الاثنين، 7 يونيو 2021

عملية قسطرة لخليج توبلي

نقلتْ وسائل الإعلام المحلية خبراً ساراً في الثلاثين من مايو يبعث نحو التفاؤل والأمل، حيث جاء فيه بأن وزارة شؤون الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني بدأت بأعمال مشروع توسعة وتعميق قناة المعامير التي تقع جنوب خليج توبلي، والذي يندرج ضمن حزمة من المشاريع ضمن مشروع استراتيجي تعمل الوزارة على تنفيذه. كما أفاد الخبر بأن هذا المشروع يهدف إلى تحسين الوضع البيئي في خليج توبلي وتحسين تدفق المياه فيه، ويشمل توسعة قناة المعامير بطول 750 متراً، وبعرض 180متراً وحفر القناة ليبلغ عمقها مترين، مما يؤدي إلى تحسين حركة تدفق المياه من الجهة الجنوبية، إضافة إلى زيادة حركة وجريان المياه إلى الخليج بشكلٍ عام وتحسين جودة مياه البحر. كذلك يشتمل المشروع على زيادة طول القناة الحالية بطول 24 متراً من الشمال والجنوب ليصل الطول الكلي إلى 100 متر، وتوسعة المجرى المائي بإنشاء أنابيب موازية بطول 100 متر ليكون العرض الكلي للمجرى 70 متراً.

 

فهذه العملية التي ستُجرى على خليج توبلي، أنتظرها شخصياً منذ أكثر من أربعين عاماً، ودعوتُ مرات كثيرة إلى إجرائها وبسرعة شديدة، فهي بمثابة عملية القسطرة المؤجلة لقلب خليج توبلي، والذي تعرض خلال تلك العقود الطويلة الماضية لانسداد في العديد من الشرايين الرئيسة التي تغذي القلب، فتؤثر على أدائه ووظيفته، واستدامة حياته.

 

فكما يعلم الجميع فإن الفتحات المائية التي تغذي خليج توبلي معدودة وصغيرة وغير عميقة، ومحدودة الطول، ولذلك تجدد وتحرك المياه في بطن الخليج يكون بطيئاً وقليلاً، ولا يؤدي إلى استمرارية حماية الخليج والحفاظ على جودة مياهه واستدامة الحياة البحرية فيه. فوجود هذه الفتحات المائية تُشكل أحد الشرايين الذي يعطي الروح للخليج، ويزوده بالحياة، ويسهل من تدفق وضخ الدم في قلبه، ولذلك فمشروع توسعة وتعميق قناة المعامير هو بمثابة عملية القسطرة التي ستقوم بتشخيص المرض الذي يعاني منه القلب، وهو أهم عضو في جسم الإنسان، فيفتح الشرايين المسدودة التي تقف عائقاً أمام ضخ الدم للقلب وسلامة الجسد برمته.   

 

فعملية القسطرة الأولى هذه تحتاج إلى الاستمرارية، والقيام بعمليات أخرى كثيرة لإرجاع الروح إلى جسد الخليج المنهك منذ سنوات طويلة، ووقف التعديات كلها على حرماته، حتى يرجع الخليج إلى ما كان عليه قبل أكثر من ستين عاماً، أي قبل أن تبدأ أيدي الإنسان في العبث في كل عضو من جسده.

 

فالخليج حالياً يعاني من أمراض مزمنة، أضعفت جسده، وأثرت على إنتاجيته وعطائه، فيجب معالجتها جميعاً حتى يرجع إلى ما كان عليه. فهناك أولاً عمليات الدفان، التي من المفروض أنها قد توقفت كلياً، فهذه العمليات هي التي بدأت في قطع شرايين الحياة الدموية للخليج، وهي التي أكلت من جسد الخليج، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى أن هذا الجسد العليل فَقَدَ الكثير من أعضائه المنتجة والحيوية، حيث انكمشت المساحة من قرابة ثلاثين كيلومتراً مربعاً إلى قرابة 13 كيلومتراً مربعاً، ولذلك فخسارة أي شبرٍ آخر مستقبلاً سيُقلل من احتمال استمرارية الحياة للخليج، ويضعف قلبه، فيقل ضغط الدم فيه، ويموت موتاً بطيئاً رويداً رويداً.  

 

والجدير بالذكر فإن هناك تشريعات اتجهت نحو حماية الخليج من أية عمليات دفان جديدة، فهناك أولاً المرسوم بقانون رقم (53) لسنة 2006 باعتبار خليج توبلي منطقة محمية طبيعية، والصادر في الخامس من أغسطس 2006، حيث جاء في المادة الأولى أنه يعتبر خليج توبلي محمية طبيعية من الفئة الثانية، أو متنزه وطني، وجاء في مادة ثانية أن مساحة الخليج يجب أن لا تقل عن 13.5 كيلومتر مربع.

 

وهناك ثانياً القرار الوزاري الصادر من شئون البلديات والتخطيط العمراني رقم (70) لسنة 2011 بشأن تحديد خط الدفان في خليج توبلي والصادر بتاريخ 12 يونيو 2011، حيث حدد مساحة الخليج بـ 15.91 كيلومتر مربع، علماً بأن هذا القرار جاء متأخراً، أي أن هذا القرار ظهر إلى الوجود بعد أكثر من خمس سنوات من المرسوم أعلاه!

 

كذلك هناك التوجيهات المباشرة التي صدرت من مجلس الوزراء ومن اللجنة التنسيقية حول حماية هذا الخليج، منها أن اللجنة التنسيقية في اجتماعها الـ 286 المنعقد في السابع من نوفمبر 2019 قد اطلعتْ على مقترحات خليج توبلي والمحافظة على بيئته، ثم موافقة مجلس الوزراء في الاجتماع المنعقد في 11 نوفمبر 2019 على خطة شاملة لتطوير خليج توبلي تحافظ على طبيعية البيئة، وتجمل المنطقة المحيطة به، وتحسن دورات حركة المياه.

 

فكل هذه المراسيم، والتوجيهات المباشرة من مجلس الوزراء تثبت بأن الخليج لا يحتاج إلى المزيد من التشريعات والقوانين والأنظمة، أو توجيهات جديدة من جهات عليا، وإنما بحاجة ماسة إلى "مشاريع" تنفيذية واقعية نراها أمام أعيننا، كمشروع توسعة وتعميق قناة المعامير.

 

ومن هذا المنطلق فإنني أدعو الجهات المعنية إلى رسم "خارطة طريق" تنفيذية لإنقاذ ما تبقى من جسم الخليج، كما يلي:

أولاً: يجب أن تكون خارطة الطريق شاملة ومتكاملة، أي أنها تعالج تنفيذياً وجذرياً كل الأبعاد والعوامل والمصادر التي قد تؤثر سلباً على الخليج في المستقبل القريب والبعيد، سواء من ناحية جسد الخليج ومساحته وعمقه، أو من ناحية نوعية البيئة البحرية وسلامة الحياة الفطرية.

ثانياً: استناداً إلى المرسوم بقانون رقم (53) لسنة 2006 باعتبار خليج توبلي منطقة محمية طبيعية، فإن هناك متطلبات قومية ودولية لتحويل أية منطقة برية أو بحرية إلى محمية، ومن هذه المتطلبات إصدار شهادة مسح تبين مساحة وحدود المحمية، ثم إصدار "وثيقة أرض محمية خليج توبلي"، إضافة إلى وضع الأنظمة التي تحدد الأعمال والممارسات المسموح بها والمحظورة في المحمية، حتى تكون هناك مراقبة وحساب وعقاب لكل من يخالف هذه الأنظمة.

ثالثاً: معالجة التهديدات الأخرى للخليج والمتمثلة في مياه الصرف من محطة توبلي لمعالجة مياه المجاري، ومصانع غسيل الرمل، وإزالة حمأة مياه المجاري المتكدسة في السواحل وفي التربة القاعية أمام محطة معالجة مياه المجاري، إضافة إلى تنظيف الخليج من المخلفات الصلبة وشبه الصلبة.

رابعاً: ومن أهم النقاط هي تخصيص الموارد المالية المطلوبة لتنفيذ خارطة الطريق.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق