الاثنين، 28 يونيو 2021

أول استراتيجية أمريكية لمواجهة الإرهاب الداخلي


حادثة الحادي عشر من سبتمبر 2001 الرهيبة وجهتْ أنظار العالم عامة، والولايات المتحدة الأمريكية خاصة نحو الإرهاب، وبالتحديد الإرهاب الذي أُطْلقَ عليه بالإرهاب الإسلامي، وإرهاب الجماعات والتنظيمات الإسلامية الدولية، حيث ركزت أمريكا بشكلٍ كلي وشامل بعد هذه الحادثة على التنظيمات الإسلامية عامة بكل مسمياتها، ووجهت بوصلتها كلياً نحو هذه الجماعات بصفةٍ خاصة، والدين الإسلامي بشكلٍ عام، كما إنها شمَّرت كل جهودها ومواردها البشرية والمالية نحو متابعتها ومراقبتها والدخول في المعارك ضدها في كل أرض وفي كل دولة، إضافة إلى إرسال الرسائل إلى الحكومات والدول الإسلامية نحو غربلة المناهج والمقررات الدراسية والتعليمية وخطب الجمعة وغيرها لإفراغها تماماً من آيات الدعوة إلى الجهاد والقتال، كذلك تجفيف المنابع المالية لهؤلاء الجماعات. ولذلك فأثناء العقدين الماضيين انشغلتْ أمريكا بمواجهة هذا التهديد الإرهابي الإسلامي القادم من الخارج، وتصدت لها من خلال شد الرحال عسكرياً وثقافياً وفكرياً ومالياً، والذهاب إلى عقر دارها ومسقط رأسها.

 

ولكن في الوقت نفسه نزلت على الولايات المتحدة الأمريكية كارثة أخرى جعلتها تُصحح قليلاً من بوصلتها الأمنية التي انحرفت كلياً طوال أكثر من عشرين عاماً نحو الإرهاب الخارجي المتمثل حصرياً وكلياً في التنظيمات الإسلامية، كما اضطرتها إلى إجراء إصلاحٍ طفيف في مسارها واستراتيجيتها، وهذه الكارثة هي اقتحام بيت الديمقراطية الأمريكي واحتلال مبنى الكونجرس لعدة ساعات ووقوع حوادث قتل، وعنفٍ، وشغب في السادس من يناير 2021، أي قُبيل تسليم السلطة رسمياً بشكلٍ ديمقراطي وسلمي إلى الرئيس المنتخب جو بايدن.

 

فهذه الكارثة الفريدة من نوعها في أمريكا والتي قد لم تشهد مثيلاً لها، إضافة إلى حوادث انقلابية أخرى تم الكشف عنها قبل وقوعها من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالية(إف بي آي) في أكتوبر 2020، كالمحاولة الانقلابية في ولاية ميشيجن، جعلت الأجهزة والوكالات الأمنية تُعيد حساباتها من جديد بالنسبة لمصدر الإرهاب، وتغير نظرتها ورؤيتها حول التهديدات التي يجب أن تحظى بأولوية الاهتمام بالنسبة لأمن واستقرار أمريكا داخلياً.

فآخر التصريحات الرسمية من أعلى المستويات حول هذه القضية الأمنية، وبالتحديد من رئيس الولايات الأمريكية جو بايدن، كان بعد مرور مائة يوم على دخوله في البيت الأبيض واستلامه لمقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ألقى خطاباً للكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب في 28 أبريل من العام الجاري، وبيَّن فيه أمراً مهماً جداً وهو أن شبكات الإرهاب الدولي انتقلت حالياً خارج البلاد، كما حذَّر بأن جماعات تفوق العرق الأبيض تمثل تهديداً أكبر من الجماعات الأجنبية، بل ويفوق هذا التهديد كثيراً الإرهاب من الجماعات التي تدَّعي الإسلام، كالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، فقال الرئيس: "لا تخطئ. خلال العشرين سنة، الإرهابيين _ الإرهاب ازداد في حجمه. التهديد انتقل إلى خارج أفغانستان"، كما أضاف قائلاً: "الذين يعملون في اللجان الاستخباراتية، لجنة العلاقات الخارجية، اللجان الدفاعية، أنتم تعلمون جيداً، فعلينا أن نبقى يقظين أمام التهديدات للولايات المتحدة من أي مكان تأتي منها"، ثم ركز اهتمامه على التهديدات الإرهابية الداخلية، حيث قال:" نحن لن نتجاهل ما حددته وكالاتنا الاستخباراتية بالتهديد الإرهابي الأشد على أرضنا اليوم: جماعات تفوق العرق الأبيض يُعد إرهاباً، ولن نتجاهل هذا أيضاً".

 

واليوم وبالتحديد في 15 يونيو، تحولت التصريحات والأقوال إلى أعمال تتسم بوضوح الرؤية ورغبة صادقة نحو الدخول في مرحلة التنفيذ ضد المجموعات الإرهابية الداخلية، فدشن البيت الأبيض، ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية خطة شاملة لمواجهة الإرهاب الداخلي من اليمين المسيحي المتطرف بشكلٍ خاص، ونشر "مجلس الأمن القومي"(National Security Council) هذه الخطة تحت عنوان:" الأستراتيجية القومية لمواجهة الإرهاب الداخلي(National Strategy for Countering Domestic Terrorism)، ثم جاء الإعلان الرسمي لهذه الخطة من قبل النائب العام، ميريك جارلند( Merrick Garland).

وقد تكونت الاستراتيجية من 32 صفحة وخمسة بنود هي: المقدمة، والتهديدات الحالية، ومَدْخَلُنا، ثم أركان الاستراتيجية، وأخيراً البند الخاص بالطريق للمستقبل. وقد كتب الرئيس بايدن كلمة في صفحة الافتتاحية قال فيها: "في أول يوم لي في الحكم، وجهتُ فريق الأمن القومي لمواجهة نمو الإرهاب الداخلي بكل الموارد الضرورية وحله. اليوم، أنا أُدشن أول استراتيجية قومية لمواجهة الإرهاب الداخلي". كما قال: "هذه الاستراتيجية تُقدم مدخلاً شاملاً لحماية أُمتنا من الإرهاب الداخلي، وفي الوقت نفسه حماية الحريات والحقوق المدنية.....فلا نستطيع تجاهل التهديد أو أن نتمنى زواله...فمنع التهديد الداخلي وخفض العوامل التي تمثل وقوداً له يحتاج إلى مواجهة متعددة الأوجه من خلال الحكومة الاتحادية وخارجها".

وأما البند المتعلق بأركان الاستراتيجية فقد تم تقسيمه إلى أربع نقاط، الأولى هي جُهودنا لفهم والمشاركة في المعلومات المتعلقة بتهديدات الإرهاب الداخلي من جميع مصادره، والثانية جهودنا لمنع الإرهاب الداخلي من خلال منع التجنيد، والتحريض، وتحريك الأمريكيين للعنف، وأما الثالثة فتتمثل في جهودنا لمنع الأنشطة الإرهابية قبل وقوعها، ثم يأتي الركن الرابع والأخير للاستراتيجية وهو مواجهة القضايا طويلة الأمد والتي تسهم في الإرهاب الداخلي في بلادنا من أجل خفض درجة التهديد الإرهابي عبر الأجيال اللاحقة.

وهناك نقطتان أود التركيز عليهما لعلنا نستفيد منهما عند قراءة وتحليل هذه الاستراتيجية. أما النقطة الأولى فهي أن الاستراتيجية تشير إلى أنها لن تستطيع كلياً القضاء على الإرهاب الداخلي دون مواجهة ومعالجة جذور الأسباب التي تؤدي إلى وقوعها، فلكل عملية إرهابية أسبابها، ومبرراتها، ودوافعها، فيجب دراسة كل هذه الأسباب والتصدي لها من أعماق جذورها حتى لا تتكرر. فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة بعض أسباب وقوع العمليات الإرهابية تكمن في تنامي العنصرية والكراهية ضد السود، والأقليات، والأديان الأخرى، ومنها أيضاً توافر السلاح بسهولة مما يشجع استعماله والقيام بارتكاب المذابح الجماعية، إضافة إلى عدم وجود التشريعات التي تتعامل مع العمليات الإرهابية الداخلية، ومنها كذلك السماح لنشر الكراهية والتمييز في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بحجة حرية الرأي والتعبير. وفي دولنا ربما قد تكون أسباب الإرهاب والتطرف مختلفة بعض الشيء، فمنها الفقر، وضعف تنفيذ مبادئ العدالة الاجتماعية، إضافة إلى فقر تطبيق أسس الديمقراطية ونزاهة الانتخابات، ولذلك عند محاربة الإرهاب يجب في الوقت نفسه معالجة كل هذه العوامل التي قد تؤدي إلى وقوعها، قبل المعالجة العسكرية والأمنية.

والنقطة الثانية فهي أن الاستراتيجية الأمريكية عند تطبيقها لا تُركز على أفكار ومبادئ مرتكب العملية الإرهابية، حتى تتجنب الاستراتيجية تسيسها، أي تكون خارج دائرة السياسة والأهواء والمصالح الحزبية، وإنما تركز على العنف المرتكب وحجم هذا العنف عند المحاكمة وتحديد العقاب. فاليوم ما نشاهده هو أن من يقوم بطعن إنسان واحد وجرحه جروحاً طفيفة فقط وهو يدَّعي الإسلام، ويقول الله أكبر عند قيامة بعملية الطعن، يقوم المجتمع الدولي بتصنيف العملية إرهابية، وتغلظ عليه العقوبة، في حين أن الذي يقتل العشرات إعداماً أمام الناس، فإن العملية لا تكون إرهابية ولا يحاكم ضمن قانون الإرهاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق