السبت، 1 مايو 2021

بدء مرحلة جديدة للتغير المناخي


منذ أن تولى جو بايدن زمام الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، وأنا أُبْصر نوراً خافتاً يُشع ويضيء نهاية نفق التغير المناخي المظلم الذي دخل فيه المجتمع الدولي منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وهذا النور لكي يستمر في الإشعاع على المجتمع الدولي بذل جهودٍ جبارة بشكلٍ جماعي مستدام، والتعهد والالتزام بتفيذ هذه الجهود على الواقع، كل في بلده.

 

فهذه الشمعة التي أضاءت الآن نفق التغير المناخي تولدت من إعادة دخول أعظم دولة على وجه الأرض والأكثر تأثيراً على المستوى الدولي، الولايات المتحدة الأمريكية في اتفاقية باريس للتغير المناخي لعام 2015، بعد أن وقَّع عليها الرئيس الأسبق أوباما، ثم جاء ترمب فخرج منها وانسحب رسمياً، بل وحاربها على المستوى القومي الأمريكي، فألغى كل القرارات والبرامج والأنظمة البيئية التي دشنها أوباما في مجال مكافحة قضية التغير المناخي، قضية العصر العصيبة.

 

ولذلك فإنني على يقين، ومتفائل جداً بأن هذه الشمعة ستستمر في إضاءة الطريق للمجتمع الدولي، على الأقل في الأربع سنوات القادمة، أثناء وجود بايدن في البيت الأبيض. وهذا التفاؤل مبني على عدة مؤشرات ودلائل منها ما ذكرته سابقاً وهو ولوج أمريكا مرة ثانية إلى ساحة التغير المناخي بشكلٍ فاعل وبنوايا حسنة وصادقة. وأما المؤشر الثاني فإنه بالرغم من الخلافات الأمريكية المحتدمة والكبيرة بين الصين من جهة، صاحب أعلى انبعاث لغاز ثاني أكسيد الكربون المسؤول الأول عن التغير المناخي، وروسيا من جهة ثانية، إلا أن جون كيري، المبعوث الأمريكي الخاص حول التغير المناخي، نجح في كسب رضا الصين وروسيا للمواجهة الجماعية لهذه المعضلة الدولية المشتركة وترك الخلافات الأخرى جانباً، إضافة إلى نيل موافقة الرئيس الصيني والرئيس بوتين على المشاركة في القمة التي دعا إليها بايدن في الولايات المتحدة الأمريكية.

 

وأما المؤشر الثالث فهو نجاح قمة المناخ الافتراضية عبر الفيديو تحت عنوان: "قمة القادة حول المناخ" والتي انعقدت في 22 أبريل من العام الجاري في الولايات المتحدة الأمريكية، ودليل النجاح هو توجيه أنظار واهتمام الدول مرة ثانية نحو التغير المناخي، إضافة إلى مستوى المشاركة في القمة، حيث حضر قادة وزعماء أربعين دولة من أهم الدول المتقدمة والنامية الكبرى المسؤولة عن الحجم الأكبر من الانبعاثات، مثل الصين التي تأتي في المرتبة الأولى من حيث الانبعاثات، ثم الاتحاد الأوروبي في المرتبة الثالثة، وروسيا في المرتبة الرابعة، إضافة إلى بريطانيا، وفرنسا، والهند، والبرازيل. كما أن نجاح القمة يكمن في تعهدات الدول والتزامها أكثر من قبل في خفض انبعاثاتها بمستويات أكبر عمَّا أعلنوا عنها في السنوات السابقة. فعلى سبيل المثال، أعلن بايدن عن خطته الجديدة للتغير المناخي، متعهداً بخفض انبعاثات بلاده بنسبة تتراوح بين 50 إلى 52% عن مستويات عام 2005 بحلول عام 2030، ثم الوصول إلى الانبعاث الصفري بحلول عام 2050، والاتحاد الأوروبي سيخفض انبعاثاته بنسبة 55% مقارنة بمستويات عام 1990 بحلول عام 2030، كما حدد أهدافاً طويلة المدى لخفض الانبعاثات إلى الصفر بحلول عام 2050. كذلك كندا ستخفض بنسبة من 40 إلى 45% مقارنة بمستويات عام 2005 بحلول عام 2030، وبريطانيا تخفض بنسبة مرتفعة تبلغ 78% مقارنة بمستويات 1990 بحلول 2035، كما أعلنت اليابان الخفض بنسبة 46% مقارنة بمستويات عام 2013 بحلول عام 2030.

وأما المؤشر والدليل الرابع الذي يبعث في نفسي الأمل حول جدية ومصداقية دول العالم، وعلى رأسها أمريكا في مواجهة التغير المناخي، هو ربط قضية التغير المناخي بتحقيق الأمن على المستوى القومي، وعلى المستوي الدولي على حدٍ سواء، والقضايا الأمنية دائماً تجد لها آذاناً صاغية، وتجذب بقوة الرعاية الشديدة والصادقة من قبل رجال السياسة ومتخذي القرار على كافة المستويات.

فقد قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن( Lloyd Austin) واصفاً التغير المناخي بأنه "مزعزع كبير للاستقرار"، كما صرحت مديرة المخابرات القومية أفريل هينز(Avril Haines)، بأنها ستجعل التغير المناخي ضمن الأولويات في السياسة الخارجية، وقالت "التغير المناخي يقع في مركز السياسة الخارجية"، ، كما ألقت كلمة أمام قادة وزعماء العالم في القمة الافتراضية قالت فيها: "من أجل مواجهة التغير المناخي بشكلٍ صحيح، يجب وضع التغير المناخي في مركز السياسة الخارجية وسياسة الأمن القومي"، وأضافت قائلة: "يجب دمج التغير المناخي في التحاليل الأمنية لمراقبة التهديدات، وتوجيه متخذي القرار لمعرفة أهمية التغير المناخي في جميع الأوجه". كذلك نشر التقرير السنوي حول "التقييم السنوي للتهديدات لمجتمع المخابرات الأمريكي" الصادر من مكتب مديرة المخابرات القومية في التاسع من أبريل من العام الجاري، حيث جاء في المقدمة بأن "التدهور البيئي وتغير المناخ سيستمران في العمل على تزويد الوقود لانتشار الأمراض، وتهديد الأمن الغذائي والمائي، وزعزعة الاستقرار السياسي، وخلق الأزمات الإنسانية"، كما خصص التقرير بنداً تحت عنوان: "التغير المناخي وتدهور البيئة". وعلاوة على ذلك فإن وكالة المخابرات المركزية (سي آي أيه) أعلنت بإدخال وتغطية الجانب البيئي على صفحتها في الفيس بوك، وأنها ستقدم آخر المعلومات والمستجدات حول المناخ، وتلوث الهواء، والأمراض المعدية، والأمن الغذائي، والمخلفات، ومواضع وقضايا بيئية أخرى.

وفي الوقت نفسه أعلن المسؤولون في منظمة حلف الشمال الأطلسي(النيتو) عن "خطة عمل" حول التغير المناخي، وتحتوي على خفض الانبعاثات من وحدات الجيش المختلفة، إضافة إلى إجراء تقييم شامل للتهديدات المحتملة من التغيرات المناخية.

وأما المؤشر القوي الخامس فهو إعلان البيت الأبيض عن الدعم المالي الأمريكي لصندوق الأمم المتحدة الأخضر للمناخ بمبلغ 1.25 بليون دولار، كما وعد بايدن بعد الحصول على موافقة الكونجرس بصرف 5.7 بليون دولار سنوياً لمساعدة الدول النامية لمواجهة تحديات التغير المناخي وخفض انبعاثاتها.

وبالرغم من كل هذه الدلائل المشجعة لاستمرار اشتعال الشمعة في بداية نفق التغير المناخي، إلا أن بعض وعود بايدن ستصطدم بالواقع السياسي الأمريكي، حيث إنها تعتمد على نيل مباركة الكونجرس، وبالتحديد بالنسبة لبعض البرامج التي تحتاج إلى الدعم المالي، إضافة إلى أن بايدن سيواجه طوفاناً من المقاومات من جماعات الضغط الخاصة بشركات الفحم والبترول، وسيدخل معهم في معارك شرسة وضارية لا هوادة فيها.

ولكن في الأقل ستكون الشمعة مشتعلة تنير نفق التغير المناخي طوال الأربع سنوات القادمة، حتى يحين موعد الانتخابات الرئاسية الجديد، والذي سيحدد مصير هذه الشمعة، هل ستستمر في العطاء، أم تنطفىء؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق