الجمعة، 6 سبتمبر 2019

هل ستنجح لجنة الثروات الطبيعية في الحفاظ على ثرواتنا الطبيعية؟

في الثالث من سبتمبر من العام الجاري، صدر المرسوم رقم (68) لسنة 2019، بتعديل المادة (1) من المرسوم رقم (1) لسنة 2011 بإنشاء اللجنة العليا للثروات الطبيعية والأمن الاقتصادي، وفور صدور هذا المرسوم بدأت جولة بحثية لأتعرف عن كثب على معنى مصطلح "الثروات الطبيعية"، وما المقصود من هذه الثروات؟  وما هي هذه الثروات التي تدخل ضمن اختصاص هذه اللجنة ومهماتها، حيث إن المرسوم الحالي لم يتضمن أية تعريفات، أو أهداف، أو اختصاصات أو مهمات هذه اللجنة.

وكانت الخطوة الثانية هي الرجوع إلى كافة المراسيم الصادرة حول إنشاء هذه اللجنة، فكان أول مرسوم صدر حول هذه اللجنة هو المرسوم رقم (1) لسنة 2001 بإنشاء اللجنة العليا للطاقة، حيث كانت هذه اللجنة مشكلة من تسعة أعضاء، وهي لجنة متخصصة وواضحة المعالم وتهدف فقط إلى تطوير قطاع الطاقة في المملكة، وتختص بكافة المسائل المتعلقة بالطاقة، ووضع السياسات والاستراتيجيات والخطط المتعلقة بها في المملكة، ودراسة كافة الخيارات المتاحة لتلبية حاجة المملكة منها. ثم بعد هذا المرسوم، صدر المرسوم رقم (55) لسنة 2013 بتعديل بعض أحكام المرسوم رقم (1) لسنة 2011 بشأن إنشاء اللجنة العليا للطاقة، وجاء في المادة الأولى تُعاد تسمية (اللجنة العليا للطاقة) بحيث تصبح (اللجنة العليا للثروات الطبيعية والأمن الاقتصادي)، حيث تم تقليص الأعضاء من تسعة إلى خمسة فقط، علماً بأن هذا المرسوم لم يُقدم أية تفاصيل تخص اللجنة بمسماها الجديد، فلا يوجد أي تعريف لمصطلح "الثروات الطبيعية"، وكأنه بالرغم من تغيير مسمى اللجنة، إلا أن أهدافها ومهماتها وإختصاصاتها هي نفسها لم تتبدل، وتتجه مباشرة نحو الاهتمام بالنفط والغاز الطبيعي أولاً، ومصادر الطاقة الأخرى المستقبلية ثانياً. وبعد هذا المرسوم لسنة 2013، صدر المرسوم رقم(31) لسنة 2015 بتعديل المادة (1) من المرسوم رقم (1) لسنة 2011 بإنشاء اللجنة العليا للثروات الطبيعية والأمن الإقتصادي، وهذا المرسوم خلا كلياً من أية إشارة إلى مضمون هذه اللجنة.

ولذلك حتى الآن لم أجد تعريفاً خاصاً لمصطلح الثروات الطبيعية وما المقصود به في هذه اللجنة، وهل تشمل الثروات الأخرى غير الوقود الأحفوري؟

فلو رجعنا إلى كلمة "الثروة" ومدلولاتها ومعانيها لوجدنا بأنه من المتعارف عليه من قبل المختصين ومنظمات الأمم المتحدة المعنية فإن الثروة هي وفرة في الموارد القيّمة، أو المواد والممتلكات ذات القِيمة، أو بشكلٍ عام بأنها "أي شيء ذي قيمة"، وهي بذلك تشمل مجموع الأصول الطبيعية، والبشرية، والمادية.

ولذلك فمصطلح "الثروة الطبيعية" يُغطي فقط نوعاً واحداً من أنواع الثروات الموجودة عند الدول، وهي بالتحديد رأس المال الطبيعي، وعادة ما تشتمل على كافة الثروات والخيرات التي أنعمها الله على الدول والشعوب من خيرات الأرض والسماء وفي البر والبحر وفي باطن الأرض ويستفيد منها ويعيش عليها بشكلٍ يومي، وتعتمد عليها الأنشطة التنموية.

وهنا أُقسم الثروات الطبيعية إلى قسمين رئيسين. أما القسم الأول فهو الثروات والموارد غير الحية، ومنها الهواء الجوي الذي هو أعظم ثروة ويجب حمايته من التلوث والحفاظ عليه من الشوائب والمواد الدخيلة، فالهواء الجوي هو سبب صحتنا إذا كان نقياً ونظيفاً وصافياً، وهو في الوقت نفسه هو قد يكون سبب مرضنا إذا أصابه داء التلوث، ومرض الإنسان وعلاجه يعني خسائر اقتصادية كبيرة تنعكس على ميزانية الدولة، أي أن صيانة الهواء ورعايته سيدخل ضمن باب الأمن الاقتصادي. ومنظمة الصحة العالمية تؤكد على هذه الحقيقة، حيث قامت بتصنيف الآن الهواء الجوي بأنه "مسرطن" نتيجة للملوثات التي تشبع بها الهواء الجوي من السيارات والمصانع ومحطات توليد الكهرباء، إضافة إلى الأمراض المستعصية والموت المبكر لملايين البشر نتيجة لتلوث الهواء الجوي. وعلاوة على أهمية الهواء لاستدامة حياة الإنسان والكائنات الحية الأخرى في البر والبحر، فالهواء يُعد من المواد الأولية أو مادة خام تدخل في إنتاج بعض المواد الكيميائية المعروفة، إضافة إلى توليد الطاقة الكهربائية من خلال طاقة الرياح باستخدام الطواحين الهوائية، ولذلك فالهواء "ثروة طبيعية ومرتبطة مباشرة بالأمن الاقتصادي".

كذلك من الثروات غير الحية هي المياه التي لا حياة ولا تنمية ولا أمن بدونها، سواء أكانت المياه الجوفية أو مياه البحر. أما المياه الجوفية العذبة الصالحة للشرب فقد نضبت ولم يتبق منها إلا المياه شبه المالحة التي تحتاج إلى عملية التحلية المكلفة. وأما مياه البحر فعلينا أن نحافظ عليها ونحميها من أي تدهورٍ في نوعيتها لسببين. الأول أننا نستعمل مياه البحر للتحلية، والثاني فإن مياه البحر الصافية والصحية ستكون مرتعاً خصباً لتنمية الثروة السمكية وتعزيز التنوع الحيوي البحري بشكلٍ عام، والتي هي أساس تحقيق الأمن الغذائي في البحرين، إضافة إلى تنمية السياحة المائية بجميع أنواعها، وبالتالي فإن البحر "ثروة طبيعية ولها علاقة مباشرة بالأمن الاقتصادي".

والقسم الثاني من الثروات فهو بالنسبة للبحرين يتمثل في الوقود الأحفوري الناضب وغير المتجدد وهما النفط والغاز الطبيعي، وهذه الثروة لا أحتاج إلى التركيز عليها فهي بدون أدني شك تحظى بالاهتمام والرعاية والعناية التامة من اللجنة العليا للثروات الطبيعية والأمن الاقتصادي.

وهذا التعريف الشامل الذي أُقدمه لمصطلح الثروات الطبيعية يتماشى مع ميثاق العمل الوطني الصادر في فبراير 2001، وبالتحديد الفصل الثالث تحت عنوان: “الأسس الاقتصادية للمجتمع"، البند خامساً: البيئة والحياة الفطرية، حيث جاء فيه : نظراً للضغط المتزايد على الموارد الطبيعية المحدودة فإن الدولة تسعى إلى الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والتنمية غير الضارة للبيئة وصحة المواطن، كما جاء أيضاً في البند  سادساً: الأموال العامة والثروات الطبيعية: .......والثروات الطبيعية كافة ومواردها جميعاً ملك للدولة وتعمل على صيانتها واختيار أفضل السبل الاقتصادية لاستثمارها.

ولذلك أتمنى أن تتبنى اللجنة العليا للثروات الطبيعية والأمن الاقتصادي هذا التعريف الشامل للثروات الطبيعية وتضع استراتيجية ومبادئ عامة لحماية جميع الثروات الطبيعية، وليس النفط فقط.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق