الأربعاء، 2 يونيو 2021

استراتيجيتُنا لقطاع السيارات

لم تكن زيارة الرئيس الأمريكي بايدن في 18 مايو من العام الجاري لمجمع ومركز تاريخي لإنتاج وصناعة السيارات في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الترفيه والتسلية والاستعراض عند ركوب إحدى السيارات الكهربائية من نوع الشاحنات الصغيرة(بيك أب) من طراز ( F-150 Lightning) التي أنتجتها شركة فورد العريقة لصناعة السيارات.

 

فزيارة بايدن لمركز فورد روج للسيارات الكهربائية(Ford Rouge Electric Vehicle Center)في مدينة ديربورن(Dearborn) بالقرب من ديترويت، العاصمة التاريخية لصناعة السيارات الأمريكية، كانت بهدف تدشين وتسويق خطة كبيرة وطموحة وضعها قبيل دخوله البيت الأبيض تحت عنوان: "خطة وظائف أمريكا"(American Jobs Plan)، وهي برنامج عظيم يكلف قرابة 1.7 تريليون دولار، حسب التعديل الأخير المنشور في 22 مايو، وسيُنْفَق على تطوير وتحديث البنية التحتية في الولايات المتحدة برمتها، من حيث بناء الشوارع، والجسور، إضافة إلى تطوير ودعم الصناعات الخضراء المتعلقة بمكافحة التغير المناخي وخفض انبعاث أمريكا من الغازات المتهمة برفع درجة حرارة الأرض، وبالتحديد غاز ثاني أكسيد الكربون.

واختيار هذا المركز القومي التاريخي العريق لصناعة السيارات جاء بسبب أن قطاع المواصلات هو المسؤول الأول عن انبعاث هذه الملوثات التي تحدث التغير المناخي وتؤدي إلى سخونة الأرض ومرضها. فقد انتهز بايدن فرصة وجوده في مصنع للسيارات للتركيز على دور هذا القطاع في خفض انبعاثات الغازات المتهمة بسخونة الأرض والمساهمة في مساعدة أمريكا في التعهد بالتزاماتها القومية والدولية في خفض الانبعاث.

 

فقد كانت مناسبة جيدة لرفع مستوى الوعي الشعبي وتشجيع وتحفيز الشعب الأمريكي وشعوب العالم أجمع، إضافة إلى شركات إنتاج السيارات إلى التوجه نحو صناعة السيارات الكهربائية وشرائها والتي لا تنبعث عنها أية ملوثات تدهور نوعية الهواء، أو ترفع من درجة حرارة الأرض فتؤدي إلى وقوع التغير المناخي.

 

فبهذه الزيارة الخاطفة رسم بايدن استراتيجية طويلة المدى، ووضع سياسة عامة ملخصها أن المستقبل سيكون للسيارات الكهربائية، حيث قال في الكلمة التي ألقاها أثناء الزيارة:"مستقبل صناعة السيارات هو الكهرباء، فليس هناك رجعة"، وأضاف قائلاً حول الإنتاج العالمي للسيارات الكهربائية: "الآن الصين تقود السباق... ولكنها لن تفوز بالسباق".

 

وكما أن الرئيس بايدن طرح سياساته القومية الاتحادية المتعلقة بقطاع السيارات، فعلينا في البحرين، وفي دول مجلس التعاون التفكير في استراتيجية حول السيارات الكهربائية ومستقبل سيارات الجازولين والديزل، والتعرف على تبعات وتداعيات مثل هذه الاستراتيجية على قطاع تكرير النفط وتوليد الكهرباء، وغيرهما من القطاعات التي من الممكن أن تتأثر وتتضرر بذلك.

 

ففي البحرين لا توجد حتى الآن سياسة حكومية عامة مدروسة ومعتمدة من مجلس الوزراء حول السيارات الكهربائية بشكلٍ عام، بحيث تكون هذه الاستراتيجية نافذة على كافة وزارات وهيئات الدولة، وتشكل الغطاء السياسي للشركات المستوردة للسيارات، وشركات بناء محطات التزود بالوقود، إضافة إلى شركات صيانة وتصليح وقطع غيار السيارات من أجل الاستثمار في بناء كافة المرافق الخاصة بالسيارات الكهربائية. وعلاوة على ذلك فإن هناك حاجة إلى توجيه المستهلك وتشجيعه وتحفيزه لشراء مثل هذه السيارات الكهربائية.

 

ففي الوقت الحالي هناك قرارات فردية ضيقة، واجتهادات شخصية تَصدر من بعض الأقسام في بعض الوزارات، وليست سياسات عامة على مستوى حكومة مملكة البحرين يطبقها الجميع ويسير على هداها. فعلى سبيل المثال، أعلنتْ وزارة التجارة في 12 يناير 2021 عن بدء استقبال طلبات استيراد السيارات الكهربائية عبر المنافذ الجمركية لمملكة البحرين للغرض التجاري، كما جاء في الخبر بأن الوزارة بصدد اصدار قرار وزاري لتنظيم استيراد وبيع وتداول السيارات الكهربائية وشواحنها في الأسواق المحلية لمملكة البحرين في النصف الأول من عام 2021. كذلك نُشر خبر في وسائل الإعلام المحلية عن افتتاح أول محطة لشحن بطارية السيارات الكهربائية في 26 أبريل 2021.

 

ومثل هذه الأخبار تُثير الكثير من التساؤلات لدى الشارع البحريني من مواطن عادي ومن المستثمرين، مثل: هل ستتجه البلاد نحو تبني السيارات الكهربائية وإحالة سيارات الجازولين بشكلٍ تدريجي إلى التقاعد؟ وهل ستقوم الحكومة أُسوة ببعض الحكومات الخليجية في دعم شراء السيارات الكهربائية من أجل تشجيع الناس إلى شرائها؟ وهل يستطيع المستثمر الدخول في مجال فتح محطات لتزويد السيارات بالكهرباء في كل أنحاء البلاد؟ وهل تبدأ شركات استيراد السيارات بالتركيز والاستثمار تدريجياً على استيراد السيارات الكهربائية، وتحويل مرافقها لاستيعاب والتعامل مع احتياجات السيارات الكهربائية من تصليح، وقطع غيار، وتأهيل الفنيين والتقنيين، وشراء الأجهزة والمعدات اللازمة للسيارات الكهربائية بشكلٍ خاص؟

 

ولذلك لا بد من مملكة البحرين خاصة، ودول مجلس التعاون عامة البدء في وضع استراتيجية وسياسىة عامة حول رؤيتهم المستقبلية للسيارات الكهربائية، وهذه سياسة لا بد من التفكير فيها من الآن، فهي سياسة واقعية، وهي مفروضة علينا دولياً من جهة، ومفروضة علينا من قبل الشركات المصنعة للسيارات من جهةٍ أخرى، شئنا أم أبينا. أما من الناحية الدولية فالولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والصين اتخذوا قراراً موحداً على التخلص من سيارات الديزل والجازولين واستبدالهما بالسيارات الكهربائية بحلول عام 2030. وأما من ناحية كبريات الشركات المصنعة للسيارات في هذه الدول، فهي قد اتخذت قراراً نهائياً حول تبني صناعة السيارات الكهربائية، ودخلت في سباقٍ محموم للفوز بالحصة الكبرى من سوق السيارات، فجميعها يهرول نحو إنتاج الأفضل من الناحية الفنية والتقنية ومن ناحية كلفة الشراء للسيارات الكهربائية، إضافة إلى تخلصها من سيارات الاحتراق الداخلي، أو سيارات الجازولين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق