الخميس، 28 أبريل 2022

الأزمة البيئية المتجددة


تعهدت بعض دول العالم، وبخاصة الدول الغربية بالتخلص من الطاقة النووية كمصدر غير آمن وخطر لتوليد الكهرباء، وبخاصة بعد أن نزلت على البشرية عدة كوارث عمَّت الكرة الأرضية جمعاء نتيجة للتسرب الإشعاعي من المفاعلات النووية، مثل كارثة احتراق المفاعل النووي في تشرنوبيل في أوكرانيا في 26 أبريل 1986، ثم الطامة الكبرى في فوكوشيما في اليابان 11 مارس 2011.

 

ولكن هذه التعهدات في بعض الدول، مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية لم تدم طويلاً، ولم تصمد أمام التغيرات التي طرأت على هذه الدول وعلى سياساتها المتأرجحة وغير المستقرة. فهناك عدة عوامل وظروف مستجدة انكشفت فجعلت هذه الدول لا تفي بالتزاماتها وتعهداتها في التخلي عن الطاقة النووية، منها التغير المستمر في حكومات هذه الدول، فلكل حكومة استراتيجياتها وسياساتها بالنسبة لأمن ومصادر الطاقة، ومنها عدم وجود مصدر بديل، آمن ومثالي للطاقة النظيفة المتجددة غير الملوث للبيئة، والذي يمكن الاعتماد عليه والوثوق به في جميع الظروف والأحول والتغيرات المناخية، فلا يوجد حتى الآن مصدر واحد متجدد يمكن أن يحل كلياً محل الوقود الأحفوري. كذلك ضغط المجتمع الدولي البيئي لمكافحة قضية التغير المناخي العصيبة من خلال تبني واستخدام مصادر للطاقة، مثل الطاقة النووية التي لا تنبعث عنها الملوثات المتهمة بظاهرة التغير المناخي وسخونة الأرض، وعلى رأسها غاز ثاني أكسيد الكربون. فكل هذه العوامل أحدثت ردة جديدة نحو استخدام الطاقة النووية وبناء مفاعلات جديدة حالياً وفي المستقبل.

 

ولكن هذا التوجه نحو الطاقة النووية له عواقب وخيمة قديمة ومتجددة، ويحي في ذاكرتنا أزمة عقيمة لم تحل بعد منذ أكثر من ثمانين عاماً، ومتعلقة باستخدام هذا النوع من التقنية النووية الانشطارية بشكلٍ عام، سواء لأغراض عسكرية، أو لأغراض سلمية مثل توليد الكهرباء، وهذه الأزمة الخانقة تتمثل في المخلفات المشعة بشكلٍ عام، ومخلفات وقود اليورانيوم المشع المستنفد(spent nuclear fuel rods) الذي ينجم سنوياً من مفاعلات الطاقة النووية بعد أن تنتهي فاعليته ويفقد جزءاً من نشاطه الإشعاعي.

 

فهذه الأزمة الدولية التي تعاني منها الدول التي تستخدم المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية منذ عقود طويلة من الزمن مازالت حاضرة ولا تغيب عن الذاكرة وعن الاهتمام، حتى إنها لم تعد قضية يتناولها العلماء ورجال السياسية والحكم والمعنيون مباشرة بهذه الأزمة، وإنما بسبب تداعياتها الأمنية على سلامة وصحة وبيئة الشعوب عامة، فقد تحولت إلى قضية رأي عام تتناولها وسائل الإعلام في هذه الدول النووية، فهذه المخلفات ما هي إلا قنابل دمار شامل مشعة وموقوتة قد تنفجر في أية لحظة، ولأي سبب كان إذا أُهملت، وتُركت دون علاجٍ جذري ومستدام.

 

فعلى سبيل المثال لا الحصر، نُشر مقال في صحيفة "اليابان تايمس"(Japan Times) في 17 أبريل 2022 تحت عنوان "أطنان من المخلفات النووية اليابانية قد تُنقل إلى خارج البلاد"، حيث أفاد المقال بأن اليابان مازالت عاجزة وحائرة في كيفية الإدارة السليمة والمستدامة للمخلفات النووية التي بلغت أحجامها أكثر من 57 ألف طن من مختلف أنواع وأحجام المخلفات المشعة الناجمة من تشغيل المفاعلات النووية، مما اضطرها إلى التفكير في تصديرها إلى خارج اليابان.

 

كذلك نشرت وسائل إعلام أمريكية عن معضلة تخزين المخلفات المشعة بالقرب من مناطق الزلازل والمناطق الساحلية، وبالتحديد من "محطة سان أونفري للتوليد النووي"(San Onofre Nuclear Generating Station) الواقعة في بالقرب من مدينة(Laguna Beach)جنوب ولاية كاليفورنيا. ففي هذا الموقع هناك نحو 1600 طن من أعمدة الوقود المستنفد والمخلفات النووية المشعة الأخرى مكدسة منذ عام 1968 ومخزنة في براميل معدنية وبراميل من الخرسانة المسلحة، يبلغ مجموعها 123 برميلاً. وهذا الموقع يُعرف بأنه مُعرض لنزول الزلازل، إضافة إلى ارتفاع مستوى سطح البحر ووقوع السونامي، وهذه التهديدات تترتب عليها عواقب لا تحمد عقباها، ولا يستطيع أن يتكهن أحد بتداعياتها على البشر عامة.

 

ففي الولايات المتحدة الأمريكية، حسب تقرير "هيئة التنظيم النووي"(Nuclear Regulatory Commission) المنشور في أكتوبر 2021، هناك 80 موقعاً للقنابل الموقوتة التي قد تنفجر في أية لحظة في 35 ولاية، منها في ولاية كاليفورنيا 4 مواقع، وإلينوي 8، وبنسلفانيا 5، فلوريدا 3، وميشيجن 4، وتكساس 4، وولاية نيويورك 4 مواقع.

 

أما على المستوى الدولي، فالتفاصيل موجودة في سلسلة تقارير فنية صادرة من "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" حول "الطاقة النووية"، وبالتحديد التقرير المنشور في يناير 2022 تحت عنوان: "مبادئ وحالة وأنماط إدارة مخلفات الوقود المشع المستنفد". فبناءً على تقديرات التقرير، ومنذ بدء استخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء في عام 1954، هناك قرابة 390 ألف طن من مخلفات أعمدة وقود اليورانيوم المستنفد قد تولدت من المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء في 14 دولة، ومعظم هذه المخلفات جاثمة في هذه الدول كالقنابل النووية التي تنتظر أن تنفجر في أي وقت، أو أن تتسرب منها الملوثات المشعة القاتلة، فمنها ما هي موجودة في أحواض مائية لتبريدها ومنع تسرب الاشعاع، ومنها ما هي مخزنة في براميل فوق الأرض، أو تحتها في أعماق مختلفة، وهذه أيضاً قد تتآكل وتصدأ وتنطلق منها الإشعاعات إلى الهواء الجوي. كما أن خطورة هذا الوضع الدولي قد يكون في قيام بعض الجماعات بعمليات إرهابية باستخدام هذه المخلفات المشعة، كذلك هناك كلفة عالية لا تقدر بثمن لصيانة هذه المخلفات ومتابعة سلامتها وأمنها، ومنع وصول أيدي المجرمين إليها.

 

وهناك مدرستان، أو سياستان مختلفتان في التعامل الاستراتيجي مع هذه المخلفات المشعة الناجمة عن الأنشطة النووية. أما المدرسة الأولى فهي تُفضل معالجة وتدوير مخلفات الوقود النووي من خلال استخلاص اليورانيوم والبلوتونيم، واستخدامهما كوقود مرة ثانية في بعض المفاعلات، وبالرغم من عملية المعالجة والتدوير هذه إلا أن هناك كمية أخرى أقل تنجم كمخلفات عن هذه العملية، والدول التي تتبني هذه السياسية هي فرنسا واليابان وألمانيا وروسيا وبلجيكا وكوريا الجنوبية، ومؤخراً بدأت الولايات المتحدة الدخول في هذه المدرسة. وأما المدرسة الثانية فهي تعتمد سياسة التخلص المباشر من أعمدة الوقود عن طريق تخزينها في مواقع تحت الأرض، مثل فنلندا وكندا والولايات المتحدة والسويد وسويسرا، ولكن الموقع المعتمد الوحيد حتى الآن سيكون في فنلندا.

 

وإنني أتساءل اليوم هل أخذ زعماء هذا التوجه القديم الجديد لتوليد الكهرباء بطاقة الانشطار النووي في الاعتبار مخلفات الدمار الشامل التي تنجم عن توليد الكهرباء؟ وهل وضعوا سياسة طويلة الأمد ومستدامة لإدارة هذه المخلفات؟ أم أنهم سيكدسون المخلفات النووية المشعة الجديدة فوق المخلفات المتراكمة منذ عقود، مما سيؤدي إلى تعاظم وتفاقم الأزمة الحالية؟

     

الخميس، 21 أبريل 2022

التداعيات البيئية للحرب الروسية الأوكرانية


هناك تداعيات ومردودات كثيرة للحروب والنزاعات العنيفة، منها ما هو مباشر وقريب المدى وواضح للعيان من الأقمار الصناعية التي تُصور من أعلى كل دقيقة لمجريات الأحداث، إضافة إلى النقل المباشر على الأرض على مدار الساعة.

 

ومظاهر هذه الحروب وصورها لا يمكن أن تخفى على أحد، فالجميع يراها رأي العين ويسمعها مباشرة من ميدان القتال، مثل الحرق والتدمير الشامل للمباني والجسور والطرق والأنفاق، والنزوح الجماعي للناس من منازلهم ومواقع سكنهم إلى الملاجئ وإلى خارج دائرة الصراع والمعارك الجارية.

 

ومثل هذه التداعيات المباشرة المرئية تحكي عن نفسها بنفسها من المشاهد المحزنة والكئيبة المنقولة على الناس أجمعين، دون الحاجة إلى من يفسرها، أو يشرح تفاصيلها، ويبين آثارها وآلامها ومعاناتها. ولكن هناك في الوقت نفسه تداعيات خفية وصامتة تنجم مباشرة عن الحروب أيضاً، ولكن لا ينقل أحد معاناتها وآلامها والأضرار الجسيمة التي تلحق بها، فهي لا تستطيع أن تعبر عن نفسها، أو أن تسرد وتروي قصتها مع الحرب الدائرة، فهي من الضحايا الصامتة والمنسية عند قيام الحروب، ويتم تجاهلها وغض الطرف عنها كلياً لأنها لا تمثل أولوية أثناء اشتعال المعارك واستمرارها. وهذه الضحايا الصامتة تتمثل في القضاء على البيئات الطبيعية في البر والبحر والجو، وتدمير المتنزهات والحدائق العامة والغابات والمحميات الطبيعية، وإلحاق الضرر الكمي والنوعي للحياة الفطرية بشقيها النباتي والحيواني التي تعيش في هذه البيئات.

 

فكلفة الحروب على البيئات والحياة الفطرية تكون عادة كبيرة ومباشرة وتأثيراتها قد تكون بعيدة المدى، وفي بعض الأحيان لا يمكن إعادة البيئة التي تدمرت، وعبث فيها الإنسان بسبب الحروب إلى طبيعتها وفطرتها الأصلية، مهما أنفق الإنسان من مال على جهود الإصلاح وإعادة التأهيل والبناء.

 

ففي هذه الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا لا بد وأن تكون هناك مفاسد كبيرة وضخمة قد لحقت بالبيئات والمحميات الطبيعية حتى يومنا هذا، وحالياً يمكن أن أضرب مثالاً واحداً فقط بدأت معالمه ومشاهده تتضح يوماً بعد يوم، وهو "محمية الكرة الحية في البحر الأسود"( Black Sea Biosphere Reserve). فهذه المحمية الطبيعية الفريدة من نوعها على المستوى العالمي، تتميز بأنها محطة "ترانزيت" يمر عليها عشرات الآلاف من الطيور المهاجرة، فيقضُون فترات الشتاء الباردة في سواحلها وأراضيها الرطبة الدافئة والثرية التي تمتد مساحات شاسعة، إضافة إلى بعض أنواع الطيور النادرة المستوطنة والمقيمة في هذه المحمية، كذلك هناك عشرات الأنواع من الكائنات البحرية المهددة بالانقراض والفريدة من نوعها والنادرة على المستوى الدولي. واليوم هذه المحمية الطبيعية تم احتلالها عسكرياً، وتحولت إلى ثكنة عسكرية للجيش الروسي وقاعدة عسكرية مؤقتة تتحرك عليها الآليات والمعدات الثقيلة التي تدمر التربة وتغير من صفاتها وهويتها الفطرية، كما تنطلق من هذه المحمية الصواريخ الحارقة والملوثة للهواء الجوي.

 

فلا يعلم أحد ماذا سيحدث لمواقع تكاثر ونمو وتغذية هذه الطيور والكائنات البحرية الأخرى بسبب هذه الأعمال العنيفة غير المبالية بحماية المحمية ورعاية كائناتها الفطرية، ولا يمكن لأحد أن يتوقع ما هي التغييرات السلبية التي ستطرأ عليها، ولا يعلم أحد ما هي البصمات التي يتركها هذا الجيش على هذه المحمية، وهل ستكون هذه البصمات عميقة ودائمة ولا يمكن إصلاحها، أم ستكون أضراراً خفيفة وبسيطة يمكن إصلاحها وإعادة بنائها مرة ثانية بعد أن تتوقف أصوات المدافع والقنابل، ويرجع الجنود إلى ثكناتهم.

 

وهناك العديد من الدراسات التي وثقتْ ميدانياً الأضرار الجسيمة التي تُوقعها الحروب في أي مكانٍ كانت وفي أي زمن على بيئة المحميات والحياة الفطرية. فهناك دراسة، على سبيل المثال، نُشرت في مجلة "الطبيعة" في العاشر من يناير 2018 حول الحروب وتدهور الحياة الفطرية في المناطق المحمية في أفريقيا في الفترة من 1946 إلى 2010، حيث توصلت الدراسة إلى استنتاجٍ عام هو أن أعمال العنف والنزاعات أدت إلى خفض أعداد الكائنات الحية التي تعيش في المحميات الطبيعية، والتي كانت أرضاً للقتال، وتدور فيها المعارك المدمرة والمهلكة. وعلاوة على هذا البحث، فهناك دراسات كثيرة لا يسع المجال هنا لذكرها حول تأثير الغزو الأمريكي العقيم لفيتنام على بيئة الغابات الطبيعية والمحميات العذراء البكر، والذي تمثل في عدة صور ومشاهد، منها التدمير الفوري المباشر لمساحات شاسعة من الأشجار والأعشاب والحياة الفطرية الحيوانية، ومنها تلوثها لسنوات طويلة بالعميل البرتقالي، وهو مبيد سام للأعشاب تم رش الملايين من الجالونات منه على هذه الأدغال الطبيعية، فلوث البر، والبحر، والجو، والإنسان، والحياة الفطرية حتى يومنا هذا. وهناك الحروب المؤسفة التي شهدناها في منطقة الخليج فلوثت الهواء، والبشر، والأحياء النباتية والحيوانية، مثل حرق الآلاف من الآبار النفطية التي بلغت ملوثاتها إلى جبال الهيمالايا وأصابت الناس بأمراض الحساسية والربو، إضافة إلى استخدام قنابل وذخائر وقود اليورانيوم المستنفد التي تسببت في ولادة أجنة مشوهة ومعوقة وزادت من الإصابة بأمراض السرطان. وفي الوقت نفسه هذه الحروب سممت مياه الخليج بالتلوث النفطي، إضافة إلى تدمير التربة الصحراوية وتفكيك وتبعثر التربة السطحية نتيجة للتحرك الكثيف لآلاف الآليات الحربية الضخمة والثقيلة، فجعلت التربة أكثر عرضة وبسهولة لحركة الرياح، وسقوط الرياح الرملية، والرياح المحملة بالغبار في دول الخليج.

 

كذلك بالنسبة لحرب روسيا وأوكرانيا فهناك الجانب الصامت والمنسي الآخر المتمثل في تلوث الهواء الجوي عن طريق الحرائق التي تنشب في محطات الوقود ومخازن الذخائر التي يتم استهدافها، حيث تنبعث منها ملوثات كثيرة، منها مواد مسرطنة كالدخان الأسود، أو الجسيمات الدقيقة، إضافة إلى الملوثات الكيميائية السامة والخطرة. وعلاوة على ذلك، فلا بد من التنبيه إلى جانب خطر جداً وقاتل، ليس له تداعيات على منطقة الحرب فحسب، وإنما على الكرة الأرضية جمعاء. ففي أوكرانيا 15 مفاعلاً نووياً في أربع محطات لتوليد الكهرباء، فماذا سيحدث لو ضُربت هذه المفاعلات؟ فهل سنشهد تشرنوبيل ثانية، أم فوكوشيما أخرى، فتتسرب وتنطلق الملوثات المشعة إلى الهواء الجوي وتبقى خالدة مخلدة في بيئتنا وفي أجسامنا؟ كذلك هناك احتمال تعرض مواقع دفن وتخزين المخلفات المشعة، أو ما أُطلق عليها قنابل الدمار الشامل الموقوتة التي تنجم عن المفاعلات النووية، فتنبعث منها مباشرة إلى الهواء الجوي كافة أنواع الملوثات المشعة المسببة للسرطان. وعلاوة على ذلك كله فهناك التهديدات التي قد تنجم عن القصف المتعمد، أو بالخطأ لمختبرات ومراكز أبحاث القنابل البيولوجية الموجودة في أوكرانيا، والتي كشفت روسيا النقاب عنها في جلسة مجلس الأمن في 15 أبريل من العام الجاري، فلا أحد يستطيع تكهن وتقدير المخاطر التي تنجم عن تسرب وانبعاث هذه الجراثيم والميكروبات القاتلة إلى الهواء الجوي؟

 

فخلاصة القول فإن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، كما هي بالنسبة لأي نزاع عنيف، أو معارك قاتلة، أو حروب شرسة فإنها لا تبقي ولا تذر، وتهلك الحرث والنسل، ولكن بيئتنا والحياة الفطرية فيها تكون هي دائماً الطرف الأضعف الصامت والمنسي الذي لا يهتم بها أحد عندما تدور رحى الحرب وتشتد المعارك ضراوة. 

 

الاثنين، 18 أبريل 2022

المخلفات البلاستيكية احْتَلتْ أجسامنا


التهديد الذي اكتُشفَ حديثاً للمخلفات البلاستيكية لا يكمن فقط في غزوها لكل أرجاء بيئتنا من ماءٍ وهواء وتربة، بعيدة كانت أم قريبة من الأنشطة البشرية، كما أن التهديد الجديد لا يكمن أيضاً في ولوجها في أجسام الكائنات الفطرية الحية في البر، والبحر، والجو، وإنما خطورة هذه المخلفات الحقيقية، وتهديداتها العقيمة تتمثل في اكتشافها مؤخراً في مختلف أعضاء أجسامنا، فهُنا يكمن التهديد الرئيس والمخيف والمزمن، والذي يستحق منا وقفة تأمل جادة، ويحتاج في الوقت نفسه إلى تدخل سريع من الدول، والاهتمام بها كقضية بيئية وصحية ذات أولوية، والعمل على إيجاد الحلول السريعة للتخلص منها في عناصر بيئتنا الحية وغير الحية، وفي كل عضو من أجسادنا.

 

أما بالنسبة لمكونات بيئتنا أولاً، فهذه المخلفات البلاستيكية الكبيرة الحجم والميكروبلاستيكية المتناهية في الصغر، قد أصبحت اليوم جزءاً أصيلاً لا يتجزأ من كل مكونات البيئة في كل أنحاء العالم، وهناك كم كبير من الدراسات الميدانية التي اكْتَشفتْ ووثقت وجودها في هذه البيئات الحية وغير الحية. 

 

أما بالنسبة للكائنات الفطرية الحية التي تعيش معنا، فهناك عشرات الآلاف من الأبحاث الميدانية التي اكتشفت مخلفات بلاستيكية صغير وكبيرة الحجم في الكائنات التي تعيش في البر وفي المسطحات المائية والطيور.

 

فعلى سبيل المثال لا الحصر، نَشرتْ وسائل الإعلام الإمارتية خبراً في السابع من فبراير 2022 عن موت عشرات السلاحف من نوع(hawksbill) والسلاحف الخضراء من نوع(loggerhead)في سواحل كلبه وخورفكان في الشارقة في الساحل الشرقي من دولة الإمارات العربية المتحدة بسبب أكلهم للمخلفات، وبالتحديد المخلفات البلاستيكية بمختلف أحجامها التي تسد الجهاز الهضمي والمعدة وتسبب لها الجوع القاتل، حسب المنشور في مجلة "تلوث البحر"(Marine Pollution Bulletin).

 

وأما بالنسبة لمكونات البيئة غير الحية فقد اكتشفت هذه المخلفات البلاستيكية في كل شبرٍ صغير أو كبير من كوكبنا، وفي كل شبرٍ قريب أو بعيد من المدن الحضرية، وفي مواقع نائية عذراء لا تخطر على بال إنسان، ولا يفكر أحد بوجود مثل هذه المخلفات.

 

فقد تم اكتشاف المخلفات البلاستيكية في الثلج في القطب الشمالي والجنوبي لأول مرة، حسب المنشور في "مجلة أبحاث البيئة"(Environmental Research) في 15 مايو من العام الجاري تحت عنوان:" قياس النانوبلاستيك في الثلج في القطبين الشمالي والجنوبي". فقد أكدت الدراسة عن وجود جسيمات بلاستيكية مجهرية متناهية في الصغر بتركيز تراوح بين 13.2 و 52.3 نانوجرام من النانوبلاستيك في المليلتر من الثلج المنصهر في جزيرة جرينلاند، وعلى عمق 14 متراً. وهذه المخلفات البلاستيكية كانت من نوع البولي إيثلين(polyethylene) الذي يستخدم في صناعة الأكياس والبلاستيكية، ومن نوع بولي إيثيلين تراباثاليت(polyethylene terephthalate (PET)) المستخدم في عبوات المياه والملابس، إضافة إلى جسيمات إطارات السيارات. فاكتشاف هذه المخلفات البلاستيكية الدقيقة في تلك المنطقة البكر النائية يؤكد بأن هذه المخلفات حملتها الرياح من المدن الحضرية، وطارت بها مسافات طويلة جداً في رحلة ماراثونية حتى حطَّت رحالها ونزلت في ثلوج القطبين. كذلك نُشرت دراسة في مجلة "تقنية وعلوم البيئة" في 28 نوفمبر 2021، تحت عنوان: "الميكروبلاستيك في بحر ودل(Weddell Sea) في القطب الجنوبي في المحيط الجنوبي"، حيث وثقت الدراسة مشاهدة 770 قطعة بلاستيكية، إضافة إلى اكتشاف المخلفات الميكروبلاستيكية في عينات المياه السطحية وتحت سطح الماء.

 

وعلاوة على ذلك كله، فقد اكتشفت دراسات أخرى هذه المخلفات في أعلى قمة فوق سطح الأرض، وهي قمة إيفرست المشهورة، وفي أعمق موقع تحت سطح البحر في خنادق المحيطات الهادئ على عمق أكثر من عشرة كيلومترات في خندق ماريانا(Mariana Trench (MT))، إضافة إلى اكتشاف هذه المخلفات في أجسام الكائنات البحرية التي تعيش هناك في البرد القارس، والظلام الداكن.

 

وكل هذه الدراسات لا تُشكل قلقاً شديداً فورياً، ولا تمثل هماً مزمناً مرعباً ومباشراً، إلا إذا علمنا وتحققنا بأن هذه المخلفات البلاستيكية التي اكتشفت في جميع البيئات الحية وغير الحية لن تبقى هناك خالدة مخلدة إلى الأبد، وإنما تتحرك وتنتقل بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، وبعد فترة قصيرة أو طويلة من الزمن إلى أجسادنا عن طريق الفم باستهلاك مواد غذائية ملوثة بالمخلفات الميكروبلاستيكية، أو عن طريق الأنف باستنشاق الهواء الملوث بها، فهنا يكمن الخطر ويجب أن نقلق كثيراً، وهنا يجب أن نهتم بشدة بمصير هذه المخلفات عندما نطلقها في بيئتنا، وهذا ما حدث بالفعل في الواقع.

 

فقد اكتشفت المخلفات البلاستيكية في بُراز الإنسان، مما يعني أننا أكلنا مواد غذائية، أو شربنا مياهاً كانت تحتوي على البلاستيك، كما اكتشفت في لعاب الإنسان وفي الجزء العلوي من الجهاز التنفسي مما يعني أننا استنشقنا مخلفات بلاستيكية من الهواء الجوي، حسب دراسة عنوانها: "تحليل الميكروبلاستيك في الإنسان" ومنشورة في مجلة تقنية وعلوم البيئة، في 24 يناير 2022، إضافة إلى اكتشافها في خلايا مخ الإنسان، وفي أنسجة مشيمة المرأة الحامل.

 

كذلك نُشرت دراسة تحت عنوان: "اكتشاف وتحليل التلوث بجسيمات البلاستيك في دم الإنسان" في 24 مارس 2022، في مجلة "البيئة العالمية"(Environment International)، حيث أجرت الدراسة تحليلاً مخبرياً لـ 22 عينة دم، ووجدت بأن معدل تركيز المخلفات الميكروبلاستيكية 1.6 ميكروجرام من البلاستيك في المليمتر من دم الإنسان، وهذه المخلفات البلاستيكية كانت من نوع البولي إيثلين، والبولي بروبلين، وبولي إيثيلين تراباثاليت، وبولي ستيرين. وهذه الدراسة تؤكد بأن المخلفات البلاستيكية دخلت أجسادنا وأصبحت تسبح بكل راحة وحرية في مجرى دمائنا، فتصل إلى كل خلية من خلايا أجسامنا.

 

وعلاوة على ما سبق، فهناك دراسة منشورة في مجلة "علم البيئة الكلية"( Science of the Total Environment) في العشرين من يوليو 2022 حول اكتشاف الميكروبلاستيك في رئة البشر، تحت عنوان: "اكتشاف الميكروبلاستيك في أنسجة رئة الإنسان"، حيث وجد الجراحون لعمليات الرئة جسيمات البلاستيك بحجم 3 ميكرومترات مدفونة في أعماق أنسجة الرئة السفلية في رئة 11 مريضاً من أصل 13 عينة، مما يؤكد بأن الإنسان يستنشق هذه المخلفات من مصادرها المتعددة ولها القدرة على تخطي الحواجز الموجودة في الجهاز التنفسي العلوي والانتقال والمكوث في الجزء السفلي والتراكم فيه يوماً بعد يوم.

 

والآن بعد كل هذه الدراسات المتطابقة في نتائجها، باتت الصورة الشمولية تتضح لدي سنة بعد سنة بالنسبة للتلوث البلاستيكي، فأستطيع الآن أن أضع معالم وخطوط "دورة البلاستيك" في البيئة، كدورة الكربون والنيتروجين وغيرهما. والخلاصة من دورة البلاستيك بأن كل المخلفات البلاستيكية التي نُلقيها اليوم في بيئتنا دون أن نبالي، فإنها ترجع إلينا ولو بعد حين وتدخل في أعضاء أجسامنا وفي كل خلية من خلايانا.

 

والآن المرحلة القامة من الأبحاث العلمية ستتجه نحو الإجابة عن الأسئلة التالية: ما هي الأضرار الصحية التي تنجم عن تراكم المخلفات البلاستيكية في أعضاء أجسامنا؟

وما هي الأمراض التي تُسببها لنا في المستقبل؟ وهل هناك علاقة بين وجود هذه المخلفات الميكروبلاستيكية في أعضائنا واحتمال الإصابة بالسرطان؟

 

 

الخميس، 14 أبريل 2022

الأقمار الصناعية مصدر للتلوث


لم تعد الكرة الأرضية حالياً كما خلقها الله سبحانه وتعالي، صافية، نقية، خالية من الشوائب والملوثات التي تفسد حياة الإنسان، فالهواء ليس هو ذلك الهواء الفطري البِكْر النظيف الذي يقي صحة الإنسان، حيث أحدث عليه الإنسان وأدخل في قلبه تغييرات جذرية دهورت صحته نوعياً وكمياً وغيَّرت هويته الأصلية الفطرية، كما أن البحار والبحيرات والأنهار لم تعد تلك البيئات الجميلة، النقية، العذبة التي تعيش في أعماقها الكائنات الحية بأمن وسلام، فقد لوثها الإنسان بآلاف المواد السامة والمسرطنة التي تهلك الحرث والنسل، بل وحتى أعالي السماء وعلى ارتفاعات شاهقة فوق سطح الأرض في الغلاف الجوي، طَالتْ أيدي الإنسان وعبثت فيها، فغيرت الكثير من معالمها ومظاهرها إلى درجة أنك إذا نظرتَ أثناء الليل إلى السماء العليا لتتمتع وتتفكر وتتأمل في مشهد الأجرام والشهب والنجوم والأقمار السماوية، فإنك لن تعرف ما هي طبيعي فطري، وما هي غريب ودخيل غزا تلك البيئة السماوية العالية من فوقنا، ولن تستطيع أن تميز بين ما هي من مخلوقات الله سبحانه وتعالي، وبين ما هي من صنع الإنسان، فاختلطت هذه الأجسام السماوية بعضها ببعض، حتى ولو حاولتَ مشاهدتها والتفريق بينها بالأجهزة المقربة، أو التلسكوب.

 

فالمشهد الآن في أعالي السماء، والمدارات حول الأرض وكأنها تحولت إلى شارعٍ سريع مزدحم جداً ومكتظ، ليس بالسيارات والحافلات الأرضية، وإنما بعشرات الآلاف من الأقمار الصناعية والسفن الفضائية التي تسبح واحدة تلو الأخرى في مدارات الأرض فتُضيء السماء من فوقنا، وكأنها مصابيح وأجرام سماوية طبيعية تتلألأ فوق الأرض.    

 

فهناك عدة شركات تجارية تعمل في مجال الفضاء، غير البرامج الحكومية الفضائية والبحثية، وتقوم حالياً بإطلاق الآلاف من الأقمار الصناعية الصغيرة الحجم والوزن للاتصالات وتقديم خدمة الإنترنت السريع على المستوى الدولي لكل شبرٍ قريب أو بعيد من الأرض. وهذه الأقمار الصناعية مُصممة لتستقر في نهاية المطاف في مدارات منخفضة فوق سطع الأرض(low-Earth orbit) تتراوح بين 328 إلى 1200 كيلومتر، حسب المنشور في مجلة "العلوم" في 25 سبتمبر 2020، تحت عنوان: "السماء المظلمة والأقمار المضيئة"، والبحث المنشور في 17 ديسمبر 2021 في "المجلة الفلكية"(The Astronomical Journal)، تحت عنوان: "تقديرات الرؤية للأقمار الصناعية المستقبلية والتلوث الضوئي".

 

ومن هذه الشركات التي تعمل في مجال صناعة وتدشين الأقمار الصناعية، شركة "سبيس إكس"(SpaceX) التي حسب منشورها في 22 فبراير 2022 تبلغ قدرتها الإنتاجية للأقمار الصناعية إلى 45 قمراً صناعياً في الأسبوع الواحد. كما أفاد بيان الشركة بأنها قامت بتدشين برنامجٍ دولي لتوصيل خدمة الإنترنت إلى كل أرجاء العالم تحت عنوان "ستار لينك" (Starlink)، وبدأت المرحلة الأولى من المشروع في 23 مايو 2019 بإطلاق 60 قمراً صناعياً في المدار الأرضي القريب. كما حصلت الشركة على ترخيص من "الاتحاد الدولي للاتصالات"(International Telecommunications Union) و"هيئة الاتصالات الاتحادية للولايات المتحدة"( U.S. Federal Communications Commission) لإطلاق 11943 قمراً صناعياً في المستقبل. وعلاوة على ذلك، فإن شركة "وان ويب"(OneWeb) ستُطلق 6372، وشركة أمازون 3236 قمراً صناعياً ضمن مشروع(Project Kuiper)، أي أن مجموع الأقمار الصناعية المعلنة على المدى القريب من هذه الشركات فقط سيكون 21611 قمراً صناعياً يُنيرون السماء كالنجوم والشهب والأقمار الطبيعية.

 

فلا شك بأن هذه المصابيح السماوية البشرية تُشكل تحديات للإنسان في مجالات كثيرة جداً، منها أولاً تكوين ظاهرة ومعضلة جديدة للإنسان نفسه، وهي التلوث الضوئي(Light Pollution) الذي ينجم عن هذه الأقمار الصناعية، حسب المقال المنشور في مجلة "نشينال جيوجرافيك" في 30 مارس 2021 تحت عنوان: "التلوث الضوئي من الأقمار الصناعية في كل مكان"، إضافة إلى البحث المذكور سابقاً والمنشور في المجلة الفلكية، حيث توقع البحث بأنه خلال العقود القادمة ستكون نقطة واحدة في السماء من بين 15 نقطة ضوء في الليل هي ليست طبيعية فطرية من الأجرام السماوية، وإنما هي صناعية من تحرك الأقمار والسفن الفضائية وغيرهما.

 

ولهذا التلوث الضوئي سلبيات كثيرة تنعكس على الأبحاث التي يجريها علماء الفلك، كما إنها تؤثر على الذين يستخدمون النجوم في السماء ليهتدوا بها في طريقهم أثناء الليل، إضافة إلى مردوداتها على الحياة الفطرية النباتية والحيوانية على الأرض وارتفاع مخاطر اصطدام هذه الأقمار بعضها ببعض في المدارات الأرضية.

 

كذلك فإن زيادة أعداد وكثافة هذه الأقمار الصناعية تمثل تحدياً جديداً ثانياً للإنسان وهو المخلفات الفضائية، حيث نشرت "ناسا" تقريراً في 26 مايو 2021 تحت عنوان: "مخلفات الفضاء والسفن الفضائية"، وجاء فيه بأن هناك نحو 27 ألف قطعة من المخلفات الكبيرة في المدارات الأرضية تم الكشف عنها، علاوة على 23 ألف قطعة أكبر من كرة التنس الصغيرة، أو حجمها نحو 10 سنتيمترات في مدارات حول الأرض، إضافة إلى نصف مليون قطعة حجمها نحو سنتيمتر واحد، أو أكبر بقليل، ونحو مائة مليون قطعة حجمها مليمتر واحد فقط.

 

ونظراً لواقعية هذا التحدي وتهديده للأقمار الصناعية والسفن الفضائية الموجودة حالياً وفي المستقبل، فإن هناك جهوداً تُبذل لمواجهتها بشكل جماعي مشترك من جميع المعنيين بالصناعة الفضائية، من الشركات الخاصة والحكومات ومراكز الأبحاث. فعلى سبيل المثال صدر بيان مشترك من الشركات الفضائية يتعهدون فيه بعلاج هذه الظاهرة، والمنشور في 27 مايو 2021 تحت عنوان: "مخلفات الصناعة الفضائية"(Space Industry Debris)، حيث جاء فيه بأن "النمو السريع للاقتصاد الفضائي من المتوقع أن يبلغ تريليون دولار بحلول عام 2030، ولكن هذا النمو تهدده الزيادة في مخلفات الفضاء التي من صنع الإنسان، والتي بلغت مستويات خطرة. فهناك نحو مليون جسيم فضائي أكبر من سنتيمتر واحد في الحجم وتسير بسرعة 27 ألف كيلومتر في الساعة في مدار الأرض، وكل واحدة منها تسبب مخاطر للأقمار والسفن الفضائية. وهذه الأقمار تُقدم خدمات لا غنى عنها للإنسان في كل مكان على سطح الأرض، وهذه المخلفات تهدد استدامة هذه الخدمات وتؤثر على الرحلات الفضائية والمهمات العلمية. ونحن كمجتمع فضائي علينا البدء في حماية مدارات الأرض والتأكد من استخدامها بشكل مستدام وآمن لنا وللأجيال المستقبلية. ولهذا السبب فنحن نؤمن بخفض ومنع، كلما أمكن، أي مخلفات جديدة تنتج عن مهماتنا الفضائية".

 

ولذلك لا بد من الإنسان الذي اخترع وطور وصنع الأقمار الصناعية خدمة للبشرية في قطاعات كثيرة، عليه في الوقت نفسه أن يتعامل بجدية وبسرعة مع تحدياتها السلبية وتداعياتها وتهديداتها للإنسان نفسه ولمكتسباته، سواء من ناحية التلوث الضوئي، أو من ناحية المخلفات الفضائية.

 

الخميس، 7 أبريل 2022

البيئة دائماً الضحية الأولى


بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير من العام الجاري، شنَّت الدول الغربية، وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية عدة حزمة من المقاطعات والعقوبات لروسيا شملت جوانب اقتصادية، وسياسية، ورياضية، وثقافية، ومنها كذلك حظر استيراد النفط والغاز الروسي.

 

ولكن هذه المقاطعة المتمثلة في منع وصول البترول الروسي إلى الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية أدت إلى حاجة هذه الدول الملحة والعاجلة إلى هذا المصدر العتيق للطاقة من دول نفطية أخرى تسد هذا النقص الحاد ولا توقف عجلة التنمية، كما برزت هذه الحاجة من خلال وجود شح كبير ومشهود في هذه الدول لمشتقات البترول، من جازولين السيارات، وديزل الحافلات والشاحنات.

 

وفي الجانب الآخر رأينا ارتفاعاً تاريخياً غير مسبوق في أسعار النفط، إضافة إلى زيادةٍ كبيرة وسريعة في أسعار وقود وسائل المواصلات التي يستخدمها عامة الناس بشكلٍ يومي، مما خلق جواً عاماً من القلق من جهة، ومن الاستياء العام لدى الشعوب من جهة أخرى، وهدد بنزول ظروف اقتصادية صعبة تشمل كافة القطاعات الاقتصادية في هذه الدول.

 

فهذا الوضع الذي ترتب عن الغزو الروسي لأوكرانيا والمقاطعة النفطية الغربية للبترول الروسي، اضطر الرئيس الأمريكي بايدن إلى التدخل لوضع حدٍ لأزمة الطاقة الحادة المشتعلة في الدول المقاطعة، فأمر في 31 مارس 

بسحب مليون برميل يومياً ولمدة ستة أشهر من النفط الخام من المخزون الاستراتيجي الأمريكي الطارئ(Strategic Petroleum Reserve)، أي بإجمالي 180 مليون برميل. وفي الوقت نفسه حث الرئيس الأمريكي شركات النفط الأمريكية العاملة في الأراضي الاتحادية على زيادة استخراج وإنتاج البترول الخام، كما دعا الدول الصديقة والحليفة إلى ضخ ما يتراوح بين 30 إلى 50 مليون برميل.

 

فهذا القرار الأمريكي بضخ البترول في الولايات المتحدة والدول الغربية التي تضررت من هذه المقاطعة، أكدت لي حقيقة تحدثتُ عنها عدة مرات، وهذه الحقيقة تتمثل في أن البيئة وهمومها وشؤونها ليست من الأولويات في كل دول العالم بدون استثناء، فالصدارة في الاهتمام تكون دائماً للجانب الاقتصادي وتحقيق الازدهار المالي على مستوى الحكومات والشركات، ثم الشعوب، كما يؤكد لي هذا القرار بأن البيئة دائماً تسقط الضحية الأولى عند الأزمات والنزاعات، فهي أول فريسة سهلة يتم التضحية بها.

 

فالقرار الأمريكي بسحب البترول من المخزون الاستراتيجي وزيادة الإنتاج النفطي وضخه للسوق يهدف أساساً إلى التحكم في سعر البترول ومنع ارتفاعه إلى مستويات تضر بالاقتصاد وتشل الحركة التنموية، فالمطلوب إذن هو تثبيت الأسعار إلى مستويات مناسبة للدول الغربية أولاً. كما أن قرار بايدن موجه إلى الداخل الأمريكي وله بعدين، سياسي واقتصادي، حيث إنه يرمي إلى خفض أسعار الجازولين المستخدم يومياً كوقود للسيارات والديزل المستخدم في الحافلات والشاحنات، وهذا ينعكس مباشرة على شعبية بايدن ويرفع من صورته الإيجابية أمام الشعب الأمريكي، ويلمع من صفحات إرثه السياسي، كما يزيد في الوقت نفسه من حظوظ فوز الحزب الديمقراطي في انتخابات مجلس الشيوخ في نوفمبر من العام الجاري، فيؤمن الهيمنة الكاملة لحزبه على مفاصل الكونجرس.

 

 فهذا القرار الذي له بعد اقتصادي وسياسي نافع وايجابي على المجتمع الأمريكي والغربي عامة، له في الوقت نفسه بعداً بيئياً سلبياً وسيئاً ينعكس على المدى البعيد على صحة كوكبنا وسلامتنا وسلامة الحياة الفطرية النباتية والحيوانية التي لا حياة بدونها، مما يعني بأن هذا القرار فضل الجانب الاقتصادي على الجانب البيئي، وغلب المال والازدهار المالي على الازدهار البيئي وأمن مكونات البيئة برمتها.

 

فهناك إجماع لدى العلماء حول العالم بأن حرق الوقود الأحفوري، سواء أكان النفط، أو الفحم، أو الغاز الطبيعي في وسائل المواصلات البرية، والبحرية، والجوية، وفي محطات توليد الكهرباء، وفي المصانع، تنبعث عنه ملوثات كثيرة، منها على سبيل المثال غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تسبب في وقوع أكبر كارثة بيئية وصحية وأمنية واقتصادية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، وهي التغير المناخي، أو ظاهرة الاحتباس الحراري. فغاز ثاني أكسيد الكربون الذي ينطلق منذ مئات السنين من مصادر لا تعد ولا تحصى في كل أرجاء العالم يتراكم مع الوقت في طبقات الجو ويبقى في تلك المنطقة سنوات طويلة فيعمل على حبس الحرارة المنعكسة من سطح الأرض، مما يؤدي إلى سخونة كوكبنا ورفع درجة حرارتها، إضافة إلى تداعيات كثيرة أخرى مثل زيادة حموضة البحار، وارتفاع مستوى سطح المحيطات، وزيادة الحرائق، والتغيرات في سلوكيات وأنماط حياة الحياة الفطرية النباتية والحيوانية. فكل هذه الآثار السلبية الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري على الكرة الأرضية برمتها جعل رجال السياسة ورجال العلم يتحدون في وضع التشريعات اللازمة على المستوى الدولي لمكافحة التغير المناخي، وعلى رأسها الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي لعام 1992، ومؤخراً تفاهمات باريس لعام 2015، واتفاقية جلاسجو لعام 2021، إضافة إلى تقرير الأمم المتحدة تحت عنوان: "التقييم السادس للهيئة شبه الحكومية حول التغير المناخي" والمنشور في الرابع من أبريل 2022، والذى دعا إلى التخلص من استخدام الوقود الأحفوري من أجل استدامة عطاء كوكبنا.

 

ففي جميع هذه اللقاءات والتقارير الدولية حول التغير المناخي يتم التركيز على أن تسعى دول العالم أجمع على خفض استخراج وإنتاج أنواع الوقود الأحفوري من باطن الأرض، والعمل على التقليل من استخدامها في وسائل المواصلات، وتوليد الكهرباء، وتشغيل المصانع، إضافة إلى حث دول العالم إلى التوجه التدريجي نحو مصادر الطاقة البديلة النظيفة والمتجددة التي لا تنبعث عنها ملوثات تهدد أمن كوكبنا وتفاقم من ظاهرة التغير المناخي.

 

ولكن هذه التفاهمات الدولية البيئية سقطت بسرعة شديدة عند أول امتحان، وفشلت في التطبيق على أرض الواقع، فقرار بايدن يخالف هذه التوافقات، وهو سحب 180 مليون برميل من البترول الخام المخزن في باطن الأرض، وحرق هذا النفط في السيارات والحافلات والطائرات ومحطات توليد الكهرباء، وبالتالي توليد المزيد من غاز ثاني أكسيد الكربون، المسؤول الرئيس لسخونة كوكبنا ورفع حرارته.

 

فالدول الغربية كان عليها اتخاذ قرار صعب ومعقد وشديد الحساسية، ويتمثل في إما خفض أسعار البترول ومشتقاته من خلال ضخ أحجام كبيرة منه في السوق ونيل مكاسب سياسية آنية، وارتفاع في شعبية الحكومات، وإما حماية البيئة وخفض سخونة الأرض، فكلاهما مهم وحيوي بالنسبة لسكان الأرض. فمن جهة ارتفاع الأسعار يؤدي إلى هلاك الحكومات والشعوب اقتصادياً واستنزاف أموالهم ومدخراتهم، ومن جهة أخرى ضخ المزيد من النفط وحرقه يعني هلاك الأرض وفساد صحة الشعوب والحياة الفطرية التي تعيش معنا، فالإنسان في هذه الحالة فضل الجانب الاقتصادي على الجانب البيئي، وأثبت بذلك أن البيئة تأتي في المراتب الدُنيا من سُلم الأولويات، ويمكن السهولة التضحية بها.

الثلاثاء، 5 أبريل 2022

هل فكرة التنمية المستدامة قابلة للتنفيذ؟

منذ أن بدأ الإنسان الثورة الصناعية والأنشطة التنموية الاقتصادية، وحاجتُه إلى موارد الأرض وثروات البيئة الحية وغير الحية لم تنته أبداً، وإنما تتجه هذه الحاجة نحو التوسع والازدياد في كل عام، وفي كل دولة من دول العالم النامية والمتقدمة، سواء أكانت هذه الخيرات الطبيعية متمثلة في المعادن الموجودة في باطن الأرض، أو أنواع الوقود الأحفوري المخزنة في أعماقها من فحم، وبترول، وغاز طبيعي مصاحب وغير مصاحب، أو ثروة التنوع الحيوي من نباتات وحيوانات لا تُعد ولا تحصى في أنواعها وأعدادها وفوائدها.

 

وهذا النمو الاقتصادي العالمي واعتماده كلياً على موارد وثروات طبيعية موجودة بقَدر واتزان، وبكميات محدودة قد تنبض في أي وقت، إضافة إلى تداعيات هذا النمو على صحة مكونات البيئة من ماءٍ، وهواءٍ، وتربة وإحداث تغييرات جذرية في سلامتها وقدرتها على العطاء، جعل العلماء والمفكرون يشككون في إمكانية استدامة هذه العمليات التنموية، واستمرارية النمو الاقتصادي بنفس النمط والسرعة التي تسير عليها منذ عقود طويلة من الزمن.

 

فهذا النمط من النمو الذي يَرى فقط بِعَينْ الجانب الاقتصادي وتحقيق الازدهار المالي بسرعة وعلى نطاق واسع، أدى مع الزمن إلى وقوع تدهور شديدٍ وملحوظ على عناصر البيئة من الناحيتين النوعية والكمية، فانكشفت مظاهر ومشكلات بيئية ذات وقعٍ كبير على استدامة كوكبنا في العطاء والإنتاج، مثل انخفاض غاز الأوزون في طبقة الأوزون العليا فوق سطح الأرض، وانكشاف ظاهرة التغير المناخي وارتفاع حرارة كوكبنا، والتدهور المشهود في التنوع الحيوي بشقيه النباتي والحيواني، وكل هذه المشكلات العامة انعكست في الوقت نفسه على الأمن الصحي للإنسان، وأنزلت عليه الأمراض والأسقام المستعصية التي لم يعرفها من قبل.

 

ولذلك نبه بعض المثقفين العلماء من هذا النمط الإلحادي الجانب في النمو، وحذروا من عدم قدرته على الاستدامة والعطاء فترة طويلة قادمة من الزمن. فهناك كتاب نشره علماء جامعة أمريكية عريقة هي "معهد ماساشوستس للتكنلوجيا" في عام 1972 تحت عنوان: "الحدود للنمو"، حيث تنبأ الكتاب بأن هذه الوتيرة المتسارعة للنمو الاقتصادي والسكاني على المستوى العالمي سيؤدي إلى نضوب موارد الأرض المحدودة نوعياً وكمياً، ويسبب سقوطاً للاقتصاد العالمي بحلول عام 2070، كما يفيد الكتاب بأن أنشطة الإنسان أصبحت لها تداعيات مزمنة، أي أن التدمير الذي تحدثه انبعاثات المصانع وأنشطة الإنسان الأخرى على البيئة دائمة ولا يمكن إرجاع البيئة إلى وضعها الطبيعي الفطري الذي خلقه الله. كما أكد على استنتاجات الكتاب، المقال المنشور في مجلة "الطبيعة" في 16 مارس 2022 تحت عنوان :"هل هناك حدود للنمو الاقتصادي؟"، حيث أكد المقال على الحاجة إلى إعادة الحوار حول قضية أنماط النمو الاقتصادي، وما هي أنسب الطرق لإدارة الموارد والثروات الطبيعية لكوكبنا؟

 

وفي عام 1987 نُشر تقرير "برونتلاند" الشهير تحت عنوان "مستقبلنا المشترك"، حيث قدَّم فكرة جديدة للتنمية والنمو الاقتصادي العالمي واُطلق عليها التنمية المستدامة، وهي التنمية المقيدة والمنضبة التي تُلبي احتياجات البشر في الوقت الحالي دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على الوفاء باحتياجاتها التنموية، أي أن هذه التنمية من المفروض أن تحقق العدالة التنموية بين الجيل الواحد من جهة، وبين الأجيال من جهة أخرى. ولتحقيق هذه الفكرة لا بد من أي مشروع تنموي أن يُحقق التنمية في الجانب الاقتصادي جنباً إلى جنب مع الجانبين البيئي والاجتماعي، فهي تنمية شاملة ومستدامة، وحل توافقي معتدل وعادل لكل المشاريع التنموية، فلا يطغى أي جانب على الجانب الآخر. وهذه الفكرة الجديدة للتنمية دخلت جدول أعمال دول العالم في قمة ريو دي جانيرو عام 1992، وتمت الموافقة عليها رسمياً من قبل دول العالم.

 

 ولكن السؤال الذي أطرحه هو: "هل هذه الفكرة النظرية قابلة للتطبيق في واقعنا المعقد والمتشابك والمتغير؟ أم أن هذه الفكرة تحولت الآن فقط إلى شعار براق يرفعه كل دول العالم دون القدرة الحقيقية على تنفيذه؟

 

ففي تقديري، ومن خلال متابعاتي للأنشطة التنموية التي تقوم بها مختلف دول العالم عبر العقود الماضية، فإنني أجد بأن هذه الفكرة غير عملية من ناحية التطبيق، وتصطدم بمعوقات وصعوبات كثيرة تجعلها كالفكرة النظرية المثالية الجميلة التي يحلم بها الإنسان ويتمنى تنفيذها عند القيام بأي مشروع تنموي.

 

وأُقدم لكم مثالاً واحداً فقط من الواقع الحالي اليوم الذي يبين الحواجز التي تقف حجر عثرة أمام تنفيذ مبادئ التنمية المستدامة. فبعد أن تسببت أنشطة الإنسان التنموية من المصانع ووسائل الموصلات وتوليد الكهرباء في نزول كارثة التغير المناخي والتي من تداعياتها سخونة الأرض، يبذل الآن الإنسان نفسه مجهوداً كبيراً في إيجاد الحلول المستدامة لإيقاف هذه التداعيات العصيبة التي تنكشف يوماً بعد يوم، وتقليل تأثيراتها على كوكبنا والصحة العامة.

 

فمن هذه الحلول التحول من استخدام الوقود الأحفوري الناضب والملوث للبيئة في جميع القطاعات إلى أنواع الوقود المتجددة والنظيفة، ومن هذه القطاعات المواصلات، وبخاصة السيارات، حيث اقترح الإنسان الانتقال إلى السيارات الكهربائية بدلاً من السيارات التي تشتغل بمشتقات النفط والغاز الطبيعي. ومن أهم أركان السيارات الكهربائية هو البطارية والتي من مكوناتها الرئيسة هي المعادن مثل الليثيوم الذي يُطلق عليه بالذهب الأبيض والكوبلت، وكلاهما يشكلان الآن النفط الجديد القادم. ولذلك هناك صراع دولي محتدم ومتسارع على الاستيلاء على منابع هذين العنصرين بشكلٍ خاص، والعناصر الأخرى التي تدخل في صناعة بطارية السيارات الكهربائية في الدول التي أنعم الله عليها بهذه الثروة الجديدة. وفي الوقت نفسه هناك سباق شديد، وتنافس حاد على سرعة استخراج وإنتاج هذين المعدنين من باطن الأرض، وبأية طريقة سهلة ورخيصة، لكي يستطيع الإنسان سريعاً من مواكبة وملاحقة حاجة المليارات من البشر لسيارات المستقبل، ولكي تتمكن الشركات العملاقة من الاستحواذ بسوق السيارات والسيطرة عليها كلياً، والهيمنة على سوق بيعها حول العالم بأسعار تنافسية لا تُرهق كاهل المستهلك.

 

وأثناء قيام الإنسان بهذه العملية فإن الهموم البيئية تسقط إلى الوراء ويتم غض الطرف عنها، فتصبح مكونات البيئة هي الضحية الأولى والفريسة السهلة لهذه العملية التنموية، فيتجاهل الإنسان أركان التنمية المستدامة، وبالتحديد الركن البيئي الذي يدعو إلى القيام بعمليات التنجيم عن المعادن دون الإضرار بصحة مكوناتها، فيكون التركيز، والأعين متجهة نحو النمو الاقتصادي السريع والكبير وتوفير هذه المعادن لمصانع السيارات مهما كلَّف الثمن البيئي.   

 

ففكرة التنمية المستدامة تسقط عملياً في مثل هذه الحالات، وتكون الأولوية عند متخذي القرار في الحكومات والشركات العملاقة المحتكرة والتي تلهث فقط وراء الربح السريع والكبير، هي إشباع العملية الإنتاجية للسيارات الكهربائية بأسرع وقت وبأكبر عدد، وتحقيق النمو الاقتصادي والازدهار المالي.

 

وهنا في تقديري يأتي النفاق البيئي، فالإنسان يدَّعي بأن الهدف من إنتاج السيارات الكهربائية هو أساساً تحقيق التنمية البيئية المستدامة وحماية البيئة، وبالتحديد حمايتها من تداعيات قضية التغير المناخي وارتفاع حرارة كوكبنا، ولكنه في الوقت نفسه وفي الجانب الآخر يستنزف ويفرط في استخراج واستخدام الموارد والثروات الطبيعية الناضبة، ويعكر عند القيام بذلك صفو ونقاوة المكونات البيئية من ماءٍ وهواء وتربة، إضافة إلى تدمير الحياة الفطرية النباتية والحيوانية، مثل التأثير على تكاثر ونمو وتغذية الفلامنجو الذي يعيش بالقرب من منجم الليثيوم في شيلي، حسب الدراسة المنشورة في التاسع من مارس 2022 في مجلة وقائع الجمعية البريطانية الملكية(Proceedings of the Royal Society B)، تحت عنوان: "التغير المناخي والتنجيم عن الليثيوم يؤثران على حجم الفلامينجو في مثلث الليثيوم".

 

والأمثلة من مختلف دول العالم كثيرة، وكلها تشير إلى أن التوفيق العادل، والمساواة بين متطلبات حماية البيئة واحتياجات النمو الاقتصادي معادلة معقدة يصعب تحقيقها في معظم الحالات، ولذلك فإن فكرة التنمية المستدامة تحولت في أغلب الأحيان إلى شعار دعائي للحكومات لتُحسِّن من سُمعتها وصورتها، وترفع من قدرها ومكانتها البيئية بين الأمم والشعوب.