصحية البيئية والاجتماعية كثيراً منذ أكثر من 25 عاماً، وأُتابع كافة التطورات العلمية والطبية المتعلقة بها وبأنواع ووسائل وأدوات التدخين الجديدة بشكلٍ عام، وأُراقب عن قرب وضع تدخين الشيشه في البحرين وانتشاره في مرافق كثيرة من المجمعات التجارية، والمقاهي، والمطاعم، والفنادق سواء أكانت بصفةٍ شرعية ومرخص لها أو بطرق غير شرعية، وقد كتبتُ أول مقال عن هذه الظاهرة في عام 1993، ثم في كتابي المنشور عام 1997 وعنوانه:" ثرواتنا البيئية مهددة".

واليوم أجدُ نفسي مضطراً لإعادة الحديث حول هذه القضية المفسدة للجسد والروح، والتأكيد على تأثيراتها المهددة لصحة الفرد وكيان المجتمع.

فهناك آلاف الدراسات المنشورة في مجلات طبية وبيئية وتتناول الجانب البيئي والصحي والاجتماعي لظاهرة انتشار الشيشه في دول العالم، وتُلقى الضوء على التداعيات الخطيرة التي تنكشف كل يوم لهذه الآفة التي تنهش في أجسام شبابنا وفلذات أكبادنا من الذكور والإناث.

ومن الدراسات التي اطلعتُ عليها مؤخراً كانت منشورة في الثالث من أغسطس 2018 في المجلة الأمريكية لطب القلب، حيث أكدتْ هذه الدراسة من خلال القياسات الميدانية للأفراد المدخنين للشيشه بأن تدخين الشيشه لمدة قليلة جداً هي نصف ساعة يسبب تغييرات سلبية كثيرة في أعضاء جسم الإنسان ويؤدي إلى ظهور مشكلات في الأوعية الدموية القلبية، فمدة نصف ساعة فقط كانت تكفي لزيادة دقات القلب، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة صلابة الشرايين، وكل هذه المؤشرات تؤدي مع الوقت إلى الإصابة بالنوبة القلبية. وقد توصلت الدراسة إلى هذا الاستنتاج من خلال قياس دقات القلب للمدخنين للشيشه، وضغط الدم، ونسبة تصلب الشرايين، وتركيز النيكوتين في الدم، إضافة إلى قياس تركيز غاز أول أكسيد الكربون الخارج من الجسم.

ومن هذه الدراسة الأمريكية وأبحاث كثيرة أخرى، أستطيعُ أن أُقدم لكم الحقائق البيئية، والصحية، والاجتماعية المتعلقة بتدخين الشيشه حتى يومنا هذا، لعلنا نستفيد منها في اتخاذ القرار المناسب بالنسبة للشيشه في بلادنا.

أولاً: تحَول تدخين الشيشه من ممارسة فردية إلى ممارسة جماعية وظاهرة اجتماعية سيئة وغير صحية ومُضيِّعة للوقت والمال، حيث يتجمع الشباب خاصة والمراهقون ويتوافدون على هذه المحلات التي تُقدم الشيشه، فيمكثون هناك الساعات الطويلة من الليل حتى بزوغ الفجر، وهم جالسون في جوٍ مَرَضي قاتل ومشبع بآلاف السموم والملوثات المسرطنة.

ثانياً: هناك مفهوم خاطئ وسائد بين المدخنين للشيشه، حيث إنهم يعتقدون بأن الملوثات التي تنبعث من الشيشة أقل من الناحيتين النوعية والكمية من الملوثات التي تنطلق عند تدخين السجائر التقليدية المعروفة، كما إنهم يعيشون تحت الوهم بأن الشيشة أقل ضرراً وتهديداً من تدخين السجائر، وهذا الضلال في الرؤية ينبع من أن الملوثات تَعْبر إلى أنبوبةٍ بها الماء فيخلص الدخان من الملوثات. ولكن جميع الأبحاث أكدت بأن العكس هو الصحيح، فتركيز الملوثات أعلى، والضرر أكبر وأشد تنكيلاً بصحة المدخن ومن يجلس حوله من السجائر العادية. وعلاوة على ذلك فإن وجود الماء قد يكوِّنُ بيئة فاسدة ومرتعاً خصباً لنمو وتكاثر البكتيريا فتسبب العدوى وتصيب المدخنين بأمراض معدية كالسل والتهاب الكبد.

ثالثاً: خطورة الشيشه تكمن حالياً في أنها تُباع بنكهاتٍ لا تُعد ولا تحصى، فمنها نكهات وطعم الفواكه من المانجو والفراولة والمشمش والتفاح وما إلى ذلك من أنواع الفواكه الكثيرة والمتنوعة، كما إنها أيضاً تحمل نكهات الحلويات والشكولاتة بأنواعهما المتعددة، إضافة إلى وجود نكهة الخمر في بعض الأنواع. فكل هذه النكهات والروائح الزكية التي تنبعث من تدخين الشيشه تجذب الناس، وبخاصة صغار الناس وتشجعهم وترغبهم في التدخين، وخاصة عندما يكونون مع جماعة من الأصدقاء والزملاء. 

رابعاً: تركيز النيكوتين السام الذي يسبب الإدمان يتراوح في دخان الشيشه من 2 إلى 4%، في حين أن النسبة في سجائر التبغ التقليدية أقل وتتراوح من 1 إلى 3%، كذلك أول أكسيد الكربون الذي أُطلق عليه القاتل الصامت أعلى في الشيشه مقارنة بالسجائر إذ يتراوح بين 0.34 و 0.4% في الشيشه، و 0.41% في السجائر، إضافة إلى المئات من الملوثات الأخرى السامة والمسببة للسرطان، وبالتحديد سرطان الرئة والبنكرياس.

خامساً: تركيز الملوثات ونوعيتها يعتمد على الآلية المستخدمة في حرق التبغ، فالأشد تدميراً لصحة البيئة والإنسان عندما يُستخدم الفحم في عملية الحرق، ففي هذه الحالة يكون الضرر مضاعفاً وكبيراً فملوثات حرق الفحم تنبعث فيستنشقها المدخن.

سادساً: موقف منظمة الصحة العالمية من الشيشه واضح لا لبس فيه، حيث أكدت في بيانٍ لها: "بأنه خِلافاً للاعتقاد السائد، فإن الدخان الذي ينبعث من الشيشه يحتوي على الكثير من السموم التي من المعروف بأنها تسبب سرطان الرئة، ومرض القلب، إضافة إلى أمراض أخرى".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق