الأحد، 30 مايو 2021

إنتاج اللقاح تجارة لن تبور


كشفت منظمة "أوكسفام" غير الحكومية في العشرين من مايو من العام الجاري استناداً إلى قائمة مجلة فوربس لأغنياء العالم (Forbes Rich List) والمنشورة في السادس من أبريل، بأن اللقاح الذي تم تطويره لمواجهة وباء فيروس كورونا أدى إلى ظهور ما لا يقل عن تسعة مليارديرات جدد في العالم، أي أن نتيجة لبيع اللقاح وجني الأرباح الطائلة، فقد تخطت هؤلاء ثروتهم المليار دولار، وبالتحديد بلغت ثروتهم 19.3 مليار دولار.

وجاء في قائمة المليارديرات مدير شركة موديرنا، حيث وصلت ثروته إلى 4.3 مليار دولار، ومدير شركة بيونتك (BioNTech) نحو 4 مليارات دولار، إضافة إلى مدراء شركة كانسينو(CanSino) الصينية الذين وصلت ثروتهم إلى 3.5 مليار دولار. وعلاوة على هؤلاء الأثرياء الجدد، فهناك مليارديرات سابقين حققوا هذه الأرباح الخيالية من قبل، حيث بلغت ثروتهم الإجمالية قرابة 32.2 مليار دولار، وكل ذلك بفضل بيع لقاح فيروس كورونا واحتكاره، وتحديد السعر المناسب لهم عند بيعه وتسويقه. 

فهذه الحالة التي نشهدها حالياً أمامنا، وتثبتها المعلومات الصحيحة الموثقة، أكدت الوقائع التي رأيناها أيضاً أمامنا خلال السنة الماضية بأن الدخول في صناعة إنتاج اللقاح تُعد تجارة لن تبور، فأرباحها مضمونة ومستدامة وكبيرة جداً.

 

فمن المعلوم بأن قرابة 7.8 بليون إنسان يعيشون على وجه الأرض يحتاجون إلى شراء هذا اللقاح، وليست جرعة واحدة فقط من اللقاح، وإنما جرعتين متتاليتين، وليس مرة واحدة في العمر فقط، وإنما بحاجة إلى التلقيح بشكلٍ سنوي مستمر مدى الحياة، مما يؤكد بأن هذه التجارة لن تنكمش، ولن يقل الطلب عليها، ولن تنخفض أرباحها لسنوات طويلة قادمة.

فعلى سبيل المثال،  شركة مودرنا(Moderna) الأمريكية التي تأسست في سبتمبر 2010 في مدينة كامبريدج بولاية ماساشوستس، تُعتبر من الشركة الصغيرة المغمورة التي تعمل على تطوير لقاح باستخدام تقنية الحمض النووي الريبوزي، ولم تنجح من قبل في صناعة أي لقاح، فعندما أعلنت في يناير 2020 بأنها ستعمل على تطوير هذا اللقاح الجديد تقنياً ضد كورونا، وبدأت بالدعاية الإعلامية لتضخيم أعمالها، ارتفعت أسهمها وزادت ثلاثة أضعاف، وارتفعت قيمتها السوقية إلى 26 بليون دولار، كما أنها نالت ثقة الحكومة الأمريكية بدعمها مالياً لمساعدتها في تطوير اللقاح، حسب ما ورد في مقال النيويورك تايمس في 26 يوليو 2020، كما أنها عندما أعلنت في 10 ديسمبر 2020 عن انتهاء تجارب المرحلة الثالثة من إنتاج اللقاح، وأكدت بأن فاعلية اللقاح بلغت 94.5%، حدثت طفرة حادة أخرى بمستويات قياسية في قيمة الأسهم، ووصلت الزيادة إلى 212 في المائة لتبلغ القيمة السوقية للشركة 30 مليار دولار. وهذا المثال ينطبق على باقي الشركات لاتي دخلت سباق إنتاج اللقاح، حيث أفادت التقارير بالنسبة لأسهم 18 شركة عالمية تقوم بتطوير اللقاح، وأكدت بأن أسهمها قفزت بنسبة تتراوح بين 17 و 1892% في أغسطس 2020، كما ارتفعت القيمة السوقية لهذه الشركات، والتي معظمها، أي عشر منها في الولايات المتحدة الأمريكية، مثل موديرنا، وفايزر، وجونسون آند جونسون، ونوفافاكس، والباقي في سويسرا وبريطانيا وألمانيا والصين وفرنسا واليابان.

ونظراً لعلم هذه الشركات وحكومات هذه الشركات بالأرباح والمكاسب المالية الطائلة التي يمكن جنيها من تطوير وتصنيع اللقاح، فإنها بدأت باحتكار هذه العملية كلياً، وجعل دائرة التطوير، والإنتاج، والتصنيع، والتوزيع، والتسويق في مصانعها في الدول الأم التي تنتمي إليها، وذلك من أجل ضمان الأرباح التي تدخل في ميزانية هذه الشركات والحكومات معاً، إضافة إلى التحكم في الأسعار كيفما تشاء، وحينما تشاء.

وتأكيداً على هذه الحقيقة فقد نشرتُ مقالاً في أخبار الخليج في الأول من أبريل 2021 تحت عنوان احتكار اللقاح، وذكرتُ فيه عن كَشْف الـ بي بي سي النقاب عن تقرير سري، ووثيقة مسربة حَصلتْ عليها في 20 مارس من العام الجاري، وهذه الوثيقة تؤكد بأن هناك دولاً غربية غنية ومتقدمة من ضمنها بريطانيا العظمى، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي تعمل بشكلٍ جدي على عرقلة تصنيع وإنتاج اللقاحات في الدول النامية، وتقف حجر عثرة أمام الجهود التي تبذلها الدول الفقيرة والنامية عن طريق المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة التجارة الدولية لتحويل جزءٍ من إنتاج وصناعة اللقاح إلى دولها من أجل التسريع في الإنتاج، وتلقيح شعوبها قبل فوات الأوان.

كما أن ما يؤكد لي بأن تجارة إنتاج اللقاح لن تبور هو استثمار الحكومات وليس الشعوب فقط في هذه الشركات المطورة والمنتجة للقاح بمبالغ ضخمة، ودعمها غير المسبوق لهذه الشركات، فأرسلتْ بذلك برسائل إيجابية ومحفزة إلى سوق الأسهم، وأعطت إشارات مطمئنة للمستثمرين الآخرين، فقد دفعت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا ودول أخرى مئات الملايين من الدولارات لحجز وشراء المليارات من جرعات اللقاح قبل أن يتم التأكد من قدرة هذه الشركات على تطوير وإنتاج اللقاح المناسب لحماية الإنسان من شر هذا الوباء العصيب، وقبل أن تجرى أية تجارب سريرية تفيد بفاعلية هذه اللقاحات وجدواها للاستخدام البشري.

فكل هذه العوامل التي ذكرتها تشير إلى أن تطوير وإنتاج اللقاح الخاص بمكافحة فيروس كورونا المسبب لمرض كوفيد_19 تحول إلى عمل تجاري مضمون الربحية على المدى القريب والبعيد، ولذلك لا أستغرب البتة استغلال الشركات والدول لهذا اللقاح لتحقيق المكاسب المالية بالطرق الشرعية وغير الشرعية.

السبت، 29 مايو 2021

البحث عن الذهب الجديد


سباق الدول الصناعية الكبرى على موارد وثروات الأرض والبحر أينما كانت لا ينتهي أبداً، فمن ينتصر في هذا السباق ستكون له السلطة والهيمنة على القرار الدولي، وينال القوة والنفوذ السياسي والأمني، وسيحظى بالسبق في الإنتاج والتصنيع للمنتجات الاستهلاكية التي يحتاج إليها البشر، وستكون له الريادة والتفوق التقني والعلمي. ومن أجل الوصول أولاً إلى خط النهاية، افتعلت هذه الدول في بعض الأحيان معارك وحروب ضارية قتلت البشر، ودمرت الشجر والحجر، وغزت واحتلت دولاً للسيطرة على ثرواتها وخيراتها، ثم إقامة وإنشاء مصانعها عليها وفي دولها لتحقق الازدهار والنمو لشعوبها.

 

فقصة الاقتتال على النفط، أو الذهب الأسود، منذ أن تم استخراجه من باطن الأرض أو البحر، والجري بكل شدة وقوة للسيطرة على منابعه في كل أنحاء العالم معروفة للجميع ولا داعي لتكرارها.

 

واليوم نقف أمام مشهد مشابه، وحالة لا تختلف كثيراً عن المشاهد السابقة في الاستحواذ على الثروات والموارد الطبيعية، ولكن ليس مع الذهب، أو النفط، أو الغاز الطبيعي، ولكن مع عنصر فلزي بسيط جداً هو "الليثيوم"، أو الذي أُطلق عليه بالذهب الأبيض. فالليثيوم عنصر خفيف الوزن، ولونه أبيض فضي، ويمكن تخزين الطاقة فيه وشحنه عدة مرات، وتم اكتشافه منذ عقود طويلة من الزمن، ولكن ظل مهمشاً لم يسأل عنه أحد، أو يهتم به طوال تلك السنوات الماضة، فما الذي جعل الاهتمام بهذا العنصر يأتي فجأة؟ وما الذي جعل الدول وكبار المستثمرين يضعون أموالهم للسيطرة على مصادر هذا الذهب الأبيض ووضع أموالهم في التنقيب عنه واستخراجه من باطن الأرض، أو من المياه الجوفية المالحة؟ وما الذي جعل السباق على هذا العنصر بين الدول والشركات والمصانع يبدأ الآن؟

 

ويرجع السبب في هذا التهافت الدولي نحو الليثيوم هو التغيرات والتطورات الدولية والإقليمية الجذرية في مجال السيارات عامة، وبالتحديد في قطاع السيارات الكهربائية، حيث رسمت معظم دول العالم المصنعة للسيارات سياسة عامة ملخصها نقل السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري، وبالتحديد الجازولين والديزل إلى مثواها الأخير بشكلٍ دائم خلال العقود القليلة القادمة، والاعتماد على مصادر الوقود النظيفة والمتجددة لسيارات المستقبل، إضافة إلى الاستثمارات المالية الضخمة التي خصصتها شركات صناعة السيارات الكبرى لإنتاج أنواع كثيرة من السيارات الكهربائية، وفي الوقت نفسه نبذ سيارات الجازولين والديزل والتخلص منها كلياً وإلى الأبد وبدون رجعة بحلول عام 2030.

 

وهذا يعني أن العالم سيتحول كلياً وبشكلٍ تدريجي متسارع من سيارات الاحتراق الداخلي التي تعمل بالجازولين، أو الديزل، أو الغاز الطبيعي إلى السيارات التي تشتغل بالبطاريات التي تشحن بالطاقة الكهربائية.

 

ولكي ينجح هذا الانقلاب في عالم السيارات، ولكي يكون الانقلاب في استبدال سيارات الجازولين والديزل مستداماً، فإن على دول العالم وشركات إنتاج السيارات تأمين كل مستلزمات السيارات الكهربائية الأساسية، وتوفير كل احتياجات وضروريات مثل هذه السيارات، والعمل من الآن على الاستحواذ والسيطرة على المواد الخام التي تدخل في تصنيع مكونات السيارات الكهربائية، والتي تعتبر البطارية هي حجر الأساس، والمكون الرئيس الذي يحقق التحول المربح والمستدام إلى السيارات الكهربائية، وفي الوقت نفسه يشجع المستثمرين والمستهلكين على تبنيها، والدخول فيها، واستخدامها.

 

ويعتبر عنصر الليثيوم عمود بناء هذه البطاريات التي تشغل وتحرك السيارات الكهربائية، فلا نجاح، ولا تطور، ولا استدامة لهذه السيارات إلا بتوفير عنصر الليثيوم، هذا الذهب الأبيض، وعلى نطاقٍ واسع، وبكميات كبيرة تكفي لإنتاج الملايين من السيارات حول العالم، وبأسعار رخيصة تخفض من السعر النهائي للسيارات، وتشجع المستهلكين على شرائها.

 

ولذلك بدأ منذ سنوات قليلة السباق المحموم على اكتشاف هذا العنصر، والبحث عنه في كل دول العالم، والعمل على التنقيب عنه واستخراجه من المناجم من باطن الأرض، وقد كتبت صحيفة النيويورك تايمس الأمريكية تحقيقاً تؤكد فيه هذا الواقع في السابع من مايو 2021 تحت عنوان: "الجري نحو ذهب الليثيوم: السباق إلى توفير الطاقة للسيارات الكهربائية".

 

وهذا الذهب الجديد موجود بوفرة في بعض دول العالم، منها الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتحديد في شمال ولاية نيفادا الصحراوية في منطقة سيلفر بيك(Silver Peak)، حيث يوجد أكبر منجم لليثيوم أُطلق عليه إسم مشروع ليثيم أمريكاز(Lithium Americas)، وتقدر كمية الليثيوم في هذا الموقع بنحو 3.9 بليون دولار، ثم توجد أملاح الليثيوم في رمال الصحراء التي تحيط بالبحيرة المعروفة ببحر سالتان(Salton Sea) في ولاية كاليفورنيا، إضافة إلى مواقع أصغر في ولاية وأوريجن، وتنيسي، وأركنساس، ونورث كارولينا، ونورث داكوتا. كما يوجد هذا الذهب الأبيض في دول أخرى مثل بوليفيا، وتشيلي، والأرجنتين، إضافة على أستراليا والصين.

 

ونظراً لهذا الطلب المتزايد سنوياً على الليثيوم، فقد انتعشت سوق تدوير وإعادة تصنيعه من المخلفات التي تحتوي عليه، مثل البطاريات المستعملة القديمة وبعض الأجهزة الإلكترونية، حسب ما ورد في مجلة "فوربس" في المقال المنشور في الثامن من مايو من العام الجاري تحت عنوان: "الشريك المؤسس لتيسلا ينقب عن الثروات في مناطق التخلص من البطاريات المستعملة".

 

والآن أخوف ما أخاف في ظل هذا السباق الماراثوني، والتنافس الشديد بين دول العالم لكسب الريادة، والتفوق، والأسبقية في إنتاج هذا المعدن الثمين، هو ارتكاب أخطاء الماضي في حق البيئة وصحة الإنسان، وهي التلوث البيئي الناجم عن عمليات استخراج الليثيوم، وفصله، وتنقيته. فتُذكرني هذه الحالة التي نعيشها اليوم بالماضي المؤلم والمرير الذي عانت منها البشرية لسنوات طويلة بسبب عمليات التنجيم عن المعادن بشكلٍ عام في كل أنحاء العالم. ومن أمثلة هذه المعاناة التي أصبحت الآن منقوشة في كتب التاريخ البيئي، ومحفورة في ذاكرة الشعب الياباني خاصة، وشعوب العالم أجمع، هي كارثة إتاي_إتاي التي تعني "إنه مؤلم_إنه مؤلم"، والتي بدأ زرع بذورها الخبيثة في البيئة اليابانية في مطلع القرن التاسع عشر. ففي محافظة توياما، حيث يوجد واحد من أكبر المناجم والمعروف بمنجم كاميوكا، كانت شركات التعدين تبحث عن الذهب والعناصر الثمينة الأخرى لتشغيل المصانع اليابانية، وهذه العمليات أفرزت العديد من الملوثات السامة كالكادميوم الذي كان يصرف بدون معالجة في نهر جينزو المستخدم ماؤه لزراعة الأرز. وهناك بدأ هذا السم في التراكم في البيئة النهرية حتى وصل إلى الإنسان عن طريق ري حقول الأرز من هذا الماء الملوث وأكل الأسماك المسمومة بالكادميوم، فوقعت واحدة من أشد الكروب البيئية الصحية نكالاً بالبشرية جمعاء.

 

فمثل هذه الكوارث من الممكن أن تتكرر الآن مع الاستعجال والسباق غير المتبصر والسريع في عمليات إنتاج الليثيوم والعناصر الأخرى التي نحتاج إليها لإنتاج سيارات كهربائية غير ملوثة للبيئة، فهل يحافظ الإنسان من جهة على البيئة عند إنتاجه واستعماله لهذه السيارات الكهربائية، ولكن في الوقت نفسه يدمر من جهة أخرى مكونات البيئة ويفسد صحتها في مواقع ثانية؟ وما الجدوى من حماية البيئة في بعض المناطق وإفسادها في منطقة أخرى؟

فهل يكرر الإنسان أخطاء الماضي، أم يعْتَبر منها؟

 

الأربعاء، 26 مايو 2021

بين قصة أدوية الإيدز ولقاح كورونا

الدول الصناعية المتقدمة الكبرى ممثلة في شركاتها العملاقة المتنفذة تكشف عن ممارساتها اللاإنسانية بين الحين والآخر، وتُذكرنا بين الحين والآخر بأن حكومات وشركات هذه الدول الفاحشة الثراء لا ترقب في شعوب الدول النامية الفقيرة والمستضعفة، بل وفي شعوبها على حدٍ سواء، إلاَّ ولا وذمة، فكل ما يهمها هو الربح السريع والكبير على حساب كل شيء آخر، سواء أكان ذلك صحة البشر، أو صحة البيئة وسلامتها.

 

وسأُقدم لكم مثالاً واحداً فقط لأبين لكم هذا الوجه القبيح وغير الإنساني لهذه الدول وشركاتها المتحكمة في قراراتها، وهذا المثال هو قصة الإنسان في مواجهة فيروس نقص المناعة البشرية، إش آي في(HIV) المسبب لمرض نقص المناعة المكتسبة(الإيدز)( AIDS)، مقارنة بقصتنا وواقعنا اليوم مع لقاح فيروس كورونا(SARS-CoV-2) المسبب لمرض كوفيد_19.

 

وفي الحقيقة عند دراستي للحالتين، وجدتُ تطابقاً مشهوداً وكبيراً بينهما، فمسلسل الأحداث والمشاهد التي وقعت عند نزول وباء مرض الإيدز على البشرية من ناحية تفضيل تقديم العلاج لشعوب الدول الغنية والمتقدمة، وإعطائهم الأولية في الحصول على الأدوية التي تم تطويرها للقضاء على المرض، هي نفسها تقع الآن، وأُشاهدها أمامي رأي العين بالنسبة للقاحات التي تم تطويرها لمكافحة فيروس كورونا وعلاج المرض الناجم عنه، وتوجيه النسبة الكبرى من جرعات هذه اللقاحات نحو الدول الصناعية الثرية المتطورة.

أما بالنسبة لوباء الإيدز، فقد تم تسجيل أول حالة رسمية في الخامس من يونيو 1981 في ولاية كاليفورنيا ثم نيويورك، وتم وصفه بأنها مرض غريب وجديد لم يعرفه الإنسان من قبل، ثم في عام 1983 اكتشف الفيروس المسبب لهذا المرض والذي يؤدي إلى تلف وقتل جهاز المناعة، حيث بلغت العدوى وأعداد المصابين في عام 1987 نحو 32 ألف في أمريكا وحدها، توفى نصفهم، وفي مطلع عام 1990 تم تصنيف الإيدز المرض المسؤول الأول عن قتل شباب أمريكا. ونظراً لهذه الحالة العصيبة التي نزلت على الولايات المتحدة الأمريكية خاصة وانتشار المرض فيها كانتشار النار في الهشيم، فقد شمَّرت الحكومة وشركات الأدوية عن ساعديها لتطوير الدواء المناسب لعلاج هذا الوباء الذي يقضي على فلذة أكباد أمريكا، حتى توصلت الشركات إلى تطوير دواء واحد فقط في مارس 1987، وهو أول علاج معتمد للإيدز تحت اسم زيدوفودين(zidovudine)، حيث نجح الدواء في إيقاف نحو الفيروس ومنع تكاثره، وتم بيعه تحت اسم تجاري هو رتروفير(Retrovir)، وفي عام 1995 اعتمدت إدارة الغذاء والدواء عقاراً جديداً هو (saquinavir)، ثم في عام 1996 تم تطوير عقار آخر، حيث اعتمدت فكرة إعطاء المريض خليط من عدة أدوية في الوقت نفسه. وهكذا استمرت عملية تطوير الأدوية بسرعة متناهية وكبيرة في الدول الغربية، وبالتحديد في الولايات المتحدة الأمريكية، وانعكست هذه التطورات في أدوية الإيدز على أعداد المصابين والوفيات من المرض، حيث انخفضت نسبة الوفيات 75% في الفترة من 1994 إلى 1997، ومنذ عام 1997 حتى يومنا هذا وافقت إدارة الغذاء والدواء على أكثر من 50 نوعاً من الأدوية والعلاج ضد الفيروس المسبب للإيدز.

ولكن الطامة الكبرى التي وقعت أن هذه العلاجات وهذه الأدوية، وهي في مهدها كانت توزع وتسوق فقط في الدول الغنية والمتقدمة التي تتمكن من تحمل كلفة العلاج التي تراوحت بين 16500 إلى 21 ألف دولار للفرد في السنة، أي من نحو 6100 إلى 7800 دينار بحريني، أي أن العلاج لم يكن متوافراً للدول الفقيرة والنامية المستضعفة التي كان وطء المرض عليها أشد تنكيلاً وقتلاً، رغم استغاثة الشعوب المستمرة لسنوات طويلة، ونداءات الحكومات المتكررة في كافة المحافل الدولية للحصول على هذه الأدوية وخفض أسعارها.

والدول التي ضربها الإيدز ضربة قاسية كانت بالتحديد دول قارة أفريقيا مثل زيمبابوي، ناميبيا، كاميرون، أثيوبيا، كينيا، روندا، نيجيريا، تنزانيا، وبتسوانا، والتي تراوح مجموع أعداد المصابين فيها بين 34 و 46 مليون مصاب. كما أن هذه القارة الفقيرة كانت توجد فيها في عام 2003 أكثر من 80% من حالات الوفيات، فعلى سبيل المثال، أوغندا عانت من قرابة مليونين مصاب، وألف واحد منهم فقط حصلوا على الأدوية ضد الفيروس، ودولة جنوب أفريقيا، كان عدد المصابين يقدر بنحو 3 ملايين، وأقل من 2000 كانوا محظوظين لتلقي الأدوية، حيث كانت نسبة الإصابات قرابة 16 ألف يومياً.

ومع كل هذه الكُرُوب التي وقعت على هذه الدول والأضرار الصحية الجسيمة التي لحقت بشعوب هذه الدول، ورغم ارتفاع أعداد المصابين والوفيات وسقوط الضحايا البشرية من أطفال وشباب ونساء بشكلٍ يومي في هذه الدول الفقيرة، ورغم وجود العلاج للمرض، إلا أن شركات الأدوية أصرت على عدم خفض الأسعار، ورفضت كل الضغوط عليها لإعطاء الرخصة للسماح للدول النامية لإنتاج هذه الأدوية عندها لتخفيف المعاناة عن شعوبها بحجة حقوق الملكية وبراءات الاختراع. وفي الوقت نفسه، الحكومات التي تعمل فيها هذه الشركات، وقفت صامتة تتفرج، ولم تحرك ساكناً لإنقاذ البشر من شر هذا الوباء العظيم وحماية صحة الإنسان من الموت المحتوم. وهكذا، مع تعنت الغرب وعدم اهتمامه بأرواح البشر، استمر سقوط الضحايا البشرية في الدول النامية الفقيرة أكثر من عشرين عاماً منذ اكتشاف المرض وتحت أعين ومسمع الدول الصناعية الثرية المتقدمة.

 

ولم تتغير معاناة الفقراء في الدول المحتاجة للعلاج إلا بعد قرابة عقدين عصيبين طويلين من الزمن، وبالتحديد بعد الاجتماع الوزاري لمنظمة التجارة الدولية الذي عقد في الدوحة في 20 نوفمبر 2001، حيث وافقت المنظمة في إعلان الدوحة وتحت بند "علاقة التجارة بحقوق الملكية الفكرية"(Trade-Related Aspects of Intellectual Property Rights) على الرفع المؤقت لحق الملكية وإعطاء الرخصة لبعض الدول النامية من إنتاج أدوية الإيدز. وجدير بالذكر بأن الشركة الهندية المعروفة كيبلا(Cipla)، أنتجت الدواء بسعر تقريباً 350 دولاراً للفرد في السنة، أي نحو 130 ديناراً، وقارنْ الآن هذا السعر مع سعر الشركات الأمريكية التي بلغت معدل أكثر من 7000 دينار للفرد في السنة، فكم كانت أرباحهم من بيع هذه الأدوية؟!

وبعد أن قرأتَ مشاهد ومراحل تطوير أدوية الإيدز وأنماط توزيعها على الدول، أُنظر عن كثب ماذا يحدث الآن للقاح مرض كورونا، فالدول الصناعية والغنية هي التي لقَّحت شعوبها أولاً وحصنَّتهم من المرض، في حين أن الدول الفقيرة والنامية تنتظر دورها، كما أن شركات الأدوية نفسها ترفض مرة ثانية التنازل عن حقوق الملكية وبراءات اختراع اللقاحات حتى لا تنخفض أرباحها، فتمانع كلياً السماح لشركات الدول النامية من إنتاج اللقاح في دولها، والآن من جديد يُرفع طلب من الدول النامية إلى منظمة التجارة العالمية للموافقة على السماح لبعض الدول النامية من صناعة اللقاح. وجدير بالذكر فإن أرباح شركات إنتاج اللقاح ضد فيروس كورونا تتضاعف وتتضخم يوماً بعد يوم، حسب المقال بعنوان:"أرباح لقاح كوفيد تصل إلى الميارات لما لا يقل عن تسع شركات جديدة للقاح"، والمنشور في المحطة الإخبارية سي إن إن في 22 مايو والمستخلص من "قائمة فوربس للأغنياء"، مثل شركة موديرنا، وبيونتك، وفايزر، فهذه الأرباح الفاحشة التي تحققها هذه الشركات تؤكد احتكارها لهذه اللقاحات وبيعها بأي سعر تشاء، وكل ذلك على حساب صحة البشرية، وبخاصة في الدول الفقيرة.

فهل تنجح الدول النامية هذه المرة أيضاً في رفع الغطاء عن براءات الإختراح للقاح كورونا كما فعلت بالنسبة لأدوية الإيدز بعد سنوات طويلة من معاناة المرضى الفقراء؟

السبت، 15 مايو 2021

معركة رفع براءات الاختراع للقاحات


كتَبَ السيناتور الأمريكي لبيرني ساندرز(Bernie Sanders) المرشح السابق للرئاسة الأمريكية في صحيفة الجارديان البريطانية في الثالث من مايو 2021 مقالاً تحت عنوان: "شركات الأدوية الكبرى لا تريد توسعة برنامج العناية الصحية، علينا أن نواجههم". ففي هذا المقال يؤكد عضو مجلس الشيوخ المعاناة والصراع الطويل الذي يخوضونه مع شركات الأدوية التي تبتز المجتمع والشعب الأمريكي من خلال التصدي لبرنامج العناية الصحية(Medicare) وعدم تجاوبها في خفض أسعار الأدوية والعقاقير بشكلٍ عام لتجنب تقليل أرباحها الطائلة وثرواتها العظيمة، فهذه الشركات لها نفوذ غير عادي في العاصمة واشنطن، بل وإن جماعات الضغط التي تعمل من أجلها تُعد الأكبر والأكثر فاعلية وقوة وتأثيراً على رجال النفوذ والسياسة والتشريع، ومن أجل ذلك تنفق الملايين سنوياً لنيل دعم رجال الكونجرس عامة والمؤثرين على القرار في البيت الأبيض. فعلى سبيل المثال، صرفت شركات الأدوية 4.7 بليون دولار في الفترة من 1999 إلى 2018 على جماعات الضغط أو المعروفين باللوبي، أي قرابة 233 مليون دولار سنوياً.

 

ولذلك فمواجهة شركات الأدوية في الولايات المتحدة الأمريكية في أية قرارات تعمل ضدها ولا تصب في تحقيق مصالحها الاستراتيجية العليا المتمثلة في الربح السريع والوفير، تعني أن ينطح الإنسان برأسه الصخر الأصم والصلب، فلن يتمكن إلا بجهود موازية لقوة هذه الشركات من التغلب عليها وإرضاخها رغماً عنها.

 

واليوم الرئيس الأمريكي بايدن يدخل معركة جديدة، فيواجه مثل هذا التحدي العصيب، كما واجه رئيسه الأسبق أوباما هؤلاء الشركات المتنفذة الكبرى عندما طرح برنامجه حول الرعاية الصحية، حيث إن بايدن دعم الاقتراح الخاص بالرفع المؤقت لبراءات الاختراع، ورفع الحماية عن حقوق الملكية الفكرية عن لقاحات مرض كوفيد_19. فقد جاء على لسان المندوبة التجارية للولايات المتحدة في منظمة التجارة العالمية، كاثرين تاي(Katherine Tai)، عندما قالت بأن:" الظروف غير العادية لوباء كورونا يستدعي إجراءات غير عادية"، كما أفادت بأن الرئيس بايدن يدعم ويساند فكرة رفع براءات الاختراع عن اللقاحات بهدف زيادة أعداد الجرعات على المستوى الدولي وحماية البشر من هذا الوباء.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل سينجح بايدن في مساعيه لرفع براءات الاختراع عن لقاحات فيروس كورونا وتوفير أكبر جرعة ممكنة لعامة الناس حول العالم؟

 

فالإجابة عن هذا السؤال تأتي من الفريق المساند لمقترح بايدن، وفي المقابل من الفريق المعارض، والأقوى سياسياً واقتصادياً ونفوذاً هو الذي ستكون له الغلبة والفوز.

 

أما الفريق المدافع عن مقترح بايدن فهم من الداخل ومن الخارج. فمن الداخل الحزب الديمقراطي ومن بعض المسؤولين عن حماية صحة المواطن الأمريكي، ومنهم الطبيب المعروف والمستشار الرئيس لبايدن، أنتوني فاوتشي، حيث قال حسب ما جاء في صحيفة بوليتيكو في السابع من مايو :"أنا لستُ ضد أي شيء يُسرع من توزيع اللقاح إلى الدول النامية، وأنا أشعر بشدة بأن علينا واجب أخلاقي كأمة غنية".

وأما من الخارج فهم جميعاً من الدول الفقيرة النامية التي تمد يدها للحصول على جرعات من هذه اللقاحات والتي ليس لها النفوذ القوي على مسرح الأحداث الدولية وقرارات المنظمات الأممية، إضافة إلى منظمة الصحة العالمية التي وافقت على المقترح الأمريكي، وصرح بذلك المدير العام للمنظمة قائلاً: "أعلم بأن هذا ليس بالعمل السهل سياسياً، ولذلك أنا أُقدر كثيراً قيادة الولايات المتحدة، وأحث باقي الدول على الموافقة".

وفي المقابل فإن المقاومة والمعارضة الداخلية والخارجية كانت شرسة وواضحة. أما في الداخل فإن شركات الأدوية أثارت ردة فعل قوية وغاضبة وحذرت بأنها استثمرت الملايين من أجل تطوير هذه اللقاحات، وأنها تتوقع التربح منها من أجل المزيد من الإبداع والابتكار في المستقبل والعمل على تطوير الجيل الثاني والثالث من هذه اللقاحات، كما أكدوا بأن مثل هذه المقترحات تقتل الإبداع والتطور والنمو ولا تحفز ولا تدفع نحو المزيد من الاستثمار، حسب المقال المنشور في صحيفة واشنطن إجزمينر(Washington Examiner) في السابع من مايو تحت عنوان: "شركات الأدوية تحذر بأن رفع بايدن لبراءات الاختراع يؤثر على إنتاج اللقاح".

وردة الفعل هذه انعكست مباشرة على سوق الأسهم حيث انخفضت أسهم شركات إنتاج اللقاح ونزلت قيمتها السوقية بنحو 30 بليون دولار، حسب المقال المنشور في البلومبرج في السابع من مايو. وأما في الخارج فقد هددت "جمعية شركات أبحاث الأدوية" في ألمانيا قائلة بأن :"المصنعين للقاحات لن يكون لديهم الحافز بعد هذا الاقتراح الأمريكي للمشاركة في جعل اللقاحات متوافرة عالمياً بالسرعة الممكنة".

ومن جانب آخر فإن رد حكومات الدول الصناعية المتقدمة لم يقف بجانب الرئيس بايدن. فقد نشرت صحيفة الفايننشال تايمس مقالاً في التاسع من مايو في تحت عنوان: "قادة الاتحاد الأوروبي يواجهون إدارة بايدن حول دعواتها لرفع براءات الاختراع للقاح كوفيد_19 "، حيث أفاد المقال بأن بعض القادة الأوروبيين يتبعون مدخلاً آخر لمساعدة الدول النامية، فيدْعُون أمريكا إلى التصدير المباشر لهذه اللقاحات. والرد الصريح المباشر جاء أولاً من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعد قمة قادة الاتحاد الأوروبي في مدينة بورتو البرتغالية في الثامن من مايو قائلة :"لا أظن بأن رفع حق البراءات هو الحل لمواجهة توزيع اللقاح للناس"، وأضافت :"إن ما نحتاج إليه هو ابتكار وإبداع الشركات، ولهذا نحتاج إلى حماية البراءات"، كما أن الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون أدلى بتصريحات مشابهة قائلاً بأنني: "أدعو بكل وضوح الولايات المتحدة الأمريكية إلى وقف الحظر على التصدير ليس فقط للقاحات، ولكن على مكونات هذه اللقاحات". كذلك قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل بأن رفع براءات الاختراع ليس هو الرصاصة السحرية للدول الفقيرة، والاتحاد مستعد لمناقشة هذه القضية مع أمريكا، كما قال رئيس وزراء هولندا مارك روته(Mark Rutte) بأن هناك تردداً عاماً من القادة لدعم الاقتراح الأمريكي. وأما في الجهة الثانية من الكرة الأرضية، فقد جاءت ردة الفعل الياباني، حسب المقال المنشور في صحيفة اليابان تايمس في الثامن مايو تحت عنوان: "شركات الأدوية في اليابان تعارض رفع الولايات المتحدة الأمريكية لبراءات اختراع اللقاحات"، فقد أعلنت "جمعية مصنعي الأدوية" في السابع من مايو عن معارضتها لدعم البيت الأبيض للرفع المؤقت لبراءات الاختراع وحقوق الملكية عن لقاحات فيروس كورونا، كما أنها قالت بأن الرفع لا يعني بالضرورة ضمان جودة اللقاح كما هي عليها الآن، فهي تتخوف من انتشار اللقاح ذي النوعية الرديئة التي تضر أكثر مما تنفع.

والآن لمن تكون الغلبة في هذه المعركة؟

فعندما أنظر إلى الجهات الداعمة لبايدن وأقارنها بالجهات المعارضة، فإنني أرى وبكل وضوح بأن كفة المعارضين ستكون هي الراجحة وهي القوية، والتي تتمثل في شركات الأدوية العملاقة المتنفذة من جهة وحكومات الدول الأوروبية من جهة أخرى. كما أن هناك عوامل أخرى تشير لي بأن المقترح لن يرى النور في نهاية المطاف. ومن هذه المؤشرات أن هذا المقترح سيناقش في منظمة التجارة العالمية التي بها أكثر من 170 عضواً، والمفاوضات والقرارات عادة في المنظمات الأممية تكون معقدة، وبطيئة، وتستغرق وقتاً طويلاً. فقد ذكرت مديرة المنظمة نجوزي أوكونجو إويالا(Ngozi Okonjo-Iweala) في العاشر من مايو، أنها تأمل التوصل لحل مشكلة رفع براءات لقاحات كوفيد-19 بحلول ديسمبر القادم، كما تأمل أن تتوافق المباحثات حول هذه القضية الشائكة.

ولو فرضنا بأنه بعد المفاوضات وافقت المنظمة على رفع براءات الاختراع، فالعملية بعد ذلك ستكون محفوفة بالشوك، وشاقة، ومليئة بالصعوبات والعراقيل والمماطلات التي تضعها الشركات التي تمتلك هذه البراءات، وتمتلك الأسرار الدقيقة والمعقدة لإنتاج اللقاح، وبخاصة اللقاح الجديد تقنياً وهو إم آر إن أيه( mRNA)، إضافة إلى مشكلات أخرى تتمثل في وجود الخبراء والفنيين وتمويل وبناء المصنع على المستوى المطلوب فنياً وتقنياً، والحصول على المواد الخام للإنتاج ومكونات اللقاح المختلفة والمتعددة التي قد تصل إلى أكثر من مائة مُكون موجودين عند عدة شركات مختلفة، وفي دول مختلفة أيضاً.

وخلاصة القول فإن براءات الاختراع وحق حماية الملكية الفكرية للمنتجات بشكلٍ عام، تُعتبر من أهم عوامل نجاح الشركات الكبيرة والعمود الرئيس لتحقيق الأرباح الطائلة، ولذلك لن تُفرط في هذا الحق مهما كان الثمن، وستظل تحارب وتستخدم كل الوسائل من أجل الحفاظ عليه.