الأحد، 1 سبتمبر 2019

مرض رِئوي غامض مُرتبط بالسجائر الإلكترونية


نقلتْ وسائل الإعلام الأمريكية خلال النصف الثاني من أغسطس من العام الجاري أخباراً صحية مصدرها تقارير طبية ومتعلقة بإصابة مئات الأمريكيين من ولايات مختلفة بنوبات قلبية مرضية لها علاقة بتدخين السجائر الإلكترونية، ومنها المقال المنشور في صحيفة الواشنطن بوست في 17 أغسطس من العام الجاري تحت عنوان: "مرض رئوي غريب مرتبط بالسجائر الإلكترونية، والسلطات الصحية تُحقِق في مائة حالة محتملة"، إضافة إلى تقرير الـ سي إِن إِن في 19 أغسطس تحت عنوان: "السلطات الصحية تحقق في العلاقة بين تدخين السجائر الإلكترونية ومرض رئوي شديد".  كما أفادت صحيفة الوالْ ستْريتْ جُورنَل في خبرها في 23 أغسطس تحت عنوان: " السجائر الإلكترونية متهمة بمرض رئوي شديد"، بأن السلطات الصحية الأمريكية تحقق في 153 حالة مرضية معظمهم من المراهقين وقد أصيبوا بمشكلات حادة في الرئة بعد تدخين السجائر الإلكترونية"، كذلك نشرت مجلة التايم وصحيفة النيويورك تايمس خبراً في 24 أغسطس بأن العدد الإجمالي للمرضى بهذه الحالة الغريبة بلغ 193، ومات أحدهم من ولاية إلينيوي في 23 أغسطس.

وقد أجمعتْ هذه الوسائل الإعلامية بأن السلطات الصحية على مستوى الولايات والمستوى الاتحادي يَشْرعُون في فحص أكثر من 200 حالة مرضية غريبة وغامضة وقعت في 22 ولاية، ولها علاقة بتدخين السجائر الإلكترونية، ومعظم المصابين بهذه الحالة العصيبة من الشباب والمراهقين، كما أعلنت جهة حكومية اتحادية رسمية هي إدارة الدواء والغذاء في بيانٍ لها صادر في 15 أغسطس من العام الجاري عن تعرض نحو 150 أمريكياً معظمهم من الشباب والمراهقين لنوبات مرضية قلبية غامضة في الفترة من 2010 إلى مطلع 2019، وقد تكون هذه الحالات المرضية الغريبة الغامضة مرتبطة بتدخين السجائر الإلكترونية واستنشاقهم بشكلٍ مباشر لجرعةٍ عالية ونقية من النيكوتين السام الموجود في هذه السجائر.

وقد أفادتْ التقارير الصحية بأن المصابين يُعانون من أمراض تُشبه أعراض الالتهاب الرئوي الحيوي، مثل ضيق في التنفس، وصعوبة في التنفس وآلام في الصدر، والكحة المستمرة، والحرارة المرتفعة، إلا أن هذه الأعراض تتشابه ولكن لا تتطابق كلياً مع أعراض الالتهاب الرئوي البكتيري المعروف، فهي فريدة من نوعها.

ولذلك من خلال متابعاتي الحثيثة اليومية لكافة التطورات المتعلقة بتأثير السجائر الإلكترونية على صحة المدخنين، أجد بأن الأدلة على تهديداتها لصحة الإنسان بدأتْ تزيد يوماً بعد يوم، وفي كل يوم تُكْتشف حقائق صحية وبيئية جديدة لها علاقة مباشرة بأضرار هذه السجائر، وفي كل يوم أقرأ بحثاً يسبر غور جانبٍ جديدٍ لم يكن معروفاً من قَبْل من جوانب الأبعاد البيئية والصحية والاجتماعية ذات العلاقة بالسجائر الإلكترونية.

وهنا سوف أقوم بتلخيص كافة الحقائق التي تم اكتشافها حتى كتابة هذه السطور بالنسبة للمردودات الاجتماعية، والتشريعية، والبيئية، والصحية لتدخين السجائر الإلكترونية على الفرد والمجتمع على المستوى الدولي عامة، وعلى مستوى الولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة، لعلنا نستفيد منها في البحرين لاتخاذ القرار المناسب في المستقبل القريب بالنسبة لهذه الآفة الجديدة التي ضربت مجتمعاتنا ونزلت علينا.

أولاً: من الناحية الاجتماعية فإن تقارير الجهات الحكومية الأمريكية الرسمية ومنها المعهد القومي للمخدرات تؤكد بأن تعاطي السجائر الإلكترونية تحول إلى وباءٍ مخيف يهدد نسيج المجتمع الأمريكي، حسب وصف رئيس إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، وبخاصة بين فئة الشباب والمراهقين وأن عدد ونسبة المدخنين في ارتفاع مطرد مع الوقت، كما أكد البحث المنشور في مجلة طب الأطفال الأمريكية في 22 أبريل من العام الجاري على ظاهرة إدمان الشباب، وأفاد بأن هناك ارتفاعاً مشهوداً لا نظير له، وغير متوقع من ناحية إقبال صغار السن والشباب على تعاطيه.

فالتقارير الحكومية في الولايات المتحدة الأمريكية أفادت بأن أكثر من 37% من طلاب التوجيهي قالوا بأنهم قد دخنوا السجائر في الأقل مرة واحدة خلال عام 2018، علماً بأن النسبة كانت أقل عام 2017 وهي 28%، كما ارتفع عدد مستخدمي السجائر الإلكترونية بين طلاب المدارس الثانوية بشكل عام بنسبة 77% وبنسبة 50% بين طلاب الإعدادي في عام 2018، أي ما يساوي 3.5 مليون طالب، في حين أن العدد كان مليون واحد فقط عام 2017. وقد نشرت صحيفة الواشنطن بوست تحقيقاً في 26 يوليو من العام الجاري يجسد هذه الإحصاءات المقلقة ويبين تخوف الأطباء والآباء والمسؤولين في المدارس حول إدمان الشباب والمراهقين على تدخين السجائر الإلكترونية، وبالتحديد النوع الصغير والأنيق الذي يُوضع في الجيب أو في حقيبة المدرسة، ويشبه في حجمه وشكله "الفْلاشْ مِيمُوري" الذي يستخدم لتخزين المعلومات في جهاز الحاسب الآلي، ويُطلق عليه جول(Juul).

ثانياً: أما من الناحية الرقابية والتشريعية فقد اتهمتْ لجنة فرعية في الكونجرس وهي لجنة إصلاح الحكومة في 25 يوليو من العام الجاري شركات بيع السجائر الإلكترونية بأنها تستخدم وسائل مغرية وجذابة لاستهداف وتشجيع صغار السن على إدمان السجائر الإلكترونية، منها تقديم الدعم للمدارس للسماح لها بالتسويق لهذه السجائر، إضافة إلى تمويل مخيمات الصيف الشبابية وإلقاء المحاضرات حول السجائر الإلكترونية، وبناءً عليه فإن الكونجرس يدعو إلى رفع سن المسموح لهم بشراء السجائر من 18 إلى 21، علماً بأن مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا أصبحت منذ 25 يونيو من العام الجاري أول مدينة في العالم تمنع بيع وتوزيع وصناعة السجائر الإلكترونية. أما في كندا فقد تم إقرار قانون السجائر الإلكترونية في الأول من يناير 2016 والذي يمنع بيعه على من هم دون 19 عاماً.

ثالثاً: أما من الناحيتين البيئية والصحية فقد نشرت الأكاديمية القومية الأمريكية للعلوم والهندسة والطب تقريراً شاملاً في يناير 2018، وخلصت فيه إلى أن السجائر الإلكترونية أقل ضرراً من السجائر التقليدية المعروفة، إلا أنها ما تزال تُشكل تهديداً خطيراً لصحة الفرد والمجتمع. فنوعية وكمية الملوثات التي تنبعث من السجائر الإلكترونية أقل من سجائر التبغ، ولكن بالرغم من ذلك فإن هناك أكثر من 150 من الملوثات الخطرة والمسرطنة التي يتعرض لها المدخن ويستنشقها بشكل مباشر، منها على سبيل المثال فقط النيكوتين، والبنزين، والفورمالدهيد، والأسيتلدهيد، والجسيمات الدقيقة الصغيرة جداً، والداي أَسيتيل، والرصاص، والكادميوم، والكروميوم، والنيكل، والمركبات العضوية المتطايرة، وهذه الملوثات من المعروف طبياً بأنها تسبب مشكلات للجهاز التنفسي، وأزمات قلبية، وتؤدي إلى السقوط في شباك السرطان في نهاية المطاف. وآخر دراسة نُشرت حول الجوانب الصحية للسجائر الإلكترونية كانت في العشرين من أغسطس من العام الجاري في مجلة "علم الأشعة" حيث أفاد البحث بأن تدخين السجائر الإلكترونية يؤثر على الأوعية الدموية بشكلٍ مباشر وعلى وظيفتها مما يعني التأثير على أداء القلب.  

وبناءً عليه فإن الحقائق العلمية الآن تؤكد بأن هناك أضراراً اجتماعية، وصحية، وبيئية تنجم عن استخدام السجائر الإلكترونية، وإنني على يقين بأن هذه الحقائق والأدلة ستزيد يوماً بعد يوم، فما هو رأي حكومتنا وما هو موقفها من هذا الوباء القادم؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق