الاثنين، 21 يونيو 2021

قانون أمريكي جديد يهُم المرأة


قانون جديد تم طرحه على مجلس الشيوخ الأمريكي تحت عنوان: "منع مركبات بِي إِف أي إس في مستحضرات التجميل"( No PFAS in Cosmetics Act)، وهذا القانون لأهميته من الناحية الصحية بشكلٍ خاصة للمواطن الأمريكي عامة، فقد نال ثقة بعض الأعضاء المنتمين للحزبين الديمقراطي والجمهوري، حيث تم إعداده وتقديمة إلى الكونجرس من قبل عضوين هما سوزان كولينز(Susan Collins) من ولاية مَين(Main) من الحزب الجمهوري، وريتشارد بلومنثال(Richard Blumenthal) من الحزب الديمقراطي من ولاية كونيتيكت. وعلاوة على ذلك فقد تم عرض القانون أيضاً في مجلس النواب من النائبة الديمقراطي من ولاية ميشيجن ديبي دينجل(Debbie Dingell).

وبالرغم من أن هذا القانون سيصدر في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن له علاقة بكل إنسان، سواء يعيش في أمريكا أو خارجها، كما أن انعكاساته وفوائده تهم كل البشر الذين يعيشون على سطح الأرض بدون استثناء، وبخاصة المرأة، سواء أكانت تعيش في البحرين، أو في أية دولة من دول العالم، فقيرة كانت أم غنية، ومتقدمة كانت أم نامية.

 

فهذا القانون الذي طال انتظاره يتناول مجموعة واسعة من الملوثات الحديثة التي دخلت في كل مكونات بيئتنا، بل وتحولت إلى جزءٍ لا يتجزأ من أعضاء أجسادنا، فسببت لنا الكثير من المشكلات الصحية، حيث أشارت مجموعة من الأبحاث بأن لهذه الملوثات علاقة بالإصابة بالسرطان، وأمراض الغدة الدرقية، وتلف الكلية، ونقص الخصوبة، واضطرابات في الهرمونات.

 

فهذه المجموعة من الملوثات تتكون، حسب آخر الدراسات، من أكثر من 9000 مادة كيميائية دخلت منذ الخمسينيات من القرن المنصرم في منتجات كثيرة لا تُعد ولا تحصى ونستعملها يومياً أينما كُنا، منها أدوات الطبخ والمعروفة بالتِيفَال، ومنها الأثاث المنزلي والمكتبي، ومنها مواد إطفاء الحريق، ومنها معجون الأسنان، إضافة إلى معظم منتجات التبرج والزينة من أحمر الشفاه، والمسكرة، وأنواع الكريمات المستعملة للعناية بالجلد والعينين والرموش، والمرطِبات، والعطور، كذلك تدخل هذه الملوثات في أغشية الأوراق الخاصة والعُلب.

 

فخواص هذه المركبات وصفاتها "الفريدة والمميزة" جعلت الإنسان يُفرط في استخدامها في تطبيقات كثيرة وفي مجالات متعددة، فهي عبارة عن مركبات عضوية تحتوي على أعدادٍ كبيرة من عنصر الفلورين، ويُطلق عليها اسم بي إف أي إس(PFAS)، وهذا العنصر عندما يرتبط بالكربون يُكوِّن رابطة قوية جداً لا تتحلل، ولا تنكسر، ولذلك فهذه المواد عندما تدخل في البيئة لها القدرة على الثبات والاستقرار وعدم التحلل، مما يجعلها تتراكم وتتضخم مع الوقت في السلسلة الغذائية، ويزيد تركيزها في أجسام الكائنات الحية، حتى أن العلماء أطْلقُوا على مثل هذه المركبات بالكيماويات الأبدية(forever chemicals).

 

وهناك الكثير من الدراسات التي أُجريت حول وجود هذه الملوثات الجديدة في مكونات البيئة برمتها وفي جسم الإنسان والحياة الفطرية على حدٍ سواء، إضافة إلى بعض المنتجات الاستهلاكية التي نستخدمها بشكلٍ يومي، كما أشارت هذه الأبحاث إلى أن التركيز في ارتفاع مطرد مع الزمن. ومن آخر هذه الدراسات تلك المنشورة في مجلة "رسائل علوم وتقنية البيئة" في العدد الصادر في 15 يونيو 2021 تحت عنوان: "مركبات الفلورين في منتجات التجميل في أمريكا الشمالية"، وهذه الدراسة بالتحديد هي التي شجعت أعضاء الكونجرس الأمريكي وأعطتهم المبرر العلمي والصحي والبيئي على تقديم القانون حول حظر هذه المواد في منتجات الجمال والزينة والتبرج. فقد قامت هذه الدراسة بتحليل مخبري لـ 231 نوعاً من أنواع المساحيق التجميلية والمكياج(مَيك أَبْ) المتوافرة في الأسواق الأمريكية والكندية ومن كبريات الشركات المعروفة في عالم التجميل مثل لوريال(L’Oréal)، وكلينيك(Clinique)، ونارس(Nars)، وكَفَرْ جَيرْلْ(Cover Girl)، مَاكْ(Mac)، إضافة إلى إسْتي لُودَر(Estée Lauder)، وأَلتا(Ulta).

وقد أكدت التحاليل التي أُجريت على هذه العينات بأن هذه الملوثات موجودة في 56% من عينات منتجات تجميل والعناية بالعينين، و 48% من منتجات العناية بالشفاه، و 47% من عينات المسكرة المستخدمة في تجميل والعناية بالرموش، علماً بأن التركيز تراوح بين 22 إلى 10500 نانوجرام من مركبات الفلورين العضوية في الجرام الواحد من المنتج، وبمعدل وصل إلى 264.

فمشكلة هذه الملوثات التي تدخل في تركيب منتجات الزينة والجمال وآلاف المنتجات الأخرى تكمن في أنها تهدد صحة الإنسان من خلال دخولها إلى أعضاء أجسامنا، إما بطريقة مباشرة عن طريق الاستنشاق والتنفس ثم إلى الجهاز التنفسي، أو عن طريق الفم ثم الجهاز الهضمي، أو عن طريق القنوات الدمعية، أو من خلال الامتصاص الجلدي والانتقال إلى الدم والدورة الدموية ومنها إلى كل خلية من خلايا أبداننا.

كما أن هذه الملوثات تنتقل بطريقة غير مباشرة إلينا من خلال صرفنا لهذه المنتجات إلى مياه المجاري التي تنتقل بعد المعالجة إلى المسطحات المائية أو من خلال الحمأة الجافة إلى التربة الزراعية، ومنها إلى الكائنات الحية النباتية والحيوانية في البر والبحر، وأخيراً تصل إلينا.

كذلك هناك دراسة مخيفة تسبب القلق للإنسان، وتثبت تهديد هذه المجموعة من الملوثات لصحة هذا الأجيال والأجيال اللاحقة، حيث وُجدت تراكيز مرتفعة منها في حليب الأم، حسب الدراسة المنشورة في مجلة علوم وتقنية البيئة في 13 مايو من العام الجاري تحت عنوان: "المركبات العضوية متعددة الفلور في حليب الأم". فقد تم تحليل 50 عينة من حليب الأم في الولايات المتحدة الأمريكية، فكانت المفاجأة غير السارة والمؤلمة هي اكتشاف هذه الملوثات في جميع العينات، وعلاوة على ذلك فإن تركيز هذه الملوثات في حليب الأم كان مرتفعاً جداً تجاوز المعايير الخاصة بذلك بنحو 2000 مرة، أي تراوح التركيز من 52 إلى 1850 جزءاً من هذه الملوثات في التريليون جزء من حليب الأم.

 

فكل هذه الأبحاث العلمية الميدانية والمخبرية اضطرتْ المشَرِّع الأمريكي إلى العمل على وقف مَد وتوسع وتغلغل هذه الملوثات في شرايين عناصر بيئتنا وفي أعضاء أجسامنا، والبداية كانت من سحبها كلياً ومنعها من مئات المنتجات التي تستخدمها كل امرأة، وبعضهن بكميات مفرطة جداً وغير صحية، فهذا القانون يهدف في نهاية المطاف إلى حماية صحتنا جميعاً من الأمراض المستعصية. 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق