الخميس، 17 يونيو 2021

الحزام الرأسمالي في مواجهة الحزام الشيوعي


بدأ قطار الصين في التحرك بثباتٍ وببطء منذ أن دقت ساعة الصفر في أكتوبر عام 2013، وهو يجوب دول العالم بدءاً بدول شرق آسيا ثم القارة الأوروبية، وهذا القطار الصيني وهو يسير في طريقه الممنهج الطويل حَمَل معه حتى الآن نحو مائة دولة.

 

وقد أطلق الصينيون على هذا القطار "مبادرة الحزام والطريق" (Belt and Road Initiative)، وباختصار بي آر آي( BRI)، وسيكون هذا القطار مماثلاً لطريق الحرير التاريخي القديم الذي ربط بين دول العالم في الشرق، والشرق الأوسط، وأفريقيا، والغرب، ولكن هذا القطار الجديد سيكون تركيزه على الربط بين الدول عن طريق إنشاء ممرات تجارية آمنة جديدة تربط بين الصين وأفريقيا وباقي الدول، وتعبر القارات، من شرق آسيا إلى أوروبا، وذلك من خلال تطوير وإنشاء البنية التحتية للدول الفقيرة خاصة، من طرق سريعة وممهدة، وموانئ بحرية، وسكك الحديد، وخطوط الأنابيب، وخطوط السفن البحرية، إضافة إلى مناطق صناعية مشتركة.

 

وهذه المبادرة التي دشنتها الصين ظاهرها الرحمة وباطنها السيطرة الناعمة على هذه الدول بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وبخاصة بالنسبة للدول النامية الفقيرة والمستضعفة التي تفتقر إلى الموارد المالية والبشرية الفنية والخبرات العالية، حيث تقوم الصين بتمويل ودعم مشاريع البنية التحتية في هذه الدول المحتاجة عن طريق قروضٍ حسنة وميسرة طويلة الأمد، ومن خلالها تكون هذه الدول رهن إشارة الصين في أية لحظة، وتحت هيمنتها المباشرة، وتأثيرها الناعم والقوي سياسياً وفكرياً وثقافياً، بل ويمنحها النفوذ على هذه الدول دون نزاعات أو حروب، وبخاصة عندما تكون هذه الدول غير قادرة على سداد ديونها الكبيرة، فتغرق رويداً رويداً في بحر هذه الديون التي تتراكم عليها سنة بعد سنة. وعلاوة على ذلك فإن القطار الصيني وصل إلى دول الخليج في أبريل 2021 عندما كان على متنه وزير الخارجية الصيني حيث وقف القطار في ست محطات في الشرق الأوسط منها السعودية والإمارات وتركيا وإيران والبحرين وعمان، بهدف التعاون في إنشاء وبناء الحزام والانضمام إليه، إضافة إلى النمو الاقتصادي في هذه الدول ومحاربة وباء كورونا العظيم.

 

فهذا القطار الصيني الشيوعي الذي يسير تحت غطاء التنمية وتعزيز الاقتصاد الدولي، والشراكة مع الدول النامية وتحسين وازدهار حياة شعوبها، أيقظ المعسكر الغربي الرأسمالي من غفوته بعد قرابة تسعة سنوات من تدشينه، وأحيا فيه روح المنافسة والمواجهة لهذا القطار، فكان لا بد من البديل الأكثر جاذبية وإغراءً للدول النامية والفقيرة لكي تركب أيضاً في الوقت نفسه القطار الرأسمالي، أو أن تنزل من القطار الصيني الشيوعي وتركب في القطار الأمريكي الغربي.

 

فجاء القطار الأمريكي الغربي الذي تم تقديمه إلى العالم من البيت الأبيض في 12 يونيو أثناء قمة الدول السبع الكبرى(جي 7) التي عُقدت في مدينة كورنوال(Cornwall) الساحلية في بريطانيا في الفترة من 11 إلى 13 يونيو من العام الجاري، من خلال البيان تحت عنوان: "الرئيس بايدن وقادة الدول السبع يدشنون شراكة في مبادرة "إعادة بناء عالم أفضل". فقد أَطلقَ البيت الأبيض على هذا القطار باسم قطار "إعادة بناء عالمٍ أفضل"(Build Back Better World)، أو باختصار بي 3 دبليو(B3W)، وسماه بالمبادرة الخضراء النظيفة( Clean Green Initiative). فمن مواصفات هذا القطار البديل التي تختلف عن القطار الصيني هي أنه، كما ورد في نشرة البيت الأبيض، يعكس القيَّم والمبادئ الغربية، وأنه أكثر التزاماً بالأسس والمعايير البيئية، وأشد وضوحاً من ناحية الشفافية والمحاسبة، وأكثر استدامة مالياً، وبيئياً، واجتماعياً.

 

وتم تدشين هذا القطار رسمياً من قادة الدول السبع وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، واليابان، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، وجاء ذلك في الإعلان والبيان الختامي للقمة تحت عنوان: "إعلان قمة كاربيس باي(Carbis Bay)، جدول الأعمال المشترك لعمل دولي من أجل إعادة بناء أفضل".  والبند رقم (67) قدَّم تفاصيل هذا القطار الرأسمالي الغربي، حيث جاء فيه بأن هناك حاجة لبناء بنية تحتية في الدول محدودة ومتوسطة الدخل والتي تضررت كثيراً من الوباء، كما سيكون مَدْخَلُنا وأسلوبنا في تمويل البنية التحتية مختلفاً من حيث نوعية وجودة البنية التحتية وأدوات الاستثمار، وسنقوي ونعزز من شراكتنا مع الدول النامية ومساعدتهم ودعمهم لتلبية احتياجاتهم من البنية التحتية، وسنقوم بالعمل سوياً من أجل إعادة بناء أفضل للعالم، وبالتحديد في مجالات أربعة هي مواجهة تأثيرات التغير المناخي، والأنظمة الصحية والأمن، وتطوير حلول رقمية، والمساواة بين الجنسين والتعليم. ومن بين هذه المجالات ستكون الأولوية لمبادرة النمو الأخضر والنظيف لتحقيق تحول مستدام وأخضر وبما يتوافق مع اتفاقية باريس للتغير المناخي، وجدول الأعمال 2030. ومدخلنا في تحقيق هذه الأهداف وتنفيذ المبادرة سيعتمد على المبادئ الرئيسة التالية وهي رؤية مبنية على القيَّم من ناحية تنمية البنية التحتية بنظام شفاف ومستدام مالياً، وبيئياً، واجتماعياً، ثم التعاون الشديد والتنسيق مع الشركاء ومنهم الدول النامية، كذلك وضع معايير حازمة ذات جودة عالية  لإنشاء البنية التحتية من جميع النواحي البيئية والاجتماعية والمالية والعمالية، كذلك تعزيز التمويل متعدد الأطراف والشراكة الاستراتيجية بين كافة الدول المعنية.

وخلاصة نجد أن مبادرة الدول السبع تدَّعي بأنها أفضل من مبادرة الصين في أنها مستندة على قيم ومبادئ ذات شفافية عالية، وجودة مرتفعة في التنفيذ، كما أنها مستدامة بيئياً، واجتماعياً، ومالياً، وأن هذه المبادرة هي البديل الديمقراطي للمبادرة الصينية الدكتاتورية الشيوعية التي تستغل حاجة الشعوب الفقيرة للتنمية.

وفي تقديري فإن كلتا المبادرتين، الرأسمالية الغربية الديمقراطية من جهة، والصينية الشيوعية من جهة أخرى لا تهمها صحة الشعوب، ولا تأخذ في الاعتبار ازدهار الحكومات، وتطوير العمليات التنموية في الدول الفقيرة والنامية، فالدول الغنية المتقدمة في الغرب والشرق لا يوجد في قاموسها وفي مبادئها: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً، إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً"، فهي جميعها تعمل لتنمية وتوسيع دائرة مصالحها وقدراتها، وتعزيز هيمنتها، وتقوية نفوذها، تارة باستخدام القوة العسكرية واحتلال واستعمار الدول وسرقة مواردها كما كان في السابق، وتارة باستخدام أدوات ووسائل القوى الناعمة الحديثة تحت إسم المساعدات المالية، والدعم الفني والتقني، وتقديم الأدوية واللقاحات.

 

ولذلك عند اختيارنا لهاتين المبادرتين علينا أن نتبع ونشترك في ما هو أصلح لديننا، ودنيانا، وآخرتنا، سواء من الغرب أو الشرق.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق