الأحد، 30 مايو 2021

إنتاج اللقاح تجارة لن تبور


كشفت منظمة "أوكسفام" غير الحكومية في العشرين من مايو من العام الجاري استناداً إلى قائمة مجلة فوربس لأغنياء العالم (Forbes Rich List) والمنشورة في السادس من أبريل، بأن اللقاح الذي تم تطويره لمواجهة وباء فيروس كورونا أدى إلى ظهور ما لا يقل عن تسعة مليارديرات جدد في العالم، أي أن نتيجة لبيع اللقاح وجني الأرباح الطائلة، فقد تخطت هؤلاء ثروتهم المليار دولار، وبالتحديد بلغت ثروتهم 19.3 مليار دولار.

وجاء في قائمة المليارديرات مدير شركة موديرنا، حيث وصلت ثروته إلى 4.3 مليار دولار، ومدير شركة بيونتك (BioNTech) نحو 4 مليارات دولار، إضافة إلى مدراء شركة كانسينو(CanSino) الصينية الذين وصلت ثروتهم إلى 3.5 مليار دولار. وعلاوة على هؤلاء الأثرياء الجدد، فهناك مليارديرات سابقين حققوا هذه الأرباح الخيالية من قبل، حيث بلغت ثروتهم الإجمالية قرابة 32.2 مليار دولار، وكل ذلك بفضل بيع لقاح فيروس كورونا واحتكاره، وتحديد السعر المناسب لهم عند بيعه وتسويقه. 

فهذه الحالة التي نشهدها حالياً أمامنا، وتثبتها المعلومات الصحيحة الموثقة، أكدت الوقائع التي رأيناها أيضاً أمامنا خلال السنة الماضية بأن الدخول في صناعة إنتاج اللقاح تُعد تجارة لن تبور، فأرباحها مضمونة ومستدامة وكبيرة جداً.

 

فمن المعلوم بأن قرابة 7.8 بليون إنسان يعيشون على وجه الأرض يحتاجون إلى شراء هذا اللقاح، وليست جرعة واحدة فقط من اللقاح، وإنما جرعتين متتاليتين، وليس مرة واحدة في العمر فقط، وإنما بحاجة إلى التلقيح بشكلٍ سنوي مستمر مدى الحياة، مما يؤكد بأن هذه التجارة لن تنكمش، ولن يقل الطلب عليها، ولن تنخفض أرباحها لسنوات طويلة قادمة.

فعلى سبيل المثال،  شركة مودرنا(Moderna) الأمريكية التي تأسست في سبتمبر 2010 في مدينة كامبريدج بولاية ماساشوستس، تُعتبر من الشركة الصغيرة المغمورة التي تعمل على تطوير لقاح باستخدام تقنية الحمض النووي الريبوزي، ولم تنجح من قبل في صناعة أي لقاح، فعندما أعلنت في يناير 2020 بأنها ستعمل على تطوير هذا اللقاح الجديد تقنياً ضد كورونا، وبدأت بالدعاية الإعلامية لتضخيم أعمالها، ارتفعت أسهمها وزادت ثلاثة أضعاف، وارتفعت قيمتها السوقية إلى 26 بليون دولار، كما أنها نالت ثقة الحكومة الأمريكية بدعمها مالياً لمساعدتها في تطوير اللقاح، حسب ما ورد في مقال النيويورك تايمس في 26 يوليو 2020، كما أنها عندما أعلنت في 10 ديسمبر 2020 عن انتهاء تجارب المرحلة الثالثة من إنتاج اللقاح، وأكدت بأن فاعلية اللقاح بلغت 94.5%، حدثت طفرة حادة أخرى بمستويات قياسية في قيمة الأسهم، ووصلت الزيادة إلى 212 في المائة لتبلغ القيمة السوقية للشركة 30 مليار دولار. وهذا المثال ينطبق على باقي الشركات لاتي دخلت سباق إنتاج اللقاح، حيث أفادت التقارير بالنسبة لأسهم 18 شركة عالمية تقوم بتطوير اللقاح، وأكدت بأن أسهمها قفزت بنسبة تتراوح بين 17 و 1892% في أغسطس 2020، كما ارتفعت القيمة السوقية لهذه الشركات، والتي معظمها، أي عشر منها في الولايات المتحدة الأمريكية، مثل موديرنا، وفايزر، وجونسون آند جونسون، ونوفافاكس، والباقي في سويسرا وبريطانيا وألمانيا والصين وفرنسا واليابان.

ونظراً لعلم هذه الشركات وحكومات هذه الشركات بالأرباح والمكاسب المالية الطائلة التي يمكن جنيها من تطوير وتصنيع اللقاح، فإنها بدأت باحتكار هذه العملية كلياً، وجعل دائرة التطوير، والإنتاج، والتصنيع، والتوزيع، والتسويق في مصانعها في الدول الأم التي تنتمي إليها، وذلك من أجل ضمان الأرباح التي تدخل في ميزانية هذه الشركات والحكومات معاً، إضافة إلى التحكم في الأسعار كيفما تشاء، وحينما تشاء.

وتأكيداً على هذه الحقيقة فقد نشرتُ مقالاً في أخبار الخليج في الأول من أبريل 2021 تحت عنوان احتكار اللقاح، وذكرتُ فيه عن كَشْف الـ بي بي سي النقاب عن تقرير سري، ووثيقة مسربة حَصلتْ عليها في 20 مارس من العام الجاري، وهذه الوثيقة تؤكد بأن هناك دولاً غربية غنية ومتقدمة من ضمنها بريطانيا العظمى، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي تعمل بشكلٍ جدي على عرقلة تصنيع وإنتاج اللقاحات في الدول النامية، وتقف حجر عثرة أمام الجهود التي تبذلها الدول الفقيرة والنامية عن طريق المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة التجارة الدولية لتحويل جزءٍ من إنتاج وصناعة اللقاح إلى دولها من أجل التسريع في الإنتاج، وتلقيح شعوبها قبل فوات الأوان.

كما أن ما يؤكد لي بأن تجارة إنتاج اللقاح لن تبور هو استثمار الحكومات وليس الشعوب فقط في هذه الشركات المطورة والمنتجة للقاح بمبالغ ضخمة، ودعمها غير المسبوق لهذه الشركات، فأرسلتْ بذلك برسائل إيجابية ومحفزة إلى سوق الأسهم، وأعطت إشارات مطمئنة للمستثمرين الآخرين، فقد دفعت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا ودول أخرى مئات الملايين من الدولارات لحجز وشراء المليارات من جرعات اللقاح قبل أن يتم التأكد من قدرة هذه الشركات على تطوير وإنتاج اللقاح المناسب لحماية الإنسان من شر هذا الوباء العصيب، وقبل أن تجرى أية تجارب سريرية تفيد بفاعلية هذه اللقاحات وجدواها للاستخدام البشري.

فكل هذه العوامل التي ذكرتها تشير إلى أن تطوير وإنتاج اللقاح الخاص بمكافحة فيروس كورونا المسبب لمرض كوفيد_19 تحول إلى عمل تجاري مضمون الربحية على المدى القريب والبعيد، ولذلك لا أستغرب البتة استغلال الشركات والدول لهذا اللقاح لتحقيق المكاسب المالية بالطرق الشرعية وغير الشرعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق